رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من الديمقراطية إلى الليبرالية، مروراً بالحداثة، يصعب أن تجد عربياً يعيش في هذا العالم اليوم، ولايعتقد أن هذه المفاهيم والأنظمة المتولدة عنها، والتي تحكم معظم الاجتماع البشري الدولي الراهن، تمثل حتميةً تاريخية لامهرب منها. قد يكون البعض على قناعةٍ كاملةٍ بها، وربما يرفضها آخرون بشكلٍ مُطلق، لكنها تبقى في الخلفية الذهنية للجميع (الوضعَ الطبيعي) الذي وُلدوا جميعاً وهو موجود، والأرجحُ، في ظنهم، أنه سيبقى كما هو عند مغادرتهم هذه الحياة.
بمعنىً من المعاني، نوضحه بعد قليل، تُظهر أحداث العالم ووقائعهُ، وبشكلٍ متزايدٍ وسريع، أن المقولة السابقة تُجانبُ الصواب. وأن هذه الأنظمة التي وُجدت وتطورت منذ قرابة قرنين من الزمان تتعرض لهزاتٍ عنيفة على الصعيد العملي، تَدفع جموعاً من الباحثين والمفكرين والخبراء لمُراجعات كبيرة في أصولها النظرية، بما يؤدي إلى النتيجة التي نتحدث عنها: العالم يتغير، وهو يتغير بشكلٍ شاملٍ وسريعٍ وعميق.
لكن العرب لايصدقون. نتحدث عن التصديق، ليس بمعنى الموافقة على التحليل نظرياً، وإنما بمعنى وجود (أو غياب) الفعل البشري الذي يؤكد، وَحده، إيمان الإنسان بأي حقيقةٍ من حقائق الحياة.
نعم. ثمة، في العرب، مَن (يشمت)، بالغرب تحديداً، بدعوى أنه مَن (اخترع) هذه الأنظمة، وهاهو اليوم "يقع في شر أعماله". وهناك، بالتأكيد، من ينظر إلى مايجري في العالم، من فوضى، ببهجةٍ وسرور على أساس أنها ستقوم بالواجب بدلاً عنا كعرب، فتنتقم مما فعله هذا العالم بنا، أخيراً. وتوجد حتماً شرائح تعود إليها مشاعر الثقة واليقين، بعد أن تزعزت طويلاً، باعتبار أن الواقع يُثبت ماكانوا يرددونه منذ زمن بأن مالديهم هو الحل، بغض النظر عن حقيقة أنهم لم يفعلوا شيئاً سوى ذلك التكرار.
هكذا، وفيما عدا التعامل مع متغيرات العالم الحساسة من مدخل المشاعر والأحاسيس والعواطف والأحكام العامة والفوقية، لايقوم العرب بممارسةٍ عمليةٍ إراديةٍ واعية تُظهر إدراكهم بأن العالم يتغير، وبطبيعة هذا التغيير، وبتأثيره الخطير على وجودهم، فضلاً عن أي اهتمامٍ بأن يكون لهم دورٌ وقولٌ فيه.
بالمقابل، يكاد يكون من المستحيل حصر أدبيات (الآخرين) التي تتحدث عن التغيير في جميع مجالاته ومساراته، وعن التغيير الحاصل في الأنظمة المذكورة أعلاه تحديداً (الحداثة، الليبرالية، الديمقراطية). نضرب بضع أمثلة من الأسابيع القليلة الماضية فقط. فقد نشرت صحيفة The New Yorker العريقة مقالاً بعنوان: "هل نحن حقاً حداثيون / متمدنون جداً؟" يَشرح فيه آدم كيرش، الأستاذ في جامعة كولومبيا الأمريكية، كيف أن البشر اليوم مهمومون بنفس الأسئلة التي كانت تشغل بال الفلاسفة والمفكرين منذ قرنٍ وقرنين، بغض النظر عن كل مظاهر الإنجاز التقني المعاصر.
أما مجلة (السياسة الخارجية / Foreign Policy) فإنها تُعنون موضوعها الرئيس على الشكل التالي: "انهيار النظام الليبرالي العالمي". وفيه يقول ستيفن والت، الأستاذ في جامعة هارفارد: "يدخلُ العالم مرحلةً باتت فيها ديمقراطياتٌ كانت راسخة وقوية، في يومٍ مضى، هشةً وضعيفةً الآن. هذا هو الوقت لننظر فيما جرى من أخطاء".
وفي نفس الإطار، تنشر مجلة (شؤون خارجية / Foreign Affairs) مقالها الأساسي بعنوان: "كيف تنهارُ الديمقراطيات: لماذا تصبح الشعبوية طريقاً إلى الاستبداد والدكتاتورية؟". في المقال الذي عملت عليه كلٌ من أندريا كيندل تيلور، الخبيرة في مجلس الاستخبارات القومي، وإيريكا فرانتز، أستاذة العلوم السياسية في جامعة ميتشيجان، تُعرضُ إحصاءات تُظهر كيفية تحول 44% من الأنظمة الاستبدادية (الجزئية) إلى نُظم ديكتاتورية كلية بين عامي 1999-1946، ثم كيف زادت تلك النسبة إلى 75% بين عامي 2010-2000.
وأخيراً، هاهو مركز كارنيجي للدراسات، الشهير جداً في العالم العربي، يقيم مؤتمراً، وفي بيروت، بعنوان: "نظامٌ عالمي في طور التفكك: آفاق العام 2017".
العالم يتغير جذرياً. والأمريكان يقولون ذلك. ما ألطف الأقدار. قد يُصدق العرب تلك الحقيقة الآن.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4095
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1734
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1587
| 02 ديسمبر 2025