رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ثقافة وفنون

2038

أحمد فؤاد نجم.. قوة تُسقط الأسوار

05 يناير 2014 , 09:34ص
alsharq
جمعة الحلفي

جاء أحمد فؤاد نجم ورفيقه الأبدي الشيخ إمام إلى دمشق منتصف الثمانينيات (إن لم تخني الذاكرة) فاستقبلا كمخلوقين نزلا من المريخ، أقيم لهما حفل في ملعب تشرين الرياضي المغلق، وذهبنا نحن ثلة من العراقيين المنفيين، لنستمع إلى مغني الثورة ولشاعر الفقراء، فلم نجد مكاناً نجلس فيه.

كانت القاعة تغص بآلاف الشباب والشابات، وهؤلاء هم وقود الثورات، فاضطررنا إلى افتراش الأرض ما يقرب من ساعتين، غنى فيهما الشيخ إمام أغانيه الشهيرة، وقرأ أحمد فؤاد نجم أشعاره الثورية، لكننا، في واقع الحال، لم نستمع إلى الأغاني والأشعار من الشيخ ونجم، بل من حشود الشباب والشابات الذين كانوا يحفظون أغانيهما وأشعارهما عن ظهر قلب.

تلك كانت المرة الأولى التي أرى فيها الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، الذي كنت أحتفظ له بمجموعة شعرية وحيدة حصلت عليها في السبعينيات عندما كنت لا أزال في بغداد، وكنا أيامها نعده أكثر ثورية وشاعرية من صلاح جاهين برغم شعبية وشعرية الأخير التي كانت ذائعة الصيت في مصر وفي البلدان العربية.

بعد تلك الليلة المشهودة في ملعب تشرين الرياضي بدمشق صرت أرى نجم بين وقت وآخر، فقد اختار دمشق للإقامة بعد أن عاد الشيخ إمام إلى القاهرة فاعتقل هناك.. كان نجم متواضعاً وصعلوكاً إلى درجة لا تصدق، إذ كنا نراه أحياناً وهو يرتدي الجلابية والشحاط ويسير في شارع الصالحية المعروف بدمشق، وكان الناس لا يصدقون أن هذا المواطن الفقير لله هو شاعر مصر الكبير.. كنا نستوقفه ونسلم عليه، ثم فوراً يتجمع الناس من حولنا وهم مندهشون لرؤية نجم وهو يسير في شوارعهم، بسيطاً ومتواضعاً ومبتسمًا.

طوال السنوات التي تلت تلك الأيام، وكان نجم قد عاد إلى مصر، ظلت صورته وهو بالجلابية والشحاط، مرسومة في ذهني، كما كانت أشعاره مطبوعة في ذاكرتي أيضاً، شاعر لا يضاهى في تفرده وحسه الثوري وعلاقته مع الناس.

يطغى الخطاب الثوري والتحريضي على معظم شعر أحمد فؤاد نجم وهي سمة وضعته في قلب المشهد السياسي المصري وبالتالي العربي، وقد وخاض نجم في السياسة بالعمق نفسه الذي خاضه في الشعر، فكانت القصيدة الثورية المحرضة سلاحه في مقارعة السلطات القمعية في بلاده على مدى عقود من الزمن، ولم يتخل عن دوره كشاعر ومناضل رغم ما تعرض له من قمع وسجن واضطهاد، ويشترك نجم بهذه الميزة مع شعراء عرب من أمثال مظفر النواب الذي كان هو أيضاً شاعرا محرضا من الطراز الرفيع، استخدم الكلمة والقصيدة في مواجهة أنظمة الاستبداد والتخاذل العربي، خلال العقود السالفة، وصنع من حكايات الفقراء والفلاحين، قصصاً شعبية بطولية.

وفي الغالب يستند شعر نجم على الحدوتة الشعبية، فيصنع منها حكاية شعرية بأجواء وألوان وأبطال شعبيين، لهذا تتبدى البساطة في شعره كقيمة فنية، وهو اختار الكتابة بالعامية لقربها من الناس وقدرتها على محاكاة مشاعرهم وأحاسيسهم، فهو يقول مثلا إن "العامية المصرية أكبر من أن تكون لهجة وأكبر من أن تكون لغة، وهي أهم إنجاز حضاري للشعب المصري"، ولهذا فقد استحق عن جدارة كل التسميات والألقاب التي أطلقت عليه ابتداء من "سفير الفقراء" و"رمز الشعر السياسي" و"زعيم الأشاوس" و"شاعر الغلابة".

ويكفي أحمد فؤاد نجم وصف الشاعر الفرنسي الكبير لويس أراغون الذي قال عنه: "إن فيه قوة تسقط الأسوار"!. لقد رحل نجم وترك لنا شعوراً بالفخر أن بيننا نحن الفقراء من يمتلك قوة تسقط الأسوار بالفعل.

مساحة إعلانية