رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سلم القراءة ودرجاته

"مرحبا بك وبسؤالك الكبير ياصديقتي، قرأت عناوين كتبك وهي جيدة لكنني لاحظت تركيزك على قراءة كتب التنمية البشرية، وهذه تقدم مهارات في تحليل الشخصية والناس غالبا لا أكثر. هي جيدة ومفيدة ولا شك، لكن عليك أن تبدئي بقراءة مركزة لسيرة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ومن أبرز من كتب في السيرة النبوية في القرن العشرين الشيخ محمد الغزالي، والمؤرخ الدكتورعماد الدين خليل، والكاتب محمد منير الغضبان والشيخ أبو الحسن الندوي، وسعيد حوى وسيد سابق وغيرهم. إقرئي ما كتب هؤلاء في السيرة النبوية لأنك بدون أرضية عميقة في معرفة السيرة النبوية ستظلين في موقف المستفيد الضعيف، كل دعوة جميلة تضمنتها كتب التنمية البشرية تجدين قيمتها الحقيقية وانعكاسها الصادق في سلوك المصطفى الأمين عليه الصلاة والسلام.اقرئي السيرة كثيرا، واقرئي في سير الأعلام، وعلماء الإسلام هذه أرضية معرفية لا بد لك منها لصناعة شخصية قوية تفكر بروية وبثبات وبعمق أيضا. معتزة بصداقتك، ومعتزة بانطلاقتك وحبك للقراءة.. وفقك الله وأنار طريقك ورزقك العلم والحكمة والبصيرة".. كان هذا جوابي لرسالة وصلتني من معلمة تتابعني في تويتر.كنت قد سألت قرائي الكرام على صفحتي بموقع التواصل الاجتماعي الشهير عن أهم عشرة كتب يرون أنها أثرت في حياتهم الفكرية. فبادرت معلمة وأرسلت لي قائمة بأسماء أهم الكتب التي قرأتها وترى أنها الافضل في رحلتها نحو تنمية الذات.قرأت قائمة عناوين كتبها التي أرسلت أسماءها ومعظمها كانت في مجال التنمية البشرية (التحفيز، الرسائل الايجابية للذات، إدارة الوقت والتخطيط للأهداف)أرفقت بالقائمة المرسلة طلبا منها أن اقّوم تلك الكتب وأصدر رأيي: هل وضعتها تلك الكتب في قائمة القراء النهمين الذين امتلكوا أرضية معرفية خصبة تؤهلهم لمرحلة العطاء الفكري أم لا؟!سؤالها الكبير هو الذي شجعني على كتابة الرد الذي قرأتموه في الفقرة الأولى من هذا المقال.كان جوابي باختصار شديد أن كتب التنمية البشرية المترجمة القادمة إلينا من الغرب لا تكفي لصناعة المثقف الحقيقي الذي يقف على أرضية صلبة صنعتها له ثقافته الراسخة وقراءته العميقة.إن كتب التنمية البشرية مع أهميتها لا تكفي ولا تغني ولا تصلح بديلا عن التعرف على سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قدمت حياته أنموذجا للمعرفة الصحيحة والكاملة.سيرة الرسول تقدم أنموذجا فريدا للتأسي سواء على مستوى تحمل تكاليف الدعوة، أو على المستوى الإنساني.ولأن المسلم لديه مسؤولية تجاه سيرة نبيه وسنته الشريفة فإن قراءة أفضل ما خطته الأقلام في عرض سيرة حياته يعد المورد العذب الذي يقدم الري للواردين فيسقيهم من ظمأ، ويرويهم من عطش.سيرته الكريمة عليه الصلاة والسلام مورد ومنهل ومصدر ودليل وقيادة ومنهج ومن لا يعرف سيرة نبيه كيف له أن يتكلم عن الإسلام بل كيف له أن يعرف الإسلام؟!الخطوة التالية في طريق بناء المعرفة الصحيحة قراءة سير الصحابة الكرام والتابعين وقراءة التاريخ الإسلامي والتعرف على أهم المراحل التاريخية التي شكلت واقع المسلمين ورسمت ملامح المجتمعات الإسلامية في مراحل التاريخ الإسلامي المختلفة.قد يقول قائل ان قراءة التاريخ هي للمتخصصين والجواب لا اقصد القراءة التفصيلية لكنني أقصد القراءة الإجمالية للتاريخ الاسلامي وما حوى من تجارب ومواقف وأحداث مثلت العمود الفقري لحياة المسلمين.تعزيز الهوية هو مطلب حقيقي بل هو جوهر عملية القراءة والتصفح بين الكتب ومن المستغرب أن يختار بعضنا القراءة الحرة باتجاه اكتشاف ما لدى الحضارات الأخرى والاقلام الغربية ويهمل وينسى اكتشاف عالمنا الإسلامي وتاريخنا الكبير الذي امتد لأكثر من أربعة عشر قرنا.بعد التاريخ الإسلامي والسير هناك القراءة في الفكر الإسلامي المعاصر وهي قراءة لا بد منها لمعرفة أسس وقواعد التواصل مع الأفكار الوافدة وقبل ذلك لمعرفة واقع المسلمين اليوم وأهم المشكلات الفكرية والقضايا المستجدة في حياتهم.لقد هيأ الله العلي القدير بحكمته وفضله أسماء متنوعة وقامات علمية صدقت الله العطاء ونهضت بواجبها في تجديد الفكر الاسلامي الحديث والمعاصر حتى يتهيأ للمسلمين تحقيق المواءمة ما بين الأصالة والمعاصرة.كان تحقق معنى الأصالة والمعاصرة في النفوس يعني ترسيخ معنى الهوية الإسلامية والعربية وكان ذلك المطلب ملحا في ظل انفتاح كبير مع ثقافات العالم وفي ظل تغيرات كبيرة داخلية وخارجية تركت تساؤلاتها الملحة في واقع المسلمين.منذ أيام الكواكبي ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا ظهرت كوكبة من المجددين والمصلحين الذين حملوا على أكتافهم مسؤولية التنوير وإضاءة المشهد الفكري لكي تتحقق المواءمة ما بين الأصالة والمعاصرة.لقد ظهرت مجلة الرسالة لتكون منبرا لاستقطاب الأقلام الكبيرة والكتابات العميقة التي ترتقي بمعالجتها لمستوى التجاوب مع تطلعات القراء وتساؤلاتهم تجاه كيفية المحافظة على الشخصية الإسلامية في القرن العشرين.قدمت الرسالة ومعها مجموعة متنوعة من المبادرات الإعلامية ذات الطابع المعرفي وسيل من المؤلفات والكتب الغزيرة؛ طائفة من الشروح المسهبة واللغة العلمية الأدبية التي ناقشت قضايا الفكر الإسلامي بسلاسة وساهمت في تحقيق نقلة نوعية في واقع الثقافة الإسلامية في القرن العشرين.كذلك ساهمت حركة إرسال البعثات الى أوربا وكانت فرنسا على وجه التحديد قبلة المبتعثين الذين أدركوا بحسهم ووعيهم أن الحاجة ماسة لانفتاح مدروس في ترجمة مؤلفات الغرب وفق رؤية دقيقة يكون فيها العقل المسلم مستوعبا ومشاركا لا متلقيا وقارئا فحسب.وعليه فكل الخزائن الثقافية التي تأتينا على شكل ترجمات لكتب غربية في مجال التنمية البشرية وفي القيادة والتدريب وفي الأدب والرواية، كلها ليست سوى كتابات تأتي في الدرجة الثانية في أهميتها.الدرجة الأولى هي في الكتابات التي ساهمت في تشكيل العقل المسلم الإيجابي المتجدد اليوم.تلك الركائز المعرفية المتنوعة شكلت دون شك حالة متقدمة نبني عليها نحن جيل اليوم من الكتاب كل محاولاتنا لتحقيق معنى التوازن في المادة المكتوبة المقدمة للجمهور العربي الكبير.

1856

| 09 أبريل 2014

المعلمة الروبوت

دخلت الأستاذة هدى غرفة المعلمات وهي مغضبة ألقت التحية على زميلاتها ثم جلست على الكرسي وهي مثقلة بعبء بدا كبيرا وضعت رأسها على الطاولة بعد أن شبكت بين يديها وشردت بنظراتها إلى البعيد!!انتبهت زميلتها نورة لتغير حالها فاقتربت منها وبهدوء قالت لها: ما بك يا عزيزتي، ما الذي يسيئك، أنت لست على طبيعتك اليوم فما الأمر؟رفعت الأستاذة هدى رأسها وقالت: بل قولي ما الذي يحبطك إلى هذا الحد؟!الأستاذة نورة: خيرا ولم الإحباط يا عزيزتي وأنت القدوة والنموذج لكل المعلمات ليس فقط في مدرستنا هذه بل أنت أنموذج على مستوى المجتمع التعليمي بأكمله فمثلك يا عزيزتي نادر، أنت ملهمتي وملهمة المئات من المعلمات فإياك والإحباط!!الأستاذة هدى: يسعدني هذا الثناء والتقدير، لكن ما الفائدة إذا كان من يقيمون أدائي من المشرفين مصممون على أن أتحول لمعلمة روبوت تكرر ما في المنهاج الدراسي كل يوم؟نورة: كلنا يا عزيزتي مطالبون بالالتزام الحرفي بالمنهاج الدراسي، فما الجديد ولم كل هذا الحزن اليوم؟هدى: لأنه من غير الممكن ولا من المعقول أن يتم تقييم أداء المعلمة وفق كفاءتها في تلقين الطالبات، إن هذه الملاحقة والإصرار على تقييم قدرتنا في تلقين طالباتنا كل عنصر وجزء في المنهاج المدرسي تجعلنا ملقنين وليس معلمات ومعلمين!! شيء أشبه بالآلات الطابعة التي يضغط عليها بحرف معين فتطبعه دون زيادة أو نقصان!!نورة: أو روبوتات تكرر، وتعيد محتوى معين غذيت به فلا تعرف غيره!!هدى: نعم كل هذه المتابعة المستمرة والمساءلة اليومية عن كل مفردة في المنهاج لا يدع لي مجالا لممارسة دوري في توجيه طالباتي لمسارات تعليمية وآفاق علمية أرحب أتمنى أن أنقلهن إليها.نورة: لقد أثرت شجوني بنقدك الموضوعي والدقيق.هدى: مع استمرار حالة المتابعة والمساءلة والتحري عن كل جزئية في المنهاج تضعف طاقتنا الإيجابية ويضعف عزمنا عن تحقيق نقلة نوعية في أدائنا التدريسي. نورة: أتفق معك تماما!!هدى: انظري للمعلمات وحواراتهن اليومية لن تسمعي سوى الحديث عن الامتحانات الأسبوعية والشهرية والتقاويم والدرجات.نورة: صحيح!!هدى: انظري كيف صار الفرح كله مختزلا لدينا نحن المعلمات في الحصول على تقدير امتياز لجهودنا الحثيثة في تلقين الطالبات للمنهاج وتمكينهن من تحقيق أعلى المعدلات الدراسية في المواد التي نجحنا نحن بتلقينهن إياها!!لقد تحولنا يا صديقتي لجابيات للدرجات بدلا من أن نكون نوافذ للمعرفة بل مصادر للمعرفة كما كان علماء الإسلام الذين قدموا أروع النماذج في العطاء والإبحار في دروب العلم.نورة: لقد أثرت شجوني أتخيل لو أن الإمام مالك أو الشافعي أو الإمام أحمد أو أبو حنيفة كان كل واحد منهم يقيم أداء طلابه بالدرجات والتقاويم هل كانوا سيتركون خلفهم ذلك العلم الذي كان غيثا سقى العقول من ظمأ ورواها من عطش؟!هدى: الحمد لله أنهم طلبوا العلم لوجه الله ولم يصطنعوا عوائق تحول دون تدفق علمهم ما أدى لإقبال طلاب العلم عليهم من كل حدب وصوب بهمة ذاتية وشغف حقيقي للتعلم دون انتظار درجات وتقاويم.نورة: نعم، أتخيل الآن العالم وكيع بن الجراح الذي كان عمره لا يتجاوز التسعة أعوام حين كان يطوف مجالس العلم بهمة ونشاط دون كلل أو ملل يستمع للأحاديث ثم إذا عاد إلى بيته أخذ يكتبها.هدى: تخيلي لو أن معلميه وأساتذته كانوا يطاردونه بالامتحانات والدراجات هل كان سيمتلك الوقت الكافي ليتنقل بين حلق العلم ويطوف بين بساتين العلماء؟!نورة: حاله وحال غيره ممن بدأ العلم وهو في سن الطفولة أتذكر العالم المحدث سفيان بن عيينة رحمه الله وهو يحدث أصحابه عن بداية طلبه للعلم صغيرا حيث قال:لو رأيتموني ولي عشر سنين، طولي خمسة أشبار، ووجهي كالدينار، وأنا كشعلة نار، ثيابي صغار، وأكمامي قصار، وذيلي بمقدار ونعلي كآذان الفار، أختلف إلى علماء الأمصار كالزهري، وعمرو بن دينار، أجلس بينهم كالمسمار، محبرتي كالجوزة، ومقلمتي كالموزة، وقلمي كاللوزة، فإذا أتيت قالوا: أوسعوا للشيخ الصغير. هدى: جزاك الله خيرا لقد فرجت عني، وذكرتني بالعالم ابن الجوزي الذي كان عمره لا يتجاوز التسعة أعوام حين كان يغذ السير نحو العلماء وكان يضع في جيبه كسرة خبر يابسة لا يملك غيرها من شدة الفقر وكان يصل إلى نهر عيسى في بغداد يضع كسرة الخبز في الماء ليطريها ثم كان يأكلها وكانت حسب قوله ألذ في فمه من الشهد!!نورة: الله، الله، يا لها من بيئة تعليمية محفزة للنهل من بحور العلم وروافده، يا له من زمن كانت فيه النفوس ترى صلاحها بمقدار رسوخها في العلم والمعرفة، يا لهم من علماء شقوا دروبهم نحو المجد بالصبر والتصبر والمواصلة يا لها من صور مضيئة ويا له من تاريخ عظيم! هدى: صدقت إن الصور الرائعة لأطفال أقبلوا في سن مبكرة على التعلم بشغف وهمة عالية صادفت أساتذة وعلماء ومربون استقبلوا بحب عارم واهتمام بالغ تلك البراعم المتفتحة فأقبلوا يعلمونهم ويغدقون عليهم من أنواع المعرفة ما أسهمت في نقل العلم جيلا بعد جيل بل قرونا تلتها قرون.نورة: لقد كان حديثا ممتعا وشيقا خفف عني يا هدى وأنا التي ظننت أنني بحديثي سأخفف عنك، كم أنت رائعة أيتها الصديقة. هدى: أشكرك، إن ممارستنا للنقد الموضوعي لأنظمتنا التعليمية هو بداية لا بد منها لتحقيق نقلة حقيقية في مخرجات التعليم، والجمود والتحجر وعدم ممارسة النقد لن يحقق لنا التقدم الذي نريد.نورة: صدقت لا بد لنا من أحاديث جادة وعميقة نقرأ فيها واقعنا التعليمي لتكون لتلك الأحاديث أصداؤها ونتائجها الحقيقية طالما أن المعلمين والمعلمات هم في موقف المسؤولية العلمية والأخلاقية التي يتطلبها دورهم الكبير.

1210

| 02 أبريل 2014

العيش وفق المقرر الدراسي

تحكي مسيرة الطالب الهمام سعيد بن همام قصة من قصص التميز التقليدي في البيئة العربية التي يتكرر فيها ظهور الأشخاص الذين ينجحون فقط لكونهم ملتزمين بمعايير التفوق الدراسي فقط.الطالب همام سعيد هو أحد الطلاب المثاليين الذين يعزفون على وتر التفوق الدراسي كل عام.لم يكن يعرف في حياته سوى الكتاب المدرسي والواجبات الدراسيةولأن النجاح في مدارسنا قائم أساسا على جمع الدرجات (نظام تحصيلي) فإن الطالب الهمام سعيد بن همام لم يكن لديه أدنى شك في أن إمكاناته الذاتية سوف توصله لتحقيق جميع أهدافه.تخرج من الثانوية بنسبة عالية وفي الجامعة تخصص في كلية الآداب قسم اللغة العربية واختار النحو وحقق تفوقا علميا وتخرج بامتياز مع مرتبة الشرف.أراد أن يكمل مسيرته التعليمية فالتحق ببرنامج للماجيستير ثم الدكتوراة.وكعادته حقق التفوق، واستطاع أن يحظى بوظيفة أستاذ جامعي.حدثته نفسه المزهوة دائمة بانتصاراتها أن باب النجاح قد فتح أمامه على مصراعيه وأن الأوان قد آن لكي يستريح بعد تلك السنوات الطويلة في المذاكرة والحفظ والمراجعة.قال لنفسه مزهوا بانتصاراتها الكبرى في مجال الكتب المنهجية وماذا تريدين أكثر من ذلك؟!راتب كبير وفيلا فارهة على حساب الجامعة مع سيارة أحدث موديل وموقع وظيفي ممتاز.ها هي أحلامي كلها تحققت مرة واحدة، صحيح تعبت في مسيرتي الدراسية لكن ها أنذا أقطف ثمار التعب!أخذ الأستاذ الجامعي همام بن سعيد نفسا عميقا وقرر أن الأوان قد آن لكي يحظى بالراحة بعد سنوات التعب.ولأن أمنياته توقفت أمام هذه المرحلة التي عدها تتويجا لمسيرة صعبة فلقد كانت محاضراته عادية جدا.كان يلقي محاضراته بشكل عادي وكان ملتزما بالمنهج الجامعي لا يكاد يضرب مثلا واحدا خارج المنهاج لطلابه.بالمسطرة والقلم كان يمكن تتبع كلماته التي يلقيها في محاضراته.بالمسطرة والقلم كان يمكن تتبع عباراته التي كانت نسخة منطوقة لكل كلمة مكتوبة بالمقرر الدراسي.وقف أحد الطلاب يوما وقال: دكتور سعيد بإمكاننا أن نقرأ في بيوتنا ما هو موجود في المنهاج نريد منك أن تثرينا من خبراتك وأن تمنحنا فرصا لنتعلم من شخصك الكريم، الجامعة ليست مكانا لتدريس المقررات فقط هي مكان لصناعة الإنسان وإشباع نهمه ليعرف أكثر عن الحياة.كانت هذه الكلمات بمثابة الخنجر الذي طعن خلايا التفكير في عقل الدكتور همام بن سعيد. ماذا يقول هذا الطالب المتحمس، وكيف يجرؤ أن يطلب منه هذه المطالب التافهة التي لا علاقة لها بالمقرر الدراسي؟!تجمد الدكتور همام للحظات خاطفة في مكانه ثم استجمع شجاعته وبصوت واضح تردد صداه في القاعة الكبيرة قال:يا لك من طالب جاحد لا يقدر نعمة التحاقه بجامعة. أنت طالب لا تعرف قدر المكان الذي أنت فيه، وظيفتك الوحيدة في هذا المكان العظيم أن تبذل جهدا مضنيا لنيل أعلى الدرجات الدراسية ولا شيئ غير ذلك.الطالب: لكن بإمكاني أن أحقق الدرجات العلمية المرتفعة وأستفيد من خبرات أساتذتي في تكوين رؤى أكبر عن الحياة، أريد أن أتعلم من خبرات الاساتذة ومواقفهم تجاه ما يدور حولنا في الحياة.د. همام: وهل الحياة سوى جد وتحصيل لنيل أعلى الدرجات العلمية وأكبر الشهادات الدراسية؟الطالب: وما قيمة الشهادات إذا كان صاحبها لا يملك رأيا محددا لما يجري حوله في الحياة، الجامعة يجب أن تكون مكانا لإعداد الطلاب للحياة الحقيقية، وليس فقط مؤسسة لإعطاء شهادة بكالوريوس في أحد المجالات العلمية.د. همام: لقد بدأت أفقد صبري معك، إذا لم تصمت فسوف أضطر لطردك.الطالب: سأصمت في مادتك فقط لكنني سأبحث عن مدرسين آخرين يرون أن من واجبهم توسيع آفاق الطلاب.د. همام: أيها الطالب المشاكس، اخرج من القاعة فورا، لا أريدك هنا.خرج الطالب مغضبا واتجه لمكتب رئيس قسم اللغة العربية.طرق الباب واستأذن بالدخول وأذن له، بعد أن ألقى التحية قال: يا دكتور جابر لدي شكوى وأريد أن أعرضها عليك.الدكتور جابر: هيا تقدم بشكواك.الطالب: طردني الدكتور همام سعيد لأنني طالبته كسر إطار الجمود في محاضراته وأن يناقشنا في القضايا الكبرى التي تدور خارج أسوار الجامعة.الدكتور: ما كان جوابه؟الطالب: لقد طردني، وقال إن الجامعة مكان لتحصيل الدرجات العلمية، وليس أكثر من ذلك.الدكتور جابر: ما اسمك يا بنيالطالب: عبدالله حامدالدكتور جابر: لا تنتظر من الدكتور همام أكثر من ذلك، لقد عاش عمره بين كتب المدرسة وكل كتاب حر كان يعتبره عدوه اللدود، لا تنتظر منه شيئا غير شرح المقررات الجامعية.الطالب: لكن نحن الطلاب نحتاج لخبراتكم أيها الاساتذة، الجامعة مكان لتخريج الرجال وليس فقط لتخريج حملة الشهادت الجامعية.الدكتور جابر: كم أنا فخور بك يا بني أريدك أن تعمل معي في تحرير مجلة اللغة العربية التي يصدرها القسم وهناك صفحات للرأي أريد أن تحررها بمعرفتك؟ فما رأيك؟الطالب: هذا شرف ليالدكتور جابر: بل شرف لي أنا يا بني، شرف لي أن يطرق باب مكتبي طالب يتكلم بمثل هذا الثبات والشجاعة الادبية والقوة في طرح رأيه الصائب والعميق.الطالب: إذن أنا لم أخطئ بحق الدكتور همام سعيد كي استحق الطرد؟!الدكتور جابر: لا يا بني أنت لم تخطئ أبدا، بعد نهاية المحاضرة سأتحدث مع الدكتور همام وأطلب منه أن يسمح لك بحضور محاضراته، لكن لدي طلب.الطالب: تفضلالدكتور جابر: لا تطلب من أحد القيام بدور خارج دوره الذي حدده لنفسه مبكرا، الدكتور همام سعيد دوره معكم لن يتعدى المقرر الدراسي، هذه دائرة الأمان والنجاح بالنسبة له هو لا يريد مغادرة هذه الدائرة ابدا.الطالب: فهمت قصدك، حتى لا يضطرني مرة ثانية على أن اصمت وأضع رأسي في المقرر الدراسي.الدكتور جابر: معه فقط لأنه اختار ان يعيش بين المقررات الدراسية.ليس كل الناس يقبلون العيش منغلقين ومنسحبين من الحياة دون مشاركة واضحة وتفاعل حقيقي معها.الطالب: سوف أكتب عن الحياة الحقيقية وليس الحياة المتجمدة في حروف لا يريد قارئها أن يربطها بالحياة.الدكتور جابر: بوركت بوركت أيها الطالب الحر، هكذا فلتكن أهداف طلابنا محلقة نحو القمم، وليس مرسومة بالمسطرة والقلم.

1242

| 26 مارس 2014

الخلطة السرية للأراجوز

كعادته أطل الأراجوز الفضائي على الناس عبر الشاشات الفضية، القامة منتصبة،الصوت عال ومدو، الوجه يتصنع الجد والاهتمام وبدأ في عرض اسطوانته المشروخة.قال الأراجوز الفضائي: وكما تشاهدون وتتابعون أيها السادة المحترمون قام الإرهابيون بتفجير جديد،روع الآمنين، وقتل ودمر وأشاع الفوضى في البلاد طولا وعرضا دون ضمير وطني أو رادع أخلاقي وتأكدوا أن حكومتنا كالعادة لم ولن تهدأ حتى تضع حدا للإرهابيين وتقضي عليهم قضاء مبرما.في اليوم الثاني أحضر الأراجوز معه عدة أشخاص وقالوا بصوت واحد: نعم، نعم،لقد كانت ملامحهم ونبرات صوتهم توحي بأنهم هم الإرهابيون المعروفون لدى الحكومة منذ الأزل.في اليوم الثالث تكلم الأراجوز عن وقوف العالم بجانب بلاده المستهدفه من قبل إرهابيين معروفين ينتسبون لجماعة محددة بعينها صارت معروفة — حسب وصف الأراجوز الفضائي — للقاصي والداني.في اليوم الرابع نسي أنه قبل يومين قد أحضر شهودا وقال عنهم أنهم حصريون ولم يحضر التفجيرات سواهم..هذه المرة كانوا أطفالا، قال الأطفال: يا بابا سعيد، وكما تعلمنا في الأناشيد مثلما كما قضى علي بابا على الأربعين حرامي سوف تقضي حكومتنا على الإرهابيين.لقد كنا نلعب قريبا من مكان التفجير وقد تطايرت الأشلاء من كل مكان،وهذه كرتنا الطائرة — حسب الطفل عزيز — تشهد أننا كنا نلعب قريبا من مكان التفجير.طلب الأراجوز الفضائي من الطفل عزيز أن يعطيه الكره ليتفحصها بعينيه البوليسيتين وليشمها بحاسة الشم الخارقة التي يمتلكها ثم قال: اللون الأسود الذي لطخ الكره هو لون الرماد المتطاير من قوة الانفجار الإرهابي الذي حدث قبل أيام.ثم استنشق الكرة وقال: نعم، نعم، والرائحة رائحة بارود، شكرا لك يا عزيز لقد أحضرت لنا الدليل القاطع الذي يؤكد حضوركم أثناء الإنفجار الإرهابي الذي حدث في الوطن قبل عدة أيام.لكن أخبرني يا عزيز كم مترا كان يفصل بينكم وبين الإرهابيين قبل قيامهم بالتفجير، وماذا سمعت؟!عزيز: لقد سمعت أحد الإرهابيين بالسيارة يقول نحن متعطشون للدماء ولا يهدأ لنا بال حتى نروع الآمنين.الأراجوز الفضائي: يا للهول، كان الله في عونك يا بلادي وماذا سمعت أيضا يا بني؟!عزيز: سمعتهم يقولون أنهم ينتمون للجماعة الإرهابية المعروفة لدينا.الأراجوز الفضائي: قاتلهم الله،انظروا أيها المشاهدون الأعزاء، انظروا كيف فضح الله باطل هؤلاء المجرمين على أيدي هؤلاء الأطفال الأبرياء الذي ساقتهم الأقدار لينقلوا لنا الواقع بتفاصيله المؤلمة، فيقطعوا الشك باليقين أن الجماعة المعروفة لدينا ولديكم أيضا هي من نفذ العملية الإرهابية الأخيرة في الوطن..والآن خذوا كرتكم أيها الأحبة الصغار، وشكرا لحضوركم وشهادتكم القيمة والمهمة التي أضافت دلائل قاطعة بضلوع الجماعة الإرهابية المعروفة لدينا بالجريمة البشعة التي حدثت مؤخرا في الوطن.الطفل عمارة كان ذكيا وشعر بأن عليه أن يغتنم الفرصة ليظفر بالمال الذي تم الاتفاق عليه مع القناة الفضائية فقال على الهواء:هذه المرة لن أقبل بأقل من مائتي دولار يا بابا سعيد، أتسمعني يا بابا سعيد، أتسمع، لقد قلنا ما حفظتنا إياه وعليك أن تنفذ باقي الاتفاق وتعطينا النقود!!بهت الأراجوز فلقد انكشف كذبه على الجمهور، لكن غير مهم على الإطلاق فلديه ألف قناع وقناع وألف حيلة وحيلة.عقله المتفنن في صناعة الكذب لا يبالي بتعليق طفل أنطقه الله فشهد بكذبه وافتراءاته أمام الجمهور.في اليوم الخامس قال الأراجوز: الإرهاب يحاصرنا ويحاصر العالم أجمع وقد اتفقنا مع الرئيس بشار أننا وهو في خندق واحد.في اليوم السادس ابتدأ حديثه متبرئا إلى الجمهور بأن يكون قد ذكر اسم بشار او اقترب حتى من حدود سوريا اثناء حديثه، وقال بل أردت أننا والصهاينة في خندق واحد نحارب الإرهاب!!في اليوم السابع خرج للناس وأعلن تبرؤه من دماغه الثقيل وأخذ يسب نفسه وقال: اعذروني يا أعزاء، يا أصلاء، يوما أذكر بشار ويوما أذكر الصهاينة لقد كان قصدي أننا نحن وروسيا في خندق واحد نحارب الإرهاب.في اليوم الثامن وبعد أن أتته رسائل منددة قرأها عبر بريده الالكتروني قال للجمهور وبكل وقاحة: مالكم لا يرضيكم أي شيء أقوله، ولا يعجبكم شيئا كلما انتقدت الإرهاب رميتموني بعلة أنا برئ منها، ها أنا أقول لكم "نحن وإيران" في خندق واحد كلنا نحارب الإرهاب.في اليوم التاسع قدم إلى الناس وعينه اليمنى مغطاة بالشاش وقال: يا أوباش أرسلتم فلولكم ليضربوني بالعصي والحصى، سوف أظل أحاربكم أيها الارهابيون أينما كنتم.في اليوم العاشر وبعد أن تعافت عينه سريعا قال: ألم أقل لكم أنا مثل القط بسبعة أرواح، سوف أحارب الإرهاب بيدي وأظافري ومخلبي ولساني وميكروفوني.وأثناء انفعاله الشديد ضرب بيديه الميكروفون الذي وضع أمامه على الطاولة فارتفع المايك وارتطم بوجهه فقال: يا إرهابيون، حتى الميكروفون لم يسلم منكم!!ثم رفع صوته وطلب قطع البث وقال مستدركا وهو يركض: لا شك أنها قنبلة.بعد نصف ساعة ظهر مجددا على الشاشة وبيده كوب من العصير المثلج وقال: يا سلام، هكذا هي العبقرية الإعلامية، تم تفكيك القنبلة بنجاح، وها أنا ذا أعود اليكم أيها الجمهور الجميل لأكمل معكم، وبكم، حربي وحربكم على الإرهاب والإرهابيين في كل زمان ومكان.وإلى الأمام إلى الأمام.

1177

| 19 مارس 2014

عرِّف معنى كلمة إنسان

دخل معلم اللغة العربية الأستاذ جميل الصف العاشر وبعد أن ألقى التحية سأل الطلاب: يا أبنائي الأعزاء هل كتبتم الواجب؟ قال الطلاب: نعم يا أستاذ. المعلم: هيا يا حمد قف، واقرأ على زملائك بالفصل السؤال والإجابة التي سطرتها. حمد: نعم، كان السؤال عرف معنى كلمة إنسان؟ الجواب: هناك نوعان من البشر نوع قادر على أخذ حقوقه ونوع مغلوب على أمره، والإنسان كائن يتنفس باتجاه مصالحه الخاصة حتى لو حطم المنافسين، أو من يظنهم منافسين.قال المعلم: ما هذه الفلسفة يا حمد، الإنسان كائن يتنفس باتجاه مصالحه، أي نوع من التعريفات هذا؟! حمد: هذا التعريف هو من بنات أفكاري، أنت تعلم يا أستاذي أنني غارق في تتبع أحوال العرب وأقرأ كثيرا عن أخبارهم وقد تعلمت منهم أن الإنسان كائن عدائي جدا. المعلم: يا لك من طالب جريء، هل من إجابة أخرى.بادر الطلاب برفع الأيدي فقال المعلم: قم يا قاسم هيا ما معنى كلمة إنسان؟قاسم: الإنسان إما عربي أو غير عربي، وهو إما من عرب هذا الزمن أو من الأزمنة السابقة ولكل واحد منهم تعريف خاص. المعلم: هات يا سقراط!!قاسم: الإنسان العربي اليوم إما محارب بكسر الراء، أو محارب بفتحها، وإما ظالم أو مظلوم، أما الإنسان الغربي فحقوقه يكفلها القانون.المعلم: وماذا عنا أليس لدينا قانون يا سقراط؟!قاسم: قوانيننا تحكمها مصلحة الساسة مما يجعلها قوانين فضفاضة وبالتالي أعود لتعريفي الأول الإنسان العربي إما ظالم أو مظلوم. المعلم: لكن يا سقراط أقصد يا قاسم ما هو تعريفك للعربي قبل هذا الزمن؟ نظر قاسم إلى كراسته وأجاب فارس نبيل، وشهم كريم أصيل، يخشى الله ويرجو رضاه، يحب إخوته في الدين ويغار على عرضه وشرفه. قال المعلم: يكفي يا سقراط يكفي.هيا يا غانم، قم واقرأ لنا إجابتك ما تعريفك للإنسان؟قام غانم وبدأ يقرأ: الإنسان كائن محب للمال لا يشبع من المال ولا من ذكره وهو إما يهرول سعيا للمال أو يراجع رصيده البنكي أو يتابع مشاريعه، هو شخص نهم لا يشبع ولا يقنع.المعلم: ما هذا التعريف التجاري يا غانم، هيا وسع في التعريف ويكفيك هذا الاختزال لمعنى إنسان.غانم: صدقني يا أستاذ أنا أنقل لك مشاهداتي اليومية سواء في بيتنا أو بيت العائلة الكبير.قال المعلم: ماذا عنك يا أسامة ما معنى كلمة إنسان في قاموسك الشخصي، وفهمك للحياة؟أسامة ينظر إلى كراسته ثم يقف ويقرأ: الإنسان كائن من لحم ودم، خلق لعمارة الأرض وعبادة الله وحده لكن نفسه الأمارة بالسوء ما زالت تنازعه حتى بلغ به الغرور أن بدأ يريد أن يسحب الدين من الحياة وصار التغريب اختيارا وأمرا قائما.المعلم: ما كل هذه التجليات والإشراقات يا أبا حامد الغزالي أقصد يا أسامة، متى نزل عليك كل هذا الإلهام يا بني؟!أسامة: من كنت أنت معلمه تنزلت عليه الحكمة ورب الكعبة، إنك لتسقينا المعرفة كأسا كأسا، لقد صرنا معك يا أستاذي كتلاميذ أبي يوسف أو الإمام مالك، نحن جميعا متأثرون بك حتى لو جهلنا كيف نعبر لك عن امتنانا وحبنا الكبير.المعلم: وماذا عنك يا سلمان، ما تعريفك للإنسان؟وقف سلمان وفتح كراسته وأخذ يقرأ: الإنسان كائن يتنفس الهواء النقي إن كان غربيا، وإن كان عربيا فهو كائن يتنفس الهواء الملوث.المعلم: أو هذه فلسفة جديدة يا سلمان؟!سلمان: بل أقول ما يجب أن يقال يا أستاذي العزيز، إن وضع الاهتمام بالبيئة في أوطاننا العربية مقارنة بغيرنا من الدول المتقدمة هو هزيل وضعيف ما نتج عنه الكثير من الأمراض والمشاكل الصحية وغيرها.المعلم: أو ترى أن ذلك أثر سلبا على إنسانية الإنسان؟سلمان: نعم، فالتوزان البيئي والحفاظ على الموارد البيئية يجعل الإنسان متوازنا ومنسجما مع نفسه ومع الطبيعة من حوله، أما الاعتداء على البيئة وإهمالها فهو يدل على التخلف والجهل ما ينتج عنه أنواع متعددة من الأمراض.المعلم: شكرا لهذا التنوع في الإجابات أيها الطلاب، لنا وقفة أخرى إن شاء الله مع كلمة أخرى نفتش في معانيها ونستحضر وجودها وتأثيرها في حياتنا.

8206

| 12 مارس 2014

مقابلة مع المديرة "يا ليت"

أجرى محرر مجلة (التطوير الإداري) المجلة المتخصصة في مجال التنمية البشرية مقابلة مع مديرة مدرسة اشتهرت باسم المديرة ياليت !!كان يكفي شيوع لقبها الغريب لكي يتحمس محرر المجلة ويتصل بالمدرسة ويحدد موعدا للقاء المديرة صاحبة هذا اللقاء الغريب. رحبت به المديرة وأبدت كامل استعدادها لتكون ضيفته على الورق في مجلة (التطوير الإداري) في بداية الحوار الصحافي رحبت (المديرة يا ليت) بمحرر المجلة ثم قالت له :شكرا لاستضافتي بمجلتكم المتخصصة في مجال التطوير الإداري.تفضل اسأل ما شئت من أسئلة.المحرر: شكرا، شكرا إذن لنبدأ من السؤال الذي اعتدنا طرحه على كل ضيوفنا، لماذا سميت (المديرة يا ليت)؟المديرة يا ليت: لقبوني بهذا الاسم افتراء علي، لكن مع مرور الوقت اعتدت سماعه، وما عاد يزعجني. المحرر: إذن في النهاية تقبلت هذا اللقب ؟!.المديرة يا ليت:كما أخبرتك في البداية انزعجت، لكن الآن وجدت أن مجرد الاهتمام به سيثير أعصابي فتخليت عن النظر إليه على أنه وصف سلبي، بل وبدأت أفكر بأنه لقب إيجابي نوعا ما!!المحرر: من أول من وصفك بصفة (المديرة يا ليت) ولماذا؟المديرة يا ليت: لأنني طيبة القلب ،وأحب الخير لمعلماتي وطالباتي وأود أن أراهن دائما متميزات فمن عادتي في اجتماعي بالمعلمات أن أقول( يا ليت ) ردا على أي اقتراح يطرح ، مثلا إذا قالت لي إحدى المعلمات أنها تريد تنفيذ مكتبة صفية في كل صف في المدرسة أجيبها (يا ليت) لوطلبت مني مدرسة أخرى ورش متخصصة للطالبات في إدارة الوقت وتنمية الذات أقول لها( يا ليت).ولو طلبت معلمة ثالثة استضافة أدباء وأديبات يرفعوا من مستوى كفاءة أبنائنا في الكتابة الإبداعية أقول (يا ليت) .المحرر: جيد، أنت إذن توافقين على كل فكرة مضيئة بها فائدة حقيقية للطالبات؟المديرة يا ليت:نعم، نعم، دون شك.المحرر: ثم لا شك أنك تبدئين بدعم هذه الأفكار لتأخذ طريقها للواقع.المديرة يا ليت: يا ليت، يا ليت.المحرر: هل أفهم أنك لا تنتقلين من الموافقة الشفوية إلى التنفيذ والتطبيق، هل تجيبين معلماتك بكلمة (يا ليت) ثم تنسين وعدك؟المديرة يا ليت: وماذا تتوقع مني أن أفعل،أنا مثقلة بخطة سنوية وخطة شهرية وخطة أسبوعية؟ المحرر: ولكنك قبل قليل قلت إنك تبدين الحماس لاقتراحات معلماتك؟ المديرة يا ليت: نعم ولا شك، فأفكارهن جميلة يعجبني سماعها وأنا لا أريد أن أحبطهن فأجيب يا ليت.المحرر:لكنك بعد ذلك لا تظهرين اهتماما فعليا لتنفيذ أفكارهن، هن بحاجة لدعمك ومساندتك بكل الأشكال أليس كذلك؟المديرة يا ليت:وكيف أستطيع ذلك، معلماتي يقترحن أمنيات جميلة وأنا أسرح بخيالي معهن فنلتقي في عالم الخيال، بفكر جميل نتمنى فيه المحال؟!المحرر: ولم هو محال؟المديرة يا ليت: ليته لم يكن محالا،لكن ماذا نصنع والواقع لا يساعدنا على الإطلاق؟المحرر: وكيف بنظرك سنحسن الواقع ؟المديرة يا ليت: نحن لا نستطيع تحسين الواقع، لكننا نستطيع أن نجامل بعضنا البعض، فها أنذا كما ترى أجامل الجميع، وأراعي مشاعر الجميع حتى اشتهرت باسم (المديرة يا ليت) ألا ترى كم هو قلبي طيب وحساس ؟!!المحرر: بل هو لقب به الكثير من المراوغة، وسوء التقدير فمدرساتك مع الوقت سيفقدن ثقتهن بك لكونك لا تنتقلين بالمقترحات التي وافقت عليها شفوي الحيز الواقع والتنفيذ.المديرة يا ليت:يكفيهن كل هذا الحب والعاطفة القوية التي أظهرها لهن، أنت لا تدري إلى حد أكون في الاجتماعات لطيفة ودبلوماسية، لا أرد أي اقتراح، ولا أعارض أي طلب على الإطلاق.المحرر: لكن كل ذلك يتبخر بعد انتهاء الاجتماع؟!المديرة يا ليت:صدقني تبقى كلماتي اللطيفة زمنا طويلة في أذهان معلماتي!!المحرر:هذه ليست إدارة أيتها السيدة المديرة ،الإدارة مشاركة ومسؤولية والاهتمام بالأفراد لا يكون بإضعاف طاقتهم الإبداعية ورغبتهم بالعطاء والتجديد والإضافة المديرة يا ليت:حتى تعرف قيمتي الحقيقية وتتوقف عن التحامل علي عليك أن تقارن بيني ومديرة أخرى تمارس الكبت مع معلماتها، ولا تسمح لهن بأن يبدين رأيهن، أنا مديرة ديمقراطية أسمح للجميع بإبداء الآراء أليس كذلك؟المحرر:الديمقراطية ممارسة وتعبير يتبعه توظيف طاقة الجميع باتجاه الأهداف الحقيقية التي يقتنع بها الغالبية. أما أنت فتضعين آراء معلماتك وهن الغالبية على الرف وتكتفين بموافقة شفوية ثم تمطالين الغالبية ،هذه ليست ديموقراطية!المديرة يا ليت: لن أغضب منك، فأنا أسمح دائما بحرية التعبير ولا أمانع بتاتا في تقبل أي رأي حتى لو كان يخالف رأيي!!المحرر: وما فائدة فتح الأبواب للحوار إذا كنت لن تتقدمي خطوة تجاه مسؤوليتك في تحمل ما وافقت عليه من أفكار. المديرة يا ليت: الدبلوماسية وحدها نجاح وتحرر. المحرر: طبعا تحرر من أي التزام عملي، أنت هنا واعذريني في الكلمة (مديرة مماطلة )!!المديرة يا ليت: بل أنا (المديرة يا ليت )وهو وصف جميل وفيه دبلوماسية وشعور ورقة، ألم تسمع المولى عز وجل وهو يقول (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).المحرر:نعم، وبوسعك أنت المديرة أن تعملي مع معلماتك على تطوير البيئة التعليمية وفقا لرؤية مشتركة تجمع بينك ومعلماتك، بل هذا من صميم عملك ، فالاستبداد مرفوض.المديرة يا ليت: هل أنت محرر أم محام عن المعلمات؟المحرر:بل أنا محرر مجلة (التطوير الإداري) ومن خبرتي الطويلة أرى أنه لابد لك من أن تتحولي من المديرة يا ليت إلى المديرة (تمنيت ثم فعلت ).المديرة يا ليت:لكنني سأفقد اللقب الجميل!! المحرر: بل أنت لا تريدين التغيير والبناء القائم على التنوع وتوظيف الطاقات ،عموما أشكرك لسعة صدرك. اعذريني الآن فأنا مضطر لإنهاء اللقاء ومغادرة المكان.

2155

| 05 مارس 2014

كنوز على قارعة الطريق

لم يكن سليمان الرجل المسالم العاطل عن العمل يدري أنه أثناء خروجه المعتاد من بيته باحثا عن عمل سوف يفاجَأ بما سيغير حياته للأبد.بعد أن قطع مسافة طويلة من المشي مفتشاً عن جهة يعمل بها، تعثرت قدماه بشيء ملقى فوق التراب.. انحنى على الأرض، لينظر في الشيء الذي تعثر به فإذا به — وبعد أن أزال بيديه التراب — يجد كيساً، به بضع عملات نقدية وقليل من العملات الورقية.. رفع رأسه وبيده كيس النقود الصغير، ونظر للسماء يشكر الله على هذه الهبة العظيمة.. عاد مسرعاً إلى بيته وهناك بحث عن الصندوق الخشبي الكبير المتواري في الركن الصغير بجانب ستارة غرفته القديمة.. أزال التراب مسرعاً عن باب الصندوق ثم فتحه وبكل عناية، وحب وضع كيس النقود والفرح الغامر يملأ جنبات نفسه.. وبعد أن اطمأن لمكان الصندوق قرر أن يعود للسير من جديد، فلعله يعثر على كيس نقود آخر سقط من أحدهم واندس في التراب ينتظره، نعم ينتظره هو بالتحديد ليزيح عنه التراب ويأخذه إلى بيته، إلى الصندوق الخشبي ليستقر هناك إلى جانب صرة المال الأولى، التي افتتح بها رحلته مع كنوز الطريق!!.. مشى ومشى حتى ارتفعت حرارة الشمس، ولم يجد أمله، فعاد لبيته.. أسفاً على أنه لم ينل بغيته.. في اليوم الثاني نهض من النوم مسرعاً وفتح الباب خفيف الخطى منتشياً مسروراً، وقرر معاودة المحاولة ثانية فغنيمته التي نالها أمس، ما زالت تشعره بالفرح.انطلق مسرعاً يمشي ثم ينحني على الأرض كلما شعر بأن هناك شيئا فوق التراب أو تحته.بعد عشرات الأمتار التي قطعها سيرا على الأقدام، عثر على خيوط قديمة، وبعد مسافة تالية عثر على كرة صغيرة من ألعاب الأطفال!! بعد ساعة من المشي المتصل شعر من جديد، بأن هناك شيئاً تحت التراب.. انحنى إلى الأرض وأخذ يزيح التراب مفتشا عن ذلك الشيء الثمين، فإذا بعملات نقدية معدنية لا تساوي إلا القليل من المال، أخذها فرحاً مغتبطاً مذكراً نفسه بأنه على الطريق الصحيح.. في اليوم الثالث كان قد بدأ بإقناع نفسه بأنه قد عثر على هدف أهم من البحث عن وظيفة، فيكفيه أنه يبحث عن السعادة السهلة التي تنتظره تحت الأتربة في الطرقات والحواري والأزقة.نعم سعادة سهل نيلها.. تنتظره بفارغ الصبر، لتكون معه، هو الذي يقدر جيداً قيم الكنوز المخبوءة تحت الأتربة المغبرة، والأحجار المتناثرة في الطرقات.مر الأسبوع الأول وصندوقه الخشبي الذي يجلس ساكنا سكوت الموتى في قبورهم ما زال ينتظر المفاجآت السارة، والأموال التي ستدرها رحلة السير نحو كنوز الطرقات.مر الأسبوع الثاني وليس سوى عملات نقدية بسيطة وخيوط وأقلام قديمة ومحافظ فارغة.حتى المحفظتين اللتين عثر عليهما تحت التراب، وكان قلبه حينها يرقص فرحاً، لم تكونا سوى قطعتين من الجلد الصناعي الفارغ من أي مال!!.. مر شهر كامل نقص فيها وزنه كثيراً، لكن عزيمته كانت أقوى من الحديد.كان يكتفي بالقليل من الطعام والشراب حتى لا يفقد مدخراته سريعاً، هو الذي صار عاطلاً عن العمل منذ شهور عدة!!مر عام كامل وكل حصيلته لم تتجاوز كرات الصوف وعملات معدنية، ودمى صغيرة للأطفال، وخيوط لمكائن الخياطة، وأشياء أخرى شبيهة بها.. كان جسده قد أنهك من المشي غير المنظم، والتعرض المستمر لأشعة الشمس الحارقة، دون أدنى تحفظ، فتضاعف عليه السعال الذي بدأ خفيفا ومع الإهمال صار مزمناافتقده جاره خليل الذي نصحة كثيرا بالتوقف عن السير العبثي في الشوارع والطرقات، لكنه لم يكن يراه أكثر من حاسد بل كان يخشى أن يترك عمله وينافسه في رحلته نحو كنوز الطريق!!ثلاثة أيام توقف فيها سليمان عن الخروج والمشي في الشوارع؛ مما أكد لخليل أن هناك أمراً جللاً منع سليمان من الخروج اليومي والتسكع في الطرقات.. طرق الباب ولم يجبه أحد، كسر الباب مضطرا فوجد سليمان ممدداً على الأرض نائماً حاول إيقاظه لكنه كان غارقاً في المرض والحمى.اتصل بالمستشفى وطلب الإسعاف وهناك شخّص الأطباء حالته بأنه مصاب بالتهاب رئوي حاد.حاول الأطباء إسعافه طيلة أسبوع كامل لكن جسده المنهك لم يبد أي إشارة على تحسنه، وفي اليوم الثامن مات وانتقلت روحه إلى خالقها.بعد أن أنهت الأستاذة قراءة قصة (كنوز على الطريق) لطالباتها رفعت رأسها وسألتهن: ما الذي تسبب بموت بطل القصة سليمان، هل هي حمى الالتهاب الرئوي، أم تقديره الغريب للأمور، أم اندفاعه نحو الكسب الذي ظنه سهلا ميسرا؟!فاطمة: تقديره الغريب للأمور هو الذي تسبب بموته، ورغبته الجارفة بالكسب بطرق واهية وضعيفة.هند: أراد الكسب السهل، وقبل بخداع نفسه عامداً متعمداً.سارة: إن الدرس الذي نتعلمه من القصة ببساطة، هو أن الزمن إذا ابتسم لك لحظة وأعطاك كسبا سهلا، فلا تجعل من تلك اللحظة قصة حياتك، بل ابحث عن مغزى ما تفعل وقيمة ما تفعل.. سعاد: السير في طريق الأوهام عاقبته الكثير من الآلام.. رؤى: من أراد خداع نفسه فلن تغنيه مواعظ العالم..هدى: المقدمات الصحيحة وحدها تؤدي لنهايات صحيحة.. جويرية: من لم يفكر في العواقب يندم.. جميلة: اجعل همتك معلقة بالحقائق، وليس بالأوهام.. منى: الصحة والزمن مسؤولية، وعلينا أن نستثمر مواردنا بطريقة صحيحة.. أمل: كيف يقبل المرء أن يضيع العمر، وهو يأتي مرة واحدة في حسابات خاطئة، العمر لا يحتمل المجازفات الحمقاء؟!. وفاء: حاطب الليل يضرب ويضرب ويضرب لكن ضرباته في الغالب طائشة؟.. ماجدة: لا تدع الوهم يقودك، فهو لن يؤدي إلا للسراب، احذر السراب وانظر للحقائق وقوانين الحياة.. سلامة: العاقل من اتعظ بغيره، والأحمق من وعظ بنفسه.. المعلمة: شكراً لكُنّ يا طالبات، علمنا الله وإياكن الحكمة، شكراً لتعليقاتكن الذكية، فالأهداف الجيدة وحدها هي التي تستحق أن يصرف لها الجهد والأيام.

1809

| 26 فبراير 2014

الفطيرة المتأخرة

جلس أمام الحاسوب كما أمره مسؤوله المباشر ينتظر الإذن بالذهاب لتغطية إحدى الفعاليات الرياضية. أخبره المسؤول ألا يبرح النظر إلى جهاز الحاسوب ففي أي وقت، في أي لحظة، سيرسل له البريد الإلكتروني المنتظر. كعادته كان في الصباح الباكر مستقرا أمام حاسوبه في العمل وبعد أن وقع على الحضور وطلب فنجان القهوة الأول جلس ينتظر وصول البريد الإلكتروني الذي لا يمكنه تفويته. كان جهازه النقال يصفر في كل لحظة مخبرا عن وصول رسالة جديدة لبريده الإلكتروني، وفي كل مرة يرفع بصره باتجاه البريد الوارد كان يصدم بأن الرسالة مصدرها جهة أخرى وليست الرسالة المنتظرة من المدير. مرت الدقائق بطيئة، ثقيلة، كأنها تزجف ولا تتحرك حركتها المنتظمة الرشيقة. أتته رسائل من الأصدقاء، وأخرى إعلانات تجارية، ورسائل ثالثة تحمل عناوين وكلاما لم يفهمه، لكن الرسالة المطلوبة لم تصل بعد. بعد ثلاث ساعات من تربص الجوع به، شعر أنه لم يعد قادرا على التسمر أمام الحاسوب، وأن عليه أن يذهب إلى الكافتيريا لتناول شيئ من الطعام. خاف أن تصل رسالة المدير وهو في قاعة الطعام، خاف ألا يأتيه إشعار عبر جهازه النقال فالعادة أنه ممل وثقيل، ماذا يفعل هل ينتظر أمام الحاسوب أم يرسل الفراش ليحضر له فطيرة يتناولها في المكتب؟ تذكر أنه لا يستطيع فعل ذلك أيضا فمديره المباشر أصدر أوامره بمنع جلب الطعام إلى المكاتب، وسمح فقط بالمشروبات الحارة حتى المواد الغازية منع جلبها إلى المكاتب بحجة أنها قد تبقى في المكان وتشوه المنظر العام!! أقنع نفسه أن من واجبه أن ينتظر أكثر، وتشاغل بمجلة قريبة منه أخذ يقلب فيها ويقرؤها على غير هدى. بعد أكثر من أربعين دقيقة إضافية نهض من المكتب مقررا أن عليه أن يتناول إفطاره أوسينخفض لديه السكر كما حذره الطبيب. استقل المصعد مسرعا، دخل المطعم واختار فطيرة مربى وكوبا من العصير، التهمها على عجل، واحتاج لثلاثة أكواب ماء بعدها حيث وقف الطعام في زوره من شدة استعجاله . عشر دقائق فقط هي التي فصلت ما بين ذهاب وإياب وليد من وإلى المكتب وهناك فتح الحاسوب فوجد الرسالة قد وصلت من المدير. نظر في الرسالة الثانية فوجدها من المدير أيضا. نظر في الرسالة الثالثة فوجدها من بريد المدير أيضا. في الرسالة الأولى أمر مباشر بالذهاب الفوري لتغطية الحدث الرياضي. والرسالة الثانية كتب فيها المدير: وأين أنت الآن؟ لماذا لم تجب على رسالتي الأولى؟ في الثالثة كتب المدير: مخصوم منك أجر يوم كامل لأنك مهمل ومستهتر ومقصر في عملك. هرول وليد إلى المصعد مرة ثانية واتجه لغرفة مديره المباشر وجد السكرتير وقال له: ادخلني على المدير، أنا لا أستحق أن أوصف بالإهمال، ولا أن يخصم عني أجر يوم كامل. السكرتير: احمد ربك على خصم يوم واحد، هذا زميلنا سعيد خصم منه قبل عشر دقائق راتب ثلاثة أيام ،لأن هاتفه مغلق رغم أنه في مكتبه منذ الصباح الباكر. وليد: ماذا تقول، خصم منه راتب ثلاثة أيام، لماذا كل هذا الاستبداد؟! السكرتير: اسمع يا وليد، اذهب بهدوء وانصرف من المكان واركب سيارتك متجها لتغطية الحدث الرياضي واكتب تقريرك عن الحدث كاملا ثم أرسله لبريد المدير. وليد غاضبا: ولكن كيف أغطي الحدث وقد خصم أجري اليوم، لا لن أذهب!! السكرتير: أنت تعلم ما سيحدث لك لو امتنعت عن الذهاب، سيعتبر هذا إعلان تمرد، وأخشى أن يطردك يا وليد. وليد : وكيف سيجد شخصا مثلي، أنا أصم أعمى أخرس، لا أناقش لا أجادل،لا أعترض،لا أظن أنه سيطرد جمادا بشريا مثلي؟! السكرتير:اخفض صوتك يا رجل، بيننا وبينه حائط، هيا أقصر الشر، وحافظ على رزق أبنائك، غادر المكتب وبسرعة، لا أريد مشاكل. وليد: سأغارد ،وسأذهب لأغطي الحدث، ثم سأعود إلى مكتبي حتى ولو انتهى الدوام لأرسل عشر رسائل شكر لفخامته لأنه اكتفى بخصم راتب يوم واحد فقط من أجري وقد بإمكانه فصلي. نعم فصلي أنا الموظف وليد الذي لم يحدث أن اعترض على عمل رسمي أو إضافي، أو طالب ببدلات أوعلاوات، سأفعل أيها السكرتير العظيم ، فأنا ومنذ عشرة أعوام أعمل هنا كالأجير الذي لا يعرف أهله هل يصرفونه نهائيا، أم يؤجلون صرفه . سأذهب يا صديقي لكن قبل أن أذهب أخبرني هل لديك دواء مسكن للألم ، فأنا أشعر بالتعب ،يبدو أنني أرهقت نفسي بالتوتر والقلق. قال وليد هذه الكلمات وارتمى مغشيا عليه،أحضر له الطبيب الذي كشف عليه وقال: لا بد من نقله للمستشفى، ضغط الدم لديه مرتفع جدا، ولا بد من الراحة التامة. نقل وليد بسيارة الإسعاف للمستشفى وبعد أن أفاق من غيبوبته كان إلى جواره السكرتير الذي فرح بإفاقته من الغيبوبة. قال له حمدا لله على سلامتك يا صديقي، أهكذا تقلقنا عليك يا وليد وليد: من أنت، وماذا تريد مني؟ ضحك السكرتير وقال: أنا زميلك سكرتير المؤسسة التي نعمل بها سويا!! وضع وليد يده على رأسه وقرع الجرس القريب من سريره. عندما أتت الممرضة قال لها: أخرجي هذا الرجل من الغرفة وليخبر سيده أنني قد قدمت استقالتي من مؤسستهم. طلبت الممرضة من السكرتير مغادرة الغرفة فورا، وبعد مرور ساعتين أتى الطبيب ليقيس الضغط وتفاجأ بأنه قد عاد لوضعه الطبيعي. قال الطبيب: الحمد لله يبدو أن الدواء قد ساعد في خفض ضغطك . وليد: لا أعتقد أيها الطبيب أن مفعول الدواء هو الذي خفض من ضغط دمي بل لأني أنزلت كابوسا ثقيلا كان فوق صدري وتخلصت منه. الطبيب :وكيف ذلك، وأنت لم تغادر الغرفة؟ وليد ضاحكا: غدا بمشيئة الله أخبرك بالتفصيل عن الحمل الثقيل الذي استطعت وأنا في مكاني بالمستشفى أن ألقيه من فوق كاهلي. ضحك الطبيب وقال حمدا لله على سلامتك .إذن غدا سأسمع حكاية منك. وليد ضاحكا: حكاية وليد الذي عرف قدر نفسه أخيراً.

1470

| 12 فبراير 2014

أم عبيد والليلة الموعودة

برقة وهدوء أعادت عددا من الزهور الفواحة إلى مكانها فوق طاولة العرض ثم أصلحت من هيئتها، واختارت أقرب كرسي ثم رفعت رأسها للموظفة وقالت: هل تضمنين أن الورود التي ستجلبينها في الفرح ستكون مثل هذه الورود الفرنسية الريانة، أخشى أن تجلبوا لنا زهورا محلية؟! قالت الموظفة وبصوت أقرب للهمس رقة ودلالا: ولو يا مدام،هذا واجبنا،إذا لم تعجبك الزهور التي ستكسو قاعة الفرح بألوانها المدهشة، وتنشر عطرها في المكان فبإمكانك استرجاع نقودك بعد الفرح.رفعت أم عبيد رأسها بشموخ وقالت وهي تصطنع العتاب: أخبرتك بأننا لا ننتظر استرجاع النقود، النقود لا تهمنا، ما يهمنا هو شكلنا أمام المدعووين.تنحنحت بائعة الورد واعتذرت وقالت بصوت مسموع هذه المرة: والله لا أعرف أين أخبئ وجهي منك، صدقت يا أم عبيد منذ متى كانت النقود تهمك؟!نظرت أم عبيد إلى الموظفة ورمقتها بنظرة عطف وشفقة وقالت لها: صحيح، صحيح.عادت أم عبيد قبيل صلاة الظهر إلى منزلها وبيدها عدد متنوع من الألبومات ناهيك عن نماذج متنوعة من الأقمشة لاختيار ما يحلو لها لوليمة فرح ابنتها. هبطت العروس من الدرج مسرعة حين سمعت صوت سيارة الأم وقالت لها: بشريني يا أمي هل أحضرت كل النماذج والصور معك؟قالت أم عبيد: وكيف لا أفعل يا حبيبتي، وهذا يوم فرحك الذي طال انتظاره؟ بدأت الفتاة تقلب في الألبومات، وتقارن بين نماذج الأقمشة الخاصة بمناديل ومفارش وليمة الفرح وعلا وجهها علامات السرور فالتفتت لأمها وقالت: هل أنت على يقين بأن هذه الشركة هي نفس الشركة التي أشرفت على حفل زفاف عنود بين السيد عبدالله، أنا لا أريد أن يكون حفل فرحي أقل من فرح عنود، لقد كان فرحها مبهرا!!الأم: بل سيكون أفضل منه، قلت لمدير الشركة: أريده أفضل من عرس عنود وسأدفع لك الفرق بكل فرح وحبورالفتاة: لا أعرف كيف أشكرك يا أماهالأم: وكيف تريدينني أن أقبل أن يكون زواجك أقل من زواج عنود أنسيت أنك ابنة المرحوم فهد ياسر، رجل الأعمال وصاحب المكانة الاجتماعية المرموقة في البلد؟العروس: وكم ستكلف وليمة الفرح؟ الأم: التكاليف ليست مهمة على الإطلاق أخبرتهم بشركة تجهيزات الأفراح بالحرف الواحد بأنني لا أقبل بفرح تكون كلفته أقل من نصف مليون ريال شاملة المطرب الخليجي المفضل لديك.العروس:يا للخبر الجميل!! يا للسعر الزهيد،نصف مليون ريال فقط مع مطربي الخليجي المفضل، مع تأكيد بأن الفرح سيكون أكثر بذخا من فرح عنود يا لها من صفقة رابحة!! الأم: نعم هم لن يستطيعوا خداعي،عرضت عليهم النصف مليون على أن نختار من هذه الألبومات والنماذج ما نريد، ووافقوا فورا.العروس: تتصرفين ببراعة وذكاء كعادتك يا أمي. الأم: المهم أن تكوني سعيدة.العروس: أنا سعيدة جدا يا أمي، ولكن نسيت أن أخبرك بوصول رسالة للمنزل حملها سائقنا سليم.الأم: رسالة ممن؟العروس: سأحضرها، ذهبت العروس إلى الطاولة القريبة وعادت بالرسالة وناولتها الأم قائلة: افتحي لنا المكتوب لنعرف ما فيه ومن أرسله.فتحت الأم الرسالة، وبدأت تقرأ بصوت عال: إلى السيدة المصونة أم عبيد زوجة المحسن الكبير المرحوم السيد: سعيد علي. بعد التحية ووافر التقدير نعلمكم أن مركز الأيتام بالصومال لم يستلم المعونة السنوية التي كان يرسلها المرحوم والبالغة خمسون ألف ريال. لقد كان هذا المبلغ الذي يرسله المرحوم لنا سنويا كافيا لإعالة خمسمائة طفل لمدة عام كامل، ونحن ومنذ توفي السيد سعيد رحمه الله، أرسلنا لكم أكثر من خمس رسائل ولم نتلق منكم ردا واحدا حتى الآن. اعذرينا أيتها السيدة الفاضلة أم عبيد، فلولا حاجتنا لاستمرار الدعم ما أثقلنا عليكم بهذه الرسالة. وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام أخوكم: عبادة عثمانرئيس مكتب البر والإحسان بالصومالأنهت الأم الرسالة وقالت: خمسون ألف ريال سنويا، ماذا يظن هذا الرجل هل ورثت بئر بترول حتى أبعث له بخمسين ألف ريال كل عام؟!الفتاة: وبماذا ستجيبينه يا أمي، نحن مثقلون بتكاليف الفرح، من أين لنا بهذه الثروة الطائلة التي يطالبنا بها؟! الأم: لن أرد عليه!!العروس: ولكن يا أمي هو يقول بأن أبي رحمه الله ومنذ سنوات طويلة متكفل بهذا المركز، أرى أن ترسلي لهم شيئا من النقود.الأم: دعيني أفكر، دعيني أفكر، فزواجك يتطلب الكثير من المال وما زال أمامنا نفقات إضافية كما تعلمين!! العروس: وجدتها، وجدتها، ما رأيك بمبلغ خمسة آلاف ريال، هذا مبلغ تسمح ميزانيتنا المرهقة بأن ندفعه لهم.الأم: خمسة آلاف ريال مبلغ كبير جدا، من أين لنا أن نوفر هذا المبلغ ونحن في مثل هذه الظروف، سنبعث له على رقم الحساب المرفق في رسالته بثلاثة آلاف ريال. العروس: وخمسمئة أيضا، اجعليها ثلاثة آلاف وخمسمئة صدقة عن روح أبي رحمه الله.ابتسمت الأم وقالت: يا لك من فتاة نبيلة نعم ثلاثة آلاف وخمسمائة ريال مبلغ مناسب وسيسد حاجاتهم ولا شك.تناولت العروس حقيبتها اليدوية القريبة منها، فتحتها وأخرجت المبلغ الذي اتفقت مع أمها عليه، ثم تناولت ورقة وقلما ونقلت رقم الحساب البنكي لمكتب البر والإحسان بالصومال.بعد أن تأكدت من نقل العنوان الصحيح وقفت ثم تحركت نحو الباب فتحته ومشت خطوات بداخل حديقة المنزل ونادت على السائق.حضر السائق على عجل، أعطته المبلغ ومعه الورقة التي بها رقم حساب مركز الأيتام وقالت: خذ هذا المال وهذه الورقة واذهب إلى البنك، فثمة محتاجون وجائعون ومرضى ومنكوبون ينتظرون بلهفة هذا المبلغ الكبير، رقم الحساب موجود في الورقة التي معك. استلم السائق المبلغ والورقة وانطلق مسرعا لتنفيذ الأوامر،عادت العروس أدراجها وتوجهت للطاولة التي وضعت عليها ألبومات الصور وعادت تقلب الأوراق من جديد بحثا عن أجمل التصاميم التي تزخرف المكان لتلك الليلة البهية.

1107

| 05 فبراير 2014

300 مليون قط

كانت الحصة كما أرادها الأستاذ وليد حصة حوار مفتوح مع ولي الأمر المتميز عبدالله سعيد الذي يعد الأب الأكثر فاعلية بين أولياء أمور الطلاب في المدرسة.. أراد المعلم وليد أن يترك حصته للسيد عبدالله عمر والد الطالب النابه عمر الذي يمثل قدوة لزملائه.دخل أبو عمر الفصل وألقى التحية على الطلاب، وقال لهم: لدي قصة تحكي عن مشكلة، وأريد منكم أن تفكروا معي في إيجاد حل لها.قال عابد: هات القصة يا أبا عمر، وأرجو أن نجد الحل الصحيح.الأب: القصة التي سأرويها لكم يا أبنائي محيرة، وتحتاج لتفكير عميق خاصة، أنها تهم أكثر من 300 مليون قط وقطة.أحد الطلاب: 300 مليون قط وقطة، كيف اجتمع هؤلاء ومتى؟!الأب: توزعت هذه القطط على خريطة الوطن العربي، وقبل حدوث المشكلة كان القطط متحابين يتبادلون الزيارات والخبرات لكن حدث ما غير الأمور وأساء إلى الأحوال.أحد الطلاب: يتبادلون الخبرات، أي نوع من الخبرات؟الأب: أنت تعرف يا بني أنه بحسب خريطة الوطن العربي هناك مناطق زراعية ومناطق صيد للأسمالك ومناطق جبلية ومناطق نهرية، وكل مجموعة من هذه القطط اكتسبت خبرات خاصة بالمكان الذي هي فيه.طالب: تعاون وتكامل هذا يذكرني بما درسناه عن تبادل الخبرات العربية، قبل انفجار الوطن العربي بالقنابل والدبابات!!الأب: وما لك يا بني والبشر؟ دعنا في عالم القطط.تفاجأ الطلاب باللغة الحزينة لأبي عمر، وقال أحدهم: نعم يا أبا عمر وقع بعض القطط في مصائب كما فهمنا منك، لكن ما نوع المشاكل وكيف حلت؟الأب: اسمعوا الحكاية يا أبنائي من أولها.. فالقطط حتى هذه اللحظة ما زالت عالقة في الفخ وتحتاج فعلا إلى المساعدة لنخلصها من الشراك التي وقعت فيها.أحد الطلاب: اشرح لنا المزيد!!.الأب: في يوم من الأيام خرج ما يقارب العشرين مليون قط وقطة في مظاهرات يطالبون بالتوزيع العادل للثروات.أحد الطلاب: ومتى كان القطط منظمين، ولديهم كل هذا التفكير؟طالب آخر: إنه يحكي قصة.الأب: لا عليكم يا أبنائي من إثقال رؤوسكم بالتفاصيل.. المهم أن تعرفوا بقية الحكاية كي تساعدوا ملايين القطط العالقة في الشباك.طالب: يا للأسى عددهم ملايين، ماذا تقول؟ ملايين القطط عالقة في الشباك، ومن أين لزعيم مملكة القطط كل هذه الشباك؟!الأب: سؤال وجيه: يا بني هناك في المملكة الأخرى القريبة المجاورة، ملك شرير لديه مختلف أنواع الشباك، ووسائل التعذيب.طالب: وسائل تعذيب، وضعوهم في الشباك، ثم قاموا بتعذيبهم، يا للقطط البائسة!!الأب: وفوق ذلك أجاعوهم وعرضوهم لمختلف أنواع الألم.طالب: ما كل هذه الجرائم بحق القطط، إن قلبي لم يعد يحتمل المزيد، ثم ما اسم تلك المملكة القريبة التي بها سلطان ظالم، أرسل الشباك والمعدات الحربية، هذا السلطان الظالم يجب أن يحاكم؟!الأب: ألن تعيروني آذانكم لنكمل القصة؟طالب: بلى والله،أكمل القصة، فقلوبنا تتقطع على القطط، أخبرنا يا أبا عمر منذ متى والقطط محبوسة في الشباك، متعرضة للأذى والألم والجوع؟.الأب: منذ أكثر من عامين ونصف، إنها تقترب من الثلاثة أعوام.طالب: يا للهول، هل ماتوا جميعا، هل ماتت ملايين القطط البريئة فقط لأنها طالبت زعيم القبيلة أن يقاسمهم الثروة بالعدالة والاحسان؟!الأب: لا يا بني، لم تمت جميع القطط؟الطالب:كيف تصرفت إذن؟الأب: استطاع بعض القطط "الحاذقين" أن يهربوا من الفخاخ وبدؤوا في رد الصاع صاعين لجنود الطاغية.الطالب: يا للروعة، أكمل أكمل.الأب: نعم يا بني، لقد قرر فئة من القطط الأباة أن يقضموا بأنيابهم الحادة الشباك، وأن يبدؤوا في تصنيع أنواع الأسلحة التي يقاومون بها هذا الطاغية.الطالب: وكيف سارت الأمور؟الأب: إنها صرخة المظلومين يا بني ترجمت على هيئة أفعال، فقتلوا وأسروا ودمروا من آليات عدوهم الشيء الكثير.الطالب: يا للروعة إذن طمئنا يا أبا عمر..هل استطاعوا أن يخلصوا رفقاءهم من القطط المأسورين الجائعين المعذبين؟أبو عمر: لأجل هذا أتيتكم يا أبنائي الأعزاء.الطالب:تريدنا أن نفكر معك في كيفية تخليص القطط من الشباك؟.أبو عمر: نعم يا بني.طالب: ألم تقل لنا بأن عدد القطط في الوطن العربي ثلاثمائة مليون قط وقطة، إذن ليهجموا هجمة رجل واحد على هذا الطاغية، ويخلصوا ما تبقى من القطط الحية، ويحرروهم من طغيان زعيمهم.أبو عمر: أغلبهم إما لديهم مشاكل مشابهة أو مشغولون بالتثاؤب والتمدد على الأرائك الوثيرة، والتلحف باللحف الفاخرة.الطالب: تَبّا لهم يتثاءبون ويلتحفون باللحف الوثيرة، وأصدقاؤهم من القطط يسجنون بالملايين، تَبّا لهم!!أبو عمر: ويأكلون الهمبورجر والبيتزا وأطايب الطعام ويسافرون ويهنؤون بالعيش الرغيد.الطالب: لا أريد أن أسمع المزيد، أشعر بالغثاء والصداع وآلام حادة في المعدة، الحمد لله أنني من البشر، ولست قطاً حتى يخذلني أصدقائي القطط.هنا قام عمر الذي كان ملتزما الصمت طوال الحصة، وقال لأبيه: دعني أعلق يا أبي.قال عمر: يا أصدقائي بل تحمد الله القطط على أنها ليست من عرب اليوم، فالقصة التي ساقها أبي رمزية وعن العرب، وأنت يا هادي بتعليقك شرحت القصة كاملة، نعم كل القطط والمخلوقات الأخرى غير البشر لم يعودوا يرغبون أن يكونوا بشراً كعرب هذا الزمن!!صفق الطلاب بحرارة لأبي عمر، وقال أحدهم: أنت فارس لقائنا اليوم، لقد استوعبنا الدرس الحزين، إنسانية عرب القرن العشرين وما بعده في خطر، ولئن لم نبادر نحن بإنقاذ السوريين وغيرهم من المستضعفين، فنحن لا نستحق شرف الانتساب للإسلام.طالب: حل المشكلة: لا يوجد مستحيل.. لكن مع الإرادة والإصرار لابد أن نتحمل مسؤولياتنا تجاه بعضنا البعض، لأن القطط لن يتخلى بعضها عن بعض لو كان عددها ثلاثمائة مليون!!ابتسم أبو عمر وبصوت حزين قال: أنتم يا أبنائي بعد الله فيكم الرجاء والامل، إياكم أن تكرروا أخطاء جيلنا، وكونوا كما أمركم الله.. عباداً متحابين في الله.

972

| 29 يناير 2014

المعلم ومدينة الألعاب!

سأل المعلم التلميذ: يا بني صف لي حال العرب اليوم؟قال التلميذ: مشتتون، مفرقون،لا يجمعهم رابط أورابطة، ثاروا على القيم والمبادئ، واختاروا الفرقة.تأثر المعلم من إجابة الطالب، ووجد أن عليه أن يقوم بالواجب وأن يخبر والد الطالب سلطان بالنظرة السوداوية التي يستبطنها ابنه عن المستقبل.عندما حضر الأب إلى المدرسة قال المعلم:ابنك يا سيدي لا يرى العرب على حقيقتهم في الحفاظ على القيم والمروءة والشيم، ابنك يا سيدي مشروع ثائر على الأوطان!!استغرب الأب من كلام المعلم وقال له: هل تقصد ابني سلطان؟!إنه مهذب وخلوق ومتعاون ولست أدري لم تراه ثائرا غاضبا؟!المعلم: نعم يا سيدي أتفق معك في أنه خلوق ومهذب، ولكن من في مثل سنه عليه أن يرى الواقع من حوله بصورة مثالية جميلة شفافة، تخيل أنه يرى العرب مشتتون ممزقون حائرون، يتقاتلون ويتخلون عن بعضهم البعض؟!استغرب الأب من الإجابة وقال: ألا ترى أنك تريد أن ترسم لابني صورة مزيفة عن الواقع؟!إن الواقع صعب ومرير، ولا يمكنك أن ترمي بأطواق الورد على كومة من الرماد والحطام والدماء ثم تقول:إنه ربيع ونماء؟!المعلم: هل تتلفظ بمثل هذه الألفاظ السوداوية أمام أبنائك،إن عليك يا سيدي أن تنتقي ألفاظك أمامهم وإلا فإنك ستؤذي براءتهم، عليك يا سيدي أن ترسم صورا وردية تنتظرهم حينما يكبرون في أوطانهم الظافرة؟الأب: إذن ترى بأن علي أن أزوّر الواقع وأصفه بغير وصفه؟! أصور مثلا قتلى سوريا على أنهم كانوا أبطالا يقاتلون أعداء أتونا من أقصى الكرة الأرضية فدمرهم السوريون بأكثر الوسائل الحربية فتكا وتطورا!!المعلم: ومن قال لك أن تأتي على ذكر أخبار سوريا أصلا.الأب: عن ماذا أتحدث في بيتي إذن؟!المعلم: حدثهم عن مدينة الملاهي التي ستأخذهم لها في عطلة نهاية الأسبوع حدثهم عن وجبة عشاء فاخر في مطعم أنيق تريد أن تتناولها معهم فيه.حدثهم عن إجازة الصيف، وكيف أنك ستأخذهم لفرنسا وألمانيا، حدثهم عن الحياة المرفهة التي يعيشونهاالأب وهو يصطنع الاهتمام: وماذا أيضا أيها المعلم النابغة، ماذا علي أن أفعل أيضا كي أربي أبنائي تربية صحيحة؟!المعلم وقد أعجبه وصفه بالنابغة: هناك أمور كثيرة تشعر أبناءك بأنهم يعيشون حياة كلها فرح وحبور، مناسبات عيد الميلاد، ايام الزيارات العائلية، مواسم الشتاء والمطر،مواسم السفر والاستعداد للسفر،أكثر من ابتكار مناسبات تبهج بها قلوب أبنائك.الأب وهويتصنع الاهتمام بكلام المعلم: أنت تثير إعجابي بكلماتك الجميلة ورؤاك التربوية الثاقبة، ماذا علي أن أصنع أيها العلم حينما يسألني أطفالي عن بعض الأخبار التي تأتيهم رغما عني ويكون فيها نقلا عن أطفال جوعى وقتلي ومصابون؟!الأب: بحنكتك وذكائك أحضر عامل الأسلاك واجعله يخفي القنوات الإخبارية وأكثر من القنوات الترفيهية.سأل الأب: القنوات المخصصة للأطفال؟!!المعلم: نعم يا أبا سلطان، كل قناة تقدم الترفيه واللهو الخفيف اجعلها متاحة للأطفال.الأب: ولكن ألا تخشى أيها المعلم المتميز الحاذق أنني هنا سأفرط في تدليل أطفالي وسأغيبهم تماما عن الواقع؟المعلم: وكيف تكون أبا جيدا إذا لم تصطنع عالما من الفرح الدائم لأبنائك؟الأب: ولكن الأطفال يكبرون، فماذا أصنع والأطفال يكبرون؟!المعلم: حينما يدمن الناشئة اللهو والمرح لا يعودون بعد ذلك قادرين على الجدية وتحمل مشاق الواقع ومتابعة أخباره.عند هذه الجملة وقف الأب وقال بنبرة صوت حادة: أنت لا تصلح لتكون معلما ولا حتى فراشا بمدرسة، مكانك بائع حلوى في مدينة الملاهي.. لقد جاريتك لأعرفك أكثر، وقد عرفتك، ولن أطيل الحديث معك أكثر.لم يهدر أبوسلطان المزيد من الوقت مع هذا المعلم الجاهل بأسس ومقومات التربية الواعدة وانطلق مسرعا إلى غرفة المدير.قال الأب غاضبا: يريد معلم ابني سلطان أن أغيب ابني عن معرفة الواقع، يريد فقط أن يعيش حياته لاعبا فرحا لا يمل اللهو وعيش الترف.المدير: وما الذي يغضبك من توجيه معلم يريد السعادة لابنك وإراحة رأسه من أي ألم؟!الأب: وأنت أيضا تريد لغلام عمره أحد عشر عاما أن يعيش مغيبا عن الواقع؟!المدير: وما الذي استفاده الكبار من معرفة الواقع، ولمذا تريد لبراءة طفلك أن يجرحها الواقع المحبط الكئيب؟!هنا وقف الأب مختصرا الحديث وقال: إذا كانت رؤيتك التربوية أيها المدير بهذه الضحالة، فإنني أذكرك بأن العالم ابن الجوزي الذي ملأ الدنيا علما شمر عن ساعد الجد وعمره تسعة أعوام.كذلك أحمد بن حنبل، والشافعي الذي حضر حلقة الإمام مالك بن أنس وعمره لم يتجاوز العشرة أعوام.أما العالم ربيعة الرأي فلقد ساد مجالس العلم يافعا، وابن عباس طلب العلم وعمره لم يتجاوز الأحد عشر عاما.أما محمد الفاتح فلقد ربته أمه طفلا ليفتح القسطنطينية وقد فتحها، كذلك الأمر مع سيدنا معاوية الذي ربته أمه ليسود العرب وقد سادهم وتولى الخلافة.إن الأمثلة الحاضرة في ذهني كثيرة عن الأطفال الذين نبغوا مبكرين جدا ولا يسعني المقام لكي أحصيهم لك أيها المدير الذي تريد أن تعلم أبناءنا فقط كيف يطفئون الشموع في أعياد ميلادهم وكيف يتمسكون جيدا بالمراجيح حتى لا يقعوا من فرط الضحك.بعد اليوم لن يداوم ابني سلطان في مدرستكم، وسوف أبحث له عن مدرسة أخرى بها معلمون حقيقيون وليس صانعو أوهام.

1183

| 22 يناير 2014

الميزان التربوي الحساس

لا تعرف الروح المترفة التي أدمنت حياة الليونة والنعومة معنى أن تبحث لها عن دور حقيقي تقوم به لإرواء ظمأ الحياة إلى الجمال الإنساني المترجم سلوكا حميدا وفعلا رشيدا.هي لن تروي ظمأ الحياة لتجارب جميلة مؤثرة في الفعل والعطاء لأنها أصلا عبء زائد عن الحياة عبء ثقيل عليها لأنها اعتادت الأخذ أكثر من اعتيادها على العطاء.الروح المترفة هي روح مرهقة بالملل والرتابة والكسل وهي روح عليلة وإن بدا صاحبها متمتعا بأعلى درجات الصحة الجسمانية.لو أبحرنا عميقا واسترجعنا الأيام والسنوات الأولى في تربية هؤلاء المترفين المتفرجين على الحياة لوجدنا أن جذور الخلل في الشخصية قد بدأت في التكون مبكرا، وفي سنوات الطفولة الأولى بالتحديد.في تلك الفترة من الزمن لم تتوفار بيئة تربوية داعمة تعزز في الناشئ الرغبة في أن يكون مفيدا ونافعا لأسرته وزملائه في الفصل.إن الأم الصالحة والمعلمة الصالحة لا تغفل أي واحدة منهما عن التعامل الجاد مع الطفل الصغير كي ينمو لديه الاستعداد ليكون مفيدا ومنتجا.بحدود استطاعته ووفق قدراته يستطيع الطفل أن يفعل الكثير، العناية بكراسة وحقيبته، الاهتمام بأقلامه وقرطاسيته، تنظيف مكان لعبة في الحضانة، ترتيب ألعابه في المنزل.أمور بسيطة جدا لكن الاهتمام بها ينشئ طفلا إيجابيا يعتاد شيئا فشيئا تقدير الأشياء والعناية بها.الإحساس بالنعمة، صيانة النعمة والحفاظ عليها،حمد الله وشكره عليها، مساعدة الزملاء أثناء اللعب،عدم الأثرة أثناء اللعب، التحاور بدل المشاجرة، ثقافة الاعتذار عن الخطأ، مناداة الأصحاب بأسمائهم الصحيحة دون السخرية منهم، التعاون معهم في الدراسة، تقبل روح الفريق الواحد، تقديم هدايا رمزية بسيطة بعيدا عن التكلف وإظهار الغنى، بساطة الحقيبة المدرسية والابتعاد عن الماركات الباذخة، التعاون في إعداد وجبات خفيفة — حسب نمو الطالب — في المطعم المدرسي، العناية بأزهار الفصل والنباتات المحيطة بها.آلاف المفردات والعناصر الكثيرة التي تنتظم جميعها لتشكل صورة متكاملة لإنسان يتم تربيته ليقدر الأشياء من حوله ويكون نافعا لكل من حوله.تقدير الإنسان أيا كان وضعه ومكانته، معلما، زميلا،عامل نظافة، بوابا أم سائق حافلة، تكوين قاموس ألفاظ مناسب وثري ومفعم بالإيجابية واحترام الناس، مراقبة سلوك الطفل أولا بأول والاهتمام بتصويب أفعاله وتوجيهه الوجهة الصحيحة والمناسبة.حادينا هنا سيرة المصطفى الكريم عليه الصلاة والسلام حين تناول الحسن تمرة من تمر الصدقة وأكلها فوضع يده في فم الطفل الصغير وأخرجها من فمه وقال له كخ كخ.. ارم بها (أما شعرت انا لا نأكل الصدقة ).وروى أحمد في مسنده عن الحسن بن علي قال: أخذت تمرة من تمر الصدقة فتركتها في فمي، فنزعها صلى الله عليه وسلم بلعابها وقال: (إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة).نعم يا رسول الله ها أنت تعلمنا من جديد — نحن الذين نحتاج دوما لأن نعود لسيرتك العطرة — كيف تكون المراقبة والتربية والتوجيه واستدراك الخلل.إن نبي الله لم يسكت عن هفوة بسيطة قام بها طفل صغير لم يكبر بعد، ولم يصل سن التكليف ورغم ذلك تدخل مسرعا مستثمرا السلوك العملي ليصحح عمليا خطأ لو سكت عنه فإنه يخشى أن يتحول لعادة لدى حفيده وابن ابنته الطاهرة السيدة فاطمة رضي الله عنها.نعم لا تفويت ولا إرجاء ولا تغاضي عن أخطاء الصغار تحت حجة ما زالوا صغارا وليس هناك سجل يكتب سيئاتهم.إن هذا الموقف العملي وأمثاله مواقف كثيرة ليؤكد للمربين أن الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة البريئة التي تصدر من الصغار هي المنبع والرافد الذي سيشكل بعد ذلك سلوكهم بل سيكسبهم الميزان العادل والصحيح ليزنوا به الأمور في حياتهم القادمة كلها.نستطيع أن نقتبس من هذه القصة المؤثرة دروسا من أهمها تحري المال الحلال ليدخل في جوف الطفل بركة المال الحلال الذي تنتج عنه ثمارا يانعة مباركة.هذا الربط العميق بين المال الحلال والحرص عليه ليكون مصدرا رئيسيا من مصادر الحفاظ على طهارة الطفل وسلامة ضميره وبيئته من أن تتلوث بما يغضب الله في الطعام والمعيشة هو الذي يجعلنا نؤكد خطورة التهاون في تكوين الطفل تكوينا نفسيا وجسديا وعاطفيا متوازنا يتخذ من المنهج النبوي مصدرا أساسيا في التنشئة والتكوين والتربيةإن الحصول على الشخصية الإيجابية المنتمية لأمتها ومجتمعها ليس أمرا يأتي بالمصادفة والخطوات المرتجله بل هو أمر يصدر من نفوس كبيرة تعرف معنى المسؤولية العظيمة الملقاة عليها في التربية والتعليم معا.

1319

| 15 يناير 2014

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

5916

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

5067

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3717

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2811

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2406

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1542

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1116

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1077

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

990

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

984

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

864

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...

774

| 24 أكتوبر 2025

أخبار محلية