رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

351

سعدية مفرح

عن خيبة اللغة!

27 أكتوبر 2025 , 03:37ص

يحدث أحيانًا أن يجلس الكاتب أمام بياض الورق أو فراغ الشاشة كمن يقف في مفترق لا يعرف أي طريقٍ يسلك. الكلمات التي كانت يومًا تتدافع من بين أصابعه كجدولٍ صغير، تجف فجأة، ويتحوّل الحبر إلى غبار ولوحة المفاتيح إلى صخرة. إنها تلك اللحظة التي يسمّيها البعض “حبسة الكتابة”، ويسميها آخرون “خيبة اللغة”. غير أني أراها لحظةَ صدقٍ مؤلمة، حين ترفض اللغة أن تكون شاهد زور على ما لم ينضج بعد في الداخل.

الكتابة ليست آلة تعمل بالأوامر، ولا فكرة تُساق بالعنف نحو الصفحة. إنها كائن خجول، يختبئ حين يشعر بأن الكاتب يطارده بعصبية أو خوف. أحيانًا يكفي أن نسترخي قليلًا، أن نكفّ عن التفكير في النتائج، أن نتوقف عن انتظار النص الكامل أو الفكرة العظيمة، وأن نبدأ من أبسط ما يمرّ بنا؛ رائحة قهوة، صوت جهاز تكييف، ظلّ شجرة على نافذة، أو حتى جملة عابرة قالها أحدهم في المقهى ثم مضى.

الحبسة ليست عدوًّا كما يظن الكثيرون، بل هي طريقة اللغة في أن تقول لنا؛ «تمهّل، هناك شيء لم تفهمه بعد”. 

إنها تلك الوقفة التي تتيح للكاتب أن يستمع إلى ما لم يُقل، أن يلتفت إلى ما يتوارى خلف صخب اليوميّ. فحين تصمت الكلمات، يتكلم الشعور. وحين تتوقف الكتابة، يبدأ الوعي بالكتابة.

جرب أن تكتب بلا خوفٍ من الخطأ، وبلا قلقٍ من المقارنة، وبلا محاولةٍ لإبهار أحد. اكتب كما تتنفس؛ ببطءٍ، بصدقٍ، بلا تكلف. اكتب ما تراه لا ما يُنتظر منك أن تراه. اكتب حتى لو كانت الجملة الأولى مرتبكة، وحتى لو بدت الثانية بلا معنى، لأن الكتابة تشبه الرياضة فعلًا؛ لا تعود العضلات إلى لياقتها إلا بالحركة، ولا تعود اللغة إلى سحرها إلا بالممارسة.

في اللحظة التي تكتب فيها كلمة واحدة، تكون قد بدأت هدم الجدار بينك وبين ذاتك. كل كلمةٍ تفتح بابًا، وكل جملةٍ تُزيح غبارًا تراكم بينك وبين ما تشعر به حقًا. فلا أحد يولد كاتبًا، ولكن كلّ من تجرّأ على الصمت الداخلي وأصغى لنداءٍ خفيّ في داخله، صار واحدًا منهم.

الكلمات ليست حجارة تبنى بها الجمل، بل كائنات حيّة تحتاج إلى هواءٍ ومسافةٍ وصبر. لا تُكرهها على الخروج، بل هيّئ لها المناخ المناسب لتأتي طواعية. لا تراقبها بعين المحاسب، بل احتضنها بعين المحبّ. فالحبسة لا تُهزم بالعنف، بل تُروّض بالرفق.

وحين تشعر بأنك لا تملك ما تكتبه، اكتب عن ذلك الشعور نفسه، عن العجز، عن الخوف من العجز، عن محاولتك الفاشلة في الكتابة. ذلك وحده كافٍ ليعيدك إلى جوهر الكتابة وهو الصدق.

ولعل أجمل النصوص وُلدت من لحظاتٍ كهذه، حين جلس كاتبٌ في الليل يحدّق في ورقةٍ بيضاء لا تقول شيئًا، فكتب عنها، فتكلمت معه، ثم تكلمت عنه.

فلا تخف من الصمت، ولا من البياض، ولا من التوقف المؤقت. الكتابة كالحياة، لا تحتاج أكثر من أن تبدأ، والبداية أحيانًا ليست فكرة، بل نبضة.

ولأن الكتابة تشبه المرآة أكثر مما تشبه النافذة، فإنها لا تُريك ما في الخارج بقدر ما تكشف لك ما في داخلك. وحين تتعثر يدك عن الكتابة، فربما لأنك لوهلةٍ لم تعد ترى نفسك بوضوح، أو لأنك تكتب بعينٍ تخاف الخطأ بدل أن تشتاق إلى الحقيقة. دع النص يرى وجهك الحقيقي، بارتباكه وضعفه وتردده، فالنصوص المدهشة لم تولد من اكتمالٍ مصطنع، بل من هشاشةٍ صادقةٍ قاومت الخوف وكتبت رغم كل شيء.

اقرأ المزيد

alsharq قضايـانا المتسـارعة تباعاً

السودان يستغيث وسوريا تستغيث وفلسطين تستغيث واليمن يستغيث وليبيا تستغيث وماذا بعد؟! وأنا جادة في السؤال لأنني بتُّ... اقرأ المزيد

87

| 29 أكتوبر 2025

alsharq قطر.. حين تتحدث الحكمة في زمن الحرب

في زمنٍ ارتفعت فيه أصوات الصواريخ، اختارت قطر أن يكون صوتها سلاماً يعلو على الضجيج، ليُثبت للعالم أن... اقرأ المزيد

129

| 29 أكتوبر 2025

alsharq المثقف في محكمة التاريخ.. الحقيقة أم الولاء؟

منذ أقدم الأزمنة، كان المثقف يقف على خط النار بين السلطة والجماهير، بين إغراء الولاء وضغط الضمير. وفي... اقرأ المزيد

48

| 29 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية