رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كدت أخصص مقالي هذا لمناقشة فكر نيكولو مكيافيلي، بصفته أحد "المثقفين العالميين"، الذين أثّروا تأثيرا بالغا في تاريخ العالم ومنطقتنا بالخصوص. وبالفعل سألت ما يسمى الذكاء الصناعي: ماذا لو أن مكيافيلي المفكر الإيطالي، خلال ما يسمى عصر النهضة، عاد إلى الحياة الآن. ووجدت أن الإجابة بشيء من التلخيص والتصرف، هي أنه سيكون فخورا بنفسه للغاية، فعالم "شريعة الغاب"، والاستبداد، و "اللا أخلاق"، الذي تصوره أو نظّرَ له متجسد الآن بكل تفاصيله.
فأغلب مقولات مكيافيلي، المتوفى عام 1527، التي قيل إنها جاءت في شكل نصائح لحاكم جمهورية فلورنسا قبل 500 عام، في كتابه "الأمير"، متحققة بحذافيرها في عالم اليوم: "فرّق تَسُد"، "لا تضع سلاحك أولًا"، "الربح هو الفضيلة الجديدة"، "الهيمنة أهم من العدالة"، "تَظاهَر بالفضيلة، وتصرَف بدهاء"، "الولاء مؤقت" ولا تثق حتى في أقرب مستشاريك"، "الشعب أداة، وليس سيدًا.. أبقِهم مشغولين"، "القوة تُنتزع، لا تُمنح.. والمتردد يخسر."
لكني تذكرت معلومة مهمة لا يعرفها كثيرون، وهي أن أهم نصيحة سياسية مأثورة عن مكيافيلي، "الغاية تبرر الوسيلة"، ليست من نظمه، ولكن يدا خفية طورت كلماته، في وقت ما، لتعطيها زخما أكبر. فبعض "شياطين السياسة" الذين سميتُهم سابقا "أنبياء العصر"، بلوروا هذا المفهوم من مضمون عبارة يقول فيها ".. ينبغي النظر إلى الغاية وليس الوسيلة".
بل إن بعض الخبراء قالوا إن كتابات مكيافيلي، أسيء فهمها، ولم تكن تدعو للاستبداد. وهذا أمر لاحظته مرارا من واقع دراستي للعلوم السياسية، فكثير مما هو منسوب إلى فلاسفة أو مفكرين غربيين، تم إلصاقه بهم. يقول المحْدَثون: "تم العثور على كذا وكذا، من أعمال فلان أو علان من الفلاسفة"، الأقدمين، وحتى بعض المعاصرين، وبالطبع بعد موتهم. وحتى مكيافيلي نفسه، نشرت الصحافة الإيطالية في العام 2019، تقريرا يقول: "اكتشاف مخطوطات يعتقد أنها تعود لمكيافيلي"!
وهنا تتضافر حقائق أخرى لتؤكد التلاعب بالأفكار وبالفلاسفة.
فكتاب "الأمير" نُشر بعد موت مكيافيلي، وثارت شكوك كثيرة حول تعرضه للتحريف. والأهم، أن معظم نظرياته السياسية تمت صياغتها في القرن العشرين بعدما سيطر الصهيوماسون على الجامعات ومراكز البحث بالكامل.
حيث تفنن هؤلاء في تزوير التاريخ، وكتابته بحسب مزاجهم ومصالحهم، لدرجة قد تخيف مكيافيلي نفسه لو عاد اليوم.
يعيدنا هذا إلى موضوع مقالنا السابق، "المثقف العالمي والمثقف المحلي"، لنقرر فكرة مفادها أن استئثار "الغرب" بالتنظير "الفلسفي" ومنه "السياسي" كان وما يزال أمرا مدبرا ومتعمدا ومليئًا بالتلاعب. فمحلية تفكير أغلب المثقفين العرب سببها الأساسي "التبعية" والاستسلام للحصار الإمبريالي بكل أشكاله ومنه الاحتلال الثقافي. وفي هذا تقول خبيرة الإعلام العربية د. عواطف عبدالرحمن في كتابها "قضايا التبعية الثقافية والإعلامية في العالم الثالث"، 1984، إن التطور التكنولوجي جعل دول العالم الثالث سوقا استهلاكية للمنتجات الثقافية للدول الرأسمالية بكل تناقضاتها. وهذا أيضا ما أكده الأمريكي هيربرت شيلر في كتابه "المتلاعبون بالعقول"،1973، بقوله إن فرض التبعية الثقافية والإعلامية على العالم الثالث كان وراءه "جهد أمريكي منظم وواع، بكل الوسائل العسكرية والاقتصادية والإعلامية".
فقد حال "الغرب" طويلا، بتلميعه مقولات فلاسفته وفلسفاته، دون ظهور تألق إبداعات وحِكَم مفكرينا وحكمائنا، وأدى ذلك إلى جعل مثقفيه عالميين، ومثقفينا محليين، مع أن عندنا من التراث ما لو أزيح عنه الغبار، وسوّقْناه تسويقا صحيحا، لملأنا به كتبا ومجلدات تفوق كل ما أنتجه "الغربيون" أو ما قيل إنهم أنتجوه. فكثير من ذلك ألفه محْدَثون، بحسب احتياجاتهم السياسية، وتمت نسبته لقدماء لإضفاء أهمية ومصداقية أكبر عليه.
هنا يتبين أن روائع الفكر العربي الإسلامي واجهت معوقات عدة. الأولى، أنها لم تجد الاهتمام الكافي، ولا الآلة الإعلامية التي ترفع شأنها، في مواجهة ما يسمى الفلسفة الغربية "المفبركة"، والثانية أن "المجرمين" ولا أقول المفكرين الغربيين سرقوا كثيرا من تلك الروائع ونسبوها إلى أنفسهم إما مباشرة أو بتعديلات، كما بينت في مقال "تشويه التاريخ.. "إعادة الضبط الإسلامية" فرض عين!"،13-11-2024، ومن ذلك مقولات للإمام علي ومعاوية والحسن البصري. وواكب ذلك تحقير أو تهميش كل إسهامات الفكر الإسلامي، لإحداث ذلك الشعور بالدونية لدى المواطن وحتى المثقف العربي المسلم. وثالثة، أن كل ذلك أحبط فكرنا وأوقف نموه.
والراجح أنه لا يوجد كتاب عربي كلاسيكي يناظر الرؤية المكيافيلية المفترضة (الغاية تبرر الوسيلة) بشكل صريح،
لكن هناك نماذج كثيرة في التراث العربي تسبق كثيرا كتاب مكيافيلي وتتحدث في الموضوع ذاته، ومنها سراج الملوك للطرطوشي، والأحكام السلطانية" للماوردي، وتحفة الملوك للغزالي، وكلها في نفس الفترة الزمنية تقريبا. ومنها أيضا، مقدمة ابن خلدون، التي أثبتت الدراسات تأثُر مكيافيلي بها، وبأعمال فكرية عربية أخرى مثل كليلة ودمنة.
العجيب أن هناك فتوى لأبي حنيفة يجيز فيها ما يمكن تسميته "الواقعية السياسية". وفي ذلك قال القرطبي: "وفيه (كذلك كدنا ليوسف) جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تخالف شريعة، ولم تهدم أصلاً، خلافًا لأبي حنيفة في تجويزه الحيل وإن خالفت الأصول، وخرمت التحليل". والمعنى أننا نحن أهل الحكمة والسياسة، ويكفي أن "أرطبوننا هزم أرطبونهم" (عمرو بن العاص وأرناط)، عندما كانت المعادلة صحيحة؛ دولة مقابل دولة!.
وبما أننا، في عصر التبعية والحصار، أمام تضخيم متعمد لمفكري الغرب وتهميش وتقزيم لمثقفينا المحليين. فنحن نحتاج "مثقفين عالميين" عربا للعمل على إنهاء هذه التبعية.
Bien hecho España
مع احترامنا لجميع الدول التي ساندت أهل غزة والحكومات التي كانت تدين وتندد دائماً بسياسات إسرائيل الوحشية والإبادة... اقرأ المزيد
261
| 27 أكتوبر 2025
التوظيف السياسي للتصوف
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح فارقا مهما بين شيئين: الأول هو «التصوف» الذي تختلف الناس... اقرأ المزيد
132
| 27 أكتوبر 2025
عن خيبة اللغة!
يحدث أحيانًا أن يجلس الكاتب أمام بياض الورق أو فراغ الشاشة كمن يقف في مفترق لا يعرف أي... اقرأ المزيد
288
| 27 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إعلامي وباحث سياسي
ماجستير العلوم السياسية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6393
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6387
| 24 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5103
| 20 أكتوبر 2025