رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مشاريع عملاقة وإنجازات رائدة في التعليم والصحة والتنمية والابتكار
مؤسسة قطر منظومة تعليمية بجودة عالمية ومنصة للابتكار والإبداع
شجرة السدرة تعكس رؤية مؤسسة قطر في العطاء والهوية الوطنية
مؤسسة قطر استثمرت بإطلاق قدرات الإنسان لبناء المستقبل
صاحبا السمو رؤيتهما تحويل مؤسسة قطر إلى منارة تلبي تطلعات الشباب العربي
مؤسسة قطر عاصمة الحضارة والعلم لكل العرب وحاضنة العلماء والمبتكرين
واكبنا بكثير من الإعجاب مشاريع مؤسسة قطر التي توالت خلال 30 عاما
هنيئا لأجيال الغد قادة المستقبل الذين تخرجوا من مؤسسة قطر
لا يمكن اختزال مؤسسة قطر بسطور وكلمات؛ فهذه المؤسسة منارة معرفة يسطع نورها في الشرق والغرب، ظلالها وارفة كشجرة السدرة وثمارها بمتناول الأمة. لقد ولدت هذه المؤسسة من فكرة صارت حلما والحلم ترجم إلى مؤسسة مبهرة لا يمكن الإحاطة بجميع فروعها وتخصصاتها وإنجازاتها.
قبل ثلاثين عاما كانت إرادة صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وصاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، إطلاق مؤسسة قطر رغم أن الظروف كانت مختلفة جذريا والتحديات كثيرة، حيث الدول والاقتصادات الناشئة تركز على الاستثمار في قطاع الطاقة، بينما كان خيارهما الاستثمار في التعليم، وبفضل العزيمة والإصرار نجحت الجهود ومهدت الطريق لتحقيق الأهداف الطموحة للنهوض بالتعليم.
اتخذت المؤسسة شجرة السدرة شعارا لها لتجسد علاقتها مع كل بيت قطري، وكما تقول صاحبة السمو: «هناك علاقة وثيقة بين الإنسان القطري وشجرة السدرة وهذه الشجرة التي تملك قدرة هائلة على التحمل، وصبرًا جميلًا، وتُظلل بأوراقها على الجميع».
في هذه المسيرة بذل الكثير من الجهد والتعب لتحقيق رؤية صاحبي السمو بتحويل مؤسسة قطر إلى مؤسسة مترامية الأطراف تلبي التطلعات والطموحات لجميع أبناء قطر وللشباب العربي والإسلامي من المحيط الى الخليج. فكانت الركيزة الأولى بناء التعليم العصري المستند الى البحث العلمي والمواكب للتكنولوجيا واقتصاد المعرفة.
كان قرار الاستثمار في التعليم قرارا صائبا وحكيما لإحداث تغيير جذري في المنظومة التعليمية وتوفير تعليم متقدم بجودة عالية مواكب للعلوم الحديثة، مع الحفاظ على تراثنا ولغتنا وهويتنا الوطنية. وكان حصاد مؤسسة قطر بعد ثلاثين عاما على انطلاقتها النجاح ببناء منظومة تعليمية متكاملة تنافس أعرق المؤسسات التعليمية العالمية، والنجاح بنشر وترسيخ ثقافة البحث العلمي ووضع البنية التحتية البحثية لتلبية الاحتياجات الوطنية في بناء اقتصاد مستدام قائم على المعرفة.
عاصمة الحضارة والمعرفة
مؤسسة قطر أصبحت وجهة عالمية ينظر إليها الجميع في الشرق والغرب بكثير من الإعجاب والتقدير لما حققته من ريادة في اطلاق قدرات الانسان في مختلف المجالات، فقيادتنا الرشيدة لم تنظر يوماً إلى مشاريع المؤسسة ومراكزها ومبادراتها لخدمة قطر وحدها، فالمؤسسة انطلقت كمشروع نهضوي تنموي عربي إسلامي على أرض قطر، لتعزيز التنمية المستدامة في العالم العربي.
وبفضل هذا التوجه باتت مؤسسة قطر عاصمة الحضارة والعلم التي يتوافد اليها طلبة العلم من مختلف دول العالم العربي والإسلامي، وكأنها تستعيد دور بغداد ودور الاندلس التي كانت قبلة لكل الراغبين بالعلم والمعرفة. كما تحولت مؤسسة قطر الى حاضنة للعلماء العرب المغتربين فكانت المبادرة الأولى من صاحبة السمو بعقد مؤتمر جامع للعلماء العرب من مختلف بلاد الاغتراب، وبعد ذلك شرعت مؤسسة قطر أبوابها لاستقطاب العلماء بمختلف مجالات تخصصهم للاستفادة من علومهم وخبراتهم وتجاربهم.
في مسيرتها الحافلة بالعطاء تمكنت مؤسسة قطر من تحقيق الهدف الأسمى وهو إنتاج المعرفة وتطويرها وتصديرها إلى المنطقة، بما يُساعد على تحقيق التنمية المستدامة في دولة قطر في مختلف مجالاتها. وتمكنت المؤسسة من أن تصبح حاضنة للعلماء والباحثين والمبتكرين والمخترعين العرب وغيرهم من كافة أنحاء العالم.
إنجاز تلو الإنجاز
لقد قدر لنا ان نواكب ولادة مؤسسة قطر وان نعايش توسعها وتنوعها ومبادراتها، فكنا لا نكاد نحتفي بإنجاز او بتدشين مشروع حتى تفاجئنا صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر بإطلاق مبادرة عالمية، وبينما نحن نرصد الأصداء العالمية للمبادرة كان يأتينا خبر اطلاق جائزة تحفز وتعزز اطلاق المواهب والقدرات. كنا نستمتع بمواكبة مشاريع مؤسسة قطر التي كانت تدشن مشروعا تلو الآخر. كنا نفخر بإنجازات المؤسسة ونباهي بها العالم، ولطالما كان الزملاء في الدول العربية والخليجية يغبطوننا على مشاريع وانجازات مؤسسة قطر.
ما زلت أذكر المدينة التعليمية عام 2005 التي كنا نظن انها مجرد جامعات تستقطب تخصصات علمية فإذا بنا امام مدينة تعليمية معرفية شاملة قد لا نجد لها مثيلا في الشرق الأوسط وربما في العالم. ولمسنا كيف توقف عندها عشرات الآلاف من جماهير المونديال، وكيف جرى تداول الصور ومقاطع الفيديو لمعالم المدينة التعليمية التي ابهرت جميع الزوار. كما يندر ان يزور رئيس أو زعيم عربي وعالمي الدوحة بدون زيارة المدينة التعليمية.
استقطاب أفضل الجامعات
لقد نجحت صاحبة السمو في استقطاب أفضل الجامعات على مستوى العالم؛ كي تضمن للشباب في قطر والوطن العربي تعليماً نوعياً من خلال توفير أفضل الخدمات التعليمية والأكاديمية. حيث تضم المدينة 8 جامعات بينها 6 جامعات أمريكية مرموقة وجامعة فرنسية رائدة في إدارة الأعمال بالإضافة إلى جامعة حمد بن خليفة. وتقدم هذه الجامعات 60 برنامجا تعليميا في درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في مجالات الفنون والعلوم الإنسانية والأعمال التجارية والحوسبة والهندسة والطب والصحافة والاتصالات والدراسات الإسلامية والشؤون الخارجية. ويدرس فيها طلبة من 119 بلدا من العالم وخرجت آلاف الكوادر الوطنية التي رفدت مسيرة التنمية المستدامة.
ركائز التعليم في مؤسسة قطر أعطت حيزا مهما للتعليم ما قبل الجامعي وكان من ثماره إنشاء أكاديمية قطر وتحقيق التوازن بين الأصالة والحداثة الى جانب انشاء 13 مدرسة بينها مدارس لذوي الاحتياجات وخرجت آلاف الطلبة.
هناك أيضا ركيزة البحوث والتطوير والابتكار من بين الركائز التي قامت عليها مؤسسة قطر وترجمت هذه الركيزة بإنشاء واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، كمركز حاضن للابتكار في التكنولوجيا، والذي يضم منطقة تجارة حرة ذات مختبرات لإجراء الأبحاث المتقدمة واستقطاب الشركات التكنولوجية الرائدة، فضلاً عن إقامة عشرات من الشراكات البحثية مع الجامعات في المدينة التعليمية. لدعم التخصصات التي تحتاجها قطر بحاجة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
لقد ركزت المؤسسة على الاهتمام بالابتكارات التقنية والحوسبة والذكاء الاصطناعي ومواكبة ثورة الاكتشافات العلمية المتسارعة في قطاع التكنولوجيا مع التركيز على قضايا الاستدامة والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي لتواكب تطلعات الأجيال.
الابتكارات العلمية والطبية
ولا ننسى في هذا الاطار الأبحاث العلمية والطبية الحيوية، حيث ساهمت المؤسسة عبر إنشاء الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي بدعم وتوفير الموارد اللازمة لألمع العقول في قطر، والمتعاونين معهم من جميع أنحاء العالم، لمواصلة أبحاثهم العلمية والطبية وفق المعايير العالمية. كما كانت مؤسسة قطر سباقة في إطلاق المشاريع الصحية النوعية والعالمية أبرزها سدرة للطب ومعهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة وبرنامج قطر جينوم حيث نجحت المؤسسة بتحديد تسلسل 45 ألف جينوم وتحويلها للرعاية السريرية.
يصعب علينا الحديث عن جميع فروع وتخصصات ومبادرات مؤسسة قطر، فهذه المؤسسة التي انطلقت عام 1995 تتألف مما يزيد على 50 كياناً في مجالات التعليم والبحوث وتنمية المجتمع، ويتجاوز عدد الطلاب 10 آلاف طالب، وأصبحت جوهرتها المدينة التعليمية التي على مساحة تزيد على 12 كيلومتراً مربعاً.
عندما نتأمل بحصاد مؤسسة قطر خلال ثلاثين عاما ندرك كم كانت رؤية صاحب السمو الأمير الوالد وصاحبة السمو الشيخة موزا ثاقبة وعميقة؛ فقد استندت في تأسيس هذا المشروع الرائد والكبير إلى مقولة أن سباق الزمن هو أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون. وبالفعل بدأت المؤسسة حيث انتهى الآخرون وبلغت مرحلة لا يمكن مجاراتها ومنافستها. ولعل اهم ما في فلسفة مؤسسة قطر هي اطلاق القدرات في العلم والابتكار والريادة والقادة والتكنولوجيا.
هذه المؤسسة التي غيرت وجه قطر هي مصنع المستقبل، وأقتبس هنا ما قالته صاحبة السمو عند افتتاح المدينة التعليمية: «هنا يصنع الغد وإذا تباهت كل أمة بمنتجاتها فإن دولة قطر تتباهى بالغد الذي صنع في قطر وإذا أنشأت الأمم مصانع للإنتاج فإن قطر استثمرت في الإنسان».
هنيئا لكل من عاش في زمن مؤسسة قطر وهنيئا لأجيال الغد قادة المستقبل الذين تخرجوا من مؤسسة قطر.
يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض وعلاجها. ومع... اقرأ المزيد
273
| 23 أكتوبر 2025
من الأوقات الصعبة على أيِّ مبدع أن ينتهي من كتابة رواية أو ديوان، وتتوقف الروح لبعض الوقت عن... اقرأ المزيد
102
| 23 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى، وسلامةٌ تُصان، وحياةٌ تُدار بانسيابية ومسؤولية. لا أحد ينكر مدى... اقرأ المزيد
261
| 23 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
4854
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3597
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2877
| 16 أكتوبر 2025