رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس سهلاً، تكرار الإنجاز الرياضي، على المستوى القاري، فهذا يحتاج إلى خليط من الأداء البطولي، والعطاء الرجولي..
بالإضافة إلى حزمة متجانسة، ومجموعة متمرسة، وإدارة متحمسة، إضافة إلى الانضباط التكتيكي، والتنويع الخططي، والتركيز الذهني، والتوظيف المهاري، والتخطيط الميداني، لقهر القوى الكروية الكبرى، المتطلعة لتحقيق المجد الكروي.
لكن منتخبنا الوطني لكرة القدم نجح في تشكيل تلك الخلطة، وترجمتها إلى خطة، ساهمت في تجاوزه ذلك التحدي، ليشق طريقه بنجاح، مدافعاً بجدارة عن لقبه الآسيوي، مستفيداً من متلازمة التوفيق والتفوق، إلى جانب الكثير من التألق الذي رافقه خلال مسيرته الظافرة، خلال البطولة.
هنا في «استاد لوسيل» حقق منتخبنا العنابي الفوز بكأس آسيا، للمرة الثانية على التوالي، متجاوزاً صقور وصخور البطولة، بعد فوزه المستحق على منتخب الأردن في النهائي الآسيوي العربي، وإحرازه ثلاثة أهداف، مقابل هدف يتيم لمنتخب «النشامى».
لقد سطر فريقنا العنابي اسمه في كتاب التاريخ الرياضي، وحفر منتخبنا الوطني، طريقه نحو الإنجاز القاري، مثلما نحت العرب «الأنباط» الصخور الصلبة في الجنوب الأردني، وأقاموا مدينتهم الصخرية، في «البتراء»، لتكون شاهدة على إنجازهم المعماري، وإرثهم الحضاري، الباقي منذ عام «312» قبل الميلاد.
هناك وسط الجبال الشاهقة، التي تشكل الخاصرة الشمالية الغربية لشبه الجزيرة العربية.
هناك في المدينة الأثرية الساحرة، التي كانت عاصمة «الأنباط»، ويعود تاريخها إلى أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، وأصبحت تابعة لمحافظة «معان»، التي ينحدر منها النجم الأردني «يزن النعيمات»، هداف «النشامى»، الذي أحرز هدف الأردن الوحيد، في النهائي الآسيوي.
هناك حيث توجد الأيقونة الأثرية، التي يسمونها «الخزنة»، وتتصدر المدينة الحجرية، ويحيط بها الغموض، وتحوم حولها الأساطير، اعتقاداً أنها تحتوي على «الكنز»!
هناك، ومن هناك في «بلاد الكنز»، إلى هنا في قطر، لا يوجد «كنز» بالنسبة لمنتخبات الأمم الآسيوية، أغلى من «كأس آسيا»، تلك التحفة الفنية، التي لا تشابهها في تصميمها، وتدانيها في هندستها، وتضارعها في هيئتها، وتحاكيها في هيبتها، وتماثلها في روعتها، كأس أخرى في القارة.
ومن أجل هذه الكأس، كان نجوم منتخبنا العنابي على موعد مع ملحمة كروية، تمثلت في تحقيق الوعد، المتمثل في الفوز ببطولة كأس آسيا، للمرة الثانية على التوالي.
هنا في «استاد لوسيل المونديالي»، سطر نجوم منتخبنا العنابي، تفاصيل ملحمتهم البطولية، وحققوا إنجازهم القاري، في النهائي الآسيوي العربي، على إيقاع «المهباش» الأردني!
هنا كانت رائحة القهوة العربية، تفوح في الملعب، وكان صوت «سميرة توفيق» يصدح في المدرجات، مردداً أغنيتها الشهيرة:
«بالله تصبوا هالقهوة وزيدوها هيل»
«واسقوها للنشامى في ملعب لوسيل».
.. ولأن قطر، تشتهر بالترحيب بضيوفها، وإكرام زائريها، فقد حرص النجم المتألق «أكرم عفيف»، الفائز بجائزة أحسن لاعب في البطولة، على تكريم الضيوف بطريقته الخاصة، فأحرز أهدافه الثلاثة، بكل جود وكرم في مرماهم من نقطة الجزاء!
لقد سجل «الكريم أكرم» أهدافه في مرمى الكرام، من «3» ركلات جزاء، احتسبها الحكم الصيني «مانينغ» في الدقائق «22» و«72» و«90 + 5».
وبهذا رفع الهداف «العفيف» رصيده، إلى «8» أهداف، توج بها هدافاً للبطولة.
أما هدف الأردن الوحيد، فقد جاء في الدقيقة «68» ليتوج النشاط الهجومي المنظم، الذي بذله منتخب «النشامى»، عندما أرسل «علي علوان» كرة عرضية عالية استقبلها «يزن النعيمات» بمهارة، داخل المنطقة القطرية الخاصة والخالصة، وسددها بيسراه قوية في الشباك، محرزاً هدف التعادل، وكانت النتيجة وقتها تشير إلى تقدم منتخبنا العنابي.
بعد إحراز الهدف الأردني الرائع، بإمضاء اللاعب «الزين يزن»، كثف منتخب «النشامى» هجماته على المرمى القطري، وكانت محاولاته لتعزيز النتيجة، أشبه بالبحث عن «رأس غليص»، خارج إطار المسلسل الأردني الشهير، حيث امتازت الهجمات الأردنية المتواصلة والمتسلسلة، بالكثير من التشويق والإثارة، واتصفت بالقوة والجسارة، وتميزت بالسرعة والإغارة على مرمى قطر!
لكنها افتقدت إلى الجدارة، في إنهاء الهجمة، والقدرة على تسديد الكرة داخل المرمى القطري، بسبب المرونة والمهارة، التي يشتهر بها الحارس «مشعل»، الذي أشعل المدرجات بتصدياته الحاسمة، فاستحق أن يفوز بجائزة أحسن حارس في بطولة آسيا.
قبل انطلاق المباراة، كان منتخب النشامى «معنعن»، وتعني أنه كان في ذروة الفخر الوطني، وله الحق أن يفخر، بإنجازه الكروي غير المسبوق، بالوصول إلى نهائي كأس آسيا.
ومن حقه أيضاً أن يكون فخوراً بقدرات ومهارات لاعبيه، وأن يفخر أيضاً بإمكانيات مدربه «حسين عموتة» التدريبية، وعقليته التكتيكية، وله أن يفخر دائماً بجمهوره الوفي، وتشجيعه القوي.
ولكل هذا كان طامحاً ولا أقول طامعاً في الفوز بكأس آسيا، وخصوصاً بعد نجاحه في اجتياز جميع المطبات، وتخطيه كل الصعوبات، وتجاوزه جميع العقبات، التي واجهها قبل وصوله إلى النهائي.
ولهذا أراد أن «يكزدر»، أكثر من مرة بالقرب من مرمى قطر، لكن منتخبنا الوطني، أعاده إلى الواقع، بأدائه الرائع، بعدما قطع عليه جميع الطرق، لتحقيق طموحه المشروع، ومن بينها الطريق إلى شارع «الرينبو»، الواقع في «جبل عمان»، المتفرع من الدوار الأول، والشوارع المؤدية إلى «الشميساني» و«جبل الحسين» وغيرها!
وهكذا كانت محاولات الأردن، لإحراز الهدف في الشوط الأول، أشبه بمن يحاول الغوص في أعماق «البحر الميت»، فيظل طافياً فوق سطح الماء، بسبب شدة ملوحة المياه، وافتقادها لمقومات الحياة!
هكذا سارت أحداث مباراة قطر والأردن في النهائي الآسيوي العربي، وهكذا دارت مجرياتها المتأرجحة، بين حضارة «الأنباط» الأثرية، وحضارة «العنابي» الكروية.
وهكذا احتفظ منتخبنا الوطني، بلقبه القاري، للمرة الثانية على التوالي.
وهكذا أصبح المنتخب «الأدعم»، بطلاً لكأس الأمم الآسيوية، لكرة القدم، وسيداً لمنتخباتها، «وزعيماً» لفرقها.
وستبقى مباراة النهائي، راسخة في ذاكرة البطولة، وثابتة في تاريخها وعقول متابعيها، ليس لأن الحكم الصيني، الذي أدارها، احتسب «3» ركلات جزاء مستحقة لصالح «العنابي»، ولكن لأن بطل آسيا، الذي صنع في قطر، نجح في الدفاع عن لقبه، بمنتهى الإصرار.
علماً بأن احتساب «3» ضربات جزاء، في مباراة حاسمة، ليس بدعة، ولا يستدعي إثارة الشكوك، والغمز واللمز، والقيل والقال، لمن يفقهون في كرة القدم، ويفهمون قوانينها، ويتابعون مبارياتها.
وخير مثال على ذلك، احتساب الحكم «3» ضربات جزائية لصالح البرازيل، ضد الأرجنتين، في المباراة التي أقيمت في الثالث من يونيو عام 2004 في مدينة «بيلوهوريزونتي» البرازيلية، خلال التصفيات المؤهلة لكأس العالم، نجح الهداف البرازيلي «رونالدو»، في إحرازها في الدقائق «17» و«69» والدقيقة السادسة من الوقت المحتسب بدل الضائع، لتنتهي المباراة بفوز منتخب «السامبا» بثلاثة أهداف، مقابل هدف واحد لمنتخب «التانغو»، سجله «خوان بابلو سورين» في الدقيقة «80».
والمفارقة، أنها نفس نتيجة مباراة قطر والأردن، في نهائي كأس آسيا، التي شهدت تألق المتألق «أكرم عفيف»، بمنتهى التوهج والاقتدار.
وهكذا كانت الأقدار، وفي خضم ذلك الانتصار، لا أنسى الإشارة، بل الإشادة، بدور المدرب الإسباني «ماركيز لوبيز»، الذي استلم مهمة تدريب العنابي، قبل نحو «36» يوماً على انطلاقة البطولة.
وتحديداً في السادس من ديسمبر الماضي، بعد الاستغناء عن البرتغالي «كارلوس كيروش»، حيث نجح في إعادة الثقة في أوساط المنتخب، بعدما تسبب سلفه في اهتزازها، في ظل انعدام حالة اليقين، في قدرات فريقه، وعدم ثقته في شخصية البطل، وفقدانه روح الانتصار.
ولعل ما يميز المدرب الإسباني، الذي يسمونه في بلاده «تان تان»، وجود حالة من التشابه الشكلي بينه وبين الشخصية الكاريكاتورية، التي ابتدعها الكاتب البلجيكي «هيرجيه»، في سلسلة رواياته الخيالية المثيرة!
وبعيداً عن التشابه في المظهر، قبل أن يتعرض شعر المدرب إلى التجريف، فهما يعتمدان على الجرأة، ويتميزان بالشجاعة، ويتصفان بالذكاء، ويقبلان بالتحدي، ويرتكزان على التخطيط السليم، لفك رموز القضايا المعقدة.
وهذا ما فعله مدرب الوكرة، الذي استعان به الاتحاد القطري لكرة القدم لقيادة العنابي في كأس آسيا، ونجح في فك طلاسم المنتخبات التي واجهها، في إطار المغامرات التي تحبس الأنفاس، التي خاضها، وقاد خلالها «العنابي»، للفوز بكأس البطولة، بجدارة واستحقاق، للمرة الثانية على التوالي، والاحتفاظ بلقبه القاري، بطلاً لكأس الأمم الآسيوية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4290
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2040
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1785
| 04 ديسمبر 2025