رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا يزال بعض المدافعين عن اتفاقية كامب ديفيد يستندون إلى تلك الواقعة المشهورة عن السادات والتي يشاركه فيها البطولة حلاقه الخاص والتي جرت أحداثها في بيت الرئيس بالجيزة أثناء الحلاقة.
تقول الرواية إن السادات أراد كعادته أن يستطلع اتجاهات الرأي العام بشأن قراراته وتحركاته المثيرة للجدل فسأل حلاقه الخاص عن ذلك أثناء ما كان يحلق له شعر رأسه فنقل له الحلاق اعتراض الشارع على اتفاق الحكم الذاتي الذي أجراه نيابة عن الفلسطينيين في كامب ديفيد فأجابه السادات بما ينمّ عن إحساس مفرط بالعبقرية بأن ضرب له مثالا جعل فيه صالون الحلاقة هو مركز وموضوع الصراع نيابة عن أرض فلسطين بما فيها القدس والأقصى!!
فقال له: تصور أن بلطجيا هاجم محل الحلاقة الذي تملكه وقام باحتلاله بكل كراسيه!! ثم جاءك من يقول لك إنه مستعد لأن يعيد إليك أحد كراسي الصالون!! وبعد ذلك سيتركك أنت وشطارتك في التعامل مع هذا البلطجي من داخل المحل ومن فوق الكرسي الذي أحضره لك!! هل تقبل ذلك أو ترفضه؟ فأجابه الحلاق بتلقائية شديدة سوف أقبل طبعا!! فقال له السادات: هذا ما فعلته بشأن الفلسطينيين!!
هكذا يتم التسويق لقواعد وأسلوب تفاوض يريدوننا أن نقتنع بأنه المنطق الأقوى لإدارة عملية صراع تعد الأعقد على الإطلاق بين الصراعات التي عرفها العصر الحديث!! في الوقت الذي شهد العالم كما شهد التاريخ أن اليهود هم أخطر وأسوأ مفاوضين عرفتهم الكرة الأرضية!!
فإذا كان هذا المنطق الساداتي قد أقنع الحلاق بهذه السرعة فإننا لم نقتنع به حتى الآن وما زالت الساعات بل اللحظات التي تمر على المنطقة العربية منذ كامب ديفيد وحتى هذه اللحظة تؤكد خطأ وخطيئة السادات في كامب ديفيد والحالة الوحيدة التي نعتقد أنها يمكن أن تبرر الفعل الساداتي وتجعله مقبولا ومستساغا في الشارع العربي هو أن نتحول جميعا إلى حلاقين للزعيم الملهم!!
كما أننا رغم ذلك لنا عليه بعض التحفظات أو التساؤلات مثل:
1. ماذا لو أن البلطجي انفرد بصاحب الصالون وأعاد طرده من المحل بعد أن يكون قد انتزع منه اعترافا بالشراكة الذي أعطاه شرعية ضرورية لاستكمال مشروعه وتم تحييد الوسيط أو الوصي الذي تفاوض نيابة عن صاحب المحل؟
2. وماذا لو رفض البلطجي أن يعطي حقوقا أخرى فوق الكرسي الذي يمثل بداية المشوار في نظرية السادات ويمثل نهاية المشوار في نظر البلطجي؟
3. وماذا لو نقض البلطجي اتفاقاته وهو مشهور عنه ذلك وقام مرة أخرى باسترداد الكرسي الذي تنازل عنه بالمفاوضات؟!
4. وما الذي يمنع من أن يكون البلطجي يخطط لاستكمال مشروعه بعد تحويل هذا الوسيط إلى حليف؟!
5. وإذا حدث ذلك هل سيقوم هذا الحليف بإعلان الحرب على حليفه من أجل إخلاله بحقوق أصحاب المحل الأصليين؟ أم سيكون ساعتها قد أصبح على أتم استعداد لمحاربة أخوة الدين والعروبة والمصير حتى لا يتهدد السلام الإستراتيجي الذي بناه مع الغاصب المحتل؟
إننا بهذا التصور نفترض أننا لم نزل في عقد السبعينيات ولم يكن قد مضى أكثر من ثلاثين عاما على كامب ديفيد ولم يكن قد تبين كل أهداف إسرائيل منها بما في ذلك هدفها من مجارات السادات فيما سمى بالحكم الذاتي للفلسطينيين.
إنني أحمد الله الذي أحيانا حتى نرى ما يؤكد خطأ نظرية صالون الحلاقة وذلك حتى لا تنتقل للأجيال التالية على أنها أبرع نماذج التفاوض السياسي فلقد جاء اتفاق أوسلو 1993 ليعطي عرفات ذلك الكرسي العبقري داخل الصالون الذي افترضه أو تصوره السادات.
فقد أعطت إسرائيل لعرفات حكما ذاتيا أفضل مما كان يأمل فيه السادات فهل نجح ذلك الكرسي أن يحل القضية الفلسطينية؟ أو أن يوقف أي قدر من شهية اليهود في قضم وابتلاع الأراضي؟! وهل التزمت إسرائيل بما اتفقت عليه مع عرفات أم انقلبت عليه وقتلته؟! ثم كيف تتعامل إسرائيل الآن مع سلطة أوسلو سوى أنها حولتها إلى إدارة تابعة للأمن الإسرائيلي ووظفتها في ضرب الحركات المقاومة واختراق الأمن القومي العربي والإسلامي أيضا؟!
ثم كيف تعاملت إسرائيل مع المبادرة العربية للسلام ٢٠٠٢م؟ هل قبلت بتنازلات العرب فيها والتي فاقت تنازلات السادات في كامب ديفيد؟ أم أنها كشفت أن لإسرائيل مشروعًا استعماريًّا كانت كامب ديفيد أحد إنجازاته المهمة حيث إخراج القوة العربية الرئيسة من دائرة الصراع بل وتوظيف دورها ونفوذها في تكريس هذا المشروع؟
إننا يجب أن ندرك أن هذا المنطق الساداتي يتغافل تماما أن هناك علما كاملا اسمه "التفاوض السياسي" وأن الصراع العربي الإسرائيلي يعد بلا منازع أعقد صراع يشهده العالم المعاصر.
إن هذا المنطق يغمض عينيه ويريدنا أن نسير خلفه معصوبي الأعين عن مشروع إسرائيلي كبير معلن قاعدته فلسطين بكاملها وامتداداته تشمل أجزاء أخرى كثيرة من الدول العربية وأهدافه تقوم على تفتيت وشل حركة المنطقة العربية بالكامل ولمدى زمني مفتوح.
وأن هذا المشروع هو امتداد حقيقي وطبيعي للمشروع الغربي بالمنطقة الإسلامية والذي يعتبر إسرائيل هي رأس حربته فيها لهذا فإن الغرب بكل مكوناته يقف ويصطف بكل قوة خلف تحركات إسرائيل ويؤيد كل حروبها ويتغاضى عن كل جرائمها ولهذا فإن الجري وراء إمكانات التعارض أو التنافر بين المشروعين هو ركض وراء سراب في صحراء بلانهاية.
فالمشروع الإسرائيلي العدواني تضرب جذوره بقوة في أعماق الأرض والفكر الأوروبي والأمريكي فإذا كانت الولايات المتحدة هي التي تقود اليوم الجهود الغربية عامة لتمكين هذا المشروع في منطقتنا.. فإن فرنسا نابليون هو أول من شجع اليهود على التجمع في فلسطين لعزل بلاد الشام عن مصر وذلك إبان حملتها الهمجية على مصر وفلسطين وبلاد الشام وهي أول من أمدها بالمفاعل النووي في ستينيات القرن الماضي والذي بنت عليه ترسانتها النووية.. وأن بريطانيا العظمى هي التي قادت الجهود الأوروبية للعمل على توطين اليهود في فلسطين منذ عام 1882 وحتى 1914 إلى أن وصلنا إلى وعد بلفور الذي أعطى لليهود الحق في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.
لهذا يجب أن ننتبه لمحاولات تسطيح هذا الصراع ومن ثَم الترويج للسلام الإسرائيلي وكأنه مشروع حقيقي أخطأ كل من رفضه وما زال يخطئ من يرفضه أو يقاومه.
«بكم تعلو ومنكم تنتظر».. عهد متجدد بين الأمير وشعبه
لتسع سنوات خلت، وفي رحاب جامعة قطر، كتب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير... اقرأ المزيد
18
| 09 ديسمبر 2025
المعتوه المخلوع
بكل عنجهية واستهتار وسفه ثم عته خرجت التسريبات المخزية للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد مع مستشارته الإعلامية لونا... اقرأ المزيد
18
| 09 ديسمبر 2025
المرأة والمجتمع
نحن في مجتمع يجبر المرأة على إخفاء قوتها، حتى لا يشعر الرجل بالتهديد. مجتمع يحث المرأة على تمثيل... اقرأ المزيد
18
| 09 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4200
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1821
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1752
| 04 ديسمبر 2025