رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد
الأمم المتحدة منظمة عالمية، تأسست عام 1945م، بعد فشل منظمة عصبة الأمم التي فشلت في مهامها بعد قيام الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء، والمضحك المبكي أن عضويتها مفتوحة أمام كل الدول المحبة للسلام واهم شروطها قبول ميثاقها وحكمها والالتزام به دون اعتراض، في حين أن مؤسسيها دول استعمارية استعمرت العالم ونهبت خيراته وثرواته وسخرت سكان العالم لخدمتها، بل وقضت على كل هوية وثقافة تميزت بها معظم تلك البلاد، فأصبحوا عبيدا لها، وتحكموا في معظم دول العالم ومقدراتها، أما قراراتها فإنها لا تسري إلا على الدول الضعيفة أما الدول الكبرى الاستعمارية فقد حصنت نفسها بالفيتو الكاذب حسب المصالح الخاصة بكل دولة والمستثناة من قرارت الامم المتحدة بالامتيازات والحصانات الدبلوماسية والحيل الأممية والعنجهية العنصرية التي تتشدق بالقضاء عليها وهى كاذبة.
وبالرغم من انتساب الدول الإسلامية لها والتزامها بدفع حصتها المالية خصوصا الدول العربية، فلم نجد مسلما واحدا تولى منصب أمين عام الأمم المتحدة، حتى العربى الوحيد كان من الديانة المسيحية، مما يدل على أن هذه المنظمة تضحك على الدول خاصة الدول الإسلامية وخاصة العربية التي استعمرتها زمنا طويلا وقطعتها دولا وقوميات بعد أن كانت أمة واحدة، وغيرت معالمها الجغرافية وهويتها ولغتها العربية وبرامجها الوطنية المنبثقة من تاريخها العريق وحضارتها الإسلامية.
ولم تكتف بذلك بل تدخلت في شؤونها الداخلية وصدّرت لها من السياسات والبرامج الاجتماعية والسكانية والاقتصادية والقانونية والتعليمية، بل وفرضت عليها أنماطا من التعليم الذي لا يمس حاجة تلك المجتمعات الحقيقية بحجة التنوير والتطوير، حتى بات ابناء الأمة من خريجي هذا النمط من البرامج والتعليم ممن تولوا دفة القيادة في مجتمعاتهم وما يبثونه من افكار واطروحات ومبادرات وسياسات هى في الحقيقة ترجمة لما اكتسبوه من مثل هذه الخبرات التعليمية، كانوا أخطر على مجتمعاتهم وقيمها ومبادئها وهويتها ولغتها من المستعمرين، لثقة الأمة بهم واطمئنانها إلى علمهم، فكانوا كما وصفهم الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) كالذئاب في صورة الحملان.
ولا أدل على ذلك مما يحدث للأمة على يد بعض أبنائها المتنورين والمتقدمين من التدمير والتنكيل والتقتيل والتشريد وقطع أوصال الوطن الواحد والتفريق بين أبنائه، بإثارة الفتن والنعرات الدينية والطائفية والقبلية والقومية والحزبية في البلاد العربية والإسلامية، وهيئة الأمم تتشدق بإيجاد الحلول لوقف نزيف الانتحار في هذه البقعة الحيوية من العالم، وزعماؤها الكذبة يتسابقون في تحقيق مصالحهم الخاصة بهم وبشعوبهم بالإجهاز على كل من حلم بالحرية وصدق ان هذه المؤسسة الكاذبة سوف تحقق لهم الحرية والمساواة والإخاء كما جاء بذلك ميثاقهم الكاذب.
إن هذه الأحداث العظيمة المؤلمة القاسية التي لا يتصورها عقل ولا دين ولا خلق ولا منطق إنسانى وغيرها من الأحداث الجسام، التي تعرضت له هذه الامة منذ سقوط الخلافة الاسلامية سنة 1917م وتوزيع حصص القصعة على أكلتها من المستعمرين وتغلغلهم في شرايين الأمة واستعبادهم لشرذمة من أبنائها من ذوي الاهواء والملل، والتي قد كشفت مدى حقد وبغض وحسد اليهود والنصارى والملحدين والوثنيين والمجوس من الكفار على هذه الأمة، واليوم تصدق الأحداث هذه الحقيقة التي لا يريد أن يصدقها الجهلاء واهل الغفلة والاهواء والشهوات من أبناء هذه الأمة المكلومة بأبنائها، من أذناب اليهود والنصارى الذين غدوا كلابا مسعورة تنهش في عرض الامة وكرامتها وعزها وكبريائها، حين سقطت ورقة التوت عنهم وانكشفت سوءاتهم القبيحة التي طالما حاولوا سترها بدعاوى التنوير والتقدم والقومية الكاذبة، فظهروا بحقيقتهم الآسنة أمام بقية باقية من الملأ الحر الإنسانى والضمير العالمى المرهق بالمناورات الدولية الكاذبة.
إن القلب ليحزن على انطلاق وحشية الإنسان دون قيد من عقل أو دين أو خلق، وإن القلم ليعجز عن تدوين هذه المجازر البشرية وان العقل ليشت من هول ما يرى ويسمع من الفظائع الاجرامية في حق الأبرياء من البشر، خاصة المسلمين من اهل السنة والجماعة وممن قالوا رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد (صلى الله عليه وسلم وعلى آله وزوجاته وأصحابه صلاة وتسليما) نبيا ورسولا وبالقرآن كتابا وبالكعبة قبلة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وصدق الله سبحانه في قوله (ليس لها من دون الله كاشفة) رددوا معي (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون).
إنها حرب عالمية لاقتلاع الإسلام قلعا من نفوس أتباعه، إنها حرب عالمية لاقتلاع الإسلام من جذور أوطانه، إنها حرب عالمية لاقتلاع الإسلام من هواء وتراب بلدانه.
إنها حرب عالمية على أهل السنة والجماعة من المسلمين السائرين على نهج سيد المرسلين محمد بن عبدالله (عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم) والصالحين من أهل الكتاب أصحاب الضمائر الحية والأخلاق الكريمة.
إنها حرب عالمية على كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (القرآن الكريم) دستور الأمة والسنة النبوية الشريفة شارحة هذا الدستور الكريم.
إنها حرب عالمية ضد الأخلاق الإنسانية والفضيلة البشرية والقيم والمبادئ الصحيحة التي يرتضيها العقل السليم والفطرة السوية.
إنها حرب عالمية ضد مبادئ المساواة والإخاء والحرية والعدالة التى تتشدق بها مواثيق حقوق الإنسان واتفاقيات العنف ضد النساء والأطفال والشيوخ الزائفة.
إنها حرب عالمية ضد الشورى والإصلاح والديموقراطية العادلة.
إنها حرب عالمية ضد العقل الرشيد والضمير الحي والإنسانية الصادقة.
إنها يا سادة يا كرام، حرب عالمية بين الحق والباطل بين الإيمان والكفر بين الإسلام دين نبيكم وحبيبكم محمد (صلى الله عليه وسلم) سيد المرسلين وخاتم النبيين، وبين الصهيونية النصرانية والصهيونية اليهودية الكافرة والوثنية الكافرة والمجوسية الحاقدة والشيوعية الملحدة إنهم (حزب الشيطان) وصدق الله العظيم "ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون".
إنها قضية وجود كريم على أرض الله لاستحقاق الخلافة على أرضه سبحانه (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده) ولا بأس أن نستلهم قول الفيلسوف والأديب البريطاني شكسبير (أكون اولا أكون ذلك هو السؤال) وكما قال الشاعر الجاهلي (لنا الصدر دون العالمين أو القبر) فكيف نحب أن نكون؟ وكيف يريد الله ربنا عز وجل لنا أن نكون؟ بل كيف نجعل سيدنا محمدا (عليه الصلاة والسلام) يفتخر بنا في الدنيا قبل الآخرة؟ وهو القائل: "وددت لو رأيت إخواني" فكيف تحبون أن يراكم رسولكم وحبيبكم في موعده معكم؟ بعد أن انكشفت السرائر وسقطت الأقنعة وبرزت الأنياب وسلت السيوف وطعنت الخناجر الخواصر وتكالبت عليكم الأمم، فماذا أنتم فاعلون يا أمة محمد (صلى الله عليه وسلم )؟ فماذا أنتم فاعلون؟ ذلك هو التحدي، قد يكون لنا لقاء قادم لنتدارس كيف يكون قبول التحدي والله المستعان.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
804
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025