رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
جلس أمام الحاسوب كما أمره مسؤوله المباشر ينتظر الإذن بالذهاب لتغطية إحدى الفعاليات الرياضية.
أخبره المسؤول ألا يبرح النظر إلى جهاز الحاسوب ففي أي وقت، في أي لحظة، سيرسل له البريد الإلكتروني المنتظر.
كعادته كان في الصباح الباكر مستقرا أمام حاسوبه في العمل وبعد أن وقع على الحضور وطلب فنجان القهوة الأول جلس ينتظر وصول البريد الإلكتروني الذي لا يمكنه تفويته.
كان جهازه النقال يصفر في كل لحظة مخبرا عن وصول رسالة جديدة لبريده الإلكتروني، وفي كل مرة يرفع بصره باتجاه البريد الوارد كان يصدم بأن الرسالة مصدرها جهة أخرى وليست الرسالة المنتظرة من المدير.
مرت الدقائق بطيئة، ثقيلة، كأنها تزجف ولا تتحرك حركتها المنتظمة الرشيقة.
أتته رسائل من الأصدقاء، وأخرى إعلانات تجارية، ورسائل ثالثة تحمل عناوين وكلاما لم يفهمه، لكن الرسالة المطلوبة لم تصل بعد.
بعد ثلاث ساعات من تربص الجوع به، شعر أنه لم يعد قادرا على التسمر أمام الحاسوب، وأن عليه أن يذهب إلى الكافتيريا لتناول شيئ من الطعام.
خاف أن تصل رسالة المدير وهو في قاعة الطعام، خاف ألا يأتيه إشعار عبر جهازه النقال فالعادة أنه ممل وثقيل، ماذا يفعل هل ينتظر أمام الحاسوب أم يرسل الفراش ليحضر له فطيرة يتناولها في المكتب؟
تذكر أنه لا يستطيع فعل ذلك أيضا فمديره المباشر أصدر أوامره بمنع جلب الطعام إلى المكاتب، وسمح فقط بالمشروبات الحارة حتى المواد الغازية منع جلبها إلى المكاتب بحجة أنها قد تبقى في المكان وتشوه المنظر العام!!
أقنع نفسه أن من واجبه أن ينتظر أكثر، وتشاغل بمجلة قريبة منه أخذ يقلب فيها ويقرؤها على غير هدى.
بعد أكثر من أربعين دقيقة إضافية نهض من المكتب مقررا أن عليه أن يتناول إفطاره أوسينخفض لديه السكر كما حذره الطبيب.
استقل المصعد مسرعا، دخل المطعم واختار فطيرة مربى وكوبا من العصير، التهمها على عجل، واحتاج لثلاثة أكواب ماء بعدها حيث وقف الطعام في زوره من شدة استعجاله .
عشر دقائق فقط هي التي فصلت ما بين ذهاب وإياب وليد من وإلى المكتب وهناك فتح الحاسوب فوجد الرسالة قد وصلت من المدير.
نظر في الرسالة الثانية فوجدها من المدير أيضا.
نظر في الرسالة الثالثة فوجدها من بريد المدير أيضا.
في الرسالة الأولى أمر مباشر بالذهاب الفوري لتغطية الحدث الرياضي.
والرسالة الثانية كتب فيها المدير: وأين أنت الآن؟ لماذا لم تجب على رسالتي الأولى؟
في الثالثة كتب المدير: مخصوم منك أجر يوم كامل لأنك مهمل ومستهتر ومقصر في عملك.
هرول وليد إلى المصعد مرة ثانية واتجه لغرفة مديره المباشر وجد السكرتير وقال له: ادخلني على المدير، أنا لا أستحق أن أوصف بالإهمال، ولا أن يخصم عني أجر يوم كامل.
السكرتير: احمد ربك على خصم يوم واحد، هذا زميلنا سعيد خصم منه قبل عشر دقائق راتب ثلاثة أيام ،لأن هاتفه مغلق رغم أنه في مكتبه منذ الصباح الباكر.
وليد: ماذا تقول، خصم منه راتب ثلاثة أيام، لماذا كل هذا الاستبداد؟!
السكرتير: اسمع يا وليد، اذهب بهدوء وانصرف من المكان واركب سيارتك متجها لتغطية الحدث الرياضي واكتب تقريرك عن الحدث كاملا ثم أرسله لبريد المدير.
وليد غاضبا: ولكن كيف أغطي الحدث وقد خصم أجري اليوم، لا لن أذهب!!
السكرتير: أنت تعلم ما سيحدث لك لو امتنعت عن الذهاب، سيعتبر هذا إعلان تمرد، وأخشى أن يطردك يا وليد.
وليد : وكيف سيجد شخصا مثلي، أنا أصم أعمى أخرس، لا أناقش لا أجادل،لا أعترض،لا أظن أنه سيطرد جمادا بشريا مثلي؟!
السكرتير:اخفض صوتك يا رجل، بيننا وبينه حائط، هيا أقصر الشر، وحافظ على رزق أبنائك، غادر المكتب وبسرعة، لا أريد مشاكل.
وليد: سأغارد ،وسأذهب لأغطي الحدث، ثم سأعود إلى مكتبي حتى ولو انتهى الدوام لأرسل عشر رسائل شكر لفخامته لأنه اكتفى بخصم راتب يوم واحد فقط من أجري وقد بإمكانه فصلي.
نعم فصلي أنا الموظف وليد الذي لم يحدث أن اعترض على عمل رسمي أو إضافي، أو طالب ببدلات أوعلاوات، سأفعل أيها السكرتير العظيم ، فأنا ومنذ عشرة أعوام أعمل هنا كالأجير الذي لا يعرف أهله هل يصرفونه نهائيا، أم يؤجلون صرفه .
سأذهب يا صديقي لكن قبل أن أذهب أخبرني هل لديك دواء مسكن للألم ، فأنا أشعر بالتعب ،يبدو أنني أرهقت نفسي بالتوتر والقلق.
قال وليد هذه الكلمات وارتمى مغشيا عليه،أحضر له الطبيب الذي كشف عليه وقال: لا بد من نقله للمستشفى، ضغط الدم لديه مرتفع جدا، ولا بد من الراحة التامة.
نقل وليد بسيارة الإسعاف للمستشفى وبعد أن أفاق من غيبوبته كان إلى جواره السكرتير الذي فرح بإفاقته من الغيبوبة.
قال له حمدا لله على سلامتك يا صديقي، أهكذا تقلقنا عليك يا وليد
وليد: من أنت، وماذا تريد مني؟
ضحك السكرتير وقال: أنا زميلك سكرتير المؤسسة التي نعمل بها سويا!!
وضع وليد يده على رأسه وقرع الجرس القريب من سريره.
عندما أتت الممرضة قال لها: أخرجي هذا الرجل من الغرفة وليخبر سيده أنني قد قدمت استقالتي من مؤسستهم.
طلبت الممرضة من السكرتير مغادرة الغرفة فورا، وبعد مرور ساعتين أتى الطبيب ليقيس الضغط وتفاجأ بأنه قد عاد لوضعه الطبيعي.
قال الطبيب: الحمد لله يبدو أن الدواء قد ساعد في خفض ضغطك .
وليد: لا أعتقد أيها الطبيب أن مفعول الدواء هو الذي خفض من ضغط دمي بل لأني أنزلت كابوسا ثقيلا كان فوق صدري وتخلصت منه.
الطبيب :وكيف ذلك، وأنت لم تغادر الغرفة؟
وليد ضاحكا: غدا بمشيئة الله أخبرك بالتفصيل عن الحمل الثقيل الذي استطعت وأنا في مكاني بالمستشفى أن ألقيه من فوق كاهلي.
ضحك الطبيب وقال حمدا لله على سلامتك .إذن غدا سأسمع حكاية منك.
وليد ضاحكا: حكاية وليد الذي عرف قدر نفسه أخيراً.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية


مساحة إعلانية
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو الأصول الأوغندية، صار اليوم عمدة نيويورك. لم يولد هناك، بل جاءها مهاجرًا يحمل حلمه في حقيبة سفر، بلا جنسية ولا انتماء رسمي. حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وبعد سبع سنوات فقط أصبح نائبًا في برلمان ولاية نيويورك وأحد أبرز الأصوات الشابة في المشهد السياسي الأمريكي. عمره اليوم 34 سنة فقط، لكنه أصبح نموذجًا يُثبت أن الإرادة حين تتجذر في النفس وتُروّى بالجد والاجتهاد، تصنع المعجزات.ولا حاجة لأن احكي عن معاناة شابٍ مهاجرٍ في مدينةٍ كـنيويورك، بكل ما تحمله من صعوباتٍ وتحدياتٍ اجتماعية واقتصادية. والآن ماذا عنك أنت؟ ما الذي ينقصك؟ هل تفتقد التعليم؟ قطر وفّرت لك واحدًا من أفضل أنظمة التعليم في الشرق الأوسط والعالم، وجلبت إليك أرقى الجامعات العالمية تخدمك من امام عتبة بيتك، بينما آلاف الشباب في نيويورك يدفعون مبالغ طائلة فقط ليحصلوا على مقعد جامعي… وربما لا يجدونه. هل تفتقد الأمان؟ قطر تُعد من أكثر دول العالم أمانًا وفقًا لمؤشرات الأمن الدولية لعام 2025، بينما تسجّل نيويورك معدلات جريمة مرتفعة تجعل من الحياة اليومية تحديًا حقيقيًا. هل تفتقد جودة الحياة؟ قطر من أنظف وأجمل دول العالم، ببنية تحتية حديثة، وطرق ذكية، ومترو متطور يربط المدن بدقة ونظام. أما نيويورك، فتعاني من ازدحامٍ وضوضاءٍ وتراجعٍ في الخدمات العامة، والفرق يُرى بالعين المجردة. هل تفتقد الدعم والرعاية؟ قطر من أعلى دول العالم في متوسط دخل الفرد، بينما في شوارع نيويورك ترى المشردين والمدمنين ينامون على الأرصفة. أما في قطر، فالدعم لا يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الرعاية الصحية المتقدمة التي أصبحت من الأفضل عالميًا. فالنظام الصحي القطري يُعد من الأكثر تطورًا في المنطقة، بمستشفياتٍ حديثةٍ ومعايير طبيةٍ عالمية، ورقمنةٍ شاملةٍ للخدمات الصحية تسهّل وصول كل مواطنٍ ومقيمٍ إلى العلاج بأعلى جودة وفي أسرع وقت. وتُعد مؤسسة حمد الطبية ومستشفى سدرة للطب ومراكز الأبحاث والمراكز الصحية المنتشرة في كل مدينة نموذجًا لاهتمام الدولة بصحة الإنسان باعتبارها أولوية وطنية. إنها دولة تجعل من كرامة الإنسان وصحته وتعليمه أساسًا للتنمية، لا ترفًا أما الفرص، فحدّث ولا حرج. بلدك تستثمر في شبابها بلا حدود وتفتح لهم كل الأبواب داخلياً وخارجياً في كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها. وهذا ليس كلاماً نظرياً بل هناك تطبيق عملي وقدوة حاضرة. فقطر أميرها شاب، ووزيرها شباب، وأركان دولتها شباب محاطون بالخبرات والكفاءات. أما هناك، في نيويورك، فالشباب يقاتلون وسط منافسة شرسة لا ترحم، فقط ليجدوا لأنفسهم مكانًا… أو فرصةً ليتنفسوا الهواء. فما هو عذرك إذًا؟ ممداني نجح لأنه عمل على نفسه، ولأن أسرته زرعت فيه حب المسؤولية والاجتهاد. أما أنت، فأنت اليوم في وطنٍ منحك ( الجنة التي في الأرض ) وكل ما يتمناه غيرك: الأمن والأمان والرغد في العيش والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية التي تُحلم بها شعوب الأرض. الفرق ليس في الظروف، بل في القرار. هو قرر أن يبدأ… وأنت ما زلت تنتظر “اللحظة المناسبة”. لا تنتظر الغد، فالغد لا يصنعه إلا من بدأ اليوم. لا تقول ما أمداني.. لأنه لن يمديك بعد هذا كله.. وإذا تقاعست نفسك تذكر ممداني الحقيقي.
7914
| 11 نوفمبر 2025
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس أجنبية رائدة في الدوحة بزيادة تتراوح بين 30% و75% أُعلن عنها في تاريخ 20 أكتوبر الماضي ويجب تطبيقها في الفصل الدراسي الثاني على وجه السرعة؟! ماذا يعني أن يجد هؤلاء الآباء أنفسهم أمام قرار لا يساعدهم على نقل أبنائهم لمدارس أجنبية أخرى في الفصل الدراسي الثاني ومن المفترض أن يدفعوا مبلغ 17 ألف ريال قطري عوضا عن سبعة آلاف ريال كانت تدفع بجانب الكوبون التعليمي لكل طالب قطري الذي يُقدّر بـ 28 ألف ريال وباتت زيادة العشرة آلاف ريال تمثل عبئا على رب الأسرة فجأة بعد أن أصبحت 17 ألف ريال ودون إشعار مسبق؟! ولم هذا القرار والطلاب على وشك إنهاء الفصل الأول وإدارات هذه المدارس تعلم بأن الآباء سوف يمتثلون في النهاية لهذا القرار غير المبرر له لصعوبة إلحاق أبنائهم إلى مدارس أجنبية أخرى أقل في التكاليف التي زادت فجأة ودون إنذار مسبق لطلب الزيادة في مخالفة واضحة للتعميم رقم (21/2023) وكأنها تلزم الآباء إما أن تدفعوا أو اتركوا أبناءكم في البيوت في هذا الوقت الحرج مع بداية الفصل الثاني رغم أن هذه المدرسة قامت بمخالفة تنظيمية كونها لم تنشر جدول الرسوم المعتمدة للسنة الدراسية كاملة مخالفة لتعميم رقم (11/2025) وفرضت رسوما إضافية غير معتمدة عند تقديم التسجيل أو الاختبارات أو التسجيل والموارد كما فرضت رسوما غير قانونية على اختبارات قبول مرحلتي الروضة والتمهيدي مخالفة لتعميم عام 2022؟!. كل ما قيل أعلاه هي مجموعة شكاوى كثيرة وعاجلة من أولياء الأمور تقدموا بها لوزارة التربية والتعليم بعد أن قامت مدارس عالمية أجنبية في قطر بفرض هذه الزيادة في الرسوم بواقع 17 ألفا يجب أن يدفعها كل ولي أمر من حر ماله بجانب ما يُصرف للطالب من كوبون تعليمي بقيمة 28 ألف ريال بعد أن كان يدفع سبعة آلاف ريال فقط بجانب الكوبون كل عام فهل هذا معقول؟! وبات السؤال الأكبر الذي يعلق عليه أولياء الأمور هل بات التعليم مجانيا فعلا لأبنائنا في ظل هذه التجاوزات التي تمارسها إدارات المدارس الأجنبية التي تحظى بعدد كبير من الطلبة القطريين ولم اختارت أن تكون هذه الزيادة في منتصف السنة الدراسية رغم علمها بأن هذا الأمر يربك الآباء ويضعهم في دائرة سوء التخطيط من حيث إيجاد مدارس بديلة في هذا الوقت الحرج من العام الدراسي ناهيكم عن إرباكهم بدفع 17 ألف ريال لكل طالب بعد أن كانت سبعة آلاف ريال فقط بينما كان مبلغ الكوبون التعليمي من الدولة يسد بباقي الرسوم المطلوبة؟! أنا شخصيا أجد الأمر مربكا للغاية وإصرار هيئات هذه الإدارات على أنها حصلت على موافقة الوزارة على هذه الزيادات في الرسوم يزيد الحيرة لدينا أكثر خصوصا وأنه لم يخرج مصدر رسمي من الوزارة ليرد على هذه الشكاوى التي وصلت لإدارات هذه المدارس بجانب ما يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي من أسئلة تنتظر إجابات من المعنيين في الوزارة وعلى رأسها سعادة السيدة لولوة الخاطر التي تلقى احتراما وتقديرا لها ولجهودها التي بذلتها منذ استلامها هذا المنصب القدير بشخصية مثلها. ولذا فإننا نأمل من سعادتها أن تجد حلا سريعا وناجعا لفحوى هذه المشكلة التي تؤرق بيوت كثير من المواطنين القطريين الذين يلتحق أبناؤهم بهذه المدارس التي تقع تحت مظلة الوزارة من قريب ومن بعيد وهي ليست بالمشكلة التي يجب أن تنتظر لأن مستقبل الأبناء يقف على قرار يطيح بقرارات الزيادة غير المسبوقة والتي لم يتم إخطار الآباء بها قبل بدء العام الدراسي لترتيب أوراق أبنائهم قبل التحاقهم بهذه المدارس الماضية في قراراتها الفجائية وغير مبالية بكم الاعتراض الذي تواجهه بصورة يومية من الآباء وعليه فإننا على ثقة بأن وزارة التربية والتعليم سوف تعطي زخما إيجابيا للشكاوى كما نأمل بإذن الله.
6798
| 11 نوفمبر 2025
في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف تلك الجغرافيا فحسب، بل تمتد لتأكل الكيان العربي وضميره الخامل، فهذا الوطن العريق الغني بالثروات الطبيعية والبشرية أنهكته الصراعات حتى غدت أجهزته كجسدٍ بلا رأس، تتنازعها الصراعات وتعدد الولاءات وتتقاذفها الأهواء والامزجة، ومن يتأمل المشهد اليوم يدرك أن الأزمة في السودان لم تكن وليدة صدفة، بل نتيجة حتمية لتراكم طويل من الخلل والضعف المنبثق ابتداءً من الصراعات السياسية في القرن العشرين حتى اليوم حيث الصراع بين الشرعية و قوات الدعم السريع. فالأزمة السودانية ليست خلافًا محليًا على سلطة أو موارد، بل هي صورة مكبّرة لأزمة أوسع تضرب الجسد العربي كله، فعلاً هي أزمة في العقل العربي، فما زال بعض الأطراف ذو العلاقة بالأزمة والتأثير الإقليمي يتعامل مع السودان بوصفها غنيمة، لا منظومة عربية تحتاج الى استقرار، فعندما يفشل العقل العربي الجمعي في الترويج والسعي الى بناء مؤسسات عربية حقيقية، نجد أن البعض يُقصي الكفاءات لحساب الولاءات السياسية، ويتّخذ القرار الاستراتيجي من موقع الانفعال والمزاجية والحقد الدفين لا من منطق التخطيط السليم، فإنه بذلك يزرع بذور الفوضى في كل أرض عربية، والسودان اليوم إحدى ثمار تلك البذور. لذلك فإنّ ما يحدث في السودان ليس معزولًا عن السياق العربي العام وصراعاته، بل هو امتداد لنمطٍ مألوف من الإخفاق العربي في احتواء الأزمات والسعي الى بناء الدولة وحماية السلطة والشرعية، فالأزمة هناك ليست صراعًا داخليًا فقط، بل نتاج تداخل إراداتٍ خارجيةٍ تحاول إعادة إنتاج الفوضى في السودان والعالم العربي. فلقد تحوّل السودان، في لحظةٍ مأساوية، إلى ساحة تصفية حساباتٍ إقليمية، يُدفع ثمنها من دم المدنيين وأشلاء الأبرياء، والمدافع تُطلق في السودان، لكن العقول التي تُحرّكها تقيم في عواصم أخرى، تلك التي تملك المال والإعلام والسلاح، وتتوهم أن تفكيك السودان سيمنحها دورًا أكبر في الإقليم الشرق أوسطي. ومع الأسف فإنّ بعض الأنظمة أو الإدارات العربية ما زالت غارقة في تراث الحكم الغريزي الثأري، فلا تفكر بمنطق الدولة الحديثة المبنية على تصدير الايجابي من العلاقات المثمرة مع الدول الأخرى، بل تفكر بمنطق الهيمنة القديمة، فترى في ضعف السودان فرصةً لمرادها، وفي فوضاه مجالًا لتوسيع نفوذها ولو كان ذلك بإشعال نار الفتن، وهنا تكمن المأساة الأكبر حين تتحول بعض الإدارات العربية إلى غرف تحكمٍ لأزمات الآخرين بدل أن تكون منصاتٍ للحلول وإحلال السلام والتآخي، وحين ينسى بعض القادة أن دعم الشرعية في السودان ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وإنساني لحماية فكرة الدولة العربية نفسها. والمذابح التي يشهدها السودان جريمة ضد الإنسانية، وإن الصمت العربي عنها جريمة ضد الوعي والتاريخ، لأنّ من يترك دولةً عربية تسقط دون أن يساند شرعيتها، يوقّع من حيث لا يدري على سقوط القيم العربية المشتركة. فلتكن نصرة السودان اليوم دفاعًا عن الدولة والضمير الانساني لا عن الأشخاص، ودفاعاً عن الشرعية، وعن العقل العربي الذي آن له أن يخرج من أسر الصراعات والحقد الدفين إلى وعيٍ إداريٍ جديدٍ يؤمن أن قوة الأمة العربية تبدأ من وحدة مؤسساتها لا من هدم البلاد والعباد.
3078
| 05 نوفمبر 2025