رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من حسنات ربيع الثورات العربي أنه كشف التفاهمات السرية والعلنية والتوافقات الظاهرة والمستترة بين الأنظمة الدكتاتورية العربية وإسرائيل، والتي تتلخص في القلق المشترك من الحالة الديمقراطية التي تجتاح المنطقة حاليا والمطالبات الجماهيرية الشعبية في التغيير، والتخويف مما تمخض أو ما يتوقع أن يتمخض عنها تباعا، ومحاولة كل منهما دعم بقاء الآخر.
لقد انكشف في هذا الربيع زيف المقاومة والممانعة اللتين لطالما تشدقت نظم عربية ديكتاتورية بهما بامتياز كسوريا، في حين أنها أسهمت لعقود في حماية الأمن القومي لإسرائيل، كما اتضح أن إسرائيل التي صرفت وقتها طويلا ليقتنع العالم أنها الواحة الديمقراطية في المنطقة، تمارس ازدواجية في التعامل مع هذه المسألة فهي حلال عليها وحرام على الشعوب العربية التي تنشد الحرية والعدالة بما ذلك مصر، مؤثرة بقاء واستمرار الأنظمة الديكتاتورية ـ لو كان الأمر بيدها ـ وداعية لتقديم الدعم لها لضمان عدم سقوطها، لأنها الأفضل والأضمن ـ برأيها ـ من مخرجات الاقتراع الحر والنزيه، وما يمكن أن يفرز من قوى وطنية تتوقع صعوبة التفاهم معها، وتأمين مصالحها بوجودها، مع تركيز أكبر على "فزاعة" الإسلاميين أو القوى السلفية، وتخويف الغرب منها.
ويتضح هذا التطابق مما نلمسه من تماثل أو تقارب في تصريحات ومواقف الطرفين (إسرائيل من جهة، الأنظمة الديكتاتورية العربية ما سقط منها وما هو آيل للسقوط بإذن الله)، فهذا رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتيناهو يقف ـ قبل فترة ـ أمام الكنيست، ويحتج بأن الصحوة العربية تعيد العالم العربي "إلى الوراء" وتتحول إلى موجة "إسلامية، مناهضة للغرب، ومعادية لليبرالية ولإسرائيل وللديمقراطية"، ووصل الأمر بمجلة " إسرائيل اليوم" إلى القول بأن الربيع العربي يوشك أن يأتي "بالشتاء الإسلامي". أما وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك فقال للقناة الإسرائيلية الثانية قبل أيام إن ما سماه "عملية الأسلمة بالدول العربية مقلقة جدا" لدولته.
والشيء نفسه فعله كل رؤساء الأنظمة التي تحركت شعوبها ضدها سواء من تنحى أو هرب أو قتل منهم أو من هم مازال يصارع طوفان الجماهير ضده أو مسؤولون في أنظمتهم المتهالكة، فكلهم خوّفوا المنطقة من تبعات هذا الحراك وما سيؤديه من فوضى داخلية وخلخلة في أمن المنطقة و "حرب طائفية" و " اقتتال أهلي"، وكلهم حذروا من التيارات الإسلامية والأصوليين التي ستصل للحكم كثمرة من ثمار الربيع العربي.
ولعل خوف إسرائيل على أمن بلادها، وتحسبها لانفراط عقد ما يسمى باتفاقيات السلام العلنية التي كانت موقعة مع دول مجاورة لها، أو تفاهماتها السرية مع دول أخرى لحفظ الأمن المتبادل أيضا هو سبب تشنيع الكيان الصهيوني على هذا الربيع وسبب تحذيراته من سقوط أنظمة كانت تصنف على أنها معادية له كسوريا، فهذا عاموس جلعاد رئيس القيادة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية يحذر في تصريح لشبكة إذاعة الجيش الإسرائيلي، من نتائج سقوط نظام بشار الأسد، مشيراً إلى أن ذلك يعني قيام إمبراطورية إسلامية جديدة في المنطقة، يتزعمها الإخوان المسلمون، موضحا أن الأيدلوجيا الواضحة والمعلنة لدى الإخوان المسلمين، هي إقامة إمبراطورية إسلامية على أرض مصر وسوريا والأردن أولا، ثم محو إسرائيل من الوجود.
وذهبت إسرائيل إلى أبعد من ذلك حينما عارضت قرار إدانة النظام السوري في الجمعية العامة في الأمم المتحدة مؤخرا، حتى قال صحفي سوري معارض معلقا على هذا التصرف بسخرية إن إسرائيل قد "انضمت إلى جبهة المقاومة والممانعة".
ولا غرابة في ذلك فإسرائيل ليس من مصلحتها الاستراتيجية أنْ يتمخَّض "الحراك السياسي ـ الاستراتيجي" في سوريا عمَّا يتسبَّب، أو قد يتسبَّب، بتعريض ما تنعم به من أمن وهدوء واستقرار في الجولان منذ ثلاثة عقود على الأقل، وهي قد فهمت تماما الرسالة التحذيرية لرجل الأعمال السوري وابن خال الرئيس بشار الأسد الموجهة للغرب وإسرائيل من وجوب دعمه وعدم تركه يسقط بفعل ضربات الاحتجاجات الشعبية حينما قال منذ بديات الحراك الاحتجاجي لصحيفة أمريكية: "لن يكون هناك استقرار في إسرائيل" إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا، ملوّحا بأن "السلفيين" هم البديل عن النظام، وقد ترجم النظام ذلك عمليا في إفساحه المجال لأول مرة لفلسطينيين وسوريين غاضبين حينما اقتحموا الحدود مع إسرائيل عبر الهضبة المحتلة قبل أشهر قليلة.
خوف إسرائيل من ربيع الثورات العربية غير مستغرب لأن نتائجه ستصل إليها، إن عاجلا أو آجلا، ويتمثل في إعادة النظر في اتفاقيات التسوية والاتفاقيات الاقتصادية الجائرة بحق أمتنا (ومنها: الاتفاقيات الموقعة مع مصر والأردن) أو إلغائها وفق مشيئة ديمقراطية شعبية، وانتهاء حالة الاسترخاء التي تنعم بها بسبب التفاهمات (المعلنة أو غير المعلنة) والتي كانت سائدة بينها وبين الأنظمة الديكتاتورية العربية، والمتصلة بحفظ حدودها وأمنها بصورة مباشرة أو غير مباشرة (معادلة بقاء واستمرار الأنظمة مقابل حفظ أمن الكيان الصهيوني)، وصولا إلى دول تتمتع فيها الشعوب بقرارها وسيادتها، والدفاع عن مصالحها القومية، وهو ما يعتبر تغييرا جوهريا في المعادلات القائمة حاليا وإن بصورة تدريجية.
الجديد أن الربيع العربي كشف بصورة واضحة لا لبس فيها الدور المشبوه للأنظمة الديكتاتورية العربية ـ وبخاصة من كانت منها تدعي الممانعة والمقاومةـ والتفاهمات التي كانت قائمة بينها وبين إسرائيل، وكان تصديق ذلك عسيرا على البعض ـ على الأقل ـ من قبل حلول هذا الربيع، حتى أن إسرائيل اضطرت للدفاع عن بقاء هذه الأنظمة وحذّرت علنا من مغبة سقوطها الوشيك.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس أجنبية رائدة في الدوحة بزيادة تتراوح بين 30% و75% أُعلن عنها في تاريخ 20 أكتوبر الماضي ويجب تطبيقها في الفصل الدراسي الثاني على وجه السرعة؟! ماذا يعني أن يجد هؤلاء الآباء أنفسهم أمام قرار لا يساعدهم على نقل أبنائهم لمدارس أجنبية أخرى في الفصل الدراسي الثاني ومن المفترض أن يدفعوا مبلغ 17 ألف ريال قطري عوضا عن سبعة آلاف ريال كانت تدفع بجانب الكوبون التعليمي لكل طالب قطري الذي يُقدّر بـ 28 ألف ريال وباتت زيادة العشرة آلاف ريال تمثل عبئا على رب الأسرة فجأة بعد أن أصبحت 17 ألف ريال ودون إشعار مسبق؟! ولم هذا القرار والطلاب على وشك إنهاء الفصل الأول وإدارات هذه المدارس تعلم بأن الآباء سوف يمتثلون في النهاية لهذا القرار غير المبرر له لصعوبة إلحاق أبنائهم إلى مدارس أجنبية أخرى أقل في التكاليف التي زادت فجأة ودون إنذار مسبق لطلب الزيادة في مخالفة واضحة للتعميم رقم (21/2023) وكأنها تلزم الآباء إما أن تدفعوا أو اتركوا أبناءكم في البيوت في هذا الوقت الحرج مع بداية الفصل الثاني رغم أن هذه المدرسة قامت بمخالفة تنظيمية كونها لم تنشر جدول الرسوم المعتمدة للسنة الدراسية كاملة مخالفة لتعميم رقم (11/2025) وفرضت رسوما إضافية غير معتمدة عند تقديم التسجيل أو الاختبارات أو التسجيل والموارد كما فرضت رسوما غير قانونية على اختبارات قبول مرحلتي الروضة والتمهيدي مخالفة لتعميم عام 2022؟!. كل ما قيل أعلاه هي مجموعة شكاوى كثيرة وعاجلة من أولياء الأمور تقدموا بها لوزارة التربية والتعليم بعد أن قامت مدارس عالمية أجنبية في قطر بفرض هذه الزيادة في الرسوم بواقع 17 ألفا يجب أن يدفعها كل ولي أمر من حر ماله بجانب ما يُصرف للطالب من كوبون تعليمي بقيمة 28 ألف ريال بعد أن كان يدفع سبعة آلاف ريال فقط بجانب الكوبون كل عام فهل هذا معقول؟! وبات السؤال الأكبر الذي يعلق عليه أولياء الأمور هل بات التعليم مجانيا فعلا لأبنائنا في ظل هذه التجاوزات التي تمارسها إدارات المدارس الأجنبية التي تحظى بعدد كبير من الطلبة القطريين ولم اختارت أن تكون هذه الزيادة في منتصف السنة الدراسية رغم علمها بأن هذا الأمر يربك الآباء ويضعهم في دائرة سوء التخطيط من حيث إيجاد مدارس بديلة في هذا الوقت الحرج من العام الدراسي ناهيكم عن إرباكهم بدفع 17 ألف ريال لكل طالب بعد أن كانت سبعة آلاف ريال فقط بينما كان مبلغ الكوبون التعليمي من الدولة يسد بباقي الرسوم المطلوبة؟! أنا شخصيا أجد الأمر مربكا للغاية وإصرار هيئات هذه الإدارات على أنها حصلت على موافقة الوزارة على هذه الزيادات في الرسوم يزيد الحيرة لدينا أكثر خصوصا وأنه لم يخرج مصدر رسمي من الوزارة ليرد على هذه الشكاوى التي وصلت لإدارات هذه المدارس بجانب ما يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي من أسئلة تنتظر إجابات من المعنيين في الوزارة وعلى رأسها سعادة السيدة لولوة الخاطر التي تلقى احتراما وتقديرا لها ولجهودها التي بذلتها منذ استلامها هذا المنصب القدير بشخصية مثلها. ولذا فإننا نأمل من سعادتها أن تجد حلا سريعا وناجعا لفحوى هذه المشكلة التي تؤرق بيوت كثير من المواطنين القطريين الذين يلتحق أبناؤهم بهذه المدارس التي تقع تحت مظلة الوزارة من قريب ومن بعيد وهي ليست بالمشكلة التي يجب أن تنتظر لأن مستقبل الأبناء يقف على قرار يطيح بقرارات الزيادة غير المسبوقة والتي لم يتم إخطار الآباء بها قبل بدء العام الدراسي لترتيب أوراق أبنائهم قبل التحاقهم بهذه المدارس الماضية في قراراتها الفجائية وغير مبالية بكم الاعتراض الذي تواجهه بصورة يومية من الآباء وعليه فإننا على ثقة بأن وزارة التربية والتعليم سوف تعطي زخما إيجابيا للشكاوى كما نأمل بإذن الله.
6000
| 11 نوفمبر 2025
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو الأصول الأوغندية، صار اليوم عمدة نيويورك. لم يولد هناك، بل جاءها مهاجرًا يحمل حلمه في حقيبة سفر، بلا جنسية ولا انتماء رسمي. حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وبعد سبع سنوات فقط أصبح نائبًا في برلمان ولاية نيويورك وأحد أبرز الأصوات الشابة في المشهد السياسي الأمريكي. عمره اليوم 34 سنة فقط، لكنه أصبح نموذجًا يُثبت أن الإرادة حين تتجذر في النفس وتُروّى بالجد والاجتهاد، تصنع المعجزات.ولا حاجة لأن احكي عن معاناة شابٍ مهاجرٍ في مدينةٍ كـنيويورك، بكل ما تحمله من صعوباتٍ وتحدياتٍ اجتماعية واقتصادية. والآن ماذا عنك أنت؟ ما الذي ينقصك؟ هل تفتقد التعليم؟ قطر وفّرت لك واحدًا من أفضل أنظمة التعليم في الشرق الأوسط والعالم، وجلبت إليك أرقى الجامعات العالمية تخدمك من امام عتبة بيتك، بينما آلاف الشباب في نيويورك يدفعون مبالغ طائلة فقط ليحصلوا على مقعد جامعي… وربما لا يجدونه. هل تفتقد الأمان؟ قطر تُعد من أكثر دول العالم أمانًا وفقًا لمؤشرات الأمن الدولية لعام 2025، بينما تسجّل نيويورك معدلات جريمة مرتفعة تجعل من الحياة اليومية تحديًا حقيقيًا. هل تفتقد جودة الحياة؟ قطر من أنظف وأجمل دول العالم، ببنية تحتية حديثة، وطرق ذكية، ومترو متطور يربط المدن بدقة ونظام. أما نيويورك، فتعاني من ازدحامٍ وضوضاءٍ وتراجعٍ في الخدمات العامة، والفرق يُرى بالعين المجردة. هل تفتقد الدعم والرعاية؟ قطر من أعلى دول العالم في متوسط دخل الفرد، بينما في شوارع نيويورك ترى المشردين والمدمنين ينامون على الأرصفة. أما في قطر، فالدعم لا يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الرعاية الصحية المتقدمة التي أصبحت من الأفضل عالميًا. فالنظام الصحي القطري يُعد من الأكثر تطورًا في المنطقة، بمستشفياتٍ حديثةٍ ومعايير طبيةٍ عالمية، ورقمنةٍ شاملةٍ للخدمات الصحية تسهّل وصول كل مواطنٍ ومقيمٍ إلى العلاج بأعلى جودة وفي أسرع وقت. وتُعد مؤسسة حمد الطبية ومستشفى سدرة للطب ومراكز الأبحاث والمراكز الصحية المنتشرة في كل مدينة نموذجًا لاهتمام الدولة بصحة الإنسان باعتبارها أولوية وطنية. إنها دولة تجعل من كرامة الإنسان وصحته وتعليمه أساسًا للتنمية، لا ترفًا أما الفرص، فحدّث ولا حرج. بلدك تستثمر في شبابها بلا حدود وتفتح لهم كل الأبواب داخلياً وخارجياً في كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها. وهذا ليس كلاماً نظرياً بل هناك تطبيق عملي وقدوة حاضرة. فقطر أميرها شاب، ووزيرها شباب، وأركان دولتها شباب محاطون بالخبرات والكفاءات. أما هناك، في نيويورك، فالشباب يقاتلون وسط منافسة شرسة لا ترحم، فقط ليجدوا لأنفسهم مكانًا… أو فرصةً ليتنفسوا الهواء. فما هو عذرك إذًا؟ ممداني نجح لأنه عمل على نفسه، ولأن أسرته زرعت فيه حب المسؤولية والاجتهاد. أما أنت، فأنت اليوم في وطنٍ منحك ( الجنة التي في الأرض ) وكل ما يتمناه غيرك: الأمن والأمان والرغد في العيش والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية التي تُحلم بها شعوب الأرض. الفرق ليس في الظروف، بل في القرار. هو قرر أن يبدأ… وأنت ما زلت تنتظر “اللحظة المناسبة”. لا تنتظر الغد، فالغد لا يصنعه إلا من بدأ اليوم. لا تقول ما أمداني.. لأنه لن يمديك بعد هذا كله.. وإذا تقاعست نفسك تذكر ممداني الحقيقي.
4665
| 11 نوفمبر 2025
في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف تلك الجغرافيا فحسب، بل تمتد لتأكل الكيان العربي وضميره الخامل، فهذا الوطن العريق الغني بالثروات الطبيعية والبشرية أنهكته الصراعات حتى غدت أجهزته كجسدٍ بلا رأس، تتنازعها الصراعات وتعدد الولاءات وتتقاذفها الأهواء والامزجة، ومن يتأمل المشهد اليوم يدرك أن الأزمة في السودان لم تكن وليدة صدفة، بل نتيجة حتمية لتراكم طويل من الخلل والضعف المنبثق ابتداءً من الصراعات السياسية في القرن العشرين حتى اليوم حيث الصراع بين الشرعية و قوات الدعم السريع. فالأزمة السودانية ليست خلافًا محليًا على سلطة أو موارد، بل هي صورة مكبّرة لأزمة أوسع تضرب الجسد العربي كله، فعلاً هي أزمة في العقل العربي، فما زال بعض الأطراف ذو العلاقة بالأزمة والتأثير الإقليمي يتعامل مع السودان بوصفها غنيمة، لا منظومة عربية تحتاج الى استقرار، فعندما يفشل العقل العربي الجمعي في الترويج والسعي الى بناء مؤسسات عربية حقيقية، نجد أن البعض يُقصي الكفاءات لحساب الولاءات السياسية، ويتّخذ القرار الاستراتيجي من موقع الانفعال والمزاجية والحقد الدفين لا من منطق التخطيط السليم، فإنه بذلك يزرع بذور الفوضى في كل أرض عربية، والسودان اليوم إحدى ثمار تلك البذور. لذلك فإنّ ما يحدث في السودان ليس معزولًا عن السياق العربي العام وصراعاته، بل هو امتداد لنمطٍ مألوف من الإخفاق العربي في احتواء الأزمات والسعي الى بناء الدولة وحماية السلطة والشرعية، فالأزمة هناك ليست صراعًا داخليًا فقط، بل نتاج تداخل إراداتٍ خارجيةٍ تحاول إعادة إنتاج الفوضى في السودان والعالم العربي. فلقد تحوّل السودان، في لحظةٍ مأساوية، إلى ساحة تصفية حساباتٍ إقليمية، يُدفع ثمنها من دم المدنيين وأشلاء الأبرياء، والمدافع تُطلق في السودان، لكن العقول التي تُحرّكها تقيم في عواصم أخرى، تلك التي تملك المال والإعلام والسلاح، وتتوهم أن تفكيك السودان سيمنحها دورًا أكبر في الإقليم الشرق أوسطي. ومع الأسف فإنّ بعض الأنظمة أو الإدارات العربية ما زالت غارقة في تراث الحكم الغريزي الثأري، فلا تفكر بمنطق الدولة الحديثة المبنية على تصدير الايجابي من العلاقات المثمرة مع الدول الأخرى، بل تفكر بمنطق الهيمنة القديمة، فترى في ضعف السودان فرصةً لمرادها، وفي فوضاه مجالًا لتوسيع نفوذها ولو كان ذلك بإشعال نار الفتن، وهنا تكمن المأساة الأكبر حين تتحول بعض الإدارات العربية إلى غرف تحكمٍ لأزمات الآخرين بدل أن تكون منصاتٍ للحلول وإحلال السلام والتآخي، وحين ينسى بعض القادة أن دعم الشرعية في السودان ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وإنساني لحماية فكرة الدولة العربية نفسها. والمذابح التي يشهدها السودان جريمة ضد الإنسانية، وإن الصمت العربي عنها جريمة ضد الوعي والتاريخ، لأنّ من يترك دولةً عربية تسقط دون أن يساند شرعيتها، يوقّع من حيث لا يدري على سقوط القيم العربية المشتركة. فلتكن نصرة السودان اليوم دفاعًا عن الدولة والضمير الانساني لا عن الأشخاص، ودفاعاً عن الشرعية، وعن العقل العربي الذي آن له أن يخرج من أسر الصراعات والحقد الدفين إلى وعيٍ إداريٍ جديدٍ يؤمن أن قوة الأمة العربية تبدأ من وحدة مؤسساتها لا من هدم البلاد والعباد.
2556
| 05 نوفمبر 2025