رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

علي الرشيد

علي الرشيد

مساحة إعلانية

مقالات

420

علي الرشيد

استثناء يفرض احترامه في زمن التغيير

02 مارس 2011 , 12:00ص

بينما يواصل طوفان التغيير مدّه الكاسح في عالمنا العربي على يد الشعوب التي أرادت حياة مختلفة عما اعتادت عليه، وقررت انتزاع حقوقها وكرامتها، واستشراف عهد جديد لأوطانها وأمتها، لا تزال الغالبية الكاسحة لسدنة الأنظمة ورؤوس هرمها السياسي تعتقد أن بإمكانها أن تقف في وجه أمواجه العاتية، أو تكون في منأى عن تأثيراته التي لا عاصم منها اليوم.

لم يفهم هؤلاء أن التغيير علامة هامة من ملامح الحياة وعنصر أساسي لديمومتها، وسنة ثابتة من السنن الإلهية تفرض نفسها على حياة الإنسان، كما لم يقرأوا حركة الزمان القريب أو الموغل في القدم، وإلاّ لما أجهدوا أنفسهم في مقاومة تتلاشى أمام إرادة تعرف أن التاريخ والمستقبل يقف في صفها.

ومن قبل قال أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس وملوكها:

هي الأمور كما شاهدتها دول من سرّه زمن ساءته أزمانُ

وهذه الدار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شأنُ

أتى على الكل أمر لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا

وصار ما كان من مُلك ومن مَلك كما حكى عن خيال الطيف وسنانُ

كأنّ هؤلاء لم تكفهم العظة والعبرة القريبة، فقد كابر كل من زين العابدين بن علي، وحسني مبارك حتى اضطر الأول للهرب مذموما مدحورا، والآخر للتنحي عن الحكم مكرها مرغما.

الدول التي دخلت في دائرة الخطر المحدق لطوفان التغيير الذي تصنعه شعوبها يمضي رؤوس أنظمتها في نفس اللعبة: مراوغة ومكابرة، وتشبث بالكراسي، ومواجهة التغيير بالسوط والرصاص والدم، حتى تدق ساعة الحرية والخلاص فيلاقوا مصير من سبقهم في ذل وهوان، أما الذين يعتقدون أنه ليس قريبا من دارهم أو ديارهم، فما يزالون دون استجابة حقيقية لمطالب الجماهير، ويعتقدون أن بإمكانهم من خلال معالجات شكلية أو هامشية أو مؤقتة (مساعدات غذائية، زيادة في المرتبات، تعديلات وزارية..) نيل رضا شعوبهم، وتجديد الثقة بهم والولاء لهم.

السواد الأعظم منهم لاذ بالصمت وهو يتابع حركة التغيير التي تمثل انعطافة مهمة في تاريخ الأمة وحياتها، وحاضرها ومستقبلها، خائفا أو متوجسا أو مترقبا أو متجاهلا، ومن تحدث عنها ذمها واعتبرها شرا يهدد استقرار الدول وأمن القومي للمنطقة، بينما هي لا تهدد إلا عروشهم ومصالحهم الخاصة ومصالح البطانة المنتفعة التي تنافق لهم وتسبح بحمدهم.

الوحيد الذي لا يملك المرء إلا أن يرفع قبعته له احتراما وإجلالا، هو أمير دولة قطر لأنه يعد استثناء من القاعدة على مستوى الأنظمة العربية، فقد انحاز بكل وضوح إلى التغيير وإلى أشواق الشعوب التي تناضل من أجله بصورة حضارية، وذلك في تصريحاته التي صدرت عنه في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الألماني كريستيان فولف، حيث سجل فيه أكثر من نقطة مضيئة بحكمة وشجاعة:

ـ التغيير قادم وأنه يصبّ في مصلحة الشعوب العربية.

ـ على أوروبا والعالم أن يظهروا خلال الثورات التي تشهدها الدول العربية مواقف واضحة وسريعة منذ البداية لمساعدة شعوب المنطقة المطالبة بالعدالة الاجتماعية وحرية التعبير، وألا ينتظروا حتى يروا ميلان الكفة ليقرروا موقفهم فيما بعد.

وبموازاة هذه المواقف كانت دولة قطر ـ فيما أحسب ـ أول دولة عربية ـ وربما الوحيدة حتى الآن ـ تقيم جسرا جويا لتقديم مساعداتها الإنسانية الرسمية للشعب الليبي الذي يعاني من جراء بطش القذافي ويحتاج إلى المعونة العاجلة لاسيما الطبية منها.

أما على مستوى الدول الإسلامية فكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أول من حث حاكما عربيا على ضرورة قبول التغيير، حيث طالب الرئيس المصري السابق بالاستجابة لمطالب شعبه بالتنحي وقال واعظا له بالقول: "أريد أن أقدم توصية خالصة للغاية.. تحذيرا صريحا للغاية.. كلنا سنموت وسنُسأل عما تركناه وراءنا".

يجب أن تدرك الأنظمة أن ثمة روحا جديدة تسري في أوصال الأمة، تتخطى بوهجها حاجز الخوف، وتعبر فوق جسرها إلى مستقبل زاهر، ينبض بالأمل والعمل والتحرر، والحرص على ثرواتها ومقدراتها، بعيدا عن فساد الداخل وأطماع وجشع الخارج، وصولا إلى تنمية ترقى بالبلاد، وتوفّر الحياة المستقرة الآمنة الهانئة، والكرامة الإنسانية للعباد، وتستعيد بموجبها دورها الحضاري الذي طال غيابه والمكانة اللائقة التي عزّ فراقها.

مساحة إعلانية