رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قرعت الأنباء أُذني أبي ذر الغفاري، بظهور رجل بمكة، يزعم أنه نبي، ويدعو إلى عبادة الله وحدَه، وعدم الإشراك به، وقد كان أبو ذر رجلا ممن أنفوا التعبد للأوثان في الجاهلية، واعتقدوا بوجود الله العظيم، خالق كل شيء سبحانه، فلم يكد يسمع بتلك الأنباء حتى أراد أن يعلم ما هو خبر ذلك الرجل النبي، وما هي دعوته.. وأراد أن يستوثق من حقيقة الأمر، ويكون على بينة منه، فطلب إلى أخيه أُنيس أن يذهب إلى مكة ليأتيه بالخبر اليقين، ولا يبطئن ولا يشعرن به أحداً، فقال أنيس لأخيه أبي ذر: لبيك يا أخي. وانطلق صَوْب مكة ليعلمَ له خبر محمد عليه الصلاة والسلام، حتى بلغها ومكث فيها قليلا، يستقصي الأخبار، وما لبث أن عاد مسرعا إلى أخيه، فلما رآه أبو ذر قال: ما عندك؟ قال: والله لقد رأيت رجلا، يأمر بالخير، وينهى عن الشر، ويدعو إلى مكارم الأخلاق. ولكن أبا ذر قال: لم تشفني من الخبر.
فرأى أن يذهب هو بنفسه إلى مكة، وأعد راحلته، واحتمل قطع البيد، ومشقة الرحيل إلى أن قدم مكة، ودخلها وأراد في نفسه ألا يعلم أحد سبب مقدمه، فأخفى حاجته، ولم يأخذ في السؤال عن رسول الله، حتى يبدو له الأمر بنفسه ويظهر له، وكان أبو ذر في أثناء إقامته يشرب من ماء زمزم، لا يدخل جوفه شيء سواه فكان فيه كل الغَناء، وجعل يجلس في المسجد الحرام، فمر به يوما علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فقال له: كأن الرجلَ غريب. قال: نعم. فاستدعاه علي من ثم إلى منزله وأضافه ثلاثة أيام، لا يسأل أحدهما صاحبه عن شيء، وفي اليوم الثالث قال علي لأبي ذر: ما أمرك؟ وما أقدمك هذه البلدة؟ قال: إنْ كتمت علي أخبرتك. قال علي: فإني أفعل. فأنشأ أبو ذر يقول: بلغنا أنه قد خرج ههنا رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليعرف خبره، فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه. قال علي: أمَا إنك قد رَشَدت، هذا وجهي إليه فاتبعني، ادخل حيث أدخل، وإني إن رأيت أحداً أخافه عليك، قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامضِ أنت.
فمضى علي ومعه أبو ذر، حتى دخلا على النبي عليه الصلاة والسلام، فطلب أبو ذر منه أن يعرض عليه الإسلام، فعرضه وما أبطأ أن أسلم أبو ذر، ثم قال له رسول الله "يا أبا ذر، اكتم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل"، قال: والذي بعثك بالحق، لأصرخنّ بها بين أظهرهم، فجاء إلى الكعبة وحولها قريش، فقال بأعلى صوته: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. فقال القوم: قوموا إلى هذا الصابئ، فقاموا إليه وأوسعوه ضربا، وكان قريبا من هذا المشهد، العباس عم النبي، فأقبل وأدرك أبا ذر، قائلا لقريش ليكفوا عن ضربه: ويلكم، تقتلون رجلا من غِفار، ومتجركم وممركم على غفار. فأقلعوا عنه وتركوه، وفي الغد عاد أبو ذر إلى مثل ما قال بالأمس، فكان من قريش مثل فعلهم الأول، وكان من العباس أيضا، مثل فعله أول مرة.
ذلك هو أبو ذر، رضي الله عنه، منذ أن أسلم، لا يخشى ولا يبالي شيئا أبدا في سبيل الجهر بالحق والصدق، وإن كان فيه ذهاب نفسه، فاستحق لذلك، أن يقول فيه رسول الله "ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء أصدقَ لهجةً من أبي ذر".
عاد أبو ذر من بعدُ إلى قومه وبلده، كما أمره النبي، وجعل هناك يدعو عشيرته، وأبناء غفار جميعا إلى ما تدعو إليه مبادئ الإسلام وأصوله، من مكارم الأخلاق والفضائل مما يرتكز عليه الدين، حتى أخذ نور الإسلام ينتشر وينير العقول، فأسلم الكثير منهم رجالا ونساء، ثم انتقل أبو ذر إلى قبيلة (أسلم)، المجاورة لهم، وكان أن رددوا صدى نداء الإسلام بأفئدتهم وأسلموا كما أسلمت غفار.
في يوم من الأيام بعد واقعة الخندق، أزمع أبو ذر الهجرة إلى المدينة، بعد أن ظهر فيها أمر الإسلام، وصار للمسلمين دولة وكيان، منفذا وصية رسول الله له يوم إسلامه، وسار معه من أسلم من قبيلتي غفار وأسلم، وقدموا جميعا في جمع غفير على النبي، فلما رأى عليه الصلاة والسلام، أبا ذر، روي أنه وَهِمَ في اسمه فقال: أنت أبو نملة. فقال له: أنا أبو ذر، يا رسول الله. فقال: نعم، أبو ذر. ولعل النبي أحب مداعبته فيما قاله، والذَّر معروف أنه صغار النمل. ثم ألقى رسول الله نظرة على وفود غفار وأسلم، مملوءة بالرحمة والعطف لهم، والرضا والشكر لله، وقال داعيا لهم "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله". ولقد كانت أيضا لرسول الله نظرةٌ ملهَمة بوحي السماء توجه بها إلى أبي ذر، استشف من خلالها طبيعة نفس أبي ذر، وعلم الصفة التي ستحكم حياته في الإسلام ويحيا عليها إلى أن يلقى وجه ربه الكريم، ألا وهي صفة الزهد، فكان أن قال عليه الصلاة والسلام "أبو ذر في أمتي، على زهد عيسى بن مريم"، ولقد تحقق هذا القول، وصَدُق أيَّ صدق في حياة أبي ذر، فلم تلهه الدنيا بزينتها وزخارفها، ولم تفتنه بمظاهرها ومباهجها، فيتغير من ثم ويغتر، بل عاش حياته في حدود معنى الزهد، داعيا إلى فكرته، معلنا الحرب المستعرة على طغيان حب المادة والمال، وتطاول معاني الترف والثراء. كان يرى أن خير الناس هم الزاهدون، وأن يوم فقر الإنسان الحقيقي، هو يوم يوضع في القبر، كما يرى أن كثرة المال تستلزم وتستوجب شدة الحساب، فمن أقواله: ذو الدرهمين أشد حسابا من ذي الدرهم. وكان عنده أن في الأموال ثلاثةَ شركاء، هم كما قال: القدر: لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرها، من هلاك أو موت. والوارث: ينتظر أن تضع رأسك، ثم يستاقها وأنت ذميم. وأنت الثالث: فإن استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة، فلا تكونن، فإن الله عز وجل يقول (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).
يرحم الله أبا ذر
لما دنا أجله كان إلى جواره زوجه وهي تبكي بكاءً شديداً على زوجها الذي يموت وليس عنده كفن يسعه، فقال مهونا عليها «لا تبكي، فإني سمعت رسول الله، ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه، يقول: ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين، وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، ولم يبقَ منهم غيري، وهأنذا بالفلاة أموت، فراقبي الطريق فستطلع علينا عصابة من المؤمنين»، ثم فاضت روحه إلى الله، وسمت إلى عليين. فأطلت زوجه على الطريق مترقبة قدوم أحد، فما لبثت طويلا أن رأت قافلة آتية من بعيد تشق غبار الفلاة، حتى وقفت عندها، وكانت تلك القافلة تضم نفرا من المؤمنين، منهم عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، الذي رأى امرأة وبجوارها جثمان مسجى، فأقبل ليرى ما شأنها، ثم نظر وجه الميْت، فإذا به يرى صاحبه وصديقه أبا ذر، فأجهش بالبكاء بدمع غزير وطفق يقبله، وتذكر مقولة سمعها يوما مع الصحابة، من رسول الله، في أبي ذر، وهي قوله عليه الصلاة والسلام «يرحم الله أبا ذر، يمشي وحدَه، ويموت وحدَه، ويبعث وحده».
أبعد هذا الحديث قول يقال في حق أبي ذر، رضي الله عنه، أكبر منه وأعظم، هيهات هيهات، حقا إنه لرجل نسيج وَحْدِه.
من الرياض.. أطيب التهاني للدوحة بيومها الوطني
من فضل الله تعيش دول مجلس التعاون الخليجي اليوم مرحلة غير مسبوقة من التقارب والتنسيق، تعمّقها رؤى قادتها... اقرأ المزيد
27
| 13 ديسمبر 2025
العدالة المعلقة بين النية المبطنة والإبادة المعلنة 1-2
على شريط ساحلي قبالة بحر أبيض، وبتوقيت يكاد يتفق واللحظة، تُعاد كتابة التاريخ بدمٍ لا يزال يجري طوفانه!... اقرأ المزيد
36
| 13 ديسمبر 2025
ذوو الهمم في حياتنا
يحتفل العالم في الثالث من ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة. ذلك اليوم الذي يدعو... اقرأ المزيد
63
| 12 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2325
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2256
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025