رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عصام بيومي

إعلامي وباحث سياسي
ماجستير العلوم السياسية

مساحة إعلانية

مقالات

1008

عصام بيومي

«عصر الزيف».. من يملك الحقيقة؟

02 أكتوبر 2024 , 02:00ص

هناك أقوال كثيرة في صعوبة مقاربة «الحقيقة»، أحدها أن الناس لا تحب سماعها، وهذا تمت نسبته إلى كل من نيتشة ودوستويفسكي. وأحسب أن «أعداء الإنسانية» روجوه عن قصد، حتى يكذبوا ويقولوا «هذا ما تطلبه الجماهير». وللأديب التشيكي فرانز كافكا مقولة أغرب هي «من الصعب تحديد الحقيقة، فرغم أن الحقيقة واحدة، إلا أنها حية وتتغير باستمرار». ولي مقال منشور بمجلة «الشباب» المصرية، منذ نحو 35 عاما، بعنوان «زوايا»، أقول فيه «إن حقيقة الشيء تختلف باختلاف الزاوية التي ينظر منها كل واحد».

ومحاولات تشويه الحقيقة لم تتوقف على مر العصور، وإن اختلف مداها وطرقها. لكن أخطر مشروع منظم لطمسها بدأ عندما ابتدع أعداء الإنسانية ما يسمى الفلسفة في العصر اليوناني، كما أشرت سابقا، وظلوا يبحثون من وقتها عن الحقيقة، بزعمهم، معتبرين أن العقل والعلم، وليس الوحي الإلهي، هو الطريق الوحيد لمعرفتها، حتى يحتكروا العلم ومن ثم يحتكرون الحقيقة،،، وقد كان.

في مقال «عصر البَيْنَ بَيْن» استعرضنا الضبابية التي تغلف المواقف السياسية والاقتصادية في العالم. واليوم نتحدث عن ضبابية أكبر تغلف كل شيء في حياتنا، ضبابية جعلت كُتاب الغرب يطلقون على زمننا هذا «عصر ما بعد الحقيقة». وأحسب أن الأدق تسميته «عصر الزيف». وهو عصر كان تدشينه أوائل القرن الحالي. فعلى طريقة «إعلام السامسونج العالمي»، (تناولناه سابقا)، خرج «كُتاب السامسونج» ببرامج ومقالات وكتب تحمل نفس الكلمات تقريبا، «ما بعد الحقيقة»، من بينها كتاب رالف كييز، 2004، وإيفان ديفيز، 2017، ولي ماكنتاير، 2018، وكين فيلبر، 2024. بل إن «نيتفليكس» أنتجت فيلما بعنوان «عالم ما بعد الحقيقة»،2022. وهذا جزء أصيل من عملية صناعة الكفر، التي تعتمد الإغراق في كل شيء؛ إغراق بمواقع النت والبرامج والأغاني والأفلام والمسلسلات والألعاب..إلخ. وأيضا بالمعلومات، بحيث تشيع الفوضى بكل أشكالها بين الناس، عقائديا، وفكريا، وسياسيا، واجتماعيا، وتصبح كل المعاني سائلة ويندثر التعريف المحدد لأي فكرة ولأي شيء، ويتلاشى الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال، ويسود عدم اليقين. أبرز مثال على ذلك هو ما باتوا يسمونه «الجندر» ويقصدون به نوع الإنسان، الذي لم يعد ذكرا وأنثى كما قال الخالق سبحانه وتعالى، بل جعلوه، في كندا مثلا، أنواعا تصل إلى 72، بحسب موقع (ميديسن نت).

 ويفسر هذا ما ذكرته سابقا من أننا «نعيش في اللا واقع»،(living in the HyperReality). بمعنى أننا نعيش في واقع تصنعه النُخب، ذلك الـ1% الذين يتحكمون بالعالم. فما ترصده كاميرات إعلامهم هو الواقع وهو الحياة وكل شيء خارج ذلك ليس واقعا، وليس موجودا. وما تقوله أبواقهم فذاك هو الحق والحقيقة، وما عدا ذلك فلا يعتد به. وهنا تصبح المقاومة إرهابا، وإرهاب العدو دفاعا عن النفس، وهكذا. وهذا تحديدا هو الزيف بعينه، وهو جزء من «حرب العقول» التي تحدثنا عنها سابقا. وهذا ما يؤكده ماكنتاير بقوله: إن ما يبدو جلياً في عصر «ما بعد الحقيقة» هو التشكيك، ليس في فكرة معرفة الواقع، بل في وجود الواقع نفسه».

وفي كل تلك الكتب والمقالات وحتى المعاجم يُعرف عصر «ما بعد الحقيقة» بأنه لا يعني، بالضرورة، عكس الحقيقة وإنما «فقدان الحقائق مكانتها، وازدياد الأكاذيب، والاستخدام الانتقائي للحقائق»، بحسب إيفان ديفيز. وكان يمكن تعريف هذا العصر، بفرض توفر حسن النية، بأنه عصر تفسير الحقيقة كل حسب مصلحته وأهوائه. ولأن حسن النية مفقود، بالقطع، يبقى تفسير الحقيقة بحسب مصلحة النُخب وفقط. ما يجعلنا فعليا في عصر «صناعة الزيف»، وهذا ما يؤكده ماكنتاير بقوله إن «ما بعد الحقيقة» هو فرض الرأي بالقوة والهيمنة السياسية، مضيفا «إن المؤسسات والشركات الكبرى تحاول التغطية على آثار فسادها، بصناعة خطاب علمي وإعلامي ينسجم مع مصالحها. خطاب يضلل الرأي العام، ويخلق حقائق ليست حقيقية، ومدارك ومعارف تبدو علمية». وفي ذلك يقول د. جون يوانديس، جامعة ستانفورد، في مقال بعنوان «سبب كون أغلب نتائج الأبحاث المنشورة خطأ»، 2005، «إن كثيرا مما يتم تدريسه في كليات الطب والصيدلة مغلوط، وتجب إعادة النظر فيه»!.

 قد تكون وسائل التواصل الاجتماعي أبطلت جزئيا نظرية «تدفق المعلومات»،(من الغرب إلى الشرق)، التي درسناها في كليات الإعلام قديما. لكنها لم ولن تبطل نظرية «حارس البوابة الإعلامية»، التي تعلمناها أيضا هناك، بل أكدتها وعززتها. فهي أولا، جعلت المعلومات فوضى تتدفق في كل اتجاه ومن كل مصدر. وثانيا، يظل المتحكم الأكبر في تلك المعلومات التي لا يعرف أحد كاذبها من صادقها هو حارس البوابة الكبرى الذي يمتلك وسائل التواصل كلها قديمها وحديثها، ويتحكم أيضا في قواعدها وإدارتها، بل ويصيغ ويطبق نظرياتها، ومن أحدثها، «متى تقال الحقيقة»، إذ يمكنك قهر عدوك بقول الحقيقة ولكن في الوقت الذي لا يريده هو، تقديما أو تأخيرا.

اقرأ المزيد

alsharq Bien hecho España

مع احترامنا لجميع الدول التي ساندت أهل غزة والحكومات التي كانت تدين وتندد دائماً بسياسات إسرائيل الوحشية والإبادة... اقرأ المزيد

258

| 27 أكتوبر 2025

alsharq التوظيف السياسي للتصوف

لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح فارقا مهما بين شيئين: الأول هو «التصوف» الذي تختلف الناس... اقرأ المزيد

123

| 27 أكتوبر 2025

alsharq عن خيبة اللغة!

يحدث أحيانًا أن يجلس الكاتب أمام بياض الورق أو فراغ الشاشة كمن يقف في مفترق لا يعرف أي... اقرأ المزيد

282

| 27 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية