رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تتناول نقاشاتنا وأحاديثنا الروتينية في كثير من الأحيان اتهامات أو ادعاءات موجهة في الغالب إلى حكومات العالم العربي، تتعلق بتقدير الكادر الأجنبي من ذوي العيون الزرقاء، بحسب ما يصفهم البعض، وتفضيلهم على الكادر الوطني والانبهار بهم، في إشارة - على الأغلب - إلى الأوروبيين والأمريكان تحديداً ولأصحاب الثقافة الانجلو ساكسونية بشكل عام.
في الواقع فإن تلك العقدة وما يسفر عنها من تفضيل لا تقتصر على الأنظمة السياسية والحكومات، بل باتت متأصلة في الخيال الجمعي لكثير من أفراد وشعوب المجتمع العربي والشرق الأوسط بشكل عام.
وفي محاولة لفهم هذه الظاهرة دائما ما تتم الإحالة إلى ما سطره ابن خلدون في مقدمته من "أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده".
في هذا المقال لن يكون حديثنا عن هذه الظاهرة من حيث صحتها أو خطئها، فالثقافة الغربية والحضارة الصناعية هي المهيمنة على أرض الواقع، ولا مناص لدولة تريد أن تنهض وتتقدم من تلمس خطى الغرب شئنا أم أبينا، فالصين واليابان وكوريا وسنغافورة لم تنشغل بكيفية اختراع العجلة لكي تلحق بركب الحضارة! ولا يمكن لدولة من الدول مهما كانت عزيمتها وإصرارها أن تبدأ من الصفر لمواكبة ما وصلت له الحضارة الصناعية، بل لا بد من البناء على تجارب الآخرين، بدل التغني بماضي الأسلاف واستحضار الأمجاد الغابرة بالقول "يوم كنا ولا تسل كيف كنا".
إن السؤال المهم هنا يتمحور حول ماهيّة التقليد الذي من شأنه أن يزج بنا في ركب الحضارة، وما المقصود بالتقليد المفيد لدى الغرب وتجنب التقليد "الأعمى"؟ هل علينا تقليد مشيتهم والاستماع لأغانيهم والتخاطب بلغتهم مع بعضنا البعض؟ أم نكتفي باقتباس كيفية تنسيق الزهور أمام فناء منزلنا؟ فنكون ظفرنا بالمفيد منهم! وعلى الرغم من أن السؤال يبدو بسيطا في ظاهره، إلا أننا لم نجب عليه واقعيا بعد، فلا زلنا نتخبط وننتقد الانبهار بالغرب في حين أننا غارقون في التقليد دون أن يقدم لنا ذلك التقليد أي دفعة إلى الأمام، فلغتنا أصبحت لغتهم وأشكالنا قاربت أو كادت أن تكون مثلهم، وتراثنا وثقافتنا أصبحت بحاجة للإنعاش والمثابرة لتبقى بارزة على السطح دون أن تغرق جراء ملاطمة أمواج الحضارة الغربية الفاتنة.
إننا عندما نستورد منتجاً حضارياً من الغرب أو الشرق على حد سواء، فإن ذلك لا يعد بأي شكل من الأشكال دليلاً على تحضرنا، وهو ما نصبو إليه دائماً. كما أننا عندما نؤسس لشراكات مع الدول الصناعية لإنشاء مصنع في أوطاننا يقوم بتشغيله والعمل فيه وإدارته عناصر خارجية برؤوس أموالنا، فإن ذلك لا يعني أننا أصبحنا دولاً صناعية بتلك البساطة، ولن يقدم لنا ذلك المصنع في الغالب - باستثناء الانبعاثات الكربونية - سوى القليل.
إن استخدام الهاتف الذكي أو الكمبيوتر أو قيادة سيارة فارهة وغيرها من منتجات الحضارة لا يعني أننا طرقنا سبل التحضر، ومن دون النظر للخلفية التاريخية والمعرفية لتلك المنتجات لن نعدو كوننا مستخدمين سذجا لها، علينا أن نسأل أنفسنا قبل كل شيء وقبل الانشغال بطرح التساؤل المتعلق بالتقليد، كيف انبثقت الحضارة الغربية؟ وكيف استطاع الغرب أن يحقق هذا التفوق بالرغم من وجود حضارات متقدمة ومتطورة سادت ثم بادت إلا أننا ما زلنا حتى الآن على الاقل، ننعم بما تقدمه لنا الحضارة الغربية، وهي من استطاعت، بحسب معلوماتنا الحالية على الاقل، أن تصنع فارقا ونقلة نوعية في مسيرتنا التاريخية.
وبالرغم من أننا في عصر المعرفة وانكشاف أسرار التقدم، وتوفر المعلومة والمعرفة العلمية وتمكّن أيا كان من الاطلاع والاستزادة من كافة أشكالها، بدءا من كيفية صناعة الطائرة وتخصيب اليورانيوم إلى صناعة المايكرويف وغلاية المياه، جميعها موجودة وفي متناول أيدينا متى أردنا ذلك، وهي بالمناسبة في تطور وتراكم مستمرين لا يتوقفان، إلا أننا لم نقدح بعد شرارة التقدم. وحتى مع التحجج بوجود استثناءات بسيطة ومعوقات موجودة فعلا أمام الاستفادة من المعرفة وتوظيفها، منها الطغيان الاقتصادي والسياسي وسيطرة الشركات متعددة الجنسيات، إلا أن ذلك ليس الحائل والعقبة الوحيدة أمام تقدم الأمم.
وبالعودة إلى السؤال عن الظروف الموضوعية لانبثاق الحضارة الغربية، نجد أغلب المؤرخين يتفقون على أن شرارتها انطلقت بالثورة الكوبرنيكية، والتي بها أفل نجم حقبة العصور الوسطى، وسطعت شمس عصر الحداثة، فالثورة الكوبرنيكية، بحسب موسوعة ويكيبيديا "هو مصطلح يشير إلى الثورة على النظرية المعروفة بنموذج مركز الأرض التي كانت تقوم على فكرة أن الأرض هي مركز المجرة، بزعم كوبرنيكوس أن الشمس مركز النظام الشمسي. كانت تلك النظرية نواة لثورة علمية في القرن السادس عشر الميلادي".
إذا كيف لقضية مركزية الأرض أن تقود إلى ثورة علمية؟ وما تأثير تلك القضية على صناعة الطائرة والسيارة والهاتف الذكي والكمبيوتر؟ خصوصا إذا ما علمنا أن كثيرا من تلك الاكتشافات والنظريات الثورية في حينها، جرى التعديل عليها لاحقا، أو أن بعضها تبين خطؤه من الأساس؟ وفي كل الأحوال فإن تلك المعارف لا تقدم أي فائدة تذكر للحقل العلمي في وقتنا الراهن، وهل لو أنك أخبرت أحدهم بأن الأرض ليست مركز المجرة وأن الشمس هي مركز مجموعتنا الشمسية سيتمكن من صناعة جهاز أو برمجة حاسوب؟ ولكن رغم ذلك شكلت تلك الحقيقة شرارة التقدم للغرب، كيف؟
إن ما قدمته الثورة الكوبرنيكية هو التغيير الجذري لنمط وآلية التفكير، ورغم أن نظريات كوبرنيكوس لم تتبلور إلا بعد مائتي عام من النزاع والشك والجدل، حتى توالت الاكتشافات إلى أن جاء جاليليو مؤكدا لنظريات كوبرنيكوس الأمر الذي تسبب في تقديمه لمحاكم التفتيش واتهامه بالهرطقة ومحاولة ثنيه بسلطة الكنيسة، إلا أن شرارة المعرفة انطلقت ولا يمكن إيقافها، كما حقق الأوروبيون في عصر الحداثة تقدما ونقلة كبيرة بالعودة والاستزادة من المعارف الكلاسيكية التي سطرتها الفلسفة الإغريقية وتناولت قضايا كبيرة ومهمة في علم الوجود ونظرية المعرفة والأخلاق وعلوم المنطق والرياضيات.
وفي حين يحتج البعض بأن الطريق الذي سلكه الأوروبيون نحو مصادر المعرفة مر بكتب الفلاسفة العرب والمسلمين وترجماتهم للمعارف الإغريقية التي تمت خلال العصر العباسي وأنهم استفادوا منها أيّما استفادة، كما شكلت لهم خريطة لاكتشاف الفلسفة الإغريقية، والذي يعتبرها البعض سرقة ونهوضا على أكتاف الآخرين، إلا أننا لم نسأل أنفسنا قبل ذلك، أليست المعارف في عصرنا الحالي وكما أسلفنا مطروحة ووافرة للجميع؟ لماذا لم "نسرق" منها - إن صح التعبير- ونقوم بتوظيفها والخروج من دائرتنا المغلقة؟.
ثم أليست كتب الفلاسفة العرب جاءت ضمن سياق أوسع وحركة أشمل من الترجمة ونقل لمعارف وعلوم الآخرين، كما أننا ننسى أو نتناسى أن العلم والمعرفة ليسا حكراً أو رمزيات نتفاخر بها أو شهادات نعلقها على الجدران دون أن نعمل بها، فالمعارف والعلوم تتناقلها الحضارات والأمم والشعوب، ومن التجني اعتبار تلك الحركة الطبيعية بمثابة "سرقة". والسؤال الأهم هو: كيف استفدنا نحن من تلك المعارف قبل أن يظفر بها الغرب؟ وكيف تعاملنا مع الفلسفة عبر العصور؟ ألم يتعرض الفلاسفة المسلمون تاريخيا لما يشبه محاكم التفتيش الفكرية؟ والتي هي مستمرة إلى الآن بالمناسبة.
إن القضية تتمحور حول طريقة التفكير والتعامل مع المعرفة، وعلينا هنا أن نسأل أنفسنا بموضوعية.. هل تجاوزنا المرحلة البدائية في طرق التفكير والتعامل مع المعلومة؟ بل والأهم من ذلك كيف تعاملنا ولا زلنا مع أصحاب الفكر وأصحاب الرأي الصادم لأفكار المجتمع برؤية جديدة لم يألفها، ألسنا مستمرين في طرح التساؤل الدائم حول جدوى الأبحاث التي تجريها الجامعات العريقة ومراكز الأبحاث حول العالم، ونسخر من أهمية المعرفة في حد ذاتها ونتساءل ماذا سيفيد إن اكتشفنا هذا العنصر أو ذاك، ونربط الأبحاث والاكتشافات بالتطبيقات العملية ونتساءل. ماذا سنتسفيد من تلك الاكتشافات؟ وكأننا نضع العربة أمام الحصان! كما أننا نربط مخرجات التعليم بسوق العمل وكأن العلم والمعرفة مقتصران على الوظيفة.
إن طريقة التفكير وطريقة التعامل مع المعارف أهم بكثير من المعلومة بحد ذاتها، والشغف بالمعرفة لا يجب أن يتم ربطه بالتطبيقات العملية لتلك المعرفة، فلو أن الأمر كان كذلك لما توصلنا لأي من مظاهر التقدم والتكنولوجيا التي بحوزتنا الآن، فالشغف بالمعرفة هو الذي قاد إلى اكتشاف الكهرباء، وليس الرغبة في اقتناء غسالة الصحون!.
يقول العالم الفلكي الشهير كارل ساغان، "العلم هو طريقة تفكير أكثر بكثير من كونه مجموعة من المعارف".
اذا فالقضية ليست متعلقة بالمحاكاة والتقليد سواء كان تقليدا أعمى أم تقليدا مفيدا، إن المسألة أعمق من ذلك وهي متعلقة بالنظر إلى الآلية التي حققت قفزة نوعية وتجاوزت أطر التفكير والتعامل مع المعلومة، ونقلت الإنسان من التفكير الخرافي الأسطوري إلى التفكير المنطقي والعلمي، ومن محاكمة الفكر والحفاظ على النمط السائد إلى الانفتاح الفكري الذي قاد بدوره إلى حزمة أشمل من تقبل الآراء والمسائل المتعلقة بحرية الفكر وحقوق الإنسان، ونحن أمام ذلك لسنا بحاجة إلى طرح مسألة التقليد على طاولة الحوار بل الأجدر بنا وبناء على ما سبق النظر في صياغة إطار جديد للقضية يتعلق بمحاكمة أنماط التفكير وتفعيل المنهج العلمي في التعامل مع المعارف.
ومع الأخذ بالاعتبار مشروعية الحجج المتعلقة بقصور المنهج العلمي والتفكير المنطقي في التوصل إلى الحقائق والمعارف، فالعلم حتى هذه اللحظة وبالرغم مما يقدمه لنا من أدوات حققت للبشرية قفزات نوعية هائلة، إلا أن القصور الذي يكتنف وظيفة العلم في شرح الظواهر وحل المشكلات لا زال قائما، فالعلم يقدم شرحا للظواهر ولا يخبرنا على وجه الدقة ما هي، كما أن العلم لا يقدم لنا ضمانات على مدى صحة النظرية والتفسير، وهذا بالمناسبة مصدر قوة العلم، فالعلم يشرح الكهرباء والجاذبية، إلا انه لا يخبرنا ما هي! كما أن العلم لا يجزم بالعلاقات السببية بين الظواهر وهو ما يزيد تواضعنا ويكشف لنا جليا بأننا لا زلنا في أول الطريق.
والقضية الأخيرة تعد سببا أساسيا في رفض المنهج العلمي لدى الكثير والاستعاضة عنه بالثوابت المعرفية القديمة التي تجزم بصحة التفسير مكتسية رداء التقديس، إلا أن ذلك يعد سببا من أسباب عدم النهوض وتجاوز الإشكاليات، وفي هذا السياق يقول كارل ساغان "العلم بعيد عن كونه أداة العلم المثالية، لكنه أفضل ما لدينا، في هذا الصدد وكما هو الحال مع الكثير، فإنه يشبه الديمقراطية". وهو ما يشي بأننا على أعتاب ثورة أخرى تتجاوز الأدوات العلمية المحدودة التي بحوزتنا، ولكن يظل الفكر المستنير هو الفيصل في تحقيق تلك القفزة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1818
| 24 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1119
| 22 ديسمبر 2025
تستضيف المملكة المغربية نهائيات كأس الأمم الإفريقية في نسخة تحمل دلالات عديدة على المستويين التنظيمي والفني، حيث يؤكد المغرب مرة أخرى مدى قدرته على احتضان كبرى التظاهرات القارية، مستفيدًا من بنية تحتية متطورة وملاعب حديثة وجماهير شغوفة بكرة القدم الإفريقية. مع انطلاق الجولة الأولى للبطولة، حققت المنتخبات العربية حضورًا قويًا، إذ سجلت مصر والمغرب والجزائر وتونس انتصارات مهمة، مما يعكس طموحاتها الكبيرة ورغبتها الواضحة في المنافسة على اللقب منذ البداية. دخل منتخب المغرب، صاحب الأرض والجمهور، البطولة بثقة واضحة، معتمدًا على الاستقرار الفني وتجانس اللاعبين ذوي الخبرة. كان الفوز في المباراة الافتتاحية أكثر من مجرد ثلاث نقاط، بل رسالة قوية لبقية المنافسين بأن «أسود الأطلس» عازمون على استغلال عاملي الأرض والجمهور بأفضل صورة ممكنة. أما منتخب الفراعنة، صاحب الرقم القياسي في عدد الألقاب، فقد أظهر شخصية البطل المعتاد على البطولات الكبرى، وقد منح الانتصار الأول للفريق دفعة معنوية كبيرة، خاصة أن بدايات البطولات غالبًا ما تحدد الطريق نحو الأدوار المتقدمة. من جهته، أكد المنتخب الجزائري عودته القوية إلى الواجهة الإفريقية، بعد أداء اتسم بالانضباط التكتيكي والفعالية الهجومية. أعاد الفوز الأول الثقة للجماهير الجزائرية، وأثبت أن «محاربي الصحراء» يملكون الأدوات اللازمة للمنافسة بقوة على اللقب. ولم تكن تونس بعيدة عن هذا المشهد الإيجابي، حيث حقق «نسور قرطاج» فوزًا مهمًا يعكس تطور الأداء الجماعي والقدرة على التعامل مع ضغط المباريات الافتتاحية، مما يعزز حظوظهم في مواصلة المشوار بنجاح. كلمة أخيرة: شهدت الجولة الأولى من البطولة مواجهات كروية مثيرة بين كبار المنتخبات العربية والأفريقية على حد سواء. الأداء المتميز للفرق العربية يعكس طموحاتها الكبيرة، في حين أن تحديات المراحل القادمة ستكشف عن قدرة كل منتخب على الحفاظ على مستواه، واستغلال نقاط قوته لمواصلة المنافسة على اللقب، وسط أجواء جماهيرية مغربية حماسية تضيف مزيدًا من الإثارة لكل مباراة.
996
| 26 ديسمبر 2025