رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

3688

هل يخرج لبنان من أزمته الاقتصادية ؟ .. محاسن حلبي تجيب  "الشرق" 

12 فبراير 2020 , 07:00ص
alsharq
بيروت - أماني جحا

 

يشهد لبنان منذ أربعة أشهر تقريباً أزمة اقتصادية حادة لا تبشر بحلول قريبة، بدأت ملامحها مع تبدّل سعر صرف الدولار في السوق قياساً إلى سعر الصرف الرسمي المعتمد عند المصرف المركزي، فهناك سعر مختلف للصرف عند الصيارفة وآخر للسوق السوداء. وبرزت التغييرات بشكل فاضح وقوي عند بداية التحرك الشعبي في الشارع، في 17 أكتوبر 2019، الذي اعتبره البعض أنه السبب الرئيسي في تطور هذه الأزمة. ترافقت الأزمة اللبنانية مع محيط إقليمي مشتعل ما بين حروب مدمرة وصراعات عسكرية وعقوبات اقتصادية، وطبعاً إن الكيان اللبناني مرتبط بالدول المجاورة، الأمر الذي جعله عرضة للتأثر بارتدادات التحولات في المنطقة بأكملها.

خطورة الأزمة

محاسن مرسل حلبي، صحافية متخصصة بالشأن الاقتصادي، كشفت عن خطورة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان وعلاقة المصرف المركزي بها. رأت حلبي أن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، الذي عيّن عام 1993، ظلّ حتى عام 2016، اسمه مرتبطاً بصورة الاستقرار النقدي وثبات سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، فالنهج الذي اتُبع منذ ذلك الحين اعتمد تشجيع اللبنانيين على إيداع أموالهم في المصارف، فضلاً عن استقطاب الحوالات والتدفقات المالية للمغتربين اللبنانيين لذويهم في لبنان أو عبر استثمارات أجنبية وإيداعها لدى المصارف التجارية. وبعد الإيداع المالي يأخذ المصرف المركزي الأموال بطريقة أو بأخرى "نظام بونزي"، ويعمد بعدها إلى ضخّ هذه الأموال في السوق اللبنانية، إما للاقتراض أو للحفاظ على سعر ثبات الليرة لضمان عدم المضاربة، إضافة إلى الدور الأساسي المصرف المركزي في الفترة المذكورة بتمويل الدولة اللبنانية، رغم أنها تعتبر "مدين سيء السمعة"، كمصطلح كقانوني، سواء بتمويلها رواتب الموظفين أو خدمة الدين العام الخارجي، المتعثرة في سداده أيضاً.وأضافت حلبي أنه بدءاً منذ عام 2016، بدأ يؤخذ فعلياً على دور الحاكم في إدارة الشأن الاقتصادي اللبناني بسبب الهندسات المالية، التي لجأ إليها بسبب تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية إضافة إلى تراجع تحويلات المغتربين اللبنانيين إلى ذويهم في لبنان، لأسباب عديدة، فالتراجع فعلياً بدأ مع اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011 وإقفال المعابر بين لبنان وسوريا، إضافة إلى أزمة النفط الخليجية، وغيرها من الأسباب التي أدت إلى تقلص المبالغ التي يعتمد عليها كأساس لإدارة الشأن الاقتصادي اللبناني، إلى أن توقفت كلياً عام 2016، تحت ذريعة تمويل الدولة اللبنانية ورواتب الموظفين وللمحافظة على سمعة لبنان الخارجية من خلال دفع المستحقات المالية المتوجبة للخارج لجأ الحاكم للهندسات المالية.

ما هي الهندسات المالية؟

هي عبارة عن طلب الحاكم من المصارف التجارية رفع الفائدة المالية لاستقطاب الودائع بالعملات الأجنبية، التي تقوم بدورها بإقراض هذه الودائع للمصرف المركزي بفائدة 20%، وهي فائدة كبيرة جداً على كاهل المدين، إضافة إلى قيام الحاكم بعمليات إيداع أخرى بشهادات وسندات خزينة. وبسبب هذه الهندسات المالية، حققت المصارف التجارية حينها ربحاً بقيمة 5.5 مليار دولار كصافي أرباح، وتعتبر المالية العامة للدولة اللبنانية سبب هذه الأرباح الكبيرة.حاكم مصرف لبنان هو جزء من المنظومة الحاكمة التي عليها أن تتحمّل ما وصل إليه الوضع اليوم، فالحاكم يتذرع باضطراره للقيام بهذه الهندسات للحفاظ على ديمومة الدولة اللبنانية ورأفة بالاقتصاد اللبناني خوفاً من تعثره. ويعتمد الحاكم دائماً على سياسة شراء الوقت، متأملاً لجوء الدولة بسياستها إلى استثمارات تدرّ الأموال، علماً أن الوضع الطبيعي هو قيام الدولة بمشاريع استثمارية لتمويل الاقتصاد بطريقة منطقية وأكثر فائدة. ذكرت حلبي أنه مع بدء النزف الكبير عام 2016، اختلّ ميزان المدفوعات، فالعجز فيه بين عامي 2011 والعالم الحالي 2020، ارتفع أكثر من 16 مليار دولار، وهو رقم خطير جداً على لبنان. وهنا يؤخذ على سلامة، أنه كان يفترض به إيقاف تمويل السلطة السياسية في لبنان، وسلامة قام منذ عام 2013 بتقديم العديد من الرزم التحفيزية بفوائد مدعومة، كقروض الاسكان، التكنولوجيا، الاتصالات وغيرها،. غير أنه لم يظهر سبب اختفاء هذه الرزم.إقراض الدولة بهذا الشكل الكبير كان السبب الأساسي في الانهيار الذي يعاني منه اللبنانيون اليوم، لأن الدولة "مدين سيء" وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها.

سعر الليرة

شدّدت حلبي على موضوع الليرة، فقد كان الأجدر إعادة النظر بثبات سعرها، لأن استقطاب المصرف للدولار وتخزينه ليس حلاً جذرياً، بالتالي كان يفترض إعادة النظر بالسياسة النقدية في البلاد، وطبعاً لا بد من ذكر أن سلامة وبسبب صلاحياته الواسعة وارتباط اسمه بحفظ الاستقرار الاقتصادي في لبنان، كان عليه أن يكون المبادر بإعادة النظر في السياسة النقدية. يعتبر الحاكم أن سلامة القطاع المصرفي والنقد يكمن في تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية، ومع أنه كان ملزماً وفقاً لهذا أن يحافظ على استقرار الاقتصاد اللبناني، إلا أن سلامة لم يتدخل فعلياً لإيجاد حل، رغم أن قانون النقد والتسليف يلحظ دور الحاكم في حال التضخم الاقتصادي بتقديم حلول أو استشارات أو حتى طرح أفكار لإنقاذ الاقتصاد. وأكدت حلبي أن سلامة أخطأ أحيانا وأصاب في أحيان أخرى.وكشفت عن طلب سلامة من الدولة في الوقت الحالي صلاحيات استثنائية في ما يتعلق بالقيود على حركة الأموال، وهي خطوة متأخرة جداً، ولا بد من ذكر أن سلامة هو رئيس هيئة التحقيق الخاصة في لبنان، التي من مهامها أيضاً النظر في قضايا الفساد. فكيف مثلاً لموظف في قطاع عام أو خاص امتلاك ملايين الدولارات، وتحويلها إلى الخارج، وهي أموال تقع تحت خانة "الإثراء غير المشروع". ومن الطبيعي أن يعرف سلامة الأسماء، وهنا يمكن السؤال عن دور الحاكم الذي بدا من الواضح أنه يستخدم صلاحياته باستنسابية. لذلك، هاجم الثوار بشكل مباشر وموجه حاكم مصرف لبنان والمصرف المركزي، والمصارف التجارية.

إدارة الأزمة

ما هو دور المصارف التجارية في الأزمة؟

في مطلع عام 2019، أصدر المصرف الاستثماري "غولدمان ساكس" تقريراً عن قدرة المصارف اللبنانية على إدارة الأزمة، خصوصاً أن المصارف التجارية هي الدائن الأكبر للدولة اللبنانية. المأخذ الأول على المصارف هو إساءة الائتمان بالنسبة للأموال المودعة فيها، لا سيما ودائع صغار المودعين، التي يصل سقف الإيداع فيها إلى 80 ألف دولار.وفي ظل ما يحدث، وفي غياب شبه تام لسيطرة للنظام اللبناني، فإنه من غير المستبعد بحسب الخبراء الاقتصاديين أن تتطور الأزمة إلى الأسوأ. سيناريوهات كثيرة تنتظر لبنان في أزمته الاقتصادية لتصف حجم الانهيار، هل سيتمثل بانهيار جزئي عبر تدهور سعر الليرة إضافة إلى توقف الدولة عن دفع المستحقات التي التزمت بها، أو يحصل الانهيار الكلي كما حدث في اليونان؟ حالياً، تحاول مختلف الأطراف السياسية الحدّ من الأزمة، حتى لا يسجل التاريخ أن الانهيار كان في فترة حكمها أو أنها كانت سبباً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة له.لكننا سنبقى في هذا الوقت بانتظار ما سيؤول إليه المشهد في المنطقة من تسويات وتحالفات، التي ستنعكس على القوى السياسية الداخلية في لبنان. ويبقى الأمل في تغيير البنية الاقتصادية اللبنانية وتحويل الاقتصاد من ريعي إلى منتج.

مساحة إعلانية