رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تفرض المعركة الفلسطينية – الإسرائيلية الجارية معادلات جديدة للصراع، على صعيد توازن الرعب الذي طالما حاولت إسرائيل إنهاءه وفشلت عبر الحربين السابقتين. والآن لا يفشل الجيش الإسرائيلي فقط، بل تثبت المعارك مدى تصاعد قوة وقدرة المقاومة في غزة على فرض شروطها في مرحلة ما بعد تلك الحرب، وذلك ما يفسر تلك الحالة الجنونية من هدم المنازل فوق رؤوس المواطنين وهدم مباني كل المؤسسات في غزة واستخدام الطائرات الحربية ثابتة الجناح والمدفعية والزوارق الحربية في عمليات ضد مجموعات مقاومة.
وتظهر الوقائع أن غزة تتحرك في هذه الحرب وفق خطة سياسية وإستراتيجية أشد وضوحا من كل ما سبق، متخلصة من أخطر نقاط الضعف التي أصابت المقاومة الفلسطينية، واستغلها الجيش الإسرائيلي في صراعه وحروبه ضد المقاومة لسنوات طوال. ويمثل تشكيل غطاء سياسي لمقاومة غزة عبر الحراك الجماهيري والثوري في الضفة الغربية والقدس وداخل الخط الأخضر، تطورا نوعيا مهما في إدارة المعركة، فضلا عن أنه يمثل إعلانا عمليا بفشل كل الخطط والمحاولات التي جرت وبتركيز شديد لعزل غزة عن الشعب الفلسطيني وتحويلها إلى حالة منبوذة فلسطينيا. كانت تلك أحد أهم أهداف القصف والتدمير في الحروب السابقة وللخطط الإعلامية وأساليب الحرب النفسية، وللانقسام الفلسطيني أيضاً . وفي قيام فصائل المقاومة بالتحول إلى الهجوم البري داخل الأرض المحتلة عام 48، سواء ضد قاعدة زبكيم العسكرية أو من تفجير أحد الأنفاق، وبوصول صواريخها إلى تل أبيب وحيفا وإلى منزل قرب مقر سكن نتنياهو، هو بمثابة إعلان مدو ليس فقط باستعدادات المقاومة وعدم قدرة الجيش الإسرائيلي على مفاجأتها بالعدوان، بل هي مؤشرات لحدوث تطور نوعي بالغ الأهمية في قدراتها التخطيطية والتدريبية وعلى صعيد أسلحتها وإدارتها للأعمال القتالية باحتراف، إذ جرى قصف مفاعل ديمونة ومصانع وغيرها من عصب الصناعة الإسرائيلية. وجاءت كلمة خالد مشعل مليئة بالدلالات هي الأخرى، فهي شملت إعلانا بالاستعداد للتفاوض على صعيد دولي وتوجها لكسب الرأي العام العربي والإسلامي والدولي، وجسدت خطة أن المعركة لن تجري على أساس محلي في غزة، بل هي تدار من الداخل والخارج. وفي خطاب مشعل دلالة مهمة يجب أن يلتقطها جميع الداعمين للمقاومة، وهي أنها الفرصة التي تمنحها المقاومة لإعادة ترتيب أولويات الصراعات والملفات والحروب الأهلية في إقليمنا المضطرب، إذ القضية الأصل عند الأمة، هي من تشهد صراعا حربيا الآن.
لقد حملت المعارك –على الصعيد الميداني- اعترافا من الجميع بما في ذلك إسرائيل، أن صواريخ المقاومة ليست مجرد "بمب"، وأن تصويبها قد أصبح دقيقا وبعيد المدى، إذ وصلت إلى تل أبيب وأهم مطارات إسرائيل المدنية والحربية، ولم يعد من مكان في الجنوب والوسط لا تطاله الصواريخ، بما في ذلك مفاعل ديمونة النووي الذي جرى الإعلان عن احتمالات حدوث تسريب كيماوي به جراء الصواريخ على الصفحة الرسمية للجيش الإسرائيلي، قبل أن يجري التراجع والنفي والقول بأن الصفحة جرى اختراقها، ولذلك حساسية شديدة على الإسرائيليين وعلى أوضاع الاقتصاد والأمن، إلى درجة هدم استقرار المجتمع الإسرائيلي إلخ .
قفزت معادلة توازن الرعب، إذ لا تعلن أجهزة الإعلام الإسرائيلية الآن حجم الإصابات والآثار التدميرية معنويا وماديا، حتى لا تتأثر معنويات الإسرائيليين وتكسب المقاومة زخما فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، إذ وسائل الإعلام الإسرائيلية خاضعة لرقابة صارمة من مخابرات الجيش، وبعد نهاية الحرب سيكشف حجم الخسائر والإصابات والقتلى. ومضى الزمن الذي كانت إسرائيل تقصف الفلسطينيين وتقتل وتشرد وتطرد دون ثمن –حين لم يكن للشعب الفلسطيني مقاومة حتى عام 67 –وتطورت قدرة الردع من العمليات الاستشهادية إلى الصواريخ في الحربين السابقتين، والآن تتطور عملية الردع وتصبح أقرب إلى توازن رعب حقيقي –كما ستكشف مجريات ما بعد الحرب .وستفرض غزة شروطها التي لم تعد – وفق مشعل- مقتصرة الآن على ما كانت عليه من قبل، من عدم القيام بأعمال الاغتيال بغزه ووقف القصف والاعتداء عليها، بل صارت تتعلق بكل فلسطيني على الأرض الفلسطينية، من في السجون ومن يتظاهر في الضفة وداخل الخط الأخضر، ومن يعيش في غزة. وإن كان هناك في الإعلام العربي من يساند إسرائيل في المعركة عبر الهجوم الآن على حماس، فكم سيعاني هؤلاء من إحباط ويأس وانكشاف لدورهم ومكانهم وولائهم الحقيقي.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
1137
| 18 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1104
| 22 ديسمبر 2025
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
966
| 24 ديسمبر 2025