رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منى الجهني

Munaaljehani1@gmail.com 

مساحة إعلانية

مقالات

375

منى الجهني

في حضرة الصيف.. زمن الضوء الممتد وحكايات لا تنتهي

08 يوليو 2025 , 04:43ص

في حضرة الصيف، لا يكون النهار مجرد وقت، بل يصبح فلسفة تمتد فوق رؤوسنا وأعماقنا. وحين تشرق الشمس ساعات أطول، وتتنفس الأرض دفئًا وبهجة.

في عالم يمضي بخطى لا تهدأ، وتحت وطأة ضغوط الحياة اليومية التي لا ترحم، تبرز الإجازات كملاذٍ ضروري، لا ترفٍ كما يعتقد البعض. هي فرصة لإعادة شحن الأرواح المنهكة والعقول المرهقة، ولإعادة ترتيب الأولويات بعيدًا عن دوامة المسؤوليات المستمرة. وقد كشفت العديد من الدراسات أن الإجازات ليست مجرد وقت للراحة، بل لها آثار عميقة على الصحة النفسية والجسدية، والإبداع، وحتى على الإنتاجية عند العودة للعمل.

ومع قدوم الصيف، تكتسب الإجازات بعدًا خاصًا. فالصيف ليس مجرد فصل مناخي، بل موسم للحياة والعودة إلى الذات، موسم للسفر، للتلاقي، وللتأمل. وفي هذا العام تحديدًا، أجدني بحاجة ماسة لإجازة صيفية لا تشبه سابقاتها، أحتاجها لأبتعد عن ضغط العمل وأقترب من نفسي أكثر، أحتاجها لأكتب، لأستعيد صوتي الداخلي الذي يضيع أحيانًا وسط ضجيج الحياة 

وتشير الإحصائيات العالمية إلى أن الموظفين الذين يأخذون إجازات منتظمة يتمتعون بصحة أفضل، ويقل لديهم خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة تصل إلى 30%. كما أظهرت دراسة صادرة عن احدى المؤسسات الامريكية أن 55% من الأمريكيين لا يستخدمون كامل إجازاتهم السنوية، مما يؤدي إلى إرهاق مزمن وإنتاجية أقل. 

الإجازة ليست رفاهية، بل ضرورة إنسانية، فالجسد بحاجة إلى استراحة، والعقل يحتاج إلى هدوء ليستعيد قدرته على التركيز والإبداع. ولا يمكن إغفال أن الابتعاد المؤقت عن بيئة العمل يمنح الإنسان منظورًا أوسع، ويكسر رتابة الأيام، ويمنحه قدرة أكبر على اتخاذ قرارات أكثر حكمة وفعالية.

يقول الفيلسوف الفرنسي مونتاني: «نسافر لا لنبتعد فقط، بل لنقترب». وفي تجربتي الشخصية، وجدتُ أن السفر لا يعني الهروب من الواقع، بل الاقتراب منه أكثر، بمعنى أعمق. حين يسافر الإنسان، يضع بينه وبين ضغوط العمل ومسؤولياته اليومية مسافة أمان، تتيح له أن يرى الأمور بوضوح أكبر.

السفر أيضًا وسيلة للقاء الأسرة من جديد، لقاء مختلف تماما عن لقاءاتنا اليومية المقتضبة. هو فرصة للحديث، للضحك، للعودة إلى تلك اللحظات التي تصنع الذكريات. بالإضافة لذلك، تعيد الإجازات الروابط الاجتماعية التي قد تضعف مع مرور الوقت. فالأسرة التي تسافر معًا تخلق ذكريات مشتركة، والزوجان اللذان يأخذان إجازة معًا يعيدان إحياء العلاقة بينهما. حتى الصداقات تجد في السفر فرصة لإعادة الحياة والذكريات الحلوة.

وحين أسافر أجدني أقترب أكثر من جوهري، وبل اقترب أكثر من الحياة ذاتها التي أراها تومض في الأماكن القديمة والطرقات المعتادة.

وفي السياق نفسه فالإجازة رحلة للقلب والروح. لا تقتصر أهميتها على الراحة الجسدية أو الاستجمام فحسب، بل تمتد لتشمل جوانب أعمق من الوجود الإنساني، حيث تُشكّل الإجازات الدينية نوعًا خاصًا من السياحة الروحية التي تلامس القلب والعقل والروح معًا. 

ليست الإجازة مجرد فرار من حرارة صيفٍ لا يهدأ، بل هي بحث عن ظلٍ للروح، وفسحة للنفس المنهكة من حرّ الأيام وثقل الأعباء

الإنسان رحلة أخرى من التأمل والتجدد والبحث عن الذات. بالإضافة الى ذلك ان الإنسان يجد وقتًا للتخطيط، للرؤية الأبعد، لاتخاذ قرارات كانت مؤجلة.. النهار الطويل من زاوية عملية طول النهار في الصيف يمثل فرصة عملية لا تُقدّر بثمن. تتسع الساعات لإنجاز الأعمال، للرياضة، للسفر، للأنشطة العائلية، والقراءة. حين يزداد ضوء الشمس، تزداد الحركة. ولهذا السبب تنشط السياحة والفعاليات الصيفية حول العالم، ويعود الناس أكثر حيوية وإنتاجية بعد إجازاتهم نابضة

ومن ناحية نفسية يمتلك الصيف تأثيرا على الاشخاص فالضوء الممتد عبر النهار الطويل يُحفّز هرمونات السعادة ويقلل الاكتئاب. 

حين يطول النهار، لا تزداد الساعات فقط، بل تزداد مساحات القلب والفكر والروح. 

الى جانب ذلك إنه فصل يمتد فيه كل شيء: الأمل، اللقاء، الحكايات، والإبداع. الصيف يعلمنا أن الزمن يمكن أن يكون أكثر من مجرد وقت يضيع هدرا. 

وهنا يبرز حديث النبي ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.»، ليذكّرنا بأن طول النهار فرصة لا ينبغي أن تهدر... كما أنه فرصة لنقول لأنفسنا: «اليوم طويل... وفي حضرة الصيف.. وحكايات لا تنتهي فهل نحسن استقباله؟... كل هذا وبيني وبينكم. 

مساحة إعلانية