رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

م. حسن الراشد

مساحة إعلانية

مقالات

216

م. حسن الراشد

خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

04 ديسمبر 2025 , 05:00ص

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات والتشريعات البيئية والمناخية التي تقودها مؤسسات ذات نفوذ واسع، مثل الاتحاد الأوروبي والمنظمات البيئية العالمية. وقد بدأت هذه الموجة في الأصل بحركات شبابية غاضبة ومتحمّسة تعبّر عن قلقٍ مستقبلي عميق تجاه الوقود الأحفوري (Fossil Fuels)، خاصة النفط والغاز. وتغذّي هذا التوجّه أحزاب سياسية، ونقابات عمالية، ومنظمات مجتمع مدني تمتلك نفوذًا إعلاميًا وتمويلًا كبيرًا، إضافةً إلى فئة من الأكاديميين والشركات الاستشارية وبيوت الخبرة العالمية التي وجدت في ملف “المناخ” ضالّتها؛ مجالًا مناسبًا لتعزيز حضورها وبناء مسارات تجارية مربحة تُدرّ مئات الملايين من الدولارات سنويًا.

تُمرَّر الضغوط المناخية اليوم عبر أدوات “خضراء” يبدو ظاهرها بيئيًا، بينما يحمل جوهرها أبعادًا اقتصادية وجيوسياسية واضحة. وقد بات من الجليّ أن هذه السياسات تستهدف الثروات الهيدروكربونية في المنطقة من خلال فرض تشريعات وأنظمة وغرامات عابرة للحدود تُقيِّد الاستثمار في التوسع والإنتاج، وتضع عراقيل أمام مشاريع النفط والغاز تحت ذريعة التحول السريع نحو بدائل “نظيفة” أو “متجددة”. ويُضاف إلى ذلك الدفع نحو التزام صارم بأهداف الحياد الصفري للانبعاثات (Net-Zero Emissions) بحلول عام 2050، رغم عدم واقعية هذه الأهداف بالنسبة للعديد من الدول المنتِجة للطاقة.

إن هذه الضغوط تُهدر طاقات وموارد مالية كبيرة بدل توجيهها نحو التقنيات والتكنولوجيا القادرة فعلاً على خفض الانبعاثات ورفع كفاءة الإنتاج، وعلى رأسها حلول التقاط وتخزين الكربون (CCS) في التكوينات الجيولوجية العميقة، بما في ذلك استخدامها في تعزيز إنتاجية المكامن وإطالة عمرها (EOR). كما تتجاهل هذه السياسات حاجة الدول النامية إلى مصادر طاقة موثوقة تدعم النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، وفي مقدمتها النفط والغاز، اللذان يوفّران أبسط مقومات الحياة الكريمة لملايين البشر حول العالم

إن ما يجري اليوم يتجاوز الاعتبارات البيئية البحتة؛ إذ أصبح خطاب المناخ أداةً لإعادة تشكيل ميزان القوى العالمي بين الدول المنتجة للطاقة والدول الصناعية المستهلكة. فالحديث المتكرر عن “خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري” لا يراعي حق الدول المنتجة في التنمية واستثمار ثرواتها الوطنية، على الرغم من أن هذه الثروات وفّرت للعالم، طوال عقود، طاقة مستقرة مكّنت الاقتصادات الصناعية من النمو والازدهار والتطور.

وتبرز المفارقة بوضوح عند النظر إلى منظومة أرصدة الكربون (Carbon Credits)، التي تُسوَّق اليوم بوصفها حلًّا سحريًا لتجاوز صعوبة الوصول إلى الحياد الصفري، بينما تقوم في جوهرها على معايير منهجية معقدة وبيوت خبرة عالمية ومنصات تداول وصناديق مناخ دولية تتحكم في تسعير الائتمان الكربوني وتُحرّك مليارات الدولارات سنويًا. غير أن معظم هذه التدفقات المالية لا يصبّ في صالح الدول المنتجة والمصدّرة للطاقة، بل ينتهي في مؤسسات دولية خارج المنطقة، فيما تتحمّل دول الخليج النصيب الأكبر من الضغط السياسي والإعلامي دون أن تكون المستفيد الاقتصادي الحقيقي من هذا النظام. ومن هنا يصبح من الضروري التفكير في تطوير منظومات كربونية وطنية أو إقليمية تستند إلى واقع المنطقة واحتياجاتها، وتُسهم في تعزيز اقتصاديات دول الخليج وتمكينها من الاستفادة من أدوات الكربون متى دعت الحاجة مستقبلًا، بدل أن تبقى أسيرة لمنظومات عالمية لا تراعي مصالحها ولا خصوصياتها. 

وفي خضم هذا المشهد، يبرز سؤالٌ جوهريّ يتعلق بالصياغة الرسمية للمؤسسات: هل يخدم تضمين عبارات مثل “التغيّر المناخي” أو “شؤون المناخ” في أسماء الهيئات مصالح الدول المنتجة للطاقة؟ إذ إن تضمين مصطلح “التغيّر المناخي” في الاسم قد يُفسَّر بأنه قبول ضمني بالرواية التي تُصوّر النفط والغاز بوصفهما “مشكلة يجب التخلص منها تدريجيًا”. في المقابل، فإن الاكتفاء باسم “البيئة” مع إدراج ملف المناخ ضمن الاختصاصات الداخلية يمنح توازنًا مدروسًا؛ يوفّر مواكبة للخطاب العالمي دون تقديم اعتراف مجاني قد يتحول مستقبلًا إلى التزامات سياسية أو قانونية غير مرغوب فيها.

مساحة إعلانية