رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

نائب رئيس المجلس البلدي المركزي (سابقاً)

مساحة إعلانية

مقالات

0

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

العلاقات القطرية السعودية.. شراكة تتجدد ومشاريع تصنع المستقبل

10 ديسمبر 2025 , 06:01ص

تشهد العلاقات القطرية السعودية اليوم مرحلة متقدمة من النضج السياسي، تعكس إدراكًا عميقًا لدى البلدين لأهمية التعاون والتكامل في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة. فالعلاقة بين الدوحة والرياض لم تعد تقتصر على التنسيق السياسي التقليدي، بل تطورت لتأخذ بعدًا استراتيجيًا تُترجم فيه الإرادة السياسية إلى شراكات عملية ومشاريع مستقبلية تخدم مصالح الشعبين والمنطقة بأسرها.

وترتكز العلاقات بين دولة قطر والمملكة العربية السعودية على أسس ثابتة من الجغرافيا المشتركة، والعمق الاجتماعي، والمصالح المتبادلة، وهي عوامل رسخت عبر عقود من التفاعل والتواصل. وقد أثبتت هذه الأسس قدرتها على الصمود أمام مختلف المتغيرات، لتعود العلاقة اليوم أكثر توازنًا ونضجًا، قائمة على احترام الخصوصية الوطنية، وتغليب لغة الحوار، والسعي إلى بناء مستقبل مشترك.

واعتمد البلدان خلال المرحلة الماضية نهجًا دبلوماسيًا هادئًا اتسم بالحكمة وضبط الخطاب، الأمر الذي أسهم في تهيئة بيئة سياسية مستقرة، وانتقال العلاقة من مرحلة التفاهم إلى مرحلة التنفيذ الفعلي. هذا النهج عزز الثقة المتبادلة، وفتح المجال أمام معالجة الملفات المختلفة بروح مسؤولة بعيدة عن الضغوط الإعلامية أو الحسابات الآنية.

ولا تقتصر أهمية التقارب القطري السعودي على الإطار الثنائي فحسب، بل تمتد لتشمل منظومة مجلس التعاون الخليجي ككل. فالتفاهم بين دولتين محوريتين يعزز من تماسك البيت الخليجي، ويدعم قدرة المجلس على التعامل مع القضايا الإقليمية، ويمنح المنطقة مساحة أوسع للاستقرار في ظل عالم تتزايد فيه الأزمات والتحديات.

كما أظهرت مواقف البلدين تقاربًا واضحًا في الرؤى تجاه عدد من الملفات الإقليمية، مع ميل صريح لدعم الحلول السياسية، وتهدئة التوترات، وتغليب الدبلوماسية على التصعيد، إدراكًا لكلفة عدم الاستقرار على الأمن والتنمية في المنطقة.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تشهد العلاقات مرحلة متقدمة عنوانها التكامل وبناء المصالح المشتركة. فالتنسيق الاقتصادي بين الدوحة والرياض يفتح آفاقًا واسعة في مجالات الطاقة، والاستثمار، والتجارة، والنقل، ويسهم في تعزيز قدرة البلدين على مواجهة التحديات العالمية، خاصة في ظل ما يشهده الاقتصاد الدولي من تقلبات وتسييس متزايد.

ويأتي في مقدمة هذه المرحلة الحدث البارز الذي شهده أمس الاول في مدينة الرياض، حيث وقَّع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد، مشروع إنشاء القطار المشترك بين الدوحة والرياض، في خطوة تاريخية تمثل نقلة نوعية في مسار العلاقات بين البلدين.

ولا يقتصر مشروع القطار المشترك على كونه وسيلة نقل حديثة، بل يحمل أبعادًا استراتيجية واقتصادية واجتماعية عميقة. فهو يعزز الربط بين عاصمتين محوريتين في الخليج، ويسهم في تسهيل حركة التنقل، وتنشيط التبادل التجاري والسياحي، ويدعم التكامل الاقتصادي بين البلدين، بما ينعكس إيجابًا على التنمية المستدامة.

كما يجسد المشروع رؤية مشتركة للاستثمار في بنية تحتية متطورة عابرة للحدود، تتماشى مع الخطط التنموية الطموحة في كلا البلدين، وتسهم في تنويع مصادر الدخل، ورفع كفاءة النقل، وتحسين جودة الحياة، وترسيخ مفهوم الترابط الخليجي على أرض الواقع.

وتكتسب هذه الشراكة أهمية مضاعفة في ظل محيط إقليمي يمر بمرحلة دقيقة، تتطلب من دوله بناء نماذج تعاون متوازن وقادر على الصمود. فالتفاهم القطري السعودي يشكل عامل توازن واستقرار، ويسهم في تقليل حدة الاستقطاب، ويعزز من قدرة المنطقة على إدارة شؤونها بعيدًا عن الضغوط الخارجية.

إن العلاقات القطرية السعودية اليوم علاقات رؤية مستقبلية تقوم على تحويل الإرادة السياسية إلى مشاريع ملموسة، وفي مقدمتها مشروع القطار المشترك، الذي يمثل رمزًا لمرحلة جديدة من العمل الخليجي المشترك، قوامها الشراكة، والتكامل، والعمل من أجل مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.

وحين تتحول الرؤى إلى مشاريع تخدم الإنسان وتعزز الاستقرار، يصبح التعاون خيارًا استراتيجيًا راسخًا، ويغدو المستقبل أكثر وضوحًا وثقة.

مساحة إعلانية