رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قدم المدينة المنورة ذات يوم، وفد من نصارى نجران، وأتَوْا مجلس النبي عليه الصلاة والسلام، وهو جالس مع نفر من أصحابه، فلما استقروا في مجلسهم، جعل رسول الله، يعرض عليهم الإسلام، ويدعوهم إلى الإيمان، ولكن القوم أبَوْا إلا أن يقيموا على دينهم، وقبل أن يهموا بالانصراف من عنده، ليرجعوا إلى ديارهم، سألوه أن يبعث معهم رجلا من أصحابه ليحكم بينهم، ويَفصل في أمور قد اختلفوا فيها، وتنازعوا عليهما، فقال لهم رسول الله: (لأبعثنّ إليكم رجلا، أمينا حَقَّ أمين، حق أمين- قالها ثلاثا- فائتوني العشيّة).
سمع الصحابة ممن كان في المجلس هذه المقالة، فودّ كل منهم أن يكون هو الأمين الذي يعنيه رسول الله، والذي سيبعثه مع وفد نجران، واستشرفت نفوسهم لهذا الثناء والتزكية:(حقَّ أمين، حق أمين)، من النبي الكريم، فإن ذلك عز وفخر لمن يظفر به ويناله، حتى إن عمر بن الخطاب، الفاروق- وكان حاضرا- قال: (ما أحببت الإمارة قط، حبي إياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها)، فراح عمر إلى صلاة الظهر مبكرا، فلما صلى بهم رسول الله، سلّم ثم أخذ ينظر عن يمينه وعن يساره، وهنا طفق عمر يتطاول، ويمدُّ عنقه حتى يراه رسول الله، الذي لم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح، فدعاه، وقال: (اخرج معهم فاقضِ بينهم بالحق، فيما اختلفوا فيه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح). هنالك غبط عمر أبا عبيدة، وجعل ينظر إليه بإعجاب وإكبار، ومن يومئذ عظم في عينه، وأحبه حبا كبيرا، كما سنعرف فيما يأتي معنا.
استمر أبو عبيدة بن الجراح أمينا على الأمة، يحمل أمانتها، بعد وفاة رسول الله، مثلما كان من قبل، يعمل مخلصا في عمله، ويجاهد متفانيا في جهاده، لا تفتر همته، يبذل في سبيل أمته كل ما تستطيعه يده، وتقوى عليه نفسه، محملا نفسه ما يطيق، وما لا يطيق، من أجل نصر دين الله، ورفع راية الإسلام، ومن أجل كرامة الأمة، ذلك هو فعل أبو عبيدة، وتلك هي روحه الطاهرة، فأكرِمْ به، وأعظِمْ من أمين، خليق بالأمانة جدير بها.
رأى عمر في خلافته أن يولي أبا عبيدة قيادة جيوش المسلمين في بلاد الشام، فسار الأمين بالجيش نحو الشام لملاقاة الأخطار التي تواجه مصير الإسلام هناك من أعدائه المتربصين بالمسلمين، وهناك أثبت بطولة وبسالة، فحقق الانتصارات التي ضربت قوى الروم وقضت عليها، وتقدم يمضي من انتصار إلى انتصار، وينتقل من نجاح إلى نجاح، حتى فتح الله على يده ديار الشام وحررها من اضطهاد الرومان، فشاع فيها نور الإيمان، فكان أهلها من ثم يعرفون له بلاءه هذا، وعرفوا من قبل منزلته الجليلة في الإسلام، منذ أن بعث الله رسوله، كما عرفوا أيضا مكانته عند أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، الذي ألقى إليه قيادة جيوش المسلمين، مفضلا إياه على من سواه من كبار القادة، وأبطال الحروب، عرف أهل الشام كل ذلك، فراحوا يطلقون عليه لقب (أمير الأمراء).
ما كاد يعلم أبو عبيدة بما يقوله الناس عنه من حديث المديح والتبجيل، وما إلى ذلك من الافتتان بشخصه، حتى وقف على جموعهم يقول لهم، وهو المؤمن التقي، والقائد المتواضع:(يا أيها الناس، إني مسلم من قريش، وما منكم من أحد، أحمرَ ولا أسود يفضلني بتقوى إلا وددت أني في إهابه). أجل، ذلك هو المعنى الذي يعلمه الأمين أبو عبيدة، حق العلم، وأخذ يعلمه الناس، من أن التقوى هي رأس الدين، وأصل المرء، وميزان التفاضل، بها يكرم العبد عند ربه.
في يوم من الأيام، زار أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، الشام فعلم الناس بمجيئه فأقبلوا يستقبلونه مرحبين به فرحين بزيارته، فرأوه يقلب بصره كأنما يبحث عن شيء، وإنه لكذلك، حتى سألهم: أين أخي؟ أين هو؟ فعجب الناس، وتساءلوا فيما بينهم: ألي أمير المؤمنين أخ معنا؟!. والله إنا لا نعلم أن له أخا ههنا، فتُرى من يعني، فلم يجدوا بدا من سؤاله: من أخوك يا أمير المؤمنين؟. فأجابهم عمر: أخي أبو عبيدة، عامر بن الجراح، فما لبث أن رآه آتيا يشق طريقه بين زحام الناس، فأقبل عمر عليه، واعتنقه باشتياق بالغ، وفرح شديد، ثم صحبه أبو عبيدة إلى داره، وما تُرى هي داره؟ وما تحويه من متاع وأثاث؟. تعالَوْا فلننظر؟
دخل عمر الدار، فلم ير فيها شيئا مما يقتنيه الناس، ويعيشون به، لم يجد سوى أدوات القتال والجهاد، من سيف وتُرس ونحو ذلك، وشيء زهيد مما يُتبلّغ به في المعيشة، حصيرٌ بالٍ، وقُربة ماء خلِقة، ساعتئذٍ سأل عمر: يا أبا عبيدة، ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس؟. فقال: يا أمير المؤمنين، هذا يبلغني المَقيل. فقال عمر بتوجع: غيرتنا الدنيا كلنا، غيرك يا أبا عبيدة. وازداد عمر هنا محبة لأبي عبيدة، فوق محبته الأولى.
عاد عمر إلى المدينة، ثم بعد فترة من الزمن، ترامت إلى سمعه أنباء الوباء الذي دهى الناس في الشام، ذلك الطاعون الوبيل، الذي اجتاحهم، فحصد أرواحهم، وفتك بخلق كثير، فراعت عمر تلك الأنباء، فكتب رسالة إلى أبي عبيدة، قال فيها:(إني بَدَت لي إليك حاجة لا غنى لي عنك فيها، فإذا أتاك كتابي ليلا، فإني أعزم عليك ألا تصبح حتى تركب إليّ، وإن أتاك نهارا، فإني أعزم عليك ألا تمسي حتى تركب إليّ)، أراد عمر رضي الله عنه، استبقاءه للأمة، فهو أمينها، وهكذا يعرف الرجالُ أقدار الرجال، فلا يُجحد ذو فضلٍ فضلَه. بلغ كتاب عمر هذا أبا عبيدة، فقال:(قد علمت حاجة أمير المؤمنين إلي، فهو يريد أن يستبقي من ليس بباقٍ)، وكتب إليه:(يا أمير المؤمنين، إني قد عرفت حاجتك إلي، وإني في جند من المسلمين، ولا أجد بنفسي رغبة عن الذي يصيبهم، ولا أريد فراقهم حتى يقضي الله فيّ وفيهم أمره، فإذا أتاك كتابي هذا، فحلِلني من عزمك، وائذن لي بالبقاء).
لما قرأ عمر كتابه هذا، بكى وفاضت دموعه، فقال مَن عنده، حين رأوا حالته هذه: أمات أبو عبيدة، يا أمير المؤمنين؟. فقال عمر: لا، ولكن الموت منه قريب. ولقد صدق ظن عمر، وما كذب حدسه، إذ أصيب أبو عبيدة بالطاعون، وشاء الله أن يموت به، فتوفي رضي الله عنه، في أرض (عمواس)، سنة ثماني عشرة للهجرة، وله من العمر ثمان وخمسون سنة، وقام معاذ بن جبل في أهل الشام، قام النَّعِيُّ فأسمعا، ونعى الكريمَ الأروعا، فقال:(أيها الناس، إنكم فُجِعتم برجل، ما أزعم والله أني رأيت من عباد الله قط، أقل حقدا، ولا أبرَّ صدرا، ولا أبعد غائلة، ولا أشد حياءً، ولا أنصح للعامة منه، فترحموا عليه)..
لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته
جاء الناعي المدينة بهذا النبأ الأليم، ونعى للمسلمين، أمين الأمة، فبكَوْا وحزنوا، أشدَّ البكاء والحزن.
وكان مبلغ النَعْي عظيما على أقواهم إيمانا، وأحزمهم نفسا، على عمر بن الخطاب، الذي بكى أخاه العزيز الكريم عليه، ولنا أن ندرك قدر أبي عبيدة عنده، فيما روي عنه أنه قال: (لو كنت متمنيا، ما تمنيت إلا بيتا مملوءاً برجال من أمثال أبي عبيدة). وما نسي عمر أبا عبيدة، بل ذكره حتى في أشق ساعة في الحياة، وهو يجود بأنفاسه، فقال: (لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته، فإن سألني ربي عنه قلت: سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم يقول: هو أمين هذه الأمة).
من الرياض.. أطيب التهاني للدوحة بيومها الوطني
من فضل الله تعيش دول مجلس التعاون الخليجي اليوم مرحلة غير مسبوقة من التقارب والتنسيق، تعمّقها رؤى قادتها... اقرأ المزيد
27
| 13 ديسمبر 2025
العدالة المعلقة بين النية المبطنة والإبادة المعلنة 1-2
على شريط ساحلي قبالة بحر أبيض، وبتوقيت يكاد يتفق واللحظة، تُعاد كتابة التاريخ بدمٍ لا يزال يجري طوفانه!... اقرأ المزيد
36
| 13 ديسمبر 2025
ذوو الهمم في حياتنا
يحتفل العالم في الثالث من ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة. ذلك اليوم الذي يدعو... اقرأ المزيد
63
| 12 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2325
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2256
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025