رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
احتدم الصراع على مستقبل المنطقة العربية خلال السنوات الثلاث الأخيرة في ظل فراغ القوة الذي خلفه الانكفاء الأمريكي عنها، وبلغ الصراع أشده في الدول التي اندلعت فيها ثورات الربيع العربي وعليها، وامتد ليشمل كبيرها (مصر) وصغيرها (تونس وليبيا) وما بينهما (سوريا والعراق واليمن)، لا بل لم يبقَ أحد بمنأى عن التجاذبات بما فيها الدول التي تعد فاعلاً أساسياً في المشهد الإقليمي والطامحة إلى لعب دور مهيمن فيه، كما حدث أخيراً في الانتخابات المحلية التركية، حيث اُستنفرت جهود محلية وإقليمية ودولية لوضع نهاية لحكم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وحزبه، بعد أن ربط هذا الأخير مستقبله بنتيجة الانتخابات، ومن خلال ذلك تغيير المشهد الإقليمي. هذا الصراع ينذر بصعود قوى إقليمية كبرى وانحدار أخرى، وتتركز معظم التحليلات حول مثلث تركيا، مصر وإيران، لتعكس تماماً وضع المعسكرات الثلاث التي انقسمت إليها المنطقة في ظل ثورات الربيع العربي، وهي المحور الداعم للتغيير ومحور مقاومة التغيير، ومحور الممانعة لكل شيء.
فكيف تبدو التقديرات حول أي من هذه المعسكرات ستكون الغلبة في هذا الصراع الكبير، وذلك من خلال استعراض فرص واحتمالات صعود وانحدار القوى الثلاث الكبرى فيها (مصر وإيران وتركيا) بناء على مقومات القوة التي تملكها.
إذا بدأنا بمصر، نجد وفق كل المعطيات المتوافرة، أنه يكاد يكون من المستحيل لها أن تتبوأ دوراً إقليميا كبيراً في ظل ظروفها الراهنة، لقد حصلت مصر على هذه الفرصة مرتين خلال القرنين الماضيين، الأولى في النصف الأول من القرن التاسع عشر، لكن هذه المحاولة فشلت لأن طموحات محمد علي باشا فاقت بكثير إمكانات مصر وقدراتها من جهة، ولأن المقاومة الغربية لمشروعه كانت كبيرة من جهة ثانية. أما الفرصة الثانية فقد سنحت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لكن مصر لم تتمكن من الاستفادة منها أيضاً لأسباب كثيرة منها، ظروف الحرب الباردة والصراع مع إسرائيل، وفشل النخب الحاكمة المصرية في وضع رؤية سياسية واقتصادية متكاملة تجعل من مصر قاطرة تحديث وتصنيع وتنمية لعموم المنطقة. وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، تقلص دور مصر الإقليمي إلى حده الأدنى نتيجة طغيان ترتيبات خلافة الرئيس الأسبق حسني مبارك على ما عداها من أولويات أمنية وتنموية وإستراتيجية. لكن مصر كادت أن تحظى بفرصة ثالثة لو مضت مسيرة التحول الديمقراطي التي أطلقتها ثورة 25 يناير في طريقها رغم العثرات، لكن العسكر قضوا على هذه الفرصة. وفق المعطيات الراهنة تبدو فرص مصر في تأدية دور قيادي في المنطقة أقل من أي وقت مضى، فعدد سكانها يتجاوز 90 مليون نسمة، وناتجها الإجمالي القومي لا يتجاوز 270 مليار دولار بحسب أرقام صندوق النقد الدولي لعام 2013، ما يضعها في المرتبة 41 عالمياً بعد الفلبين وتشيلي ونيجيريا، وتقترب من اليونان التي تصغرها مساحة وسكاناً 10 مرات وتعاني فوق ذلك من أزمة اقتصادية طاحنة. وفي ظل حال عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها مصر حالياً، وما نتج عنها من أضرار طالت قطاعات اقتصادية عديدة، فضلا عن ارتفاع معدلات الأمية، والبطالة، والفقر وهيمنة الجيش على الاقتصاد الوطني وتوزيع ريعه كجوائز ترضية على ضباطه العاملين والمتقاعدين، كل ذلك يجعل من الصعب تصور تحول مصر إلى دولة إقليمية كبرى، لا بل الأرجح أنها ستتحول إلى عبء كبير على عاتق حلفاءها، قبل أن تقع في نهاية المطاف في دوائر نفوذ إقليمية ودولية أخرى.
إيران هي الأخرى- رغم كل الضجيج الذي تمارسه – ليست مهيئة للعب دور قوة إقليمية مهيمنة، كما كان الأمر يبدو عليه قبل ثورات الربيع العربي، حتى في ظل تقارب مع الولايات المتحدة، وذلك لأسباب بنيوية منها أن الناتج الإجمالي القومي لإيران ذات الثمانين مليون - بحسب إحصاء 2013 - لا يتجاوز 350 مليار دولار ما يجعلها في المرتبة الثانية والثلاثين على مستوى العالم، حيث تسبقها دول صغيرة مثل فنزويلا وكولومبيا وتايلاند وحتى الإمارات العربية المتحدة على التوالي. وقد فقدت إيران خلال سنوات المواجهة مع الغرب والاستنزاف في مغامرات على مستوى الإقليم إمكانية التحول إلى قوة اقتصادية إقليمية كبرى على غرار تركيا، مثلاً. فضلا عن ذلك، تقع إيران من الناحية الجيوسياسية على أطراف المنطقة، بخلاف تركيا مثلاً الأقرب إلى المركز، وتبدو محاطة ببيئة غير صديقة، فهي أن حاولت التوجه سعيا وراء النفوذ إلى آسيا الوسطى مثلا سوف تكون روسيا لها بالمرصاد، أما شرقاً فهناك أفغانستان التي لا يوجد فيها ما يغري، فيما لا تشكل باكستان صديقاً يمكن الركون إليه، لذلك تجد إيران نفسها منجذبة دائما نحو الغرب، لكن هنا أيضاً تصطدم بالعرب المختلفين عنها بالقومية واللغة والمذهب والمصالح، والمستعدين دائماً لصد نفوذها، خاصة بعد موقفها من الأزمة السورية، وقد أبدوا كل الاستعداد لذلك في السنوات الثلاثة الأخيرة.
صحيح أن إيران تبدو إقليميا الأكثر نشاطاً وحيوية، إلا أن هذا النشاط يشكل في العمق نقطة ضعف إيران الأبرز، فهذا الدور لا يشتت قوتها ويستنزف مواردها فحسب بل يضعها في صدام مع معظم قوى الإقليم، العرب والأتراك والباكستانيين، فضلا عن الغرب الذي لا ينظر بارتياح إلى الدور الإيراني، كل هذا يجعل إيران دائما في وضع دفاعي. من هنا تبدو إيران مدركة لحدود قوتها، ويمكن ملاحظة ذلك في التناقض الظاهر بين خطابها وسلوكها. ففي الوقت الذي كانت فيه تصريحات المسؤولين الإيرانيين خاصة في عهد أحمدي نجاد تعد العالم لسيناريو قيام الساعة، كانت تصرفاتهم في السياسية الخارجية محسوبة بدقة فائقة. وكانت سياستها الإقليمية تقوم دائماً على استخدام أطراف ثالثة مثل حزب الله والحوثيين، وإرسال مستشارين ومعونات ودعم عسكري إلى مختلف أنحاء المنطقة لبناء نفوذ لها هنا وهناك، لكنها كانت حذرة جدا في استخدام قوتها بشكل مباشر. فإيران تفضل دائما القتال من وراء ستار – أي حروب الوكالة – بدلا من الانخراط في مواجهات مباشرة مفتوحة حتى مع أطراف أضعف منها.
نأتي أخيراً إلى تركيا التي يبلغ عدد سكانها نحوا من 70 مليون نسمة فيما يفوق ناتجها الإجمالي القومي 830 مليار دولار وهي تشكل بذلك الاقتصاد رقم 17 في العالم وتحافظ منذ عقد على معدل نمو سنوي يتراوح بين 5-6 بالمائة، وتجاوز أحيانا 8 بالمائة، ولديها نظام سياسي مستقر وقاعدة صناعية متطورة وقوة بشرية متعلمة. فوق ذلك تحتفظ تركيا بعلاقات قوية مع الغرب وهي لذلك لا تحتاج إلى تخصيص أي مقدرات لمواجهة أعباء التصدي له كما إيران. ولدى الحكومة التركية خطة طموحة للتحول إلى الاقتصاد العاشر في العالم بحلول عام 2023 - عندما تحتفل بالذكرى المئوية لإعلان الجمهورية التركية، ما يعني أنها ستتجاوز في هذه الحالة كل من كوريا الجنوبية والمكسيك وإسبانيا وأستراليا وكندا.
ويمثل الاقتصاد التركي بوضعه الحالي ضعفي الاقتصاد الإيراني وثلاثة أضعاف الاقتصاد المصري وأكثر من مجموع الاقتصاديين معاً، فوق ذلك تملك تركيا القاعدة الصناعية الأكثر تطورا في المنطقة وعموم العالم الإسلامي. ويشكل جيشها ثاني أكبر جيوش حلف الناتو بعد الولايات المتحدة. أما من الناحية الجيوبوليتيكة، فإن تركيا تتموضع بين أوروبا والشرق الأوسط وروسيا، ما يجعلها تتحكم بأقصر الطرق البرية والبحرية بين هذه المناطق الثلاث. نقطة ضعف تركيا الأساسية هي افتقارها إلى موارد الطاقة لكن هذه المشكلة يمكن التغلب عليها إذا تغيرت التحالفات السياسية في المنطقة خاصة تلك المرتبطة بالصراع على سوريا، أو إذا بدأ استثمار احتياطات الغاز الكبيرة في شرق المتوسط. وإذا تحررت تركيا من الابتزاز الروسي والإيراني في مجال إمدادات الطاقة فسوف تتلاشى كل القيود التي تمنعها من تبوؤ مكانتها كقطب إقليمي أكبر في المنطقة.
من هذا المنطلق وبناء على هذه المعطيات يتضح لنا لماذا يجب أن نستمر في التركيز على تطوير علاقة تحالفية وثيقة مع تركيا حتى لو خسرنا مصر وعادتنا إيران.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
834
| 16 ديسمبر 2025
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
678
| 18 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها من كأس العالم الذي أبهر وأدهش وأتقن، الى احتضان فعاليات كأس العرب. نعم نجحت قطر في جمع العرب في ملتقى استثنائي، بدأ بافتتاح مهيب وأسطوري اجتمعت فيه حضارة العرب وعاداتهم وأحلامهم ونجحت في تقديم فلسفة الاستاد خلال الأيام الماضية على أنه البيت العربي الكبير الذي يجمع العرب متجاوزين الحدود والفوارق. لقد تبيّن لنا أن هناك الكثير مما يجمع العرب، وليس حرف الضاد وحده، فها هي كرة قدم أظهرت أنهم يقفون ويستطيعون البناء وتقديم الأفضل، وأن هناك جيلا متفائلا يؤمن بالمستقبل وبأنه قادر على أن ينهض من تحت الركام، جيل جديد يتنفس عطاءً ويضع لبنات البناء الذي يعيد المجد لهذه الأمة. أما فلسطين فكانت حاضرة في هذا المهرجان الكروي، في تضامن ليس جديدا أو غريبا على قطر وشعبها، ولعل الأوبريت المؤثر حين جمع قصص الاناشيد الوطنية للدول العربية عبّر لكل الحاضرين والمشاهدين أن تحريرها ممكن وان وحدتنا ممكنة. قطر ومن جديد تجمع العرب في كأس العرب للمرة الثانية من المحيط الى الخليج في هذه الاحتفالية الكروية التي تعد الأكبر في العالم العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه عن سرّ نجاح قطر مرة تلو الأخرى؟ لقد وضعت قطر بصمتها على خريطة العرب والعالم فأصبح يشار إليها بالبنان لما تمتلكه من قدرات استثنائية على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى وتمثل كأس العرب فصلاً جديداً في هذا الإرث الرياضي الغني والمتنوع. قطر وخلال أعوام مضت وضعت رؤيتها، وحددت هدفها وسخرت امكاناتها، وبذلت كل ما تستطيع لتحقيق ما رأيناه من ترتيبات لإقامة كأس العالم على أرض صغيرة حجما، كبيرة بالفعل فكان لها ما أرادت واستقر الهدف وجاءت في هذه البطولة لتبني على ما تم انجازه وتعطي أكثر وأكثر. تمتلئ ملاعب قطر بالجماهير التي تحول ملاعب المونديال الأيقونية إلى مسرح جديد للإثارة الكروية العربية يستفيد فيها المشاركون والجماهير من منظومة متكاملة، أسست على أرقى المعايير البيئية العالمية، فهي لم تعتمد بناء ملاعب يطلق عليها مصطلح الأفيال البيضاء ببناء أبنية ضخمة لا داعي لها بل شيدت على مبدأ الاستدامة واستخدام أدوات صديقة للبيئة بحيث يمكن تفكيك وإعادة استخدام الملاعب وفق خطة مدروسة بمجرد الانتهاء منها سواء بإعادة تدويرها في مشروعات داخلية أو بالتبرّع بها وإهدائها إلى دول أخرى لرفع كفاءة منشآتها الرياضية إضافة الا أنها ملاعب بلا تدخين وملاعب يصدح فيها صوت الأذان انجاز مختلف ومقدر. يضاف إلى هذه الملاعب المونديالية، أنها استفادت من البنية التحتية الرياضية الواسعة التي أولت قطر اهتماما كبيرا بها بما في ذلك مرافق التدريب الحديثة، ومناطق المشجعين التي توفر تجربة ترفيهية متكاملة وفي نقطة تحسب لهذه الجهود تتضمن الملاعب خيارات أماكن مخصصة للمشجعين من ذوي الإعاقة. وهنا لا بد من ذكر تسهيلات حركة المشجعين من خلال شبكة منظمة من المواصلات فنجاحها يعد حجر الزاوية في انجاح البطولة فهي توفر شبكة نقل حديثة ومتكاملة تتمتع بسلاستها وفعاليتها مع وجود مترو الدوحة العمود الفقري للدوحة الذي يربط غالبية الملاعب والمناطق الحيوية في قطر خلال دقائق معدودة، بجانب منظومة نقل عام فعالة سلسة الحركة خلال الفعاليات الكبرى، فضلا عن طرق حديثة تساهم بصورة كبيرة في تقليل الازدحام وتعزيز انسيابية حركة الجماهير. وإلى جانب ذلك، يتوفر أسطول حديث من الحافلات الكهربائية الصديقة للبيئة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وكذلك خدمة نقل عام مستدامة وفعالة تشمل "مترولينك"، والتي تتمثل في شبكة حافلات فرعية مجانية تربط بين محطات المترو والأماكن المحيطة. لقد ركزت قطر على الاستدامة عبر استخدام حافلات كهربائية وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وتوفير تجربة سلسة في نقل المشجعين مع الأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم وسائل النقل والمحطات، وهو الأمر الذي يساعد على ترك إرث مستدام لقطر يعزز من مكانتها كمركز للفعاليات العالمية. وبينما تدار المباريات من جهة تقام مجموعة من الفعاليات الثقافية والترفيهية لتعزيز تجربة المشجعين وخلق أجواء إيجابية وبناء جسور بينهم حيث ترحب قطر بهم بطريقتها وبحسن وكرم الاخلاق والضيافة. أي انجاز هذا، خطوة ٌتحسب وتقدر ونقطةٌ بألف هدف، فقطر تربط استثمارها بالرياضة بتحقيق نمو اقتصادي وسياحي وفي نفس الوقت وفي هذا المحفل العربي الاخوي تزيل اسباب الفرقة وتقرب المسافات في تجمع لم نكن نراه او يشهد له في من سبقها من فعاليات لكأس العرب. أي انجازٍ هذا في أكبر تجمع عربي، إذا هي الارادة الجادة والحقيقية المنتمية، تغلفها الشجاعة والاقتدار الساعية لبث الخير. قطر لا تمتلك المال فقط، إنما هي تتبع قواعد النجاح وتركز على الإنسان وفكره وتطويره، لا تترك جهدا ً في الاستفادة من خبرات الآخرين والتعلم منها والبناء عليها، وتعطي الفرص وتمنح المساحات للعطاء لمن يريد من القطريين أو غيرهم ممن يعيشون على أرضها. من استاد ملعب البيت كان الافتتاح، ولن تكون النهاية، لقد أصبحت قطر على الدوام البيت الذي يجمع ولا يفرق يلم الجراح ويبث الطمأنينة. الأمل يحدونا لأن نزيد ما تم بناؤه فكريا وروحيا ومعنويا في قطر، وفي غيرها من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، حتى نغدو منارة يهتدى بنا.
672
| 15 ديسمبر 2025