رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خولة البوعينين


Khawla.life@outlook.com
@Khawlalbu3inain

مساحة إعلانية

مقالات

303

خولة البوعينين

منابـع الإكرام

09 سبتمبر 2025 , 02:09ص

لعل من أهم الإدراكات التي تُيسر على الإنسان حفظ كرامته، والسمو بذاته، والارتقاء بها، هو أن يعي أن كل ما يحمله لنفسه تجاه نفسه سينعكس على من وما حوله. 

هذه الحقيقة البسيطة والعميقة في آنٍ واحد، تجعل المرء مسؤولًا أولًا أمام ذاته عن الصورة التي يكوّنها عن نفسه، قبل أن ينشغل بما يراه الآخرون فيه! فالقيمة ليست منحة خارجية يخلعها الناس عليه، ولا فضل منهم ومنة في تقييم مكانته يكسونه إياها، بل هي نظرة داخلية تبدأ من أعماق دواخل المرء تجاه نفسه.

لذا فقيمة المرء الحقة هي بالطريقة التي ينظر بها هو إلى نفسه، لا بالسبل التي يراه بها الآخرون. ومتى أدرك هذه الحقيقة، تحرر من قيود التقييم الخارجي، وصار أكثر رسوخاً وأماناً في مواجهة أحكام الناس. فكم من إنسان يحمل في داخله يقينًا بعزته، فلا تنال منه كلمة جارحة ولا نظرة منتقصة، لأنه لم يسمح لنفسه أن يتبنى هذا الشعور، وينظر من خلاله إلى دواخله. 

حينها يُدرك المرء أصالته الحقة، فيتيقن حق اليقين أنه لا توجد إساءة للمرء ما لم يقبلها هو في نفسه على نفسه، ولا تكون هناك إهانة ما لم يشعر هو بالهوان في بواطنه. ومن يتعامل مع ذاته بوعي واحترام، ويتصرف معها بإكرام وإجلال، فإنه لا يترك منفذًا لأذى الآخرين له، ولا يدع لهم فرصة للتقليل من شأنه، ليس بالمنع المباشر، أو الصد اللاذع، وإنما بمعالجته الداخلية لكل نافذ قبل كل شيء، لأنه يعلم أن مصدر القيمة الحق لا يُعار من الخارج، ولا يُوهب من الآخر، بل هو صنيعة نفسه، وهدية أصالته في الداخل.

وكذلك الأمر في الكفة الأخرى، فلا توجد رفعة ولا عزة، ولا سمو ولا تكريم يمكن للآخرين أن يرفعوك إليها دون أن تشعر بها في سريرتك أولًا، فلا فخامة التمجيد، ولا تكرار المديح، ولا علو الثناء مهما بلغ، قادر على تغيير بساتين شعور الإنسان إن كانت خاوية على عروشها من الداخل، أو متلهف لاحتساء إشادة الآخرين، كظمآن يتوق إلى رشفات رضاهم.

والعكس كذلك صحيح، فقد يعلو المرء بنفسه علوا لا يحتاج معه إلى تصفيق أو اعتراف، لأنه يستمد مكانته من وعيه بذاته.

لذا، ما أجل ذاك الإدراك الذي تعي معه أنك أنت ببساطة منبع الشعور ومنبته، ومن تضفي المعنى والقيمة لذاتك، فكل شيء هو في أصله منك وإليك، وهذا أدعى للسلام وفرجة الأمل، لأن زمام أمرك بيدك لا بيد غيرك، وجنتك في قلبك لا يحول بينك وبينها حائل إلا بسماحك ورضاك، ولا يستطيع على خرابها أحد إلا إن شرعت له أبوابها.

من تشرب هذا الفهم فقد عاش بسلام مع نفسه، وتحرر من عبء التوقع من الآخرين، ولا يفتأ يصبح أكثر قدرة على بناء حياة قوامها كرامة النفوس، وشرف الصدور، لا تزيين الكلمات، وتنميق الأقوال.

لحظة إدراك: 

سامٍ ذاك الشعور بالارتواء، والتشبع الداخلي بالقيمة والإكرام، وقيّم ذاك الإدراك بأن قيمة المرء لا تُقاس بمرآة العيون الظاهرة، بل بما تسره النفوس الباطنة، وبأن الهوان لا يستقر إلا حيث يفتح القلب له بابًا للنفاذ، وبأن العزة لا تُهدى ولا تُشترى، وإنما تفيض فيضاً من آصال الصدور.

 

مساحة إعلانية