رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كنت قد عزمت، أن أدع قلمي ساكناً، وأتركه ساكتاً، ليبقى صامتاً، لا ينطق بحرف واحد، ولا ينبض بكلمة وحيدة، ولا يدوّن جملة مفيدة، ولا يرسم فاصلة جديدة، ولا يخوض في قضايا الداخل والخارج!
لكن كارثة غزة، بكل الدماء التي تسيل من صميمها، والأشلاء التي تتناثر في حميمها، حركت في داخلي فورة إنسانية، ولا أقول «ثورة حماسية»، لأكتب عن المجازر الوحشية، التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
وقبل الاسترسال، في هذا المجال، عبر هذا المقال، لا بد من الاستهلال، وليس أفضل في هذا الشأن من الاستدلال.
وهذا يتحقق، من خلال الإشادة، وليس الإشارة فحسب، بالوساطة القطرية الحيوية الإيجابية، التي تقوم بها الدوحة، من أجل التوصل إلى صيغة أو «صفقة» لوقف إطلاق النار في غزة، بالتنسيق مع الوسطاء الآخرين، وسط ظروف إقليمية بالغة التعقيد، ومتغيرات ميدانية بالغة التصعيد.
وما من شك في أن نجاح الوساطة النزيهة، في هذه اللحظة المفصلية، بل المصيرية، يرتبط بضرورة خفض التصعيد العسكري الإسرائيلي المتصاعد، في القطاع الفلسطيني المقطع.
هناك في قطاع غزة، المقطوع الأوصال، وأيضاً في مخيمات الضفة الغربية، شمالاً، في طولكرم، وطوباس وجنين، حيث تتواصل الاقتحامات، والاعتداءات الإسرائيلية، وتتوسع الهجمات العدوانية، واسعة النطاق.
هناك حيث تتزايد الانتهاكات الصهيونية، التي ترتكبها وحدات الجيش الإسرائيلي، ضد المدنيين، ولا أقول «المدانين»، بمشاركة قطعان من المستوطنين.
هناك تشهد قضية فلسطين، أخطر مراحلها، وتعيش أصعب فصولها، منذ نكبة 1948، مع إصرار الإرهابي نتنياهو، وحكومته المتطرفة، على إلغاء الوجود الفلسطيني، عبر تدمير وتهجير الفلسطينيين، في محاولة صهيونية، للتخلص منهم، ومن مقاومتهم، ومن حقوقهم، ومن قضيتهم إلى الأبد.
ووسط هذا الواقع الفلسطيني المؤلم، والظرف السياسي المظلم، يتواصل تعثر المفاوضات، وتتبعثر أوراق المباحثات، في العديد من الجولات، التي عقدت لتقليص الفجوات، وإزالة العقبات.
وتتعطل العديد من المحاولات، التي بذلت حتى الآن، من أجل الوصول إلى اتفاق، لوقف إطلاق النار، وإطلاق سـراح الأسرى والمحتجزين في كلا الجانبين، تمهيداً لإنهاء الحملة العسكرية الوحشية الإسرائيلية، ضد الفلسطينيين.
وفي سياق ذلك التعثر السياسي، والتبعثر الدبلوماسي، الذي تقوده الولايات المتحدة، المنحازة لإسرائيل، قولاً وفعلاً وتفاعلاً، تواصل آلة الحرب الإسرائيلية، غاراتها وتوغلاتها وتغولاتها، على جميع فئات ومكونات الشعب الفلسطيني.
وتستمر في حرق الأرواح البريئة كل يوم، واستهداف التجمعات المدنية، وتفجير الأحياء السكنية، وتدمير المربعات الحضارية، المتمثلة في المستشفيات والمدارس والجامعات، وجميع المؤسسات، وسحق كل مظاهر الحياة الفلسطينية، ومحوها من خريطة الوجود.
وما من شك، في أن هذا التصعيد، على كل صعيد، تتحمل مسؤوليته الولايات المتحدة، بالدرجة الأولى، التي يبدو أنها لا تريد تغيير الواقع الاستعماري، الاستيطاني، غير الإنساني في الأراضي المحتلة.
ولهذا تسعى واقعياً وعملياً وفعلياً وميدانياً، لتثبيت الاحتلال، وانتهاك حقوق الفلسطينيين، من خلال قيامها بتوفير الدعم العسكري، والحماية السياسية، للكيان الصهيوني، ليواصل حربه ضد الشعب الفلسطيني.
والمفجع أن هذه الحرب الطاحنة، يختلط في أحداثها البشعة، الخوف مع الفزع، ويمتزج في تطوراتها الوقحة، الهلع والجزع، بعدما فقدت الإنسانية قيمها وقيمتها، مع استمرار همجية الاحتلال، في حصد أرواح آلاف الأطفال.
ومع مواصلة إسرائيل حربها الوحشية، ضد الفلسطينيين، التي انتهكت خلالها القوانين الإنسانية، وتجاهلت المعايير الدولية، وتجاوزت الضوابط القانونية، في مجال حماية المدنيين، أتوقف عند قوائم الشهداء الأبرياء، ضحايا الحرب الإسرائيلية، الذين ارتقت أرواحهم إلى السماء.
هناك في غزة المنكوبة، أكثر من (40 ألف) روح فلسطينية بريئة، أزهقتها إسرائيل قصفاً.
هناك أكثر من (40 ألف) نفس بشرية، فتكت بها حكومة التطرف الصهيوني.
هناك أكثر من (40 ألف) حياة، دمرتها إسرائيل، وشطبتها من قوائم الأحياء.
هناك الجموع الفلسطينية متأثرة، الأشلاء متناثرة، الأجساد متحللة، الأجسام متفحمة، ولا شيء في غزة، غير رائحة الدم!
هناك الجروح لا تلتئم، الإصابات لا تندمل، الأوجاع لا تتعافى، الدمار في كل مكان، والفلسطيني لا يشعر بالأمان.
هناك في غزة، لا وجود لما يسمونه «حقوق الإنسان»، ولا قيمة لما يُعرف أممياً باسم «القانون الدولي الإنساني» ولا مكان إلا للمجازر الوحشية، والمقابر الجماعية.
هناك المجرم نتنياهو، ولا يوقف طاحونة القتل.
المتطرف «بن غفير»، لا يوقف خطاب الكراهية.
المتعجرف «سموتيرتش»، لا يوقف تصريحاته العدوانية.
هناك يتواصل التوحش الإسرائيلي، لحكومة المتوحشين الصهاينة، ضد المدنيين الفلسطينيين، بدعم أمريكي، وصمت غربي، وخواء عربي، وخوار أممي!
هناك لا تكاد تجف دماء مجزرة، حتى نتابع أخرى، أكثر بشاعة منها، دون أن يستيقظ ضمير العالم، ودون أن يتحرك النظام الرسمي العربي، لإيقاف المذابح، باستثناء الموقف الأخلاقي والأخوي، والإنساني، والسياسي، الذي تتبناه الدبلوماسية القطرية، سعياً لوقف إطلاق النار، والإفراج عن الأسرى في كلا الجانبين وإنهاء الحرب.
هناك في خان يونس، وتل الهوى، ودير البلح، ومخيم الشاطئ، ومخيم النصيرات، وسائر المخيمات.
وأيضاً في بيت حانون، وحي الزيتون المأساة الفلسطينية لا حدود لها، والمعاناة الإنسانية لا سقف لها، ومواكب الشهداء لا نهاية لها، ومثلها مراسم العزاء.
هناك نهشت الكلاب الضالة جثث ضحايا أبرياء، تركت في الطرقات، وغيرها جثامين المئات من الشهداء، تحللت في شوارع القطاع المقطع!
هناك سويت أحياء سكنية كاملة بالأرض، خلال تفجيرات عدوانية متعمدة ومتعددة، قام بها جنود الاحتلال، خلال اقتحاماتهم للمربعات المدنية.
هناك قام الجنود الصهاينة، بإحراق المباني، وإضرام النيران في المساكن عمداً، لجعلها غير صالحة للسكن، بناء على أوامر مباشرة من قادتهم، تطبيقاً لسياسة الأرض المحروقة.
وأمام هذا الاستهداف الإسرائيلي الممنهج، والعدوان الصهيوني المبرمج، أستطيع القول باللهجة «الغزاوية»:
«ما ضلش حدا» يأمن على حياته في غزة!
والمؤلم إلى أقصى درجات الألم، أن هذا هو واقع الحال في غزة، التي يعاني أهلها من سوء الأحوال، واشتداد الأهوال، وعجز العقل، مع تواصل هذه الجرائم الصهيونية البشعة، عن التمييز بين الواقع والخيال، حيث تفوح هناك رائحة الموت، وتسيل دماء الشهداء بين الركام، وتنتشر بقايا الأشلاء بين الحطام!
والأكثر إيلاماً، أن القصف الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من (10 شهور)، تسبب في حدوث كارثة إنسانية، لا يمكن تخيلها، ومجاعة غذائية لا يمكن تحملها، ومعاناة بشرية لا يمكن وصفها، ولا يمكن قبولها، ولا يمكن تمريرها، ولا يمكن تجميلها، ولا يمكن التسامح معها، ولا يمكن السماح بها.
والمعيب، ولا أقول العجيب، أن الإدارة الأمريكية، التي صدعتنا بخطابها «الزئبقي»، عما تسميه «حقوق الإنسان» بعدما نصبت نفسها، للدفاع عن «حريات الشعوب»، تتجاهل استغاثات الفلسطينيين، وصرخات المنكوبين، ونداءات المستضعفين في غزة!
وتتعامى عن مشاهدة المستهدفين، من الأبرياء المدنيين، الذين تستهدفهم الصواريخ الإسرائيلية، والغارات الصهيونية يومياً.
فلا ترى المشهد الفلسطيني الدامي، إلا بعين الكيان الصهيوني، ولا تسمع إلا بأذن نتنياهو، ولا تنطق إلا بلسان حكومته المتطرفة.
وما يثير السخط على وجه الخصوص، أن الولايات المتحدة، وتوابعها من دول الغرب الأوروبي، تشاهد المجازر الوحشية، التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، والتي تنقلها قناة «الجزيرة» بكاميراتها، وعدسات مصوريها، وتقارير مراسليها، وغيرها من القنوات الفضائية العالمية.
لكن واشنطن، وتوابعها تبدو غير مكترثة، بارتفاع أعداد الضحايا الأبرياء، وغير متأثرة بالقصف الإسرائيلي الهمجي، الذي تسبب في سفك الكثير من الدماء، وغير مبالية بتقطيع أجساد أطفال فلسطين، وتحويلها إلى أشلاء.
ومع تواصل هذا العدوان الإسرائيلي، غير المسبوق، نقف أمام إجرام صهيوني فادح، ومشهد دموي واضح، وموقف سادي فاضح، تجسده حكومة الاحتلال الإرهابية، وجيشها الغاشم، ولا أقول الغانم، المدجج بكافة أسلحة القتل والتدمير.
وما يثير العجب، ولا أقول الإعجاب، أن «أنتوني بلينكن»، رئيس الدبلوماسية الأمريكية، كرر خلال زيارته التاسعة إلى المنطقة، منذ السابع من أكتوبر، تصريحاته «الزئبقية»، معلناً حرص بلاده على «تهدئة التوترات في المنطقة»!
ولا أدري كيف تهدأ التوترات في الشرق الأوسط، مع استمرار الولايات المتحدة، تزويد إسرائيل، بالسلاح الأمريكي المدمر، الذي تستخدمه حكومة الإرهاب الصهيوني، لقتل الفلسطينيين؟
وكيف يمكن أن تتوقف الاضطرابات في المنطقة، مع إصرار واشنطن على استخدام «الفيتو»، في مجلس الأمن، لإجهاض أي قرارات أممية تدين إسرائيل؟
وكيف يمكن أن تنتهي الصراعات في الشرق الأوسط، بينما الولايات المتحدة، تتماهى مع الموقف الإسرائيلي، المناهض لحقوق الفلسطينيين المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية؟
وكيف يمكن أن يتحقق «الاستقرار الإقليمي»، بعد إعلان حكومة التطرف الإسرائيلي، أن إسرائيل لن تنسحب من المواقع «الاستراتيجية»، التي احتلتها، وسيطرت عليها، خلال حربها على قطاع غزة، وتحديداً محور «نتساريم»، الذي يقسم القطاع المقطع، إلى قسمين: شمالي وجنوبي.
بالإضافة، إلى سيطرتها على محور «فيلادلفيا» المعروف فلسطينياً باسم «صلاح الدين»، الذي يستمد أهميته الاستراتيجية، من احتضانه «معبر رفع»، المنفذ الرسمي الحيوي الوحيد، على الحدود الفلسطينية المصرية.
ونشر قواتها على طوله، مثل «ورم سرطاني» مما يشكل تهديداً مستمراً للأمن القومي المصري، بعد اقتحامه بالدبابات الإسرائيلية، وإحكام قبضتها العسكرية عليه، في انتهاك سافر غادر، لمعاهدة «السلام» الموقعة عام 1979، بين القاهرة وتل أبيب.
يحدث هذا الانتهاك الصهيوني، في ظل وقوف الولايات المتحدة، موقف المتفرج على ما يجري في المنطقة المضطربة، رغم أنها الراعي الرسمي، والضامن السياسي الدولي، لاتفاقية السلام المثيرة للجدل الموقعة بين مصر وإسرائيل.
أقول هذا في إطار «حرية التعبير»، التي تدعي واشنطن أنها تؤمن بها، وفي سياق هذه الحرية أيضاً أقول لوزير الخارجية الأمريكي، الذي اعتاد خلال زياراته للمنطقة، إظهار انحيازه المفضوح للموقف الإسرائيلي، وإطلاق تصريحاته «اللزجة»، التي لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، إلا لصالح إسرائيل:
إذا كنتم تريدون فعلاً «تهدئة التوترات في المنطقة»، أوقفوا الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، والانتهاكات الصهيونية لحقوق الآخرين.
وتوقفوا عن تزويد إسرائيل بالأسلحة المدمرة، التي تستخدمها في قتل الفلسطينيين الأبرياء.
وبادروا بوضع قواعد «حل الدولتين» في الشرق الأوسط، قبل نهاية الفترة المتبقية من ولاية «بايدن»، المخضبة بدماء المدنيين.
وعدا ذلك ستبقى «حركاتكم»، ولا أقول تحركاتكم الدبلوماسية، في المنطقة، مجرد حركات «زئبقية» لكسب الوقت، وإطالة الحرب الإسرائيلية.
وستبقى محاولاتكم «الرخوة»، لوقف إطلاق النار، مجرد غطاء لتحقيق أهداف نتنياهو، وحكومته المتطرفة، المتعطشة لسفك المزيد من دماء الفلسطينيين.
ومع عدم ظهور أي مؤشرات إيجابية حتى الآن، ولا إشارات عملية في المفاوضات، تشير إلى قرب التوصل إلى اتفاق أو صيغة أو «صفقة» لوقف الحرب المسعورة، ستبقى الكارثة الإنسانية، التي يعاني منها أهلنا في غزة، تعكس حالة غير مسبوقة، من الظلم الأمريكي، والضيم الدولي.
كما تعكس حالة مخزية، ولا أقول مخجلة، من الخنوع والخضوع والعجز العربي، ممثلة في «الجامعة العربية»، العاجزة عن التحرك، أو حتى إطلاق حراك دبلوماسي، لوقف انتهاكات إسرائيل.
وكأن ما يجري في غزة لا يعنيها، ولا يهم «أمينها العام» الذي يتابع الأحداث، وكأنه يشاهد مسلسل «الاختيار» أو فيلماً من أفلام «الأكشن»، التي يمثلها «نمبرون» المدعو محمد رمضان!
ووسط غياب «جامعة العرب»، عن وقف المجازر الوحشية، التي ترتكبها إسرائيل ضد العرب، والمذابح التي تستهدف خلالها أبناء العرب، وشيوخ العرب، ونساء العرب، وأطفال العرب في قطاع غزة، ستبقى مواكب الشهداء، تشهد على تضحيات الفلسطينيين، الذين اختارهم الله، وشرفهم بنيل الوسام الإلهي.
وما من شك في أن شهداء غزة، ومدن وقرى الضفة المحتلة، يصنعون بأرواحهم معراجاً، إلى النصر المبين، ويعبدون بدمائهم طريق الحرية والاستقلال.
ستظل أسماؤهم، رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالاً، محفورة في سجلات التاريخ، ومحفوظة في الذاكرة، والقلوب والضمائر الحية.
فسلام عليهم يوم ولدوا..
ويوم استشهدوا، ويوم صاروا عند ربهم أحياء يرزقون.
وهذا مني سلام آخر، على شهداء غزة.
وسلام دائم على شهداء فلسطين.
والمجد، والنصر، للمقاومة الفلسطينية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4041
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1731
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1575
| 02 ديسمبر 2025