رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تخوض المملكة العربية السعودية مواجهات عدة في ذات التوقيت؛ بدءاً من اعادة الشرعية إلى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من خلال عاصفة الحزم مروراً بمنع التمدد الفارسي في المنطقة العربية والذي له أوجه وأشكال متعددة وصولاً إلى تحديات خلايا داعش النائمة. أمر يتطلب من جميع أمراء وقادة وشعب المملكة الوقوف صفاً واحداً متضامنين ومتحدين غير آبهين إلا بخدمة بيت الله الحرام وصون الأرض المباركة.
لقد تمكن الغزو الفكري من تشكيل خلايا نائمة في المملكة وغيرها من الدول المجاورة بهدف ارتكاب مجازر في حق عدد من المصلين الآمنين في بيوت الله وان خطورة ما تم اقترافه من جُرم في حق هؤلاء الآمنين يعتبر مبادرة من التطرف الفكري لتأجيج الوضع في المملكة ولجعلها تنشغل بالداخل بعد نجاحاتها في الخارج خاصة في عاصفة الحزم ضد الحوثيين. لقد آن الأوان لأخذ موضوع التطرف الفكري بجدية وحزم، فلم يعد الموضوع مقتصراً فقط على جماعات تختلف معنا فكرياً أوعقائدياً بل هو تصنيع قنابل بشرية لاتعرف سوى شفرة واحدة وهي تنفيذ الأوامر بحذافيرها حتى وإن كانت النتيجة كارثية. فالحصول على تذكرة دخول الجنة (حسب وجهة نظر المفجِّر) لا يحتاج إلا حزاماً ناسفاً وتنفيذ أوامر مسئولي داعش.
عندما يغيب العقل ويسود منطق داعش وتصير الأشياء ذات أشكال وألوان مختلفة عندها فقط يصبح الحق باطلاً والباطل حقاً، ويصبح علماؤنا خائنين، ومرتزقة داعش صالحين! وعندها فقط يكون الضحية أناسٌا لاحول لهم ولا قوة. من أراد أن يقاتل ويحرر بلاد المسلمين من المحتلين فها هو المسجد الأقصى يستنجد بكم منذ عقود ولت، فلا ملبياً له إلا من رحم الله، وها هي سوريا بعزيمة شبابها تواجه الطغاة فأين أنتم منها؟! العجيب أن ذاك المجنَّد في صفوف داعش لا يسأل نفسه، لمَ لا تقاتل داعش نظام الأسد؟! ولمَ لاتقصفهم براميل الطيران السوري وهم في الرقة وغيرها من المناطق؟! مايحدث في داعش هو تجنيد للنظام السوري بأموال إيرانية لتصوير العرب على أنهم جهلة إرهابيون لايعرفون التخاطب إلا بلغة القنابل والمتفجرات.
لقد بلغنا مرحلة خطرة بسبب التطرف الفكري ويجب علينا جميعاً مقاومته ، دائماً مانلقي اللوم على مؤسسات الدولة ونلوم تقصيرها في هذا الشأن والحقيقة أننا مساءلون أمام الله عز وجل عما يحدث في بيوتنا، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول " كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته فالإمام راعٍ وهو مسئول عن رعيته والرجل في أهله راعٍ وهو مسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راعٍ وهو مسئول عن رعيته" لذا من باب أولى أن يحافظ الآباء والأمهات على أبنائهم ولا يجعلوهم فريسة سهلة بين أيدي العابثين المخربين، ولن يكون ذلك إلا بالتربية الصحيحة والبناء السليم الذي يؤسَّس على الفهم الصحيح للدين والقيم النبيلة والأخلاق الحميدة. عوّدوا أولادكم على أن يشاركوكم آراءهم وأفكارهم، اجعلوا من أوقاتكم معهم فرصة للتحليل والمناقشة. لا تأمَنوا عليهم الإنترنت دون أن تعرفوا ماذا يفعلون ومع من يتحدثون؟ لقد كانت البيوت في السابق هي اللبنة الأساسية التي تزود الأبناء بمصادر التعليم الأولي والتقويم التربوي إلا أن الأمر قد بات مختلفاً في ظل شبكات التواصل الاجتماعي وعالم الإنترنت. ولمقاومة هذا المرض يجب علينا أولاً أن نذكِّر ونثقف الوالدين بأهمية دورهما وأنهما اللبنة الأساسية لاستقرار أمن البلاد والعباد. ثانياً لابد أن يكون للمدارس دور إيجابي وفعّال في مواجهة هذا المرض وذلك يتأتّى بزيادة اللقاءات التوعوية مع عرض مقاطع فيديو تتضمن لقاءات مع والديِّ المجنَّدين في المنظمات الإرهابية لاسيما داعش لأنه لن يكون هناك أجدى من الاستماع إلى والديِّ أحد الضحايا أو إخوته. أخيراً لابد من تعزيز مفهوم الانتماء إلى الوطن من خلال حصص تدريبية في المدارس وفعاليات وطنية تبدأ من المدرسة لأنها الضامن لإنجاح أي عمل تعليمي وتربوي.
لم تكن التفجيرات الأخيرة في المملكة إلا وسيلة، لهذا سلكتها عناصر داعش من أجل شق الصف واللعب على الوتر الحساس في السعودية، أمر تقف وراءه أيدٍ عابثة ومخرِّبة لا عهدّ لها ولا دين. استنكار الجريمتين كان واضحاً من قائد المملكة وكافة مسئوليها وعلمائها، واليوم يجب على الجميع أن يحذر من خطر إشعال الفتيل وتأجيج الوضع بين المسلمين أنفسهم وليعلم المنتحر أن ماقام به هو عمل لايقبله شرع أو عُرف وتستنكره كافة ألوان البشرية وأعراقها.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6426
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6390
| 24 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5103
| 20 أكتوبر 2025