رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
منذ عقود، كانت عبارة "المصير العربي المُشترك" شعاراً يُرفع في المؤتمرات ويتردد على ألسنة الساسة والزعماء.. مع مرور الأيام، ثبتَ للجميع أن الممارسة كانت للاستهلاك الإعلامي والسياسي الشعبوي أكثرَ من كونها تُعبر عن واقع، أو حتى عن تطلعٍ حقيقي لمستقبلٍ تتأكدُ فيه معاني ذلك الشعار.
قد يرى بعض (المتفائلين) أن المقصود بالعبارة يكمن في تفعيل عمليات التعاون والتكامل بين البلاد العربية، على طريق تطويرها جميعاً في مختلف المجالات. وقد يؤكدون على ضرورة الأمر بالإشارة إلى المُشتركات الموجودة فعلياً من اللغة إلى الدين، ومن الثقافة إلى التاريخ.. هذا فضلاً عن مُقتضيات (المنفعة) التي تقود مختلف بلاد العالم إلى التعاون وصولاً لتحقيق مصالحها.
وقد يرى بعض (المتشائمين) أن هذه المقولة لم تكن سابقاً، ولن تكون اليوم إلا سبباً للفشل.. وأنها مجردُ مدخل لفوضى الأولويات بالنسبة لكثيرٍ من الدول العربية. وأن بعض هذه الدول كان يمكن لها التركيز على شأنها الداخلي، وتوظيف ثرواتها وطاقاتها واهتماماتها لتطويره، بدلاً من تشتيتها في قضايا خارجية لا تؤثر عملياً في حاضر البلد المعني ومستقبله.
المفارقة أن مسيرة الواقع العربي لم يكن لها علاقةٌ بمقولة الفريقين كِليهما. فلا التعاون الحقيقي الفعال الذي يؤدي لمصلحة الجميع حَصَل. ولا الانعزالُ العملي (الوطني) الذي ربما يؤدي لتحقيق مصلحة بلدٍ بعينه كان ممكناً.
ثمة حسابات وأسباب سياسية وثقافية واقتصادية، محلية وإقليمية ودولية، لعبت دوراً في الوصول لتلك النتيجة. بالتالي، استمرت الحياة على هذا المنوال، بالطريقة العربية التي تقبلُ الواقع، أياً كانت سلبيته، وتتفننُ في التعايش معه. استمر هذا الحال حتى وصلنا إلى واقع المنطقة اليوم. وتحديداً، ما يتعلق منه بدرجة وكيفية تأثير الوضع السوري في مصير العرب اليوم وغداً وبعد غد.
فبنظرةٍ واقعية، بعيدةٍ عن الأوهام والتمنيات والتفكير الرغائبي، يبدو مستحيلاً أن (يستقيل) العرب من القضية السورية. وتؤدي كل المقدمات إلى نتيجةٍ مفادها أن هذه القضية عادت لتَفرض فرضاً مقولة (المصير العربي المُشترك)، وإن في حدﱢها الأدنى، ولو للدول العربية الأكثر تأثراً بالمسألة.
ثمة اليوم من يدرك، من العرب، هذه الحقيقة، ويعمل بمقتضاها، ليس فقط لمصلحة سوريا وشعبها، وإنما لإدراكه باستحالة تحقيق المصلحة الوطنية، أصلاً، في معزلٍ عن التعامل مع الوضع السوري بكل حيثياته.
لكن هناك (فخاً) في الموضوع يجب أن ينتبه إليه البعض الآخر. فقد لا يستقيل هؤلاء من القضية السورية، بمعنى استمرارهم في لعب دورٍ يتعلق بمجرياتها، ولكن معتقدين أن تحقيق مصالحهم يكمن في تناسي كل تضحيات الشعب السوري، والاستجابة، مع التطورات الإقليمية والدولية، للمناورات ذات العنوان الروسي والإيراني، للالتفاف على كل ما جرى خلال السنوات الأربع الماضية، والمشاركة في إعادة تأهيل الأسد ونظامه.
هذا انتحارٌ سياسيٌ وعمليٌ بكل معنى الكلمة، ومحاولةٌ بائسة لإعادة التاريخ إلى الوراء بشكلٍ يُعاند كل قوانينه.. وهو (فخٌ) يُنصبُ لبعض العرب في لَبوس الواقعية والبراجماتية والحكمة السياسية.
تتأكد المشكلة في ظل (الوهم) بأن (إعادة التأهيل) تحصل بموافقة أمريكية، بمعنى الاعتقاد بأن هذا "أمرٌ قد توَجَّه"، وأن كل قرارٍ مختلف هو سباحةٌ ضد التيار. في حين أن كل ما تفعله أمريكا اليوم يُختصر في قرارٍ بألا (تلوث يديها) في الموضوع حالياً.
فهي تُدرك أن بشار الأسد انتهى عملياً، وأن سوريا تحت حُكمه لن تعود يوماً، لكنها تترك الروس، ومن يَرغب، ليلعبوا بالموضوع، ويُشبِعوا، إعلامياً، أوهامَهم باستمرارهم كقوةٍ عظمى، في انتظار تهيئة الظروف لطبخةٍ أخرى.
أستعيرُ هنا تحليلاً مُعبراً لدور روسيا طرحه الزميل محمد برهومة في مقالٍ له منذ أيام في الزميلة (الحياة) قال فيه: "ثمة انشغال إعلامي وسياسي بطبيعة الدور الروسي في منطقتنا وحدوده وآفاقه وغاياته، ويكاد يصيب البعض منّا الوهم والمبالغة وهو يقرأ هذا الدور بقوله إن الروس يسحبون البساط من تحت أرجل واشنطن في المنطقة ويملأون الفراغ الذي تتركه، ليغدو - وفق هذه القراءة الواهمة - بوتين كأنه يسدد اللكمات لأوباما، وليظهر لافروف بموقع القوي الداهية في مقابل ضعف كيري وتردده وارتباكه الدبلوماسي! روسيا نفسها تدرك حدود قوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية أمام الولايات المتحدة، وهذه المحدودية لا تُسعف موسكو بأن تحل بدلاً من واشنطن في التأثير في ملفات المنطقة المختلفة والانخراط فيها.. استدعاء مبدأ أوباما (القيادة من الخلف) مفيدٌ في هذا السياق".
انتهى النقل من الزميل، والظاهرُ أن دولاً وحكومات يجب أن تفكر في دلالاته أكثر من القراء العاديين، لأن مواقفها بناءً على استقراء هذه الظاهرة ستؤثر على مصيرها ومصير المنطقة.
عطفاً على ذلك، يعلم الأمريكان أن بقاء الأسد أخطرُ على المنطقة حتى من وصول (داعش) لِحُكم سوريا. فبقاؤهُ يمثل الوصفة المثالية لفوَضى ستبدو معها الوقائع الحالية مثل لعب الأطفال.. في حين أن وصول (داعش) لحُكم سوريا سيجمع الدنيا ضدها بشكلٍ يُنهيها بأسرع وقت، حيث ينقلبُ نموذجُها في المناورة من حرب العصابات إلى حرب دول، وهذا ما لا طاقة لها به.
بعد إدراك تلك الحقيقة، لا مهربَ من التفكير بمعطيات الجغرافيا السياسية والثقافة والاجتماع في المنطقة، فمن تَداخُل طرق التفكير إلى التداخل الكثيف للمجتمعات العربية، إن بصورتها التقليدية القبلية والعشائرية، أو بصورها المعاصرة في المجتمعات الخليجية مثلاً، تُظهر كل المؤشرات استحالة حصر الفوضى المذكورة في سوريا، والساحة الطبيعية لانتشارها هي العالم العربي، وخاصةً منه الأقرب لسوريا.
لا تنفع في مثل هذه القضايا، بكل شفافيةٍ وصراحة، لا الحدود ولا الأسوار، ولا الموانع الدبلوماسية المتعلقة بالتأشيرات والفيز وأذون الدخول والإقامة، ولا الملاحقة الأمنية والقوانين الصارمة.. فتحتَ الضغوط العملية والنفسية الهائلة، من هَوس الأيديولوجيا إلى الجوع القاتل، مروراً بغسيل الأدمغة ومشاعر (التعاطف) بين الناس، وصولاً إلى ظاهرة (الهيجان الجماعي) التي جرﱠبتها الشعوب والأمم كثيراً في مثل الأحوال الاستثنائية التي يعيشها العرب اليوم، تفقدُ كل تلك التدابير فعاليتها، وتُصبح الفوضى مثل سيلٍ عارمٍ من الماء: تسونامي، إن لم يهدم الحواجز فإنه لا يعدم وسيلةً يتسربُ فيها من الشقوق.
قد يرفضُ البعض صدور هذه الرؤية عن غيرةٍ على الأشقاء العرب، وعن خوفٍ حقيقي عليهم وعلى بلادهم وشعوبهم من مصيرٍ رأيناهُ في سوريا. ليكن، ولتُعتبر الرؤية، في أقل الأحوال، صادرةً عن بحثٍ في المصالح المشتركة، وهذا مشروعٌ ومطلوب. يبقى السؤال قائماً في الحالتين: قد تكون لدى أمريكا والغرب مساحةٌ (ترف) مراقبة الفوضى سنوات لحين الوصول إلى حلٍ يحقق مصالحهما، فهل يملك العرب هذا الترف؟
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
 
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2781
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2466
| 30 أكتوبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
1758
| 03 نوفمبر 2025