رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هل يُعقدُ مؤتمر المعارضة السورية في الرياض على سبيل المصادفة العابرة، المتعلقة ببعض الحسابات السياسية التكتيكية؟ على العكس من ذلك تماماً، كما نتوقع أن يُثبت التاريخ في يومٍ قريب.
ثمة قراءةٌ، يَظهرُ منها ارتباط البلدين، يتداخلُ فيها التاريخ نفسه بالجغرافيا، ويُلمحُ فيها بوضوح دور الثقافة والدين والاقتصاد والاجتماع البشري، لتأكيد ذلك الارتباط.
والحاجة ملحةٌ، وسط الظرف الراهن وإكراهاته اليومية السياسية والأمنية و.. العاجلة، إلى استحضار تلك القراءة بشكلٍ استراتيجي، وبحسٍ حضاريٍ شامل الأبعاد، بما يساعد على أن توضع كل التفاصيل في إطارها الصحيح. ففي معزلٍ عن هذه المنهجية، يمكن بسهولةٍ للقرارات والممارسات أن تحصل خارج سياقها الحضاري المُفترض. وهو سياقٌ لا تقتصر ضرورة استيعابه وأخذه بعين الاعتبار على السعوديين والسوريين فقط، بل على العرب بأسرهم، بحكم التأثير الواضح لكل ما يجري في البلدين على مصير المنطقة، حاضراً ومستقبلاً. يمكن أن نتحدث عن البلدين بشكلٍ منفصل، ثم نقرأ ما يقوله التاريخ عن العلاقة بينهما لنرى صدقية الرؤية الواردة أعلاه.
نبدأ بالسعودية لنرى، بالقراءة التاريخية، كيف يظلُّ ثابتاً أن هذا البلد هو منبت (العروبة) ومهد (الإسلام)، كلمتان أصبحتا في بؤرة التاريخ المعاصر، وفي قلب صناعة الحدث العالمي الراهن.
وبالقراءة الاقتصادية، يظل ثابتاً أن أرض هذا البلد تحوي الخزين الأكبر من وقود الاقتصاد العالمي المعاصر: (البترول). أما بالقراءة الدينية، فيظل ثابتاً أن في هذا البلد الحرمين الشريفين، وأنهما سيبقيان مهوى أفئدة مئات الملايين من بني البشر، بكل ما يحمله ذلك من مهماتٍ ومسؤولياتٍ وتشريف.
وأخيراً، بحسابات الجغرافيا / السياسية، يظل الموقعُ الاستراتيجي للسعودية ثابتاً لا يمكن زحزحته. في قلب الشرق الأوسط. من حولها دول الخليج والعراق و(إسرائيل). على مرمى حجر من (إيران) وقناة السويس ومضيق باب المندب. تفصلها بعض الأمواج عن دول حوض وادي النيل، وهي كلها دولٌ ومناطقُ باتت معروفةً حساسيتها في السياسات الدولية، حتى بكل متغيراتها الراهنة.
أما سوريا، فيبدو من الـ(الجيوبولتيكس) أو الجغرافيا السياسية المتعلقة بها، أنه بغضّ النظر عن النظام السياسي الذي يحكم هذا البلد العربي الحساس، فإن هذا النظام سيملك في يده على الدوام مجموعة أوراق تنبع، بشكلٍ بحت، من مجرد وجود البلد في موقعه على الخارطة. فسوريا تحتل مكان القلب من بقعة جغرافيةٍ حساسة تضم تركيا والعراق وإيران والخليج العربي والسعودية ولبنان والأردن وفلسطين و(إسرائيل). والذي يعرف تاريخ العلاقات بين الدول المذكورة ويعرف طبيعة التداخل و/ أو التنافر الهيكلي الموجود بين حكوماتها من جهة، وبين مكونات الموزاييك الفسيفسائي الذي تتكون منه مجتمعاتها من جهة أخرى، على مدى القرن المنصرم على الأقل، يستطيع أن يدرك استحالة تحييد دور سوريا في صناعة حاضر المنطقة ومستقبلها.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الحدود المشتركة لسوريا مع الغالبية العظمى من تلك الدول، وإذا وضعنا في الحساب حقيقة التداخل السكاني والعشائري المعقّد لشعب سوريا مع كل مجتمعٍ من تلك المجتمعات. فإن هذين الأمرين يوفران باستمرار لمن يحكم الشام أدوات هامة للتدخل في كل شأن إقليمي. لا يعني هذا التحليل أن سوريا هي الأقدر على قيادة الاستقرار في المنطقة، لكنها على وجه التأكيد الأقدر على زعزعته، بإرادتها، أو بأي فوضى تحكمُها. وربما يكون بديهياً الآن تعميمُ مقولةٍ قديمة وُصف بها البلد حين قيل في معرض الحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي: "لا حرب من دون مصر ولا سلام من دون سوريا"، بحيث يمكن القول إنه لا استقرار في المنطقة من دون استقرار سوريا. والظاهر من تطورات الأحداث في السنوات القليلة الماضية أن اللاعبين الإقليمين والعالميين لم يكونوا في وارد استصحاب الحقيقة المذكورة عندما تم اتخاذ معظم القرارات السياسية التي كان يُراد لها أن ترسم الصورة الجديدة للمنطقة، وتُحدّد مجالات الحركة فيها، وتُعيد تشكيل خرائطها السياسية والجغرافية والإثنية.. لكن تطور الأوضاع في المنطقة، بأشكاله المعروفة، أثبت أن تجاهلَ تلك الحقيقة وصلَ بها في نهاية الأمر إلى حالٍ باتت تُهدد استقرار وأمنَ العالم بأسره.
إلى هذا، يُبين لنا التاريخ، مرةً تلو أخرى، كيف كان إحساس إنسان الجزيرة العربية أن الشام هي بوابتهُ إلى العالم، بمعناه الجغرافي، وبمعناه الحضاري المتضمن ثقافةً واقتصاداً واجتماعاً بشرياً. حصلَ هذا قبل الإسلام، من خلال رحلة الصيف التي وثقها القرآن نفسه، وأعطاها أبعادها الحساسة في معرض الإشارة إلى "إيلاف قريش"، وإلى كونها وسيلةً إلى "الإطعام من جوعٍ والأمن من خوف".
ثم إن فضاء الشام كان أول ما ارتاده إنسان الجزيرة بعد الإسلام، مَدخلاً إلى العالَم والعالَمية، واستمر الأمر بشكلٍ أو آخر، يعرفه المؤرخون إلى الماضي القريب. ورغم تقلب العهود والأنظمة والحكام في سوريا خلال قرنٍ مضى من الزمان، كانت الدولة السعودية تحاول دائماً أن تستوعب هذا الواقع وتتعامل معه، إدراكاً منها للسياق الاستراتيجي المذكور.
هذه، بما يسمح به المقام، ملامح مواعيد التاريخ والجغرافيا بين البلدين. وإذ نرى المنطقة مقبلةً على مستقبلٍ سيحصل فيه الحديث عما "قبل مؤتمر الرياض وما بعدها"، فإن هذا يُظهر الضرورة الاستثنائية لوضع كل ما يتعلق بهذا الحدث في سياق مقتضيات تلك المواعيد.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13626
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1800
| 21 نوفمبر 2025
في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17 عاماً إلى أسمى آفاق الإنجاز، حين حجزوا مقعدهم بين عمالقة كرة القدم العالمية، متأهلين إلى ربع نهائي كأس العالم في قطر 2025. لم يكن هذا التأهل مجرد نتيجة، بل سيمفونية من الإرادة والانضباط والإبداع، أبدعها أسود الأطلس في كل حركة، وفي كل لمسة للكرة. المغرب قدم عرضاً كروياً يعكس التميز الفني الراقي والجاهزية الذهنية للاعبين الصغار، الذين جمعوا بين براعة الأداء وروح التحدي، ليحولوا الملعب إلى مسرح للإصرار والابتكار. كل هجمة كانت تحفة فنية تروي قصة عزيمتهم، وكل هدف كان شاهداً على موهبة نادرة وذكاء تكتيكي بالغ، مؤكدين أن الكرة المغربية لا تعرف حدوداً، وأن مستقبلها مزدهر بالنجوم الذين يشقون طريقهم نحو المجد بخطوات ثابتة وواثقة. هذا الإنجاز يعكس رؤية واضحة في تطوير الفئات العمرية، حيث استثمر الاتحاد المغربي لكرة القدم في صقل مهارات اللاعبين منذ الصغر، ليصبحوا اليوم قادرين على مواجهة أقوى المنتخبات العالمية ورفع اسم بلادهم عالياً في سماء البطولة. وليس الفوز وحده، بل القدرة على فرض أسلوب اللعب وإدارة اللحظات الحرجة والتحلي بالهدوء أمام الضغوط، ويجعل هذا التأهل لحظة فارقة تُخلّد في التاريخ الرياضي المغربي. أسود الأطلس الصغار اليوم ليسوا لاعبين فحسب، بل رموز لإصرار أمة وعزيمة شعب، حاملين معهم آمال ملايين المغاربة الذين تابعوا كل لحظة من مغامرتهم بفخر لا ينضب. واليوم، يبقى السؤال الأعمق: هل سيستطيع هؤلاء الأبطال أن يحولوا التحديات القادمة إلى ملحمة تاريخية تخلّد اسم الكرة المغربية؟ كل المؤشرات تقول نعم، فهم بالفعل قادرون على تحويل المستحيل إلى حقيقة، وإثبات أن كرة القدم المغربية قادرة على صناعة المعجزات. كلمة أخيرة: المغرب ليس مجرد منتخب، بل ظاهرة تتألق بالفخر والإبداع، وبرهان حي على أن الإرادة تصنع التاريخ، وأن أسود الأطلس يسيرون نحو المجد الذي يليق بعظمة إرادتهم ومهارتهم.
1176
| 20 نوفمبر 2025