رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

شريف عبد الرحمن سيف النصر

شريف عبد الرحمن سيف النصر

مساحة إعلانية

مقالات

841

شريف عبد الرحمن سيف النصر

معضلة السجين ومعضلة السجان (2)

01 أكتوبر 2014 , 02:21ص

معضلة المستبد (السجان) هي النقيض من معضلة السجينين (التي استعرضناها في المقال السابق)، فإذا كانت معضلة السجينين تتمثل في غياب التواصل وغياب الثقة فيما بينهما، وهو ما يستغله المستبد عادة لإقناع الجميع بالقبول بحكمه على ما فيه من أخطاء وقصور، فإن معضلة المستبد تبدأ حينما تتاح الفرصة أمام السجينين للتواصل وتبادل الثقة. بعبارة أخرى تبدأ معضلة المستبد عندما ينهار جدار العزلة الذي يضربه حول الأفراد، وتنجح قنوات الاتصال التي تربطهم ببعض في ترميم الثقة المفقودة، فتنكمش قدرة المستبد على التحكم والسيطرة. ويرتبط هذا بدخول الأفراد في معظم المجتمعات المعاصرة، بما فيها تلك الخاضعة لأنظمة الاستبداد، عصر الاتصالات المفتوحة وحرية تداول المعلومات.

فالحاصل أنه في مجتمعات المعلومات يعثر الأفراد ذوي الاهتمامات المشتركة على بعضهم البعض بسهولة فيحطمون القيود الرسمية التي كانت تمنع تجمعهم "بدون تصريح مسبق"، ويصير بإمكانهم التواصل عبر الفضاء الافتراضي، وذلك من دون التواجد داخل نفس الحيز الجغرافي، ومن ثم دون الخضوع للاشتراطات الأمنية التي تفرضها الأنظمة السياسية التقليدية على الاجتماع والتجمهر.

وبحرية اجتماع الأفراد تتصاعد موضوعات الحوار فيما بينهم، فتتجاوز الشأن الخاص إلى الشأن العام، ومنه إلى مساءلة الأوضاع السياسية وتقييم أداء من بيده مقاليد السلطة والحكم. وفي الوقت الذي يؤمن فيه مستخدمو وسائل الاتصال الجديدة أن بإمكانهم عبر هذه الأدوات أن يجعلوا العالم مكانا أفضل، تعتبر أنظمة الاستبداد أن هذه الوسائل تهديد صريح لأركان حكمهم، فهي تصعب من إجراءات الرقابة الشاملة، وتقلل من سلطتهم أو على الأقل تفرض عليهم تبرير ما يقومون به للجماهير التي تراقبهم.

قبل شيوع مثل هذه الوسائل الاتصالية كانت القاعدة العامة أن تراقب أنظمة الاستبداد كافة العمليات الاتصالية وتتحكم فيها، ولهذا مرت هذه الأنظمة بفترة من العناد إزاء السماح بتسويق تقنيات الاتصال داخل بلادها ورفضت بإصرار إتاحتها للمواطنين، ويذكر البعض كيف كان قرار السماح بدخول شركات المحمول إلى كثير من الدول العربية ثقيلا وصعباً على أنظمتها، إذ كانت تعلم مدى الخطورة التي يمكن أن يجرها عليهم الدخول إلى عصر المعلومات، وكانوا يدركون أنهم بهذا سوف يفقدون مزية المراقبة عن طريق المنع، والتحكم عن طريق الحجب، وإخضاع المواطنين عبر تصنيف كل ما يرغبون حظره عنهم تحت يافطة "الأمن القومي".

ولكن في النهاية كانت الضغوطات العالمية أقوى، واضطروا تحت إلحاح المؤسسات الاقتصادية العالمية إلى إتاحة تقنيات الاتصالات في مقابل الاستفادة من الفرص الاستثمارية التي تتيحها هذه المؤسسات، والوعود بتحقيق تنمية اقتصادية لا تنهض في ظل أجواء العزلة وشح المعلومات.

ولمواجهة اضطرارها الانفتاح على حرية تداول المعلومات، لجأت أنظمة الاستبداد العربية إلى تطوير علاقات سياسية مع شركات الاتصالات الكبرى، وذلك لمبادلة المنافع الاقتصادية بالمراقبة السياسية، حتى أصبحت قضايا إتاحة معلومات المستخدمين التي تقدمها هذه الشركات لأنظمة الاستبداد أكثر من مجرد إشاعات.

وقد تأكدت مثل هذه العلاقات المشبوهة خلال المراحل المبكرة من ثورات الربيع العربي، حيث بدا واضحا وقتها أن التنسيق مع هذه الشركات قد صار جزءا من خطط أنظمة الاستبداد لمواجهة الثورات. وكان أحد الإجراءات الوقائية المعتادة لمواجهة الاضطرابات التي صاحبت انطلاق الثورات هو لجوء أنظمة الاستبداد إلى شركات الاتصالات لقطع خدماتها عن مواطنيها، وإبقائهم في حالة من العمى المعلوماتي، وذلك للحيلولة بينهم وبين أحد العوامل المهمة التي كانت وراء نشوب هذه الثورات واقترابها من النجاح.

غير أن هذه الإجراءات لم تنجح في إطالة أمد الكثير من الأنظمة التي قامت ضدها الثورات، فالجدران الحديدية التي يقيمها المستبدون حول أنفسهم لم تعد ممتنعة عن الاختراق، والأسوأ أنه في عصر الاتصالات الحرة، أصبح الكثير من أسرارهم في متناول العامة. وقد ظهرت مواقع متخصصة لتجميع هذه التسريبات وأرشفتها وتسهيل البحث فيها، وفي مقدمة هذه المواقع موقع ويكليكس الشهير، الذي صار اسمه يرمز إلى انتقال المراقبة من الحاكم إلى المحكوم، فبعد أن كانت الرقابة تمر في اتجاه واحد من الحاكم إلى المحكومين، وفرت مواقع التسريبات مجالاً للمحكومين لمراقبة حكامهم، وإظهار ما ارتكبوه من تجاوزات بحق شعوبهم.

ومن خلال هذه النافذة وغيرها أصبح التسريب عملا مؤسسياً، تقوم عليه هيئة يديرها متطوعون حول العالم، وظهر مفهوم "حق التدخل المعلوماتي"، ليمثل خصما إضافيا من المفاهيم التقليدية للسيادة، التي كانت تفترض أن الدولة هي سلطة عليا لا يوجد من له الحق في مراقبتها أو مراجعتها فيما تقوم به. فإذا بهذا الحق يصير في أيدي الأفراد من المواطنين وحتى الأجانب ممن يسعون لإقامة مجتمع معلومات عالمي مفتوح وغير خاضع للرقابة.

ولكن لا يعني ما سبق أن أنظمة الاستبداد قد رفعت الراية البيضاء تماماً، فمازالت هذه الأنظمة تحاول تفكيك مجتمعات المعلومات، إما بتعميق الاستقطاب بين الجماعات الافتراضية وبعضها البعض، أو بذر بذور الاختلاف بداخل كل جماعة على حدة، فضلاً عن قيامها بنشر الدعايات السلبية حول المنخرطين في أعمال المقاومة المعلوماتية، عبر الإيحاء للعامة أن من يتبادلون المعلومات عبر الفضاء الإلكتروني هم جواسيس أو متآمرون على مصلحة البلاد، وهي الدعاية التي يبدو أنها قد حققت قدرا من النجاح في الأنظمة التي نجحت فيها الثورات المضادة على الأقل.

اقرأ المزيد

alsharq ومضات لحياة سعيدة

خلال قراءتي لرسالة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله حول الوسائل المفيدة للحياة السعيدة أحببت مشاركتكم... اقرأ المزيد

156

| 07 نوفمبر 2025

alsharq لا مال بعد الموت

في زمنٍ أصبح المال فيه مقياسًا للهيبة، وميزانًا للقيمة، ضاعت كثيرٌ من المعاني النبيلة، وغابت عن الناس الحقيقة... اقرأ المزيد

237

| 07 نوفمبر 2025

alsharq اهتمام الآباء بتربية الأبناء

كل لحظة يقضيها الأب والأم مع أبنائهما اليوم هي استثمار في غدٍ مشرق، وفي شخصيات ستصون الأسرة والمجتمع.... اقرأ المزيد

93

| 07 نوفمبر 2025

مساحة إعلانية