رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في المحاضرة التي ألقاها الصحافي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط باتريك سيل في "الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط" تحت عنوان "حرب أمريكا على الإسلام" في الثامن عشر من شهر نوفمبر الجاري، جرى الحديث عن عدد من النقاط التي تنتهي إلى نتيجة واحدة مؤكدة وهي أن واشنطن في حرب حقيقية ضد الإسلام.
فقد أشار إلى أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في القاهرة معلنا فيه أن بلاده لن تكون في حرب ضد الإسلام، بدل أن يمثل أملا عظيما تحول إلى خيبة عظيمة لأن الرئيس الأمريكي نكص عن وعده كما يقول سيل الذي أشار إلى أن أوباما، الذي بفضل خلفيته، كان أكثر قدرة من غيره لفهم الإسلام واسترضائه بدلا من استعدائه، "لأنه على نحو ما ابن العالم الثالث. فأبوه مسلم، وقد أمضى سنواته الباكرة في إندونيسيا، كما أنه أول رئيس أمريكي أسود. لكنه أيضا "ذلك الفتى الأمريكي" الذي نشأ في هاواي وتعلم في هارفارد وبدأ حياته المهنية في شيكاغو. وربما كان "ينوي" ألا يكون في حرب ضد الإسلام، لكنه لم "يفعل" شيئا بهذا الخصوص غير الكلام".
وبطبيعة الحال كانت النتيجة المترتبة على هذا النكوص، ليس فقط استمرار مشاعر الكراهية لدى الشعوب الإسلامية ضد الغرب، بل تزايد هذه المشاعر التي أرجعها المحاضر إلى ثلاثة أسباب رئيسية، أولها يتعلق بعسكرة السياسة الأمريكية الخارجية، وثانيها يرتبط بالتأييد الأعمى لإسرائيل على مدي أكثر من 40 عاما (طبعا هي أكثر من 60 عاما وليس 40 كما يشير سيل، أي منذ ما قبل قيام الدولة الإسرائيلية) وحمايتها الكاملة لها من أي إجراءات عقابية قد يتخذها مجلس الأمن والفيتو ضد الدولة الفلسطينية. أما ثالث هذه الأسباب فيتمثل في الخوف المَرَضي من الإسلام الذي اجتاح أمريكا وبقية الدول الغربية والذي جاء في إطار محاولات الدول الغربية لإيجاد عدو جديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي (إمبراطورية الشر) فوجده في العالم الإسلامي.
هنا انتهى التحليل الذي قدمه سيل لتفسير حالة العداء المتبادلة بين الولايات المتحدة والغرب من جهة والعالم الإسلامي من جهة أخرى، والذي قد يكون مناسبا لتوضيح بعضا من ملابسات حالة العداء هذه خلال العقود الأخيرة، لكنه بالتأكيد لا يوضح الأسباب الحقيقية لتلك الحالة التي تمتد جذورها عبر التاريخ وترتبط بنشأة العالم الإسلامي نفسه.
ذلك أن الصراع بين الإسلام كدين وحضارة مع الحضارة الغربية بدأ منذ اللحظات الأولى لانتشار دعوة الإسلام في الجزيرة العربية ومع الرسائل التي أرسلها الرسول صلى الله عليه وسلم لقادة الإمبراطوريات المحيطة بالدولة الإسلامية الوليدة يدعوهم فيها للدخول في الإسلام ومنها الإمبراطورية الرومانية في الغرب. ثم تعزز هذا الصراع عسكريا مع دخول الدولة الإسلامية في صدام عسكري مع خطوط التماس المسيحية في غزوة مؤتة ضد جيش الغساسنة المتحالفين مع الإمبراطورية الرومانية حامية المسيحية في ذلك الوقت.
ومع ازدياد انتشار الإسلام وتوسعه شرقا وغربا واستمرار تهديده لأطراف تلك الإمبراطورية في عهد دولة الخلفاء الراشدين ومن بعدها الدولتين الأموية والعباسية، ثم انطلاقه لتهديد قلب هذه الإمبراطورية فيما بعد، خاصة في عصر الدولة العثمانية، عمل الغرب على مواجهة هذا التهديد القادم بكل وسيلة ممكنة للحفاظ على هويته وكيانه من الذوبان في الإمبراطورية الإسلامية الجديدة كما ذاب غيرها من الإمبراطوريات كالإمبراطورية الفارسية.
وكان من أبرز الوسائل التي اعتمد عليها الغرب للدفاع عن نفسه محاولة تشويه الدين الجديد أمام المجتمعات الغربية من أجل منع أفرادها من التفكير في محاولة استكشاف هذا الدين والتعرف عليه ومن ثم الدخول فيه.
وقد تطورت هذه المحاولات حتى أصبحت علما له قواعد تحكمه وله رواده من مشاهير المثقفين والكتاب الأوروبيين وهو ما عرف بعلم الاستشراق.
ثم تطورت علوم أخرى مرتبطة به أبرزها علم الأنثروبولوجيا الذي عمل بمساعدة علم الاستشراق على تحقيق هدف الدفاع عن الهوية الأوروبية المسيحية، إضافة إلى بناء قاعدة علمية ومعرفية ساعدت فيما بعد الدول الأوروبية في تحقيق سيطرتها على الإمبراطورية الإسلامية بعد إضعافها ثم تفتيتها إلى دول ودويلات صغيرة متشاحنة ومتقاتلة حتى تبقى تابعة لها بعد استقلالها الصوري عن الاحتلال الأوروبي في منتصف القرن العشرين.
بعد نجاح المرحلة الأولى من عملية مواجهة الإسلام عبر تشويهه في أعين أبناء المجتمعات الأوروبية، بدأت المرحلة الثانية التي كانت موجهة إلى الخارج، أي إلى الإمبراطورية الإسلامية ذاتها التي بدأت تشهد ضعفا وانقساما جعلها مطمعا لأعدائها وفي مقدمتهم الأوروبيين.
وخلال هذه المرحلة سعى الأوروبيون إلى السيطرة على هذه الإمبراطورية عبر تشويه صورة الإسلام في عيون المسلمين أنفسهم بصرفهم عن عقيدتهم توطئة لتنصيرهم والسيطرة عليهم، لأنهم كانوا يعلمون جيدا أن قوة المسلمين وعزتهم تكمن في تمسكهم بدينهم. ويظهر ذلك في بحوث المستشرقين حول العقيدة الإسلامية والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، بل القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وقد اعتمدت الدراسات الاستشراقية على عدد من المناهج من أجل تحقيق الهدف الأساسي لها وهو تشويه صورة الإسلام والمسلمين. وكان من أبرز هذه المناهج منهج الإسقاط، الذي يعرفه علماء التحليل النفسي على أنه "حيلة نفسية، يلجأ إليها الشخص كوسيلة للدفاع عن نفسه ضدّ مشاعر غير سارّة في داخله، مثل الشعور بالذنب أو الشعور بالنقص، فيعمد إلى أن ينسب للآخرين أفكاراً ومشاعر وأفعالاً حياله، ثمّ يقوم من خلالها بتبرير نفسه أمام ناظريه".
ومن هنا عمد المثقفون والكتاب الأوروبيون إلى وصف الإسلام والمسلمين بشتى النقائص والجرائم التي تتصف بها حضارتهم ومجتمعاتهم المسيحية، بدءًا من اتهام الإسلام بأنه دين محرف وصولا إلى اتهامه بالإرهاب.
لم يتوقف منهج الإسقاط عند مفكري الغرب ومثقفيهم خاصة المستشرقين منهم ـ والذي تحول إلى قاعدة لعمل الدول والحكومات الغربية ـ عند هذا الحد، بل تواصل واستمر بمرور الزمان وتزايد النقائص والجرائم الغربية ضد العالم، خاصة بعد صعود الحضارة الغربية وسيطرتها على العالم ممثلة في الاستعمار الأوروبي خاصة البريطاني والفرنسي.
وبعد انحسار الدور الإمبراطوري عن أوروبا والذي تسلمته الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية، انطلقت واشنطن لتستكمل الدور المسيحي الغربي في مواجهة الإسلام والعمل على القضاء عليه. وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لتمثل نقطة انطلاق جديدة لتدمير الإسلام، يقوم خلالها منهج الإسقاط الغربي بوصم الإسلام بجريمة الإرهاب التي نشأت وترعرعت في المجتمعات المسيحية سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، ومارستها وما زالت تمارسها بشتى صورها ضد شعوب العالم المختلفة خاصة الشعوب الإسلامية.
هذا ما لم يقله سيل ولن يقوله أي مفكر غربي إلا إذا كان لديه بقايا من ضمير.. أن الحرب الأمريكية على الإسلام ما هي إلا امتداد لحرب الغرب المسيحي على هذا الدين وحضارته ومنتسبيه من شعوب الشرق.. ولن تنتهي إلا بتسليم إحدى الحضارتين.. الغربية أو الإسلامية.
باستقامة العدالة.. تستقيم مسارات السلام
افتتح حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى – حفظه الله – منتدى... اقرأ المزيد
78
| 08 ديسمبر 2025
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
147
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
213
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4194
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1752
| 04 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1737
| 07 ديسمبر 2025