رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ظن الناس لفترات طويلة، وخاصة أواخر القرن العشرين، أنه كلما تقدم الزمن تقدمت الحضارة الإنسانية وتحسنت حال الحريات في العالم وانقرضت الأمراض وتراجع الظلم والاستبداد، وعاش الناس حياة الرفاه وتحققت لهم «المدينة الفاضلة» التي تصورها ما يسمى فلاسفة أوروبا، قبح الله وجهها، بتعبير إمامنا الغزالي، والذين شوهوا الفكر الإنساني منذ ظهورهم على مسرح التاريخ.
لكن الذي حدث وشاهدناه يترسخ يوما بعد يوم، وخاصة خلال العقود الأخيرة، هو أنه كلما ازدادت الحياة تقدما وتطورت الصناعات التكنولوجيا زادت معاناة البشر وتأصل استعبادُهم، وتوسعت مصادرة حرياتهم، وزادت عمليات إفقارهم عن طريق المبالغة في الغلاء وتقليص الخدمات، وأصبحت الأمراض والأوبئة أكثر خطورة وتكرارا، بل أصبحت سلاحا يهدد أعداءُ الإنسانية به البشر بطرق مباشرة وغير مباشرة. وقد باتت عمليات صناعة الفقر والمرض والتفاهة والانحلال والعنت بكل أنواعه، وكلها مفردات في صناعة الكفر، باتت أكثر وضوحا من سطوع الشمس، لكن انشغال الناس بمتاعبهم المالية المتواصلة، وأمراضهم المزمنة المصطنعة ومشاكلهم التي لا تتوقف، لأن هناك من يصنعها لهم، تجعلهم لا ينتبهون لكل ما يدور حولهم، وتلك غاية صُناع الكفر.
فكيف يصنع هؤلاء الكفر إذن؟ لنأخذ مثلا صناعة الفقر،،،
في الوقت الذي كان أعداء الإنسانية يستعدون، انطلاقا من أوروبا، لاستباحة ثروات العالم، بعد سقوط دولة الإسلام في الأندلس، كانت بقية العالم، تستعد بدورها للسقوط القسري، تدريجيا، في مستنقعات الظلام والجهل ومن ثم الفقر. ولا جدال في أن الفقر مكتوب على البشر أو بعضهم في فترات من حياتهم كل حسب قَدَرِه. لكن الفقر في هذا العصر، هو أيضا كيد بشري وصناعة شيطانية أحكمها أعداء الإنسانية على رقاب البشر، منذئذ، ضمن قدر الله. في عصور سيادة الحكم الإسلامي الصحيح وقعت الشدائد لفترات قصيرة ومنها عام الرمادة. وكان بعض أثرياء المسلمين يواجهونها بتقديم كل أموالهم حتى تنقضي. لكن أيضا فاض المال والخير حتى نثر عمال الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز الحبوب على رؤوس الجبال والقصة معروفة بتفاصيلها. وفي عهد هارون الرشيد خاطب الخليفة السحابة أن انزلي هنا أو لا تنزلي فسيأتيني خراجك. وهذه القصة أيضا معروفة ونظم فيها محمود غنيم رائعته «مالي وللنجم» التي تلخص قصة الأمة وأبدع النقشبندي إنشادها وفيها: أين الرشيدُ وقد طاف الغمامُ به.. فحين جاوز بغدادًا تحداهُ.
لقد عمل أعداء الإنسانية، الذين لم ولن يوقفوا حربهم على الأمة، على تعميق وتعميم الفقر بطرق منظمة جعلتهم يتحكمون في مصادر الثروة وتوزيعها وحجبها!. وكانت لهم في ذلك أساليب عدة بعضها دائم وبعضها مزمن. فكان هناك احتلال الدول ونهب ثرواتها، وإلى الآن. ومع إحكام قبضتهم على الاقتصاد العالمي بدأت سياسات التسعير الظالمة للسلع والخدمات، والمبالغة في تقليل الأجور، بدرجة تجعلهم يحققون أرباحا بالمليارات، بينما الأغلبية تجد تكاليف الحياة بالكاد، وتفتك بهم المجاعات. ومع احتكارهم لمعظم النشاطات البشرية بما فيها الأكاديميا ابتدعوا ما سموه الأزمات الاقتصادية وزعموا حتمية حدوثها بين الحين والحين. وفي كتاب المرشد الخالي من الهراء للعولمة، ص 83و84، مثال يتناول أزمة النمور الأسيوية أواخر التسعينات، يؤكد مسألة افتعال تلك الأزمات. في البدايات كانت وتيرة الأزمات بطيئة ومتباعدة ثم تسارع معدل تكرارها. وكلما تسارعت وتيرة الأزمات الاقتصادية زاد الفقراء فقرا وزاد الأغنياء غنى وزاد البعد عن الدين والوقوع في الكفر، مع أن مؤلفات عدة وضعت في نفي حتمية هذه الأزمات واستدامة الفقر والندرة والشح، منها كتاب «أمراض الفقر» تأليف دكتور فيليب عطية، 1991.
ومن الأفكار الشيطانية التي روجوها على أنها مسائل أكاديمية، لمفكرين أضفوا عليهم صفات كاذبة من العظمة والتقديس، ما تسمى نظرية مالتوس عن السكان، (1798)، وهي كافية لإلقاء الضوء على تلك العقلية الشيطانية التي أسست وروجت لصناعة الفقر، هي وكل ما يتعلق بها من جرائم فكرية وضعية مثل «الداروينية» و»تحسين النسل»، وهي أيضا توضح الفارق بين الوحي الإلهي والفكر الوضعي الشيطاني. فبينما يؤكد الخالق سبحانه وتعالى أنه يضمن أرزاق كل ما خلق من إنسان وغيره، -وقدر فيهار أقواتها، فُصلت 10- تأتي نظرية مالتوس، (سُميت الكارثة المالتوسية)، والذي زعم إن موارد الأرض لا تكفي الجميع، ودعا لتقليل عدد السكان وتقليل أجور العمال لمنعهم من الزواج المبكر، وهو ما استخدمه المجرمون مبررا لعلميات إبادة مئات الملايين من البشر في الأمريكتين واستراليا والاتحاد السوفيتي والصين وإفريقيا، وغيرها. وقد كان يحاكي في ذلك أفكارا توراتية، وربما أوحي بها له الشيطان مباشرة. فقد شهد شاهد من المنشقين عن الماسونية يدعى جورج مورنو بمعلومات عن أن داروين تعلم نظريته عن أصل الأنواع مباشرة من الشيطان الرجيم، «وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم»،الأنعام121. المدقق فيما سبق، سيتيقن من أن تقدم الزمان لا يعني بالضرورة تقدم الحضارة بل ربما يعني زيادة تخلفها وسيرها في الاتجاه المعاكس، (الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض) - غافر21، وليس ذلك إلا لأن من يمسكون بزمام الاقتصاد والعلوم في العالم لا يهدفون إلى رقي البشرية وتحضرها وإنما إلى محاربة الله ودينه في إطار صناعة الكفر التي يديرون «مصانعها» في كل مكان، وبكل الطرق، لإفساد الدين والقضاء على الأخلاق. وربما يتفق ذلك مع ما قاله أينشتاين من أنه لا يعرف كيف ستخاض الحرب العالمية الثالثة، لكن الحرب الرابعة ستخاض بالعصي والحجارة، لأن الحرب الثالثة ستقوم بين بشر فقدوا كل ما يتعلق بالاخلاق، وهو ما كشفت عنه كلمة الحاخام إيمانول روبينشتابن التي أشرنا إليه سابقا، ولعله اطلع عليها.
Bien hecho España
مع احترامنا لجميع الدول التي ساندت أهل غزة والحكومات التي كانت تدين وتندد دائماً بسياسات إسرائيل الوحشية والإبادة... اقرأ المزيد
258
| 27 أكتوبر 2025
التوظيف السياسي للتصوف
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح فارقا مهما بين شيئين: الأول هو «التصوف» الذي تختلف الناس... اقرأ المزيد
123
| 27 أكتوبر 2025
عن خيبة اللغة!
يحدث أحيانًا أن يجلس الكاتب أمام بياض الورق أو فراغ الشاشة كمن يقف في مفترق لا يعرف أي... اقرأ المزيد
282
| 27 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إعلامي وباحث سياسي
ماجستير العلوم السياسية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6387
| 24 أكتوبر 2025
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6372
| 27 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5103
| 20 أكتوبر 2025