رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم عبد المجيد

كاتب وروائي مصري

مساحة إعلانية

مقالات

546

إبراهيم عبد المجيد

كذبة أبريل.. في أي شهر ؟

10 أبريل 2025 , 02:00ص

من السهل العودة إلى كذبة أبريل. في أي وقت ظهر المصطلح، وفي أي البلاد من العالم، لكن المهم أنه استقر الأمر، وارتبطت الكلمة بشهر أبريل» نَيْسان»، وأصبحنا نتذكرها في اليوم الأول منه. صارت الكذبة مصدرا لأفلام، مثل فيلم «كذبة أبريل» لشكري سرحان وإسماعيل ياسين، وأفلام عالمية كثيرة، ومهرجانات في العالم، وكتابات وخِدَع تتم في هذا الشهر للضحك لا أكثر، وظلت مرتبطة به عبر السنين. لكنها تحولت، فقل الضحك وكثر القلق إن لم يكن الألم.

أكبر كذبة عشتها وجيلي كانت في الستينيات، حين كانت إذاعة صوت العرب المصرية تذيع برنامج « أكاذب تكشفها حقائق»، جعلت من القومية العربية شعارا لها، فهاجمت كل من يختلف مع جمال عبد الناصر من الحكام العرب، وبلغ الكذب غايته مع حرب يونيو 1967 حين أعلنوا أننا أسقطنا في اليوم الخامس من يونيو، مائة طائرة حربية إسرائيلية، وأننا على أبواب تل أبيب، حتى استطعت الوصول ليلا إلى محطة إذاعة أجنبية، لأن كل المحطات الخارجية عليها تشويش، فعرفت أننا انسحبنا إلى خط الدفاع الثاني، وهو ما لم تذعه إذاعتنا إلا في اليوم الثامن، وكانت من أطول الليالي في حياتي.

اتسع بنا العالم، وجعله التطور التقني في يدنا هاتفا نقالا، فصرنا نرى حول الصدق أكاذيب حين تنشر تتسع، ولا يتوقف الحديث عنها باعتبارها حقيقة، إلا بعد أن يصدر بيان ممن أصابته الكذبة، وحتى رغم ذلك يظل البعض غافلا أو متغافلا عن البيان.

* الأمثلة كثيرة جدا تحتاج كتابا، منها أننا نطلق منذ سنين طويلة، على مخيمات الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، «مخيمات لاجئين» كأنهم أتوا من دول أخرى وليس من مدن فلسطينية، بينما الحقيقة الواضحة عبر التاريخ، أن اللاجئين هم اليهود الذين تم طردهم من بلاد مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها. صار اللاجئون اليهود هم اصحب الأرض، وصارت الكذبة تعلَق بأصحاب الأرض الحقيقيين، ليس في ابريل طبعا، لكن على طول السنين.

من الأكاذيب الشائعة في السياسة أن العالم تخلى عن غزة، بينما المظاهرات تشتعل في أوروبا وأمريكا كل يوم. فقط نحن في معظم العالم العربي لا نتحرك إلا بموافقات أمنية للأسف. والحقيقة أن الذي تخلي عن غزة هي الحكومات المستمرة في كذبتها القديمة، وما فعلته من وعد بلفور وغيره، بينما الأجيال الجديدة في العالم تتحرك لتؤكد عالما جديدا، قد يكون من تبعاته عودة صورة اليهودي القديمة في الأدب العالمي. المرابي الخائن الذي يقتطع من لحم المدين مثل شايلوك عند شكسبير.

* الحديث طويل عن الأكاذيب التي صارت طول العام، لكني انتقل إلى غيرها بسرعة مما تحفل به السوشيال ميديا. في الأدب انتشرت صفحات مدفوعة الأجر، للإشادة بأي عمل أدبي، وحيث تقرأه لا تستطيع أن تتقدم فيه عشر صفحات. انتشرت أيضا صفحات طبية تصف علاجا بالأعشاب وغيره، حين تدخلها تجد حديثا طويلا لا تفهم منها شيئا إلا دعاية لصاحبها.

انتشرت صفحات الاستثمار المالي يتم فيها النصب على المشتركين، بتقديم فائدة مالية أضعاف فوائد البنوك. أطلق المصريون كلمة «مستريح» على من يدير مثل هذه الاستثمارات، فيجني الملايين ثم تختفي صفحته. يهرب ولكن يظهر غيره ويستمر الضحايا في الوقوع في الفخ. اتسع « المستريح» في السياسة، وأتاحت له السوشيال ميديا التحقق، عبر صفحات للجان مدفوعة الأجر تدافع عن الخطأ، ولا أرى أصحابها إلا وهم يضحكون، حين يتقاضون رواتبهم والتعليمات بالكذب الجديد، وهم ينامون سعداء في عالم، جعلوا فيه شهر أبريل لا ينتهي.

مساحة إعلانية