رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

843

المركز العربي: فوز ترامب يعكس تحولات المجتمع الأمريكي

10 ديسمبر 2016 , 07:38م
alsharq
الدوحة - الشرق

نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات اليوم ندوة أكاديمية حول تداعيات فوز رجل الأعمال الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في الثامن من نوفمبر الماضي..

وركزت الندوة التي شارك فيها نخبة من الباحثين والمختصين في الشأن الأمريكي والسياسة الخارجية وفي مواضيع العلاقات الدولية في المنطقة، على محاولة استشراف السياسات المتوقعة لإدارة ترامب في ضوء فهم تفسيري عميق لعوامل فوزه في الانتخابات وما تشير إليه من تحولات في المجتمع الأمريكي، وبالنظر إلى تصريحاته خلال حملته الانتخابية والفترة التي تلت إعلان فوزه في الانتخابات. وافتتح الدكتور عزمي بشارة، المدير العام للمركز، الندوة بمحاضرة عما يمثله فوز ترامب في سياق صعود اليمين في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وضم برنامج الندوة ثلاث جلسات، خصصت أولاها لتحليل فلسفة ورؤية ترامب والإدارة التي يعكف على تشكيلها، خصوصا فيما تعلق بالشرق الأوسط، وتناولت الجلسة الثانية محاولة فهم فوز ترامب بالرئاسة في سياق التحولات الداخلية للمجتمع الأمريكي، أما الجلسة الأخيرة فتعمقت في تحليل سياسات ترامب الخارجية المتوقعة تجاه دول وقضايا بعينها، في علاقات الولايات المتحدة بإيران، والقضية الفلسطينية والعلاقات الأمريكية المصرية.

صراع داخلي

يتوقع المفكر العربي عزمي بشارة أنّ مشكلة ترامب الرئيسية ستكون داخليّة في الصراع على هويّة الولايات المتحدة الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة وليس مشكلة الشرق الأوسط أو منطقة المحيط الهادئ على أهميّة هذه المناطق، وقد خلص إلى هذه النتيجة في محاضرته التي كان عنوانها "صعود اليمين واستيراد صراع الحضارات إلى الداخل: حينما تنجب الديمقراطية نقائض الليبرالية"، والتي قدم فيها تحليلا ثقافيا واقتصاديا وسياسيا لظاهرة فوز ترامب في انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، واضعا إياها في سياق عام لصعود اليمين في أمريكا والديمقراطيات الغربية.

وسلط بشارة الضوء على "الخلفية الثقافية" للتحول الحاصل في المجتمع الأمريكي وأنتج الفوز المفاجئ لدونالد ترامب، وأشار إلى أن هذا البعد الثقافي يجري تجاهله لدى من يحاولون تفسير ظاهرة صعود اليمين في الديمقراطيات الأمريكية والأوروبية. وعلى نحو مبسط شرح المحاضر كيف أن الخطاب الفظ والعنصري الذي استخدمه ترامب في حملته الانتخابية بمستويات تضاهي خطاب الحانات أكسبه تصويت "الرجال البيض الحانقين الغاضبين من تحولات العالم من حولهم" الذين يتملكهم شعور "بأنّ بلادهم تُصادر منهم حتى لم يعودوا يعرفونها". وقد استفاد من استهدافه للمهاجرين في تعزيز هذا الشعور، فمع أنّ الولايات المتحدة دولة بناها المهاجرون، إلا أنّ المهاجرين الذين توطنوا جيلًا بعد جيل ينمّون شعورًا بأنّهم سكانٌ أصليون، وأن فقراء العالم يتدفقون إليهم ليشاركوهم ثروات توافرت بجهودهم وعرق آبائهم وأجداهم.

ويرى الدكتور عزمي أن المركّب "الثقافي السياسي الخطابي" الذي صعد من دونالد ترامب إلى الرئاسة، ليس مقتصرًا على الولايات المتحدة، بل ينتشر لدى فئات واسعة في بلدان الاقتصادات الغربيّة المتطورة جميعها. وإذا قام رجل طموح من داخل هذه الثقافة وقرّر في ظروف مواتية تحويل "كلام الحانات" هذا إلى خطاب سياسيّ يخاطب فيه غرائز الناس ومخاوفهم، الدفينة منها والصريحة المعبر عنها، وتبنته قوى سياسية واجتماعية وازنة تنشأ ظاهرةٌ مثل ظاهرة دونالد ترامب. وهي قائمةٌ وتتمدد حاليًّا في جميع الدول المتطورة في أوروبا وأمريكا الشماليّة، وفي بعض دول أوروبا الشرقيّة مثل هنغاريا وبولندا والتشيك.

وأضاف أن هذه الظواهر تلتقي مع نزعة أخرى قائمة في بلدان كثيرة في العالم، يعبِّر عنها ما يسمى عادةً "اليمين القومي" الذي يتمحور خطابه حول فكرة السيادة والمجال الحيوي للدولة أيديولوجيّةً لنظام سلطوي. وتتجلى هذه النزعة بأوضح صورة في نموذج بوتين وتحولات النظام في روسيا إلى جمهورية قيصرية. وتنظر العقيدة السائدة في الصين وروسيا إلى انتشار الديمقراطية باعتباره تمددا للثقافة الغربية، فهي أداة للهيمنة الغربية. وهذا يعني باختصار أن من يتبنى نظرية صراع الحضارات حاليا على المستوى الدولي هما هاتان القوتان العظمتان، وبشكل خاص روسيا، وربما لو كان صمويل هنتنغتون حيا لصدم كيف أصبح صراع الحضارات مذهبا روسيا وصينيا في العلاقات الدولية.

وعدد بشارة خمسة عناصر تجمع بين الحركات اليمينية الجديدة في أوروبا والولايات المتحدة، أولها العداء للنخب والمؤسّسة (الاستبليشمنت)، والعداء للعولمة والتجارة الحرة، ومخاطبة خوف الناس من الهجرة الوافدة وموجات اللاجئين، ومخاطبة المشاعر القومية وخوف الناس من ضياع هوية بلدانهم عبر التعددية الثقافية، وتشترك هذه الحركات أخيرا في العداء للإسلام والمسلمين والربط بين الإسلام والإرهاب.

وأوضح أن الشعور المتنامي بالقومية المنغلقة الإثنية غير القائمة على المواطنة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية يتركز لدى كبار السن ممن يقارنون الوضع الحالي بمراحل سابقة، كانوا فيها يتمتعون بامتيازات و"يملكون البلاد"، ويتفاقم الشعور بأنها "كانت بلادهم" مع زيادة أعداد المهاجرين المسلمين في أوروبا، وأولئك من غير البيض البروتستانت في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولكن د. بشارة يعارض، بل وينقض، التفسير الطبقي الماركسي لبعض المحللين لسلوك الطبقة العاملة البيضاء، فهي لا تنتفض ضدّ توسع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وازدياد حدّة ظواهر انعدام المساواة، بل إن سلوكها هو رد فعل على تنامي المساواة وليس عدم المساواة، والمقصود مساواة أكبر للأمريكيين من أصل إفريقي والمرأة وغيرها. ففي الفترة من 2005 إلى 2013، شهدت الأسر الأمريكية من أصل إفريقي ممن يزيد دخلها على 200 ألف دولار أمريكي زيادة في دخلها بنسبة 138%، مقارنة بالنسبة العامة لزيادة دخل مجموع الأسر الأمريكية التي بلغت 74%. كما أن عدد أصحاب الملايين من الأمريكيين من أصل إفريقي قد ارتفع من 25 مليونيرا في ستينيات القرن الماضي ليصل عددهم اليوم إلى 35 ألف مليونير، واستطاعت النخبة الأمريكية من أصل إفريقي أن توصل أوباما لرئاسة الولايات المتحدة لولايتين، وتشكل المرأة الأمريكية اليوم نحو نصف القوى العاملة، ويشغلن مناصب عليا في أكبر شركات العالم، وكل ذلك يؤشر على تراجع اللامساواة.

ويرى الدكتور عزمي أن انتخاب دونالد ترامب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يُظهر تحول طبيعة الطبقة العاملة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، إذ أصبحت هذه الطبقة أكثر شعبوية نتيجة لشعورها بتخلي النخب والأحزاب السياسية الرئيسية/التقليدية عنها اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا.

وفي الخلاصة، قال بشارة: "لقد انتخب ترامب قطاع من المجتمع الأمريكي لا يُشكّل غالبيّة الناخبين، وبالتأكيد لا يشكل غالبيّة المجتمع الأمريكي، وهذا يعني أنّ ثمة فئات أخرى واسعة سوف تدافع ليس فقط عن مصالحها بل أيضًا عن نمط حياتها. وهي موجودة غالبًا في المدن الكبرى ووزنها النوعي أكبر حتى من وزنها الديموغرافي. وأكاد أجزم أنّ مشكلة ترامب الرئيسية ستكون داخليّة في الصراع على هويّة الولايات المتحدة الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة وليس مشكلة الشرق الأوسط أو منطقة المحيط الهادئ على أهميّة هذه المناطق".

الشعبوية في مواجهة البيروقراطية

يرى الدكتور خليل جهشان، مدير فرع المركز العربي في واشنطن أن فوز ترامب يزيد من حيرة حلفاء واشنطن بشأن سياساتها تجاههم وأصبح الأمر أكثر غموضا وتعقيدا، وهو ما يجعل العالم في حالة ترقب وفي انتظار معرفة ما إذا كانت السياسات الأمريكية ستتغير أم أنها ستبقى على حالها.

وتحدث الدكتور مروان قبلان، منسق وحدة تحليل السياسات في المركز العربي، عن أهم النقاط التي يمكن من خلالها فهم سياسات إدارة ترامب، وأولاها أن ترامب يمكن إدراجه ضمن المدرسة الجاكسونية في السياسات الخارجية، نسبة إلى الرئيس أندرو جاكسون (1829- 1837) الذي كان قوميا، شعبويا، انعزاليا ويكره العالم الخارجي ومستعد لاستخدام القوة دفاعا عن مصالحه. كما أن لديه نظرة هوبزية للعالم حيث يرى أن العالم مكان متوحش وأناني ويعج بالفوضى وأنه يكره أمريكا. وسلط قبلان الضوء على حضور الشعبوية في فلسفة ترامب وخطابه، وهو ما من شأنه أن ينعكس على إدارته.

ورأى الدكتور جو معكرون، الباحث المتخصص في الشؤون الأمريكية أن سياسة ترامب تفهم من خلال طبائعه وشخصيته التي تتميز بعقيدة الفوز بأي ثمن، وبأنه يعيش من العدائية بحيث يحب المواجهة وهو أمر يبدو أنه يستمد منه قوته، وقال معكرون إن أي رئيس يأتي إلى البيت الأبيض يأتي معه من يعتبرون "حراس الهيكل"، إلا أن الوضع ليس كذلك بالنسبة إلى ترامب فمن صنع فوزه هو صهره جاريد كوشنر الذي لن يتمكن الرئيس الجديد من منحه منصبا في إدارته لأنه سيواجه قانون مكافحة المحسوبية، مشيراً إلى أن التحدي الكبير بالنسبة إلى ترامب سيكون الصراع داخل إدارته بين المستشارين، بحيث سيكون محور إدارة ترامب من سيخرج من بينهم منتصرا في النهاية.

مساحة إعلانية