رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

علي آل سفران

- استشاري مالي واقتصادي

مساحة إعلانية

مقالات

687

علي آل سفران

مكافحة التستر التجاري

13 يوليو 2025 , 01:32ص

مزدحمة قاعات المحاكم القطرية بقضايا مجتمعية ومالية تُنظر أمام القضاء ويقف وراءها «التستر التجاري»، أطراف هذه القضايا مواطنون قطريون ومستثمرون غير قطريين، وعديدة هي القطاعات الاقتصادية التي تنشط فيها هذه الظاهرة، بدءا بالمحال التجارية والورشات المهنية، مرورا بالشركات الخدمية، وصولا إلى قطاع الإنشاء والعقارات. تبدأ القصة حين يرغب أحد أصحاب رأس المال من غير القطريين في ممارسة أنشطة اقتصادية غير مسموح له بممارستها على أرض قطر، فيلجأ إلى التستر بأسماء المواطنين القطريين واستغلال التصاريح التجارية المقصورة على أبناء البلد، مستغلا هشاشة الثقافة القانونية عند بعض المواطنين، فينجح عن طريق الإغراءات المالية في إقامة واجهات قانونية تمنحه فرصة العمل والربح الفاحش والتهرب من الضرائب. لقد طورت قطر أُطرها التشريعية والقانونية تصديا لهذه الظاهرة، فقد نظم قانون رقم (1) لسنة 2019 استثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي، ولاحقا أُقرَّ قانون مكافحة التستر التجاري رقم (3) لسنة 2023، لسد الثغرات التي لم يعالجها القانون السابق رقم (25) لسنة 2004. القانون الجديد عَرَّف حالات التستر، ونص على العقوبات المترتبة على إدانة المتسترين، وجعلها متنوعة بين الحبس والغرامة ومصادرة الأموال وإبعاد غير القطريين ووقف مزاولة العمل التجاري. ووفقا للقانون التستر هو: «تمكين غير القطري، سواء أكان شخصا طبيعيا أو معنويا من القيام بممارسة أو الاستثمار في نشاط تجاري أو اقتصادي أو مهني غير مرخص له فيه بموجب القوانين المعمول بها في الدولة، بالإضافة إلى الحصول على نسب من الأرباح بما يتجاوز النسب المنصوص عليها في وثيقة تأسيس الشركة أو نظامها الأساسي». إن نظرة فاحصة في الأثر السلبي الذي يتركه التستر التجاري في الجسد الاقتصادي القطري، تجعل متابعي السوق القطرية يدركون خطورة المشهد، والضرر الواقع على بيئة الأعمال، وتنافسية السوق. في استطلاع أجرته صحيفة «الشرق» في حزيران 2024 رأى المستطلعة آراؤهم أن سبب زيادة حالات التستر التجاري هو محاولة الشريك غير القطري التهرب من دفع الضريبة؛ فالشركة عندما تكون قطرية 100 % تُعفى من الضرائب، ولفتوا إلى أن بعض الشركات المخالفة للقانون تكون وهمية ومسجلة باسم مستثمر قطري على الورق، وهو لا يعلم أي شيء عن إدارتها ونشاطها، إذ يقوم المواطن القطري بتفويض المستثمر غير القطري بالإدارة والصلاحيات الكاملة، ثم يتفاجأ أن عليها ديونا ودعاوى قضائية، وذكروا أن هناك حالات هرب فيها الشريك غير القطري خارج البلاد من غير أن يتحمل أي مسؤولية قانونية.

وطنيا، يسهم التستر بارتفاع معدلات البطالة وانحسار فرص العمل المتاحة للمواطنين؛ لأن رأس المال المتستَّر عليه يفضل الأيدي العاملة غير القطرية منخفضة الأجور، كما أن البيئة التنافسية النزيهة في القطاع الخاص تصبح على المحك؛ بسبب أن التستر يسمح للشركات الوهمية بمنافسة الشركات القانونية النظامية. وبالتستر التجاري يتأثر دخل الدولة من الضرائب؛ إذ تتهرب الشركات المتستر عليها من الأداء الضريبي العادل. من جهة الفرد والمجتمع، وتحريا لمبدأ الحلال والحرام من المنظور الشرعي، يجب الوقوف على آراء الفقهاء في التستر التجاري، فقد حظرت الشريعة الإسلامية التستر التجاري لجملة أسباب منها ضرره، ولما فيه من التغرير والخديعة والحيلة، وعدّته من العقود التي يخالف باطنها ظاهرها، ولكونه من أكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا». ومن جهة الدولة فإن المسؤوليات الملقاة على عاتقها تتلخص فيما يلي: 

الاستمرار في إطلاق حملات إعلامية وطنية دورية، هدفها زيادة وعي الأفراد بآثار التستر السلبية على الاقتصاد الوطني، وعاقبته الجزائية في حال الإدانة، وإطلاق مبادرات تحفيز وطنية تشجع القطريين على الاستثمار المحلي، من دون الاعتماد على الآخرين، وتوفير آليات التمويل والإقراض اللازمة. إنشاء منظومة استشارية من أهل الخبرة والاختصاص تقدم الرأي القانوني للأفراد القطريين الراغبين بعقد اتفاقيات شراكة مع المستثمرين الأجانب، وتقدم كذلك دراسات جدوى حقيقية للمشاريع قيد التنفيذ. تبنِّي مبدأ الوقاية خط الدفاع الأول قبل العقاب، الأمر الذي يترتب عليه تشديد الرقابة على الأنشطة التجارية، وتيسير آلية إبلاغ سرية بالأنشطة المخالفة، تحفظ المبلغين من الملاحقة أو التبعات، وتكثيف الجولات الرقابية ضمن برنامج وطني قطري لمكافحة التستر. تعريف المواطنين بلجنة مكافحة التستر في وزارة التجارة والصناعة، وتسليط الضوء إعلاميا وتثقيفيا على آليات اللجنة في مكافحة التستر. الربط الإلكتروني بين المؤسسات الاقتصادية والمالية والضريبية القطرية، لتسهيل تبادل المعلومات، والتحقق من التزام الأطراف جميعها بنصوص القانون وتطبيقاتها. إعادة النظر دوريا بالقوانين والأنظمة واللوائح والتعليمات التي تعالج ظاهر التستر التجاري، وتغليظ العقوبات عند الحاجة، وفتح باب المصالحة بين الأطراف المتخاصمة إن كان ذلك يصب في المصلحة العامة. وأخيرا، إن الوقوف بحزم ووعي ووطنية أمام التستر التجاري هو مثلث أضلعه الدولة والمجتمع والفرد، الدولة علّقت الجرس، والمجتمع المدني مطالب بالاضطلاع بدور رقابي ووقائي، أما الفرد فإن الرهان الحقيقي عليه في صون المنجز الاقتصادي القطري، وبلوغ بر الأمان على المستويين الشخصي والعام.

 

اقرأ المزيد

alsharq Bien hecho España

مع احترامنا لجميع الدول التي ساندت أهل غزة والحكومات التي كانت تدين وتندد دائماً بسياسات إسرائيل الوحشية والإبادة... اقرأ المزيد

57

| 27 أكتوبر 2025

alsharq التوظيف السياسي للتصوف

لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح فارقا مهما بين شيئين: الأول هو «التصوف» الذي تختلف الناس... اقرأ المزيد

27

| 27 أكتوبر 2025

alsharq عن خيبة اللغة!

يحدث أحيانًا أن يجلس الكاتب أمام بياض الورق أو فراغ الشاشة كمن يقف في مفترق لا يعرف أي... اقرأ المزيد

30

| 27 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية