رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يقول ميكافيللي: "لو خيرت بين أن تكون مهيباً ومكروهاً أو أن تكون محتقراً محبوباً، فالأسلم أن تختار المهابة بدلاً من المحبة، فالناس لا يتورعون أن يؤذوا المحبوب، ولكنهم لا يقدمون على إيذاء المهيب، فالحب عاطفة لا تلبث أن تخمد إذا نالت مرامها، أما المهابة فيسندها خوف العقوبة".
توقفت برهة عند هذه السطور لميكافيللي رغم أنه قد قالها منذ قرون خلت إلا أن ماهيتها ما زالت تنعكس على المجتمعات المختلفة في صور متعددة، فهل يقدر الناس فعلاً من يحبون؟.
إن الازدواج المتوغل في تشكيل كياناتنا قد أثر وبشكل مباشر على مشاعرنا وعلاقاتنا وتفاعلاتنا في محيط المجتمع، فاختلت موازين الأحكام التي ركعت لهيمنة الازدواجية، حيث تجد معظم الآيات تحت أخطبوط الازدواجية تُقرأ وتفهم وتعالج بالمقلوب، فتجد أكثر الناس يحبون طيب الخلق لكنهم لا يحترمونه ولا يكترثون لأمره، فهو لا يملك سوى قلبه الطيب!، بينما يكنون كل الاحترام وجل التقدير لصاحب المال والجاه والنفوذ فهم يحبونه بأفواههم ويزدرونه بقلوبهم!، والقوي من وجهة نظر الازدواجية هو القوي بماله وغناه وعزه، فهو يملك أكثر الأسلحة فتكاً وتدميراً وإمتاعاً أيضاً، وإن كان سفيهاً أو جباناً، فهو يستحق الوقار والتكريم، أما الضعيف وإن ضخمت عضلاته، واشتد بأسه وأظهر بسالة وشجاعة، إلا أنه مهزوم إذ قل ما في يده، فلا هيبة له ولا خشية.
كما يروق للناس مجالسة صاحب النكتة والظل الخفيف، ولكنهم لا يصونون عشرته ولا يكرمون منزله، حتى إننا نجد معظم الناس وقد شحّت بسمتهم وتوارت بشاشتهم لئلا ينظر اليهم بشيء من الهنة والخفة.
والناجح المميز هو ذلك المشهور خاوي العقل أجوف الفكر الذي اكتسب نفوذه وتأثيره ومجده الواهي من خلال تصنعه وتملقه وتقديم مصلحته على جميع المبادئ والقيم، فينال الإعجاب والتعظيم والتفخيم، وما أكثرهم في زمننا هذا وهم فيه غثاء كغثاء السيل.
بينما الصراحة في عرفنا أصبحت قباحة والصدق أصبح نكبة على من نطق به، والأولى أن يُبتر اللسان قبل أن يصير صاحبه في خبر كان، فمن يحاول أن يصدق الآخرين أو يحدثهم بشفافية بعيدة عن النفاق والرياء تكالب عليه القوم وأشعروه بأنه قد اقترف جرماً عظيماً لا يغتفر ثم لا يلبث إلا أن يجد نفسه وحيداً مهجوراً بعد أن ابتعدوا عنه وأبعدوه من مجالسهم وتجمعاتهم.
وتشتد الازدواجية عسراً حين تتمظهر في الأوامر والتوجيهات التي يتلقاها الأبناء من والديهم، إذ تختلف باختلاف معايير كل منهما في المواقف ذاتها، وبالتالي تجد الأبناء وقد أصيبوا بالاضطراب والاختلال جراء عدم الثبات والاستقرار على نهج واضح يتبعونه ويحتذون به.
ومن مظاهر الاعتلال والنظرة الازدواجية التي لم تبق ولم تذر فوطأت حتى المشاعر غيرة بعض الرجال على زوجاتهم دون أخواته وبناته وهنا نوع من التعصب غير المبرر فما ترتضيه لأخواتك وبناتك يفترض وبالمنطق أن تسمح به لزوجتك والعكس صحيح، مع أن العقل يميل إلى أن غيرة الرجل على أخواته وبناته أولى من باب أن الزوجة قد تذهب في يوم من الأيام وتأتي غيرها وهذا لا يجيز بالطبع عدم الغيرة عليها ولكن من باب التأكيد على أن غيرة الرجل على أخواته واجبة ومتساوية لغيرته على زوجته، فعلاقة الأخوة والبنوة علاقة ثابتة لا يمكن أن ننكرها تحت أي ظرف من الظروف.
وفي الجانب الآخر تجد بعض المنظرين والوعاظ يتلحفون ازدواجية خاوية، حيث تلج بهم حياتنا أينما أقبلنا وأدبرنا فمعظم من حولنا بقدرة قادر أصبح واعظاً حتى أنك لتشعر أنهم متربصون بك في خلوتك!، إنهم ممتازون في توجيهك ووعظك وزجرك وإذا خلوا إلى أنفسهم أنفوا ما جاءوا به وسارعوا إلى نهج وشرع غير ما يدعون إليه بل وقد يقلون شأناً عنك ثقافة وفكراً، فهم مثاليون في أفكارهم يتشدقون بما لا يعملون!، فيا قباحة المنطق وصفاقة الضمير.
ولقد وصل بنا هذا الشعور أوج قمته واستفحاله، فبتنا نشعر أننا نتلون بتلون الأماكن والناس الذين نعاشرهم فعندما نذهب لمن نستشعر ورعهم وتقواهم، نضع قناع الوقار والتدين، وعندما نقابل المنفتح نضع قناع الحرية والعصرية والحداثة، وقناع آخر للعمل وغيره للأصدقاء وتجمعات الأنس والطرب، وأخيراً نعود لبيوتنا نريد أن نزيح جميع هذه الأقنعة ولكن هيهات فهناك القناع الأخير قناع خاص للزوجة والأسرة والأولاد، وهكذا نمضي ندور في الدنيا ونجمع ما يمكن من أقنعة تعيننا على أن نفهم أنفسنا فلا نجدنا تحت أي من الأقنعة!.
تلك هي الازدواجية المزعزعة والمضللة والمربكة للعقل والمشاعر التي تخالف المنطق الإنساني، والتي تتوارثها السنون وتتعاقب عليها الأجيال، فتتركها أسيرة للصراعات المحمومة والتصورات الشائهة للقيم والمبادئ والأخلاق ولنظام اجتماعي تتلاعب به الأهواء والشهوات وتتقاذفه الرغبات والنزوات، فيعربد القلق في النفوس وتثور الحيرة والشقوة في القلوب.
وها نحن اليوم وقد أغفلنا إجلال الصادقين الأمناء بيننا فندر وجود من يصدقنا وينال ثقتنا، ومهما تباينت الدراسات إلا أني أضع بين يدي القارئ جملة من التساؤلات: فهل يمكن القول إن معايير البشر وظواهرهم النفسية يمكن أن تكون ثابتة على مر السنين والعصور وبالرجوع إلى الحقبة الزمنية التي قال فيها ميكافيللي هذه الكلمات مهما اختلفت المتغيرات؟! رغم أن البشر متقلبون ومتغيرون بطبيعتهم، ولكن هل يمكن القول إن مقاييسهم ثابتة لا تتغير مهما عفا عليها الزمن وأغبر؟، وهل الدوافع المختلفة للنفس البشرية هي التي تتحكم في عمق ازدواجيتها؟، وهل يمكن للفرد أن يتحكم في دوافعه النزقة؟ وإلى متى سنسمح لوبال الازدواجية أن يسيطر على حياتنا ومستقبل أبنائنا؟، وإذ افترضنا جدلاً أن جيل السبعينيات هو القدوة الآن فإلى أين يقود المجتمع بهذه العقلية؟، وكيف يمكن أن يساهم في انعتاق المجتمع من ربقة هذه الآفة؟.
دعم الأونروا ركيزة أساسية للحفاظ على الاستقرار
منذ اندلاع الحرب في غزة ظلت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، هدفاً لحكومة الكيان الإسرائيلي اليمينية المتطرفة،... اقرأ المزيد
72
| 13 ديسمبر 2025
الرياضة.. والسياسة الناعمة
قدمت دولة قطر، عبر استضافتها الإبداعية لبطولة كأس العرب هذا العام نموذجاً حياً ومثالياً لكيفية توظيف الرياضة كـجسر... اقرأ المزيد
186
| 13 ديسمبر 2025
موازنة الدولة 2026 نهج متوازن يعزز جودة التنمية
تعكس موازنة الدولة للعام المالي 2026 جملة من المؤشرات الإيجابية التي تؤكد حرص الدولة على ترسيخ الاستقرار المالي،... اقرأ المزيد
93
| 13 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2451
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2274
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025