رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من المفارقات الغريبة أن يسأل البعضُ عن سبب التركيز على نقد الإسلاميين بشكل عام، والسوريين منهم تحديداً، بشكل أكبر من غيرهم، والواضح أن غيرهم هنا تشمل كل من يُمكن أن يندرج في خانة (العلمانيين).
فَهم الموضوع بهذه الطريقة إشكالي وقاصر، لأن أول أبجديات التفكير المنطقي تؤكد أن الجرعة الأقوى من المُساءلة والاهتمام من قبل الباحثين والنقاد المهتمين بالقضايا العامة يجب أن تكون دائماً لأكثر الشرائح تأثيراً في تلك القضايا. هكذا، بكل بساطة، يجب تأكيد حقيقة مفادها أن من ينقد الإسلاميين ويطلب منهم مراجعة رؤيتهم ودورهم وأساليبهم في التفكير والحركة (يعترفُ)، بممارسته، أنهم أكثرُ الشرائح تأثيراً في الواقع، خاصة في معرض الحديث عن الثورة السورية.
ينطبق هذا على شريحة واسعة ممن يمارس النقد غيرة على سوريا وعلى الإسلام، لكن الطريف في الموضوع أنه ينطبق أيضاً على غيرهم ممن يمارسون نقد الإسلاميين. فمتابعة هذا النقد وتحليله تُظهر أنه إما أن يأتي تعبيراً عن منطلقات أيديولوجية عُصابية، أو عن شوفينيةٍ ممزوجةٍ بمشاعر الإقصاء والديكتاتورية، أو بحثاً عن مصالح فردية وجماعية تتعلق بالسلطة والمال والنفوذ، أو صدوراً عن خوفٍ كامنٍ في الأعماق من الإسلاميين، أو عن كل تلك الأسباب مجتمعة. لكن كل هذا يعني أنهم (مهووسون) بالإسلاميين، والسبب هو أن هؤلاء هم الأكثر تأثيراً على الواقع في نهاية المطاف.
فمن البدهي أن النقاد لن يتركوا هؤلاء ويهمتموا بمن يكون تأثيره هامشياً أو معدوماً.
بهذا التحليل، يبدو الإسلاميون أنفسهم، برفضهم المتكرر للنقد الموجه إليهم، واقعين في تناقضٍ منهجي متعدد الأبعاد. فإما أنهم لا يعتبرون أنفسهم الأكثر تأثيراً في الواقع، مع أن كلﱠ ممارساتهم العملية وتصريحاتهم تؤكد عكسَ ذلك. أو أنهم مؤمنون بدرجة تأثيرهم الحقيقية، لكنهم فعلاً يرفضون النقد لمجرد رفضه أياً كان مصدره، ولأسباب فصلنا الحديث عنها في مقالٍ سابق.
ثمة مفهومان هنا يحتاجان لتوضيح، فالحديث عن درجة تأثير الإسلاميين السوريين في واقع الثورة لا يعني بالضرورة أن هذا التأثير إيجابي، وإلا لما كان للنقد معنى.
ثم إن استخدامنا لمصطلح الإسلاميين، وتحديداً في الوضع السوري، يستهدف تلك التجمعات والتنظيمات والأحزاب التي تكاثرت كالفطر في المجالات السياسية والعسكرية والدعوية، وهي تؤكد، بلسان الحال وبلسان المقال، تصديها لقيادة الثورة وتمثيلها وتمثيل السوريين.
ولا يدخل في نقدنا لمن نَصِفهم (إسلاميين) ملايين السوريين المسلمين بالتأكيد. كما لا تدخل فيه شريحةٌ واسعةٌ، لكنها ليست مؤطرةً في أي هيكلٍ تنظيمي، من السوريين الكتاب والمفكرين والنشطاء والمثقفين، الذين ينطلقون في تفكيرهم وحركتهم من مرجعيةٍ إسلامية بشكلٍ أو بآخر.
بل إن الغالبية العظمى من هؤلاء يطرحون، على المستوى الفكري، ويقدمون نماذج عملية، هي بمجموعها أقرب لتمثل قيم الإسلام ومقاصده الحضارية الكبرى. وكثير منهم يمارس ابتداءً نقدَ الفهم الإسلامي التقليدي السائد، ويدعون للمراجعات، ويرفضون كثيراً من دعاوى احتكار الإسلام من قبل أي جماعة أو حزب أو فصيل.
أهمﱡ من هذا، ثمة احتمال كبير بأن اجتماع هؤلاء في تيارٍ فكري وثقافي أكثر تنظيماً، وتزايد درجة تواصلهم وتنسيقهم، وصولاً إلى تجميع عطائهم وإيصاله إلى السوريين بشكلٍ مؤسسي أكثر فعالية، يمكن أن يكون أحد مداخل حلول التعامل الفعال مع الإشكاليات التي يُسبِّبُها (الإسلاميون) بمعنى المصطلح المذكور أعلاه.
وإذا كان لنا أن نستخدم، تجاوزاً، المدخل الفقهي في هذا المقام، فقد ينقلبُ مثلُ هذا النشاط في حقِّهم (فرضَ عين) للمرابطة في ثغرٍ لم يعد يمكن تغطيته بمداخل (فروض الكفاية).
إن (غياب التراكم المعرفي) يُعتبر مشكلة المشاكل في حياتنا الثقافية والفكرية. فمثل هذا التراكم يُعتبر عِمادَ عمليات التغيير والتطوير الكبرى في المجتمعات التي تتحكم أنظمتها السياسية والاقتصادية بمفاصل النظام العالمي المعاصر، وذلك من خلال استفادة هذه الأنظمة من التراكم المذكور وما يضخُّه فيها من مُعطيات وأدوات وأفكار.
بالمقابل، تطغى الفردية الصارخة على عمل المثقفين والمفكرين والباحثين والكتاب العرب عموماً، لكن الفردية هذه واضحةٌ جداً فيما يتعلق بعطاء وإنتاج الشريحة التي نتحدث عنها من السوريين غير الحزبيين ولا المنظمين، ممن يفكر ويكتب ويتحرك بخلفيةٍ إسلامية.
إذ يندر في مثل هذه الظروف الحساسة أن تجد تعاوناً جدياً بين أفرادهم، ولا أعتقد مثلاً بوجود بحثٍ أو كتابٍ أو ورقةٍ اجتمع على العمل فيها باحثان منهم، وتتعلق بواحدةٍ من المسائل العديدة المتعلقة بالثورة، وإن كان يُعالجُها، جميعها تقريباً، كل واحدٌ منهم بمفرده، عبر كتابٍ أو مقالٍ أو مشاركةٍ (فيسبوكية) أو تغريدة..
وإذا كان هذا مقبولاً بحكم أمرٍ واقعٍ له ظروفه وملابساته قبل الثورة، فإنه يُصبح أمراً متناقضاً مع كل منهجيةٍ تَحكُمُ عمل المثقفين من جهة، وتنبثق من فهمٍ أصيل لقيم الإسلام من جهةٍ أخرى، خاصة بعد أكثر من ثلاث سنوات من عمر الثورة، باتَ واضحاً فيها لهم أين تكمن المشكلة ومن أين تبدأ مسيرة البحث عن الحلول.
لا تبدو ثمة حلول ناجعة لدى (الإسلاميين) بتوصيفهم المذكور أعلاه. ولا تبدو الغالبيةُ العظمى من العلمانيين، السوريين تحديداً، في مقام القدرة على تقديم مثل تلك الحلول. وإذا كنا قد فصَّلنا الحديث عن الشريحة الأولى في أكثر من مقال سابق، فإن قلة تركيزنا على الشريحة الثانية تأتي انسجاماً مع المقولة الرئيسية الواردة في أول المقال، فهم الأقل تأثيراً فيما يجري على أرض الواقع، والطريفُ أن شكوى بعضهم المستمرة من الإسلاميين تحمل مؤشراً على تناقضٍ آخر قد يكون أسوأ من ذاك الذي يعيشه الإسلاميون.
وإذا كانوا يتهمون الإسلاميين بأنهم يغسلون أدمغة السوريين بالغيبيات ويشترون ولاءهم بالعواطف والشعارات، فإن هذا يستدعي ملاحظتين. الأولى تتمثل في شبهة إلقاء التبعة واللوم على الشعب السوري الذي كثيراً ما يتغنون بوعيه ووطنيته، في حين أن كلامهم يحمل شبهة نظرة دونية لشعب تلك صفاته. ثم إن هناك سؤالاً كبيراً قد يدل على حالة من الإفلاس الثقافي والفكري والتنظيمي لديهم، لأن عليهم أن يسألوا أنفسهم أين ذهب زادهم الفكري ومؤونتهم المعرفية التي كان يجب أن تجتذب عقول وقلوب السوريين، الأمر الذي يعني في نهاية المطاف نوعاً من الهروب الكامل.
ثمة من ينظر إلى الموضوع، في صفوف من يُصنفون علمانيين، ويحاول معالجته بمقاربة مختلفة تماما. وقد يكون في طروحات هؤلاء، وفي تعاونهم مع شريحة المثقفين والباحثين المستقلين من خلفية إسلامية، مدخل لفتح نافذة لتصحيح مسار الثورة.. هذا ما سيكون موضوع كلام قادم.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
3657
| 04 نوفمبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2187
| 03 نوفمبر 2025
8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات في قمة التنمية.. العالــــم فــي قطـــر ■قطر والأمم المتحدة شراكة دائمة ومستمرة نحو الأهداف المشتركة ■قمة التنمية ترسخ ثقة المجتمع الدولي بقدرات قطر ■الحدث الدولي الكبير باستضافة قمة التنمية موضع فخر واعتزاز ■حضور بارز لدولة قطر في جميع برامج الأمم المتحدة التنموية والإنسانية ■قمة الدوحة ستبقى علامة فارقة في مسيرة التنمية الاجتماعية ■«إعلان الدوحة للتنمية» سيكون بصمة تاريخية في سجلات الأمم المتحدة ■ترسيخ مكانة الدوحة كعاصمة للحوار والشراكة الدولية من أجل التنمية ترحب الدوحة بالعالم في قمة العالم الثانية للتنمية الاجتماعية التي تعقد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بعد مرور ثلاثين عاماً على القمة الأولى التي عُقدت عام 1995، مما يضفي على قمة الدوحة أهمية استثنائية، فالدوحة عاصمة عالمية للفعاليات الكبرى، وقد استعدت بكل إمكاناتها لتوفير مقومات النجاح لبرامج القمة وجداول أعمالها وأنشطتها. ترحب الدوحة بكل المشاركين في قمة التنمية الاجتماعية الثانية التي تعقد على مستوى رؤساء دول وحكومات وصناع قرار وكبار المسؤولين وقادة المنظمات الإنسانية بهدف معالجة الثغرات بشأن التنمية الاجتماعية التي أصبحت الشغل الشاغل لدول العالم، حيث إن أرقام الفقر والجوع ما زالت مرتفعة، فضلا عن الدول الخارجة من الحروب والأزمات والصراعات، مما يضاعف الحاجة إلى تجديد التزام دول العالم بدفع عجلة التنمية الاجتماعية. ومن المؤكد أن قمة الدوحة ستكون علامة فارقة في مسيرة التنمية الاجتماعية، ومثلما نجحت الدوحة في استضافة الفعاليات الكبرى من رياضية وسياسية واقتصادية وثقافية فإن قطر ستقدم للعالم أفضل نسخة من القمة العالمية للتنمية الاجتماعية. إن انعقاد قمة التنمية الثانية في الدوحة تعكس ثقة المجتمع الدولي بدور قطر وجهودها لتعزيز السلام والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة بوصفها شريكا دائما للأمم المتحدة، وكما أشار حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، في كلمته الترحيبية على صفحة القمة: «إن قطر استضافت على مر السنين العديد من المؤتمرات الرفيعة المستوى التابعة للأمم المتحدة، ما وفر منصة للحوار والتعاون بشأن أبرز التحديات العالمية، وتعكس هذه الجهود التزامنا الدائم بقيم وأهداف الأمم المتحدة ورؤيتنا لعالم يتاح فيه الازدهار للجميع». الشراكة بين قطر والأمم المتحدة تمتد لعقود وهي شراكة متجذرة في المبادئ والأهداف المشتركة الإنسانية والتنموية والتعليمية وحفظ الأمن والسلم الدوليين وتعزيز حقوق الإنسان، وتقديم المساعدة الإنسانية، والمشاركة في العمل الجماعي بهدف التصدي للتحديات القائمة والناشئة التي تواجه العالم. وأصبحت دولة قطر حاضرة بقوة في أغلب أنشطة الأمم المتحدة، وفي برامجها الإنسانية والتنموية. لطالما كانت قطر سباقة بدعم أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، خاصة في مجالات مكافحة الفقر والصحة والتعليم من خلال مساعدات خارجية بلغت قيمتها نحو 4.8 مليار دولار منذ عام 2020، خصص 90% منها للدول الأقل نموا. كما حرص سمو الأمير المفدى على تتويج المساعدات القطرية بمبادرات وتبرعات أعلنها في كثير من الفعاليات الأممية، كان أبرزها تبرع سموه عام 2019 بمبلغ 100 مليون دولار لصالح الدول الجزرية والأقل نموا. كما توجت قطر شراكتها مع المنظمة الأممية بافتتاح بيت الأمم المتحدة في مارس 2023 ويُعد الأول من نوعه في المنطقة بصفته مقرا يجري فيه تنسيق المهام الإقليمية لعدة منظمات من ضمنها: منظمة العمل الدولية واليونسكو ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين وصندوق الأمم المتحدة الدولي للطفولة (اليونيسيف) ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الصحة العالمية. وفي إطار الشراكة مع الأمم المتحدة تحضر أيضا مبادرات صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، لحماية التعليم في مناطق النزاعات عبر مؤسسة التعليم فوق الجميع، وعبر برنامج «علم طفلا» الذي نجح في إعادة 10 ملايين طفل إلى المدارس، فيما تسعى مؤسسة «صلتك» لتوفير فرص عمل لأكثر من خمسة ملايين شاب. وفي هذا السياق تعتبر استضافة الدوحة للقمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية رصيدا إضافيا يعزز مكانة قطر المرموقة على الساحة الدولية، ويعكس إيمانها العميق بأهمية التعاون متعدد الأطراف في معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المجتمعات، خصوصا في ظل التحولات العالمية المتسارعة التي أنتجت وقائع جديدة ترزح تحت أعبائها شعوب كثيرة، مما يزيد الحاجة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتمكين الفئات الضعيفة من المشاركة الفاعلة في التنمية. إن هذا الحدث الدولي المهم المتمثل بانعقاد القمة التاريخية في الدوحة موضع فخر واعتزاز لدولة قطر وجميع أبناء الشعب القطري، فقد أثبتت قطر للعالم أنها المكان المثالي والنموذجي لاستضافة القمة بعد ثلاثين عاما على انعقاد القمة الأولى في كوبنهاغن. كما أن قطر أثبتت قدرتها وجاهزيتها اللوجستية والدبلوماسية والتنظيمية لاستضافة أكثر من 8 آلاف مشارك من مختلف دول العالم، بينهم رؤساء دول وحكومات وصناع قرار وكبار مسؤولين وقادة منظمات دولية وإنسانية وتنفيذ جدول وبرامج القمة التي أعدتها الأمم المتحدة بجدارة وإتقان. ولعل السمة التاريخية لهذه القمة تستند إلى عدة عناصر أبرزها «إعلان الدوحة السياسي» الذي ستعتمده القمة وتصدره الأمم المتحدة، مما يجعل اسم الدوحة مسطرا في سجلات الأمم المتحدة وفي ذاكرة كل شعوب العالم المعنية بالتنمية وسيكون إعلان الدوحة مرجعا لكل باحث وخبير بشأن التنمية العالمية. ويعتبر «إعلان الدوحة للتنمية» تعهدا جماعيا للمشاركين لإحياء التعددية وتسريع التنمية الاجتماعية دون أن يتخلف أحد عن الركب، ومن بين أهدافه الالتزام بـ»تعزيز الحلول المبتكرة والتعاون الدولي الشامل لترجمة التزامات إعلان وبرنامج عمل كوبنهاغن، والبعد الاجتماعي لأجندة 2030، إلى إجراءات ملموسة لتحقيق التنمية الاجتماعية للجميع، لا سيما لفائدة البلدان النامية». ومن الجوانب المهمة أن استضافة قطر لقمة التنمية الاجتماعية تعكس التزامها الراسخ بتعزيز التنمية الاجتماعية الشاملة والمستدامة ودعم العمل المتعدد الأطراف لتحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية لجميع الشعوب، كما تمثل فرصة محورية لتعزيز الحوار الدولي حول قضايا التنمية الاجتماعية وتسريع تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030. وقد عبر سمو الأمير المفدى عن هذا الالتزام بأبلغ الكلام حين قال: «تلتزم دولة قطر دوماً بالتنمية المرتكزة على الإنسان، سواء على المستوى الوطني أو العالمي. ومن خلال الاستثمار في التعليم، والصحة، والحماية الاجتماعية، وتعزيز فرص العمل المنتج والعمل اللائق للجميع، نواصل تعزيز العدالة الاجتماعية وترسيخ الشمول. كما أننا دافعنا عن تكامل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، من خلال اعتماد نهج يشمل الحكومة والمجتمع بأسره، ويضع الإنسان في صميم عملية التنمية». لقد أكدت دولة قطر أن التنمية الاجتماعية لا تتحقق إلا من خلال الاستثمار في الإنسان، وتعزيز قيم العدالة والتضامن، ودعم المبادرات التي تكرس التعاون الدولي وتستجيب لتطلعات الشعوب نحو مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا، وهذا ما أكده سمو الأمير المفدى في مختلف المناسبات أن الارتقاء بالإنسان يحقق التنمية المستدامة باعتبار الإنسان محور التنمية وغايتها الأساسية. لقد نجحت مسيرة قطر في تحقيق إنجازات نوعية وغير مسبوقة في عالم التنمية وصولا إلى رؤية قطر الوطنية 2030 وها هي اليوم تضع جهودها وخبراتها بتصرف العالم لبلورة رؤية وبرامج عمل لتحقيق التنمية التي تتطلع لها شعوب العالم. وذلك من خلال العمل الجاد والدؤوب مع الدول الأعضاء في القمة والمنظمات الدولية والإنسانية المشاركة لرسم المسار العملي لتحقيق أهداف التنمية. ولن تتوانى دولة قطر عن تقديم كل الدعم وبذل كل الجهود لوصول القمة إلى أفضل النتائج التي تحقق تطلعات شعوب العالم بالتنمية المستدامة وفقا لأهداف الأمم المتحدة، وترسيخ مكانة الدوحة كعاصمة للحوار والشراكة الدولية من أجل التنمية الاجتماعية المستدامة، وتعزيز ثقة المجتمع الدولي بقدرات قطر على تحقيق وإنجاز ما يعجز عنه الآخرون.
2082
| 04 نوفمبر 2025