رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

تقارير وحوارات

2322

عفيفي لـ "الشرق ":التاريخ الإسلامي تعرض للتشويه والطمس على يد كاتبيه

21 يونيو 2016 , 01:06م
alsharq
حوار - طه عبدالرحمن

الطائفية لعبت دورًا في تزييف بعض الشخصيات

القراءات التاريخية تؤكد عدم حيادية كل ما يكتبه المؤرخون

العديد من الإشكاليات يتم إثارتها حول القضايا التاريخية، وما إذا كان التاريخ نفسه يتم قراءته، أو إعادة كتابته، علاوة على ما تنتاب القارئ للتاريخ شكوكاً حول عملية السرد التاريخي ذاته، ومدى نزاهتها، وما إذا كان التاريخ الإسلامي تعرض للتشوية والتزييف، ودور المذهبية والطائفية في هذا السياق.

في حديثه لـ"دوحة الصائم"، يتحدث المؤرخ د.علي عفيفي، مدير تحرير مجلة رواق التاريخ والتراث، الصادرة عن مركز حسن بن محمد للدراسات التاريخية، عن كل هذه الإشكاليات، والتي يفندها عبر سياقات تاريخية، تدلل على صحة إجابته عن الأسئلة، التي طرحت نفسها على مائدة الحوار التالي:

إلى أي حد ترى أن التاريخ الإسلامي تعرض للتشويه والتزييف؟

تعرض التاريخ الإسلامي للتشويه والطمس في كثير من حقبه التاريخية، على يدي كاتبيه، إذ إن كل طائفة تحقق نصرًا تحاول طمس تاريخ من قبلها، ولكني أعتقد أن التزييف الكامل أمر صعب، ولعل من دلائل ذلك التشويه قصة حرق عمرو بن العاص لمكتبة الإسكندرية القديمة، والتي ذكرها لأول مرة عبد اللطيف البغدادي في القرن الثالث الهجري في كتابه الإفادة والاعتبار، ونقلها عنه ابن القفطي.

والنموذج الثاني هو الرواية المتداولة عن إحراق المغول لمكتبة بغداد، التي وضع حجر أساسها الخليفة العباسي هارون الرشيد، وازدهرت في عهد ابنه عبدالله المأمون، ويُشكك البعض في مصداقية وصدق هذه الرواية. والنموذج الثالث هو رواية إحراق طارق بن زياد للسفن التي عبر بها إلى الأندلس، وهي رواية بحاجة للكثير من التمحيص والتدقيق، إذ كيف لقائد عسكري محنك يقطع على نفسه خط الرجعة، وينعزل عن خطوط الإمداد، وغيرها من الروايات التي تجعلنا نعتقد أن هناك تشويه متعمد لبعض الأحداث التاريخية الإسلامية، وخاصة العسكرية منها، وذلك بهدف تشويه الإسلام، والتقليل من الانتصارات التي حققها المسلمون.

ولقد أعاد بعض المستشرقين الاعتبار للتاريخ الإسلامي مع بداية القرن التاسع عشر الميلادي، إذ نشطت مدرسة استشراقية عظيمة عملت على تحقيق الكثير من أمهات المخطوطات، التي أظهرت دور العلماء المسلمين في التاريخ الإنساني، وفي تطور العلوم الإنسانية.

خطر المذهبية

هل ترى أن المذهبية والطائفية نالت من حقيقة السير والأحداث التاريخية الإسلامية؟

ربما لعبت الطائفية والمذهبية دورًا في تشويه بعض الشخصيات التاريخية، فمثلا الخليفة العباسي هارون الرشيد راعي العلم والعلماء، والذي كان يحج عامًا ويغزو عامًا، نرى كثير من المؤرخين يحاولون تشويه صورته بأنه كان رجلا يعيش حياته في مجتمع الحريم والجواري. ولو تصفحنا نسخة من مخطوط "رجوع الشيخ إلى صباه" سنجد أن النسخ المكتوبة بالخط الفارسي، تصرح عن العلاقة الجنسية بصورة سافرة، بخلاف النسخ التي كتبت في المنطقة العربية أو في المغرب الإسلامي والأندلس سنجدها تتناول ذلك بصورة تحمل الحياء.

وللحقيقة لم تكن الطائفية والمذهبية ظاهرة بالصورة التي تدفع للتنافر وإعلان الحرب والصراع والقتل، كما نرى الوقت الحاضر، فالعلاقة بين المسلم السني أو الشيعي، أو المسلم وغير المسلم كانت علاقة تسودها علاقة الجوار التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه منذ نشاط حركة التبشير والتنصير في العالم العربي والإسلامي مع بداية القرن الخامس عشر الميلادي مع اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح ودوران الأوروبيين حول أفريقيا، وصولاً إلى الهند وجنوب شرق آسيا بهدف تطويق العالم الإسلامي؛ بدأت عملية تشويه متعمدة للأحداث والسير التاريخية، وبدأت مرحلة استقطاب طائفي وعنصري ومذهبي تطفو على السطح وتدفع للتناحر والتنافر والتقاتل، وكل ذلك بحاجة لأن نجلس مع أنفسنا، ونعيد قراءة تاريخنا لنستلهم منه نبراسًا يبصرنا بحاضرنا، وينير لنا مستقبلنا.

قراءات تاريخية

هل هذا يعكس أن الحدث التاريخي قابل للقراءة بأكثر من زاوية؟

صحيح، الحدث التاريخي قابل للقراءة من أكثر من زاوية، وقابل أيضًا لإعادة القراءة، وما دور المؤرخين إلا قراءة أو إعادة قراءة التاريخ، وفق ما يستجد من شواهد أو وثائق أو دلائل تدعو لإعادة النظر في الحدث التاريخي، وتؤثر أيديولوجيا المؤرخ في إعادة قراءته.

ولعل أبرز مثال على ذلك، فإن هناك من ينظر للدولة العثمانية، باعتبارها امتدادًا للخلافة الإسلامية، وأن توسعها في العالم العربي كان فتحًا، وآخر يراها إمبراطورية استعمارية، وتوسعها غزواً.

وهل تعتقد أن هناك مؤرخين محايدين، وآخرين انحازوا إلى قراءات أخرى بعينها؟

من القراءات التاريخية، يتأكد لنا أنه لا يوجد مؤرخ محايد تمامًا، لأن الحدث التاريخي قابل للتأويل بقدر ما يستطيع من يقوم بعملية قراءته أن يستنطق الشواهد والوثائق، وذلك لأن العملية التاريخية، أو الحدث التاريخي ثلاثي الأبعاد، إذ يقوم على التفاعل بين الإنسان، الفاعل التاريخي، والمكان، مسرح الحدث التاريخي، في إطار الزمان الإنساني، الذي يجعل للحادثة صفتها التاريخية، والناتج هو الحدث التاريخي، الذي قد يمتد أثره لسنوات، ولهذا كلما كان قارئ التاريخ بعيدًا بمساحة زمنية عن الحدث التاريخي الذي يؤرخ له، كلما قام ذلك دليلا على صحة ما توصل إليه من نتائج، لأن البعد الزمني سيمنحه رؤية كاملة واضحة بعيدة عن الضبابية.

لذلك، فإن دور المؤرخ يأتي بعد مرور السنوات على الحدث التاريخي ليقرأه، ثم يعيد تفكيكه وتحليله وبنائه وفق إعادة قراءته له، وهذا ما كشف محاولات الطمس التي قام بها البعض لأجل تزييف التاريخ، ويؤكد هذا أن التاريخ هو علم الوثائق يستقرئها المؤرخ ويحللها للتوصل إلى وقائع تشتمل عليها.

مساحة إعلانية