رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
منذ بدأ الهجوم على صحيفة شارلي أيبدو في الأسبوع الماضي نشرت آلاف المقالات والتقارير والصور عن ذلك الحادث، كما تلقت الرئاسة الفرنسية العديد من الاتصالات التي تستنكر الحادث وتقدم التعازي للدولة الفرنسية ولذوي الضحايا، هذا أمر طبيعي فالحادث كبير وهو يستحق كل ذلك الاهتمام، لكن عددا محدودا من الكتاب - وهم من كبار الكتاب - سبحوا ضد التيار محاولين إيجاد تبرير لما حدث ومن خلال قراءة الحدث نفسه، ولكنهم هوجموا كثيرا على آرائهم وحذفت بعض فقرات من مقالاتهم وتناسى المهاجمون مبدأ حرية الصحافة التي ينادون بها دائما!!
الكاتب الفرنسي الشهير آلان غريتس رئيس تحرير دورية لوموند ديبلوماتيك وهي أشهر دورية سياسية في العالم تحدث عن ذلك الهجوم فقال: إن الإعلام سيسارع إلى اتهام الإسلام بالإرهاب كالعادة!! وأكد أن من أسباب ذلك الهجوم هو إساءة الجريدة للإسلام ورموزه وأيضا تدخل فرنسا ضد الدولة الإسلامية والتدخل العسكري في إفريقيا وهذا أوجد أعداء لفرنسا، ومثله كتب توني باربر مقالا في صحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية - وهي معروفة بمهنيتها الكبيرة - قال فيه: إن الصحف التي تنشر صورا مسيئة للرسول مثل الصحف الدنمركية وصحيفة شارلي إيبدو غبية لأنها تستفز مشاعر المسلمين وهي توجه ضربة للحرية، وقال أيضا: إن لصحيفة شارلي إيبدو سجلا حافلا بالسخرية وإغضاب المسلمين واستثارتهم. أما الكاتب الفرنسي جورج فيدو وهو ناشط يساري كتب قائلا: علينا أن نكون عادلين فإذا كنا ضد الإرهاب ولسنا ضد الإسلام فما معنى السخرية والاستهزاء من نبي الله محمد؟ ووجه خطابه لمحرري الصحيفة قائلا: هل كان النبي محمد إرهابيا؟ ثم وجه سؤالا للرئيس الفرنسي: من بدأ؟ ألسنا نحن من بدأناهم إعلاميا وعسكريا؟ نشرنا صورا مسيئة لنبيهم وأرسلنا طائرات لقتل أبنائهم في العراق.
هذه الصحيفة لم تتوقف عند حد السخرية بالإسلام ونبيه على صفحاتها ولكنها أرادت أن تفعل أكثر من ذلك وفي الاتجاه نفسه، حيث أعلنت أنها ستصدر رواية الروائي الفرنسي ميشال ويليبك (استسلام) وهذه الرواية تتحدث عن مستقبل الإسلام في فرنسا، وقد تخيل الكاتب أن المسلمين سيحكمون فرنسا عام ٢٠٢٢ م وأنهم آنذاك سيحولون جامعة السوربون إلى جامعة إسلامية وسوف يجبرون الفرنسيات على لبس الحجاب كما سيبيحون تعدد الزوجات وسيدرسون القرآن في المدارس والجامعات!! وذكر أشياء أخرى هدفها ترويع الفرنسيين والأوروبيين من الإسلام والإساءة للمسلمين في أوروبا كلها!!
بطبيعة الحال هناك آخرون عبروا عن مواقف مشابهة رأوا فيها أن الصحيفة هي التي أعطت مبررات كثيرة لأولئك الذين هجموا عليها وألقوا باللوم على الحكومة الفرنسية التي سكتت عن تلك الإساءات المتكررة لنبي المسلمين، وهذه الإساءات المتكررة هي التي جعلت بعض الكتاب المسلمين وبعض المغردين يطالبون بعدم الاعتذار عن ذلك الهجوم لأنه ردة فعل طبيعي تجاه تلك الإساءات الكبيرة التي لا يمكن تبريرها أو السكوت عنها!! إذن هناك من حاول إيجاد دوافع لذلك الفعل، وهذه المحاولات لا تعني قبوله للحدث وإنما تحاول تفسير الحدث ودوافعه أملا ألا يتكرر إذا زالت أسبابه.
إساءات الصحيفة للإسلام ليست جديدة وقد تكررت مرارا كما أن المسلمين في فرنسا لم يسكتوا عن تلك الإساءات ولكن كل محاولاتهم لمنعها ذهبت سدى!! وحجة الحكومة الفرنسية أن فرنسا تكفل الحرية للجميع وأن ما قامت به الصحيفة يندرج تحت باب الحرية الذي تقدسه فرنسا!! ولكن واقع فرنسا يشهد بشيء آخر مخالف تماما لما يقال!! فالعالم الفرنسي المشهور روجيه جارودي الحائز على جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام ألف كتاب (الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل) وقد حوكم بسببه لأنه انتقد وبطريقة علمية بعض المعتقدات السياسية اليهودية، كما حوكم على موقفه من المحرقة اليهودية وهو لم ينكرها وإنما شكك في أرقامها، وحوكم أيضا لأنه انتقد إسرائيل على جرائمها في لبنان!! فأين حرية الرأي التي تدعيها فرنسا؟ وكاتب رواية (استسلام) اتهم الإسلام بأنه أغبى ديانة في العالم وعندما رفع المسلمون دعاوى ضده لم تقبل بحجة حرية الرأي التي تكفلها فرنسا لمواطنيها، ولكن هذه الحرية تختفي تماما عندما ينتقد الصهاينة، ولا تبرز إلا عند الإساءة للإسلام!!
إساءة الصحيفة للإسلام عمل إرهابي إجرامي مستفز لكل مشاعر المسلمين في العالم وحكومة فرنسا بسكوتها عنه تعد مشاركة فيه، وكان من واجبها منع تلك الإساءات في وقتها، صحيفة دنمركية ارتكبت نفس الجريمة. سابقا وعندها ثار المسلمون في كثير من أنحاء العالم واتخذوا قرارا بمقاطعة المنتجات الدنمركية، وطالبوا حكوماتهم باتخاذ مواقف جادة تجاه الدنمرك، وكان بودي أنهم فعلوا الشيء نفسه تجاه فرنسا بدلا من استخدام لغة السلاح انتصارا لدينهم ومعتقداتهم ونبيهم ومن واجب حكوماتهم أن تقف معهم لأنها لو فعلت ذلك فستساهم كثيرا في منع أو التقليل من الانتقام العشوائي غير المدروس ٠
إن ما فعلته الصحيفة ليس مبررا لقتل الفاعلين فالقتل العشوائي ليس حلا لأنه قد يتكرر مرة أخرى، كما أن الذين ارتكبوا تلك الفعلة ليسوا مخولين من المسلمين بارتكاب تلك الفعلة نيابة عنهم!! بل إن فعلتهم تلك أساءت للإسلام كما أساءت للمسلمين في الوقت نفسه خاصة أولئك الذين يعيشون في أوروبا، ولا أستبعد أنها قد تسيء للمسلمين في بلادهم العربية والإسلامية هذا إذا وضعنا الجانب الاستخباراتي في العملية برمتها!!
بعد كل ما أشرت إليه سابقا أتساءل: هل الذين قاموا بتلك العملية هم ذات الأشخاص الذين تم الإعلان عن أسمائهم؟ ولو افترضنا جدلا أنهم هم فعلا من قام بتلك العملية فهل قاموا بها انتقاما ممن أساء إلى نبيهم وبدون مؤثرات خارجية سواء أكانوا يعلمون عنها أم يجهلونها؟ ثم لماذا في هذا التوقيت غير المناسب على الإطلاق؟!
هناك مؤشرات ذات دلالات عميقة ينبغي الالتفات إليها منها: أن صحفية فرنسية ظهرت على القناة الفرنسية الثانية ونقلت عن زميلة لها كانت في موجودة في الصحيفة وقت الحادثة قالت لها: إن أحد المسلحين وضع سلاح الكلاشنكوف على أنفها وطلب منها أن تقرأ القرآن كي لا تموت وأنها بدأت بتلاوته باستمرار!! وقالت إن هذا الشخص عيناه زرقاوان جميلتان!! مقالة الصحفية تنسف رواية الحكومة كلها، فالذين قاموا بالعملية ليس فيهم أحد ذو عينين زرقاوين، وليس من المعقول أن قاتلا وفي ظروف عصيبة يطلب من امرأة قراءة القرآن كي لا يقتلها!! ومنها أيضا: أن الصحيفة تخضع لحراسة الشرطة فكيف استطاع القاتلان دخول المبنى وقتل ذلك العدد الكبير من الصحفيين والإداريين وبهدوء كبير ومن ثم مغادرة المبنى دون أن يشعر بهما أحد؟! ثم كيف استطاع القاتلان معرفة موعد ومكان الاجتماع الأسبوعي لطاقم الصحيفة والتوجه إليه مباشرة لتنفيذ جريمتهما؟!
الصحافة المحلية ذكرت أنها اتصلت بأحد الأخوين هاتفيا وحاورته فذكر لها أنه من القاعدة وأنه أخذ مالا من العولقي لقتل الصحفيين!! كما اتصلت بالأخ الآخر فذكر أنه من أتباع الدولة الإسلامية وأنه أراد الانتقام ممن أساء للرسول!! نعرف أن العولقي مات منذ فترة طويلة فلماذا تأخر القيام بهذه العملية حتى هذا الوقت؟ ثم إذا كان الأخوان ينفذان مهمة واحدة فكيف يكون أحدهما تابعا لجهة والآخر تابع لجهة مغايرة؟! هذا على افتراض أنهما فعلا ينتميان إلى هذه الجهة أو تلك!!
هناك مؤشرات أخرى بحاجة إلى وقفات متأنية، فالقاتلان مع ثالث وزوجته - كما قيل - هاجموا معبدا يهوديا ثم استولوا على بقالة يهودية واحتجزوا عددا من الرهائن وعلل محتجز الرهائن فعلته بأن اليهود وراء الظلم الذي لحق بالمسلمين ومن أجل ذلك قام بدخول بقالتهم!! هذه الحادثة تخدم اليهود كثيرا خاصة أن فرنسا وقفت مع حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وهذا الموقف أغضب اليهود كثيرا وجعلهم يحتجون لدى الفرنسيين، وقد رأينا كيف استغلها رئيس وزراء إسرائيل ودعا يهود فرنسا للهجرة إلى فلسطين، وأعتقد أن تلك الحادثة ستجعل الفرنسيين يترددون في موقفهم السابق من فلسطين وربما يخضعون لضغوط داخلية من الأحزاب المتطرفة بدعوى كيف تقف فرنسا مع مسلمين متطرفين قتلوا أبناءها؟ فمحصلة هذه العملية غالبا ستكون في صالح إسرائيل وأيضا في صالح الأحزاب التي تطالب بطرد المسلمين من أوروبا أو التضييق عليهم في الحد الأدنى!!
هناك أمر آخر كان لافتا للنظر وبشكل كبير، فالرئيس الفرنسي طالب الفرنسيين بالخروج في مسيرات حاشدة يوم الأحد للتنديد بالإرهاب، ومع أن هذه الدعوة تضخيم للحدث إلا أن الأغرب أن قيادات أوروبية وعربية ومسلمة كثيرة حضرت للمشاركة فيه ودعمه فما السبب في ذلك؟! هل هناك نية مبيتة لغزو بلد عربي تحت ذريعة محاربة الإرهاب؟! وهل دعوة الرئيس الأمريكي لعقد مؤتمر لمكافحة الإرهاب في واشنطن سيكون له علاقة بما حدث في باريس؟! لا أريد أن أكون متشائما ولكن تسارع الأحداث يضع أمامي كثيرا من الأسئلة الحائرة!! فالمشهد الحالي يذكرني بما سمعته مرارا من الأمير نايف - رحمه الله - من أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م لا علاقة للقاعدة فيه على الإطلاق وإنما هو من تدبير الأمريكان!! ومع أن القاعدة اليوم باركت غزوة باريس ومع أن أحد الفاعلين اعترف بتبعيته للقاعدة إلا أنني أشك في هذه الرواية جملة وتفصيلا، ومرة أخرى أتساءل: هل هناك أمر مبيت لهذه المنطقة؟!
وأخيرا ومع أنني قلت في بداية المقال: إن ما فعلته الجريدة جريمة بحق كل مسلم وأنه عمل إرهابي كان يجب على حكومة فرنسا إيقافه وأن تعللها بالحريات أمر كاذب إلا أن قتل الصحفيين جريمة ما كان ينبغي أن تحدث، والذي أفهمه أن ديننا يحرم ذلك لأن نتيجة الفعل إضرار كبير بالمسلمين وهو ضرر أكبر بكثير من أي مصلحة قد تتحقق.
وشيء آخر وهو أن الحكومات العربية والإسلامية وكذلك المنظمات الإسلامية الناطقة باسم المسلمين والجامعة العربية كل هؤلاء لم يقوموا بواجبهم مع أن الأمر يستدعي ذلك وبقوة!! إن إهانة رسولنا والاستهزاء به وبديننا ما كان له أن يستمر سنوات لو أن تلك الجريدة البائسة والتي كانت تبحث عن الشهرة من خلال ذلك العمل وجدت من يوقفها عند حدها في الوقت المناسب، وهذا الموقف السلبي هو الذي يمكن لمن يريد الإساءة للإسلام بحسن نية أو بسوئها أن يفعل ما يريد وباسم الدفاع عن الإسلام!!.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4329
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2172
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
1947
| 10 ديسمبر 2025