رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

468

مسلمو "عاصمة النور" يجتهدون للحاق بثواب الشهر الكريم

11 يونيو 2016 , 12:26م
alsharq
باريس - خالد سعد زغلول

رمضان في فرنسا له مذاق خاص، فالمسلمون يشكلون أكبر جالية دينية في أوروبا، حيث يبلغ عددهم نحو 16‏ مليون نسمة، نصفهم فرنسيون؛ مما يجعل الإسلام الدين الرسمي الثاني للدولة بعد الكاثوليكية وقبل اليهودية البالغ عدد أعضائها 700‏ ألف نسمة‏.‏

وتجد المسلمين في عاصمة النور يجتهدون للحاق بثواب الشهر الكريم وتلمس ذلك في معاملاتهم وأخلاقهم حتى تمنى الفرنسيون أن تكون السنة كلها رمضان، حيث يسيطر فيه المسلم سيطرة مثالية على أعصابه ويرتفع بأدبه باتقاء ربه ويكثر فيه عمل الخير والصدقات وتجد الصائمين والصائمات في الطرقات ووسائل النقل المتنوعة، كل يمسك بمصحف ويستقي منه لروحه أو يرطبون ألسنتهم بذكر الله‏.

ويبدو ان معاملاتهم أعجبت الفرنسيين، حتى دفع بعض أصدقاء المسلمين إلى الصيام معهم للفوز ببركة الشهر الفضيل والاقتباس من أنوار رمضان لأرواحهم العطشى‏، ومنهم الطالبة الفرنسية بجامعة باريس سيسيل، يهودية الأصل، ولكن زميلها الطالب عمر مظهر جزائري أنبأها بقدسية الشهر فصامته وكان طريقها للإسلام‏.

والطريف أن الحجاب زاد خلال هذا الشهر بين الطالبات في الجامعات والطرقات بشكل يفوق الوصف، علماً أن قانون الحجاب في فرنسا يمنع التلميذة ارتداءه في مؤسسات التعليم الابتدائي والثانوي.

واحتشمت الفتيات غير الملتزمات احتراما لهيبة رمضان، وهنا أغلب المسلمين يصومون رمضان حتى غير المصلين‏ من شدة قدسيته.

والفرنسيون يحرصون علي مشاعر المسلمين، فلا يأكلون أمامهم ولا يدخنون وبعضهم يتخذه ضيفا روحيا وتنقية جسدية لدوافع طبية‏، أما المساجد فتعمر عن آخرها، حيث يكثر فيها المصلون في كل أوقاتها حتى كأن كل صلاة هي صلاة الجمعة‏، ومنهم من يأخذ عطلته السنوية في هذا الشهر مثل السيدة خديجة مارتينيز مديرة بنك باركليز بباريس، التي تقول إنها تستعد لهذا الشهر بالاعتكاف والصلوات في المساجد، ولهذا تحرص على التفرغ الكامل للشهر الكريم.

هذا ويقوم سفراء الدول العربية والإسلامية بدعوات كريمة لرموز الجالية وكذلك لأعضاء السلك الدبلوماسي العربي والإسلامي على موائد إفطار يتفنن فيها كل سفير في عرض ألذ أصناف الأطعمة الشهيرة في بلاده، وكأنه يدخل في منافسة محمودة مع نظرائه.

المجموعة العربية

كما ان المجموعة العربية في منظمة اليونسكو تقوم كل عام بدعوة الدبلوماسيين وسفراء الدول الأعضاء في المنظمة على إفطار جماعي كريم. كما يقوم بعض القساوسة في تنظيم موائد رمضانية لإفطار المسلمين، ويحرص على هذا العرف الأب جرجس لوقا رئيس كنيسة مريم العذراء في باريس، الذي يدعو رموز الجالية المصرية يتقدمهم أعضاء السلك الدبلوماسي والملحقية العسكرية المصرية في باريس.

أما عن أكلات مسلمي فرنسا، فإن الصائم محظوظ لأنه يطوف ببصره بين ما لذَّ وطاب من فنون مطابخ العالم، حيث يجد الصائم ما يشتهيه من أطياف الطعام الشرقي والخليجي والمغربي والأفريقي‏ والآسيوي‏ والأوروبي.

وتجتهد الجاليات الإسلامية التي تمثل القارات الخمس في عرض أشهى أكلاتها وحلوياتها، وجاء هذا التنافس في صالح الصائم‏.‏ فيكون إفطاره خليطا من جميع مطابخ العالم العربي والأفريقي، هذا وكثر الإقبال على شراء الدش في هذا الشهر ليتصل المسلم ببلاده ويتمتع بالمنافسة الكبيرة للفضائيات العربية، والتي جاء تنافسها لصالح الصائم أيضا، ولاسيما البرامج الدينية.

وقد أعجب الناس كثيرا بعلماء مصر واليمن الذين تصدروا الفضائيات العربية، ولا سيما الدكتور عمر عبدالكافي، بالإضافة إلى شراء سى ديهات لخطب الدكتور يوسف القرضاوي.

هجمات ظالمة

وفي لقاء بمفتي المسلمين في فرنسا فضيلة الشيخ جلول بوزيدي جزائري إمام مسجد باريس الكبير، فيقول: إنه سعيد بدخول عدد كبير من الناس في دين الله أفواجا كل عام منذ 20 سنة، رغم الهجمات الظالمة على الإسلام، إلا أن مسجد باريس يشهد إشهار إسلام عشرات الفرنسيين كل يوم علي مدى السنة، كما يلاحظ عودة المسلمين إلى دينهم في هذا الشهر، وأن الفتيات أصبحن يحرصن بكثرة على صلاة التراويح في المسجد، ورمضان هذا العام يشهر إقبالا نسائيا كبيرا على المساجد، وأن الخير مازال في أمة محمد مهما حاول أعداء الإسلام إطفاء نور الله بأفواهم وبأقلامهم وبإعلامهم، لكن نور الله لا يطفئه أحد‏ {ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}.

ويحرص في خطبه بمساجد فرنسا على التعريف بفرَيضة الله تعالى الصيام؛ ليتحرَّر الإنسان من سلطان غرائزه، ويَنطلق من سِجن جسده، متحررا بروحه الطاهرة بيَتغلَّبه على نزعات شهوته، ويتحكَّم في مظاهر حيوانيَّته؛ لأنه "إذا تَغلَّبت هذه الطبيعة الحيوانيَّة ومَلَكت زمام الحياة، واسْتَحْوذت على مشاعر الإنسان وحياته، وأصبَحَت المعدة لا القلب القطب الذي تدور حوله الحياة وشهواتها.

والتقينا بالشيخ محمد أبو حديد عالم أزهري مصري، يقول: المسلمون في فرنسا بخير وبعيدون كل البعد عن التطرف والإرهاب، ونعمل على التعريف بدين الله من منابعه الصحيحة وهي القرآن الكريم وهدي سيدنا النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فالغاية الكبيرة من الصوم، هي التقوى؛ التي تَنير القلوب، وتصل بنا إلى طاعةً لله إيثارًا لرضاه.

وقال إنه يعيش أجواء رمضان فرنسا بلا غربة، حيث كل المحيطين به من العرب والمسلمين وأن رمضان دائما ما يجود عليه بالخيرات المادية والمعنوية، وأن إسلامنا يمنحنا القوة الروحية في الغربة، لكون الثواب فيها مضاعف.

أما إسماعيل أبو بكر محامي سنغالي، فيقول: نحن نصوم الشهر ولا نستطيع الصلاة في أماكن العمل مثل زملائنا في بلداننا الإسلامية، ولكننا نجتهد لكي نصلي الجمعة والتراويح.

شهر رمضان ينعش اقتصاد أوروبا وأمريكا

وقد خصصت المتاجر الفرنسية اماكن كاملة للمسلمين في مراكزها لتبيع اللحوم الحلال والمنتوجات الإسلامية وحققت أرباحا جد كبيرة، حيث جاد رمضان على تجار فرنسا الذين بلغت أرباحهم في رمضان الماضي 6.3 مليار دولار من إيرادات تجارة اللحوم "الحلال".

ويقول هشام عزيزي صاحب مجزرة اللحوم الملكية في ضاحية كرملن بيستر، إن الشهر الفضيل يجود على الجميع، مشيرا إلى أن تجارة اللحوم الحلال تنعش اقتصاد فرنسا بـ 15 مليار يورو كل عام، ولهذا انتشرت مبيعات مقتنيات الحلال في فرنسا، ، ما يجعلهم سوقا ضخمة وواعدة يسيل لها لعاب التجار والمعلنين في هذا البلد. كما أن أثمان اللحوم، في المتاجر التي تتبع الشريعة الإسلامية في الذبح، أرخص بكثير، مقارنة مع اللحم الذي تبيعه المتاجر الفرنسية التقليدية.

وأصبح الآن، من السهولة، أن تجد شعار "حلال" في المطاعم بفرنسا، بما فيها الصينية واليابانية، ليصبح شعار HALAL ماركة مسجلة تدر الأموال.

وفي جولة لمراسل "الشرق" في أسواق ايتالي 2 بباريس، قال شانج أحد الباعة الصينيين، وهو يشير نحو شعار "حلال" في مطعمه؛ إن هناك أسبابا عدة وراء بيعي اللحوم الحلال. فالجمهور المسلم كثيف، كما أن الفرنسي العادي، يتلذذ باللحم الحلال أكثر من اللحوم الأخرى؛ لكونها أكثر ليونة وأشهى مذاقا في الشواء، والأهم أنه بعدما حصل على تصريح الحلال من مسؤولي الرقابة الإسلامية تضاعفت أرباحه 6 مرات خلال العام.

والتقت "الشرق" بمحلل اقتصادي باسكال دروهو الذي أعلن أن الدولة الفرنسية تنظر بكثير من الابتهاج لهذا الاقتصاد الصاعد والواعد، فقيمة تجارة اللحوم الحلال عالميا تتجاوز 2.3 تريليون دولار سنويا، ولهذا عدلت مؤسسات فرنسا ومعظم المؤسسات الأوروبية والأمريكية المنتجة للأغذية ولمستحضرات الأدوية والتجميل بعض المكوّنات الأساسية لمنتجاتها وطرق إنتاجها للاستثمار في أسواقها الداخلية لجذب اهتمام الأقليات المسلمة، ومن جهة أخرى لغزو أسواق البلدان الإسلامية الواعدة، مستفيدة في ذلك من خدمات شركات فرنسية وسويسرية وبريطانية أمريكية مختصة منذ أكثر من عشرة أعوام في منح شهادات الحلال.

ويخلص باسكال دروهو أن آفاق سوق المنتجات الحلال واعدة ويعزّزها في ذلك النمو الديمغرافي الكبير للمسلمين في العالم، حيث سيزيد عددهم بحلول 2030 مرتيْن، مقارنة ببقية المجموعات البشرية، ولهذا يزيد نشاط تجار فرنسا والعالم في شهر رمضان، حيث تتضاعف فيه أرباحهم بشكل يفوق الوصف.

مساحة إعلانية