رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كان من المفترض أن تثير صور ظهور قوات أمريكية خاصة في شمال سوريا نهاية شهر مايو الجاري فرح المسؤولون الأتراك الذين دأبوا خلال السنوات الخمس الماضية من عمر الثورة السورية على مطالبة حلفائهم الأمريكيين والغرب باتخاذ خطوات عسكرية جادّة لدعم معارضي نظام الأسد كالتدخل العسكري المباشر أو تقديم الأسلحة بدلًا من اللجوء إلى بيانات تنديد لا تغني ولا تثمن من جوع.
فلماذا يغضب الأتراك من هذه الصور؟ ولماذا نُشرت بعد أيام فقط من زيارة سرية لقائد القوات المركزية الأمريكية جوزيف فوتيل إلى شمال سوريا واجتماعه بقادة من الفصائل الكردية المسلحة في إطار التحضير لمعركة الرقة؟
هناك مثل شعبي معروف عندنا في المنطقة العربية "القصة ليست رمانة بل قلوب مليانة". هذا المثل قد ينطبق إلى حد كبير على حالة الغموض التي تمر بها العلاقات بين حليفين مفترضين تربطهما مصالح مشتركة حيوية ويجمعهما سقف مشترك هو حلف شمال الأطلسي الناتو، لكنّ الواقع اليوم لا يوحي بذلك، إذا ما تابعنا الانتقادات اللاذعة شبه اليومية والتي يوجهها المسؤولون الأتراك لسياسة أوباما الشرق أوسطية.
ولعلّ ما يدور في كواليس مكاتب صناعة القرار في أنقرة وواشنطن قد يعطي صورة أوضح عن مدى حجم الضرر الذي لحق العلاقات المشتركة.
ويمكن تلخيص أسباب الخلاف التركي الأمريكي بثلاثة محاور أساسية:
المسألة الكردية
في السابع من شهر فبراير الماضي، وخلال حديثه للصحفيين على متن طائرته الرئاسية التي كان عائدًا على متنها من زيارة خاطفة إلى السنغال، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر وضوحًا في هذه المسألة من ذي قبل، عندما خيّر وبنبرة جادةّ إدارة الرئيس باراك أوباما بين تركيا أو الفصائل الكردية السورية بقوله "إماّ نحن أو إرهابيو كوباني". هذا الخيار ما كان أردوغان ليعرضه على نظيره الأمريكي لولا خيبة الأمل التي تعتريه إزاء الدعم الأمريكي المتزايد لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب الكردية، الذَين تعتبرهما أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني الانفصالي داخل أراضيها، فأيهما اختارت واشنطن فعلا؟ وهل الخياران أحلاهما مر بالنسبة لها؟
الشعور العام السائد في أنقرة أن واشنطن فضّلت "إرهابيي كوباني" على حسابها، ما خلق حالة من فقدان الثقة، وربما انعدامها في المستقبل القريب إذا ما أصغى الأمريكيون جيدًا لهواجس تركيا وأخذوا في عين الاعتبار قلقها المتنامي من مدّ الفصائل الكردية على حدودها الجنوبية بالسلاح والمشورة.
ما يثير حفيظة الأتراك غض الأمريكيين النظر عن التحركات المريبة للفصائل الكردية في المناطق الحدودية مع تركيا واستفادتها من السلاح الأمريكي ليس فقط في محاربة داعش، بل وتحقيق مكاسب جغرافية لربط المناطق ذات الطابع الكردي ببعضها البعض، في إطار تهيئة الأرضية لإعلان الانفصال عن سوريا أو على الأقل تكوين إقليم فيدرالي، مع ما يشكل ذلك من انعكاس حتمي في المستقبل على أكراد تركيا الذين لن يكونوا حينها بمنأى عن النزعة الانفصالية، فضلًا عن علاقة هذه الفصائل بحزب العمال الكردستاني.
بالنسبة للأمريكيين قد يختلف الأمر بعض الشيء، فإدارة أوباما لا تبدو بوارد الاختيار في عرض أردوغان، سواء لجهة منح الأولوية للعلاقة مع الفصائل الكردية على حساب تركيا، أو الاستغناء عن هذه الفصائل التي تشكل رأس حربة أمريكية في الحرب على داعش في الوقت الراهن. كما أن الإدارة الأمريكية لا تمتلك رفاهية الاستغناء عن تركيا، إذ تعي جيدًا أهمية دورها في حملة التحالف الدولي على داعش في سوريا والعراق، لاسيَّما قاعدة إنجرليك العسكرية التي يقر جنرالات أمريكا مساهمتها الكبيرة في رفع مستوى أداء طائرات التحالف مقارنة بـ فترة ما قبل فتح هذه القاعدة الحيوية أمام التحالف، ناهيك عن الحاجة الماسّة إلى دور أنقرة في أي تسوية سياسية سورية نظرًا لما تمتلكه من نفوذ مؤثر بين فصائل المعارضة السورية الكبرى.
الخلاف التركي الروسي
هناك مسألة أخرى لا تقل أهمية عن المسألة الكردية، تكمن في غياب دعم أمريكي واضح كانت تنتظره أنقرة في الأزمة التي نشبت بينها وبين روسيا، والتي أخذت منحى أكثر خطورة بعد إسقاط الجيش التركي مقاتلة روسية خرقت الأجواء التركية على الحدود مع سوريا في الرابع والعشرين من نوفمبر من العام الماضي، ففي بدايات التوتر أعطت واشنطن الأولوية لحل الخلاف بين الطرفين بالطرق الدبلوماسية، وتحرك رئيس دبلوماسيتها الوزير جون كيري في سبيل منع وقوع المحظور والحيلولة دون اندلاع صراع عسكري مباشر بين البلدين، وقد انطلق هذا التحرك الأمريكي من ثلاث نقاط أساسية:
الأولى أن أي مواجهة مباشرة بين تركيا وروسيا قد تجر العالم بأسره إلى حرب تقليدية لا تُحمد عقباها بدل حروب الوكالة الحالية التي تبدو مقبولة لكل الأطراف على اعتبار أنها تحول دون الحرب المباشرة، والثانية أن حلف الأطلسي الذي يضمّ تركيا لن يكون بمقدوره تلبية أي طلب تركي للمساعدة في حال وقوع هذه المواجهة، نظرًا لما يعنيه ذلك من إعلان صريح للحرب بين دول الناتو وموسكو، والثالثة أن أي حرب مباشرة ستشكل ضربة قاضية للحرب أولًا على داعش، وثانيًا للمساعي الأمريكية والروسية في إيجاد حل للأزمة السورية.
ورغم أن تركيا لم تفضل بعد أزمة إسقاط المقاتلة الروسية الدخول في حرب مباشرة مع روسيا، وهذا ما بدا واضحًا من خلال مسارعة المسؤولين الأتراك إلى طلب عقد لقاءات مع نظرائهم الروس للحد من التوتر، إلاّ أنها شعرت بخيبة أمل جديدة إزاء موقفي واشنطن والناتو الباهتين من الأزمة، حتى بدا لأنقرة أنها تُركت لوحدها مجددًا في مواجهة الدب الروسي.
المنطقة الآمنة
منذ اليوم الأول لتحول الثورة السورية من حراك شعبي سلمي إلى صراع مسلح، دعت تركيا إلى إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا لهدفين أساسيين أولهما الحد من التدفق الكبير للاجئين السوريين باتجاه أراضيها، وتوفير حماية للمدنيين داخل الأراضي السورية، بحيث لا يكونوا مجبرين على الهرب إلى تركيا، والثاني دعم المعارضة السورية المسلحة على اعتبار أن فرض حظر جوي على المنطقة الآمنة سيعود حتمًا بالنفع على الثوار السوريين في المناطق المحررة ويوفر لهم الحماية من الضربات الجوية التي أنهكتهم خلال السنوات الخمس الماضية وحالت دون تمكّنهم من التركيز على تحرير مناطق أخرى.
لكن الأتراك أصيبوا مرة ثالثة بخيبة أمل من حليفهم الأمريكي، حيث إن واشنطن رفضت فكرة إنشاء المنطقة الآمنة لعدّة اعتبارات أبرزها غياب الرغبة الأمريكية في تقديم الدعم اللازم للمعارضة السورية وما يُشكّله من تحد مباشر لروسيا، إذ كان الأمريكيون وما زالوا على قناعة تامة منذ اندلاع الحرب السورية باستحالة الحسم العسكري للأزمة وفضّلوا العمل مع موسكو على تسوية النزاع من خلال اللجوء إلى إطلاق محادثات جنيف بنخسها الأولى والثانية والثالثة وجمع المعارضة والنظام على طاولة واحدة من أجل التفرغ لمواجهة داعش، الذي يعتبر أولوية أمريكة في الملف السوري.
خلاصة
الأمريكيون في موقف لا يحسدون عليه بطبيعة الحال، لكنهم في الوقت نفسه يدركون جيدًا صعوبة بل واستحالة الجمع بين نقيضين لا يمكن التقاؤهما مطلقًا، ومن هنا، يمكن فهم جانب مهم من حالة الضبابية وغياب الرؤية الواضحة في الإستراتيجية الأمريكية تجاه الهواجس التركية.
موازنة الدولة 2026 نهج متوازن يعزز جودة التنمية
تعكس موازنة الدولة للعام المالي 2026 جملة من المؤشرات الإيجابية التي تؤكد حرص الدولة على ترسيخ الاستقرار المالي،... اقرأ المزيد
63
| 13 ديسمبر 2025
من الرياض.. أطيب التهاني للدوحة بيومها الوطني
من فضل الله تعيش دول مجلس التعاون الخليجي اليوم مرحلة غير مسبوقة من التقارب والتنسيق، تعمّقها رؤى قادتها... اقرأ المزيد
114
| 13 ديسمبر 2025
العدالة المعلقة بين النية المبطنة والإبادة المعلنة 1-2
على شريط ساحلي قبالة بحر أبيض، وبتوقيت يكاد يتفق واللحظة، تُعاد كتابة التاريخ بدمٍ لا يزال يجري طوفانه!... اقرأ المزيد
93
| 13 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2355
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2259
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025