رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لأول مرة " إسرائيل " تجد نفسها معزولة عالمياً
الدول الكبرى في مجلس الأمن تدين " إسرائيل " على جرائمها.. والإفلات من العقاب هو السبب
الهجوم الإسرائيلي على قطر يستهدف الوسطاء ورسالة تهديد للإقليم
العالم العربي والإسلامي مطالب بالتقاط اللحظة التاريخية لاتخاذ مواقف تعزز عزلة إسرائيل
بداية نثمن عالياً حالة التضامن غير المسبوق من قبل العالم العربي والإسلامي قادة وشعوباً خاصة، ودول العالم كافة مع دولة قطر، بعد الاستهداف الإجرامي والغادر الذي تعرضت له الدوحة من قبل الكيان الإسرائيلي باستهداف مقرات سكنية لأعضاء المكتب السياسي لحركة حماس، وهو ما يعد جريمة نكراء وفق كل الأعراف الدولية، خاصة أن قطر تتولى ملف الوساطة ( معها الشقيقة مصر والولايات المتحدة الأمريكية ) بين الطرفين، فإذا بأحد الأطراف وهو الكيان الإسرائيلي يقدم على استهداف الوسيط والطرف الآخر الذي يتفاوض معه، مما يشكل سابقة خطيرة وغير مألوفة على المستوى العالمي، لا سياسيا ولا قانونيا ولا أخلاقيا، لكنه الكيان الصهيوني الذي لا يعترف بالقانون ولا يمتلك أخلاقا.
ونرحب ترحيباً حاراً بالقادة العرب والمسلمين في بلدهم الثاني قطر والمشاركين بالقمة المرتقبة بالدوحة الإثنين وبالاجتماعات التحضرية للقمة غدا الأحد.
إننا هذه المرة وكشعوب عربية وإسلامية نريد قمة على مستوى التحديات التي تحيق بأمتنا العربية والإسلامية، والتي تهدد وجودها وكياناتها، وتتصدى للمشروع الإسرائيلي الذي يعلن عنه المجرم نتنياهو ليل نهار بكل وقاحة واستهتار، ويتحدّث عن شرق أوسط جديد، وإسرائيل الكبرى، دون مبالاة بالمحيط العربي والعالم الإسلامي.
نريد قمة تبنى على ما تحقق ليلة أمس الأول في جلسة مجلس الأمن التي عقدت للنظر في الاعتداء الإسرائيلي الغادر على دولة قطر، والذي شهد تضامنا مطلقا مع قطر، وإشادات واسعة لأدوارها الإيجابية في إرساء قواعد الأمن والسلام والاستقرار بالإقليم وعلى مستوى العالم، وهو ما أكسبها هذا التأييد العالمي، والوقوف المطلق معها والمساند لها.
وفي الوقت نفسه فإن حجم الإدانة في مجلس الامن للكيان الإسرائيلي كان كبيرا وعاليا، وهي الحالة الوحيدة التي أجمع مندوبو الدول الأعضاء بمجلس الأمن تقريبا على إدانة " إسرائيل " بكل صراحة وبانتقاد لاذع، وهو ما احدث عزلة حقيقية للكيان ومندوبه، الذي بدا منعزلا كبلده من هول ما رأى من تضامن مطلق مع دولة قطر، وإدانة مطلقة لعدوانه الغادر على قطر.
كل الخطابات في مجلس الأمن نددت بالكيان ـ الذي تقوده حفنة متطرفة ومتعطشة للدماء ـ وأدانت خروج " إسرائيل " على القوانين والأعراف الدولية بسبب افلاتها من العقاب، سمعنا ذلك في كلمات مندوبي الدول الكبرى، سمعناه في كلمات مندوب الصين الذي عكس في كلمته ادراكا عالميا بحجم تصرفات الكيان الإسرائيلي، واستنكر ما وصفه بالإحباط المتعمد للمفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن المحتجزين هناك. وهو ما فعله مندوب روسيا الذي أكد أن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة لم يستهدف دولة قطر فحسب، ولكن استهدف أيضا جهود الوسطاء الذين يعملون من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأن الهجوم استهدف منطقة سكنية في العاصمة القطرية توجد بها بعثات دبلوماسية أجنبية، وتأكيده أمام مجلس الأمن أن البعثة الدبلوماسية الروسية تقع على بعد 600 متر من موقع الهجوم، وإشادته بما تقوم به قطر من وساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعملت خلال الأشهر الماضية بلا كلل لإنهاء سفك الدماء في غزة والإفراج عن المحتجزين، متسائلا أمام العالم عما يمكن أن يمنع إسرائيل من قتل معارضيها في أي عاصمة أخرى في العالم حتى ولو كانوا سياسيين مفاوضين.
وعززت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام ذلك التوجه بتأكيدها أن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة "صدم العالم"، وأنه قد يفتح "فصلا جديدا وخطيرا" في الصراع المدمر، مما يهدد السلام والاستقرار الإقليميين بشكل خطير.
الجلسة التي جاءت بطلب من الأشقاء في الجزائر والصومال وباكستان والأصدقاء في فرنسا وبريطانيا، شهدت مداخلات قوية كذلك من مندوب باكستان الذي أكد أن الهجوم ليس حادثة منفردة بل هو " جزء من نهج أوسع وممنهج للعدوان وانتهاك القانون الدولي من قبل إسرائيل "، معربا عن تضامن باكستان الكامل مع قطر.
أما الأشقاء في الكويت والإمارات ومصر والأردن والجزائر والصومال فقدموا دعما كاملا وتضامنا تاما مع قطر، وهذا ليس بالأمر المستغرب.
لقد استهدف العدوان الإسرائيلي الغادر على دولة الوساطة آلية رئيسية تعتمدها الأمم المتحدة وميثاقها لتسوية النزاعات بالطرق السلمية، لا سيما وأن العدوان الغادر على الدوحة استهدف أفراداً كانوا مجتمعين لمناقشة أحدث مقترح أمريكي ( أحد الوسطاء ) لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن، ومن هنا فإن أي إجراء يُقوّض جهود الوساطة والحوار "يُضعف الثقة في الآليات ذاتها التي تعتمد عليها الأمم المتحدة لحل النزاعات فما بالنا بدولة قطر التي تعتبرها الأمم المتحدة "شريكا قيما في تعزيز صنع السلام وحل النزاعات" حسب تأكيد وكيلة الأمين العام ذلك امام المحفل الدولي.
الحساب قادم
هذا الزخم الذي منحه مجلس الأمن يشير إلى ان مرحلة جديدة من محاسبة اسرائيل قادمة لن تفيدها ولن تفلت من العقاب، مهما تأخر الوقت، فالمجتمع الدولي بشقيه الشعبي والرسمي، بات مقتنعا بالانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل، والجرائم التي ترتكبها.
كل الدول أبدت تضامنها مع دولة قطر بأعلى سقف، بالتوازي مع رفع سقف الانتقاد بدرجة عالية في وجه إسرائيل.
كل مندوبي الدول الكبرى أشادوا بدور قطر وأفضالها على المجتمع الدولي وعطائها من أجل الأمن والاستقرار والسلام في الإقليم وعلى مستوى العالم، والمطلوب من الدول العربية والاسلامية في قمة الدوحة أن تبني على هذا الموقف الدولي الكبير.
نريد من القمة المرتقبة ان تترجم هذا السقف العالي الى خطوات عملية تتصدى لإسرائيل وجموحها ومشروعها التوسعي وعربدتها في المنطقة.
القمة العربية الإسلامية ـ والتي من المتوقع ان تشهد اكبر تمثيل واكبر حضور ـ يجب ان تكون مخرجاتها على حجم التحدي وعلى أهمية المرحلة الفارقة التي تتشكل بعد العدوان الاسرائيلي الذي لم يستهدف قطر وحدها بل استهدف المنظومة الخليجية والنظام العربي والعالم الاسلامي، والدول المحبة للسلام، فقطر قلب الأمة النابض بالعطاء لقضايا أمتها العربية والاسلامية ودول العالم، لم تتوان يوما عن نصرة القضايا العادلة ولا عن إغاثة الملهوف والمحتاج.
قطر تفزع لنجدة أمتها في أي مكان، ولحظة كتابة هذه السطور فإن فرقا قطرية من البحث والانقاذ تتواجد على بعد آلاف الكيلومترات في أفغانستان لنجدة الاشقاء الذين تعرضوا لكارثة الفيضانات، ومن قبل تواجدوا في مناطق عديدة ألمت بها الكوارث من لبنان إلى سوريا إلى الصومال إلى ليبيا إلى المغرب إلى السودان، كل مكان يتعرض لكارثة تفزع له قطر وآن للعالم العربي والإسلامي ان تكون له فزعة بحجم العدوان الغادر الذي تعرضت له دولة قطر.
نريدها قمة تتجاوز التنديد والشجب والاستنكار.
نريدها قمة تضامن بالإجراءات العملية.
نريدها قمة شفافية وتصالح قبل ان تكون قمة شجب واستنكار..
نريد شبكة انذار عربية مبكرة بالمخاطر ليس فقط الأمنية بل المخاطر الاجتماعية والمخاطر الاقتصادية..
نريد قمة تعي المخاطر التي تتعرض لها منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي، والعمل على التصدي لها، وفي مقدمتها المشروع التوسعي الإسرائيلي، الذي يتحدث عن " إسرائيل الكبرى "..
نريد قمة تتلاقى فيها قرارات القادة مع تطلعات الشعوب في الوحدة والعزة والكرامة..
نريد إجراءات تجبر الكيان الإسرائيلي على وقف العدوان وادخال المساعدات لأهلنا في قطاع غزة..
نريد قمة توقف تغول الكيان الإسرائيلي وجرائمه الوحشية، وتتصدى لمشروعه التوسعي، الذي يستهدف كل دولنا العربية.
الاستهداف الغادر والسافر الذي تعرضت له قطر من قبل الكيان الإسرائيلي هو رسالة للجميع، إذا ما سكتنا على ذلك ولم نخرج بمواقف عملية تؤلم إسرائيل، فإن دولا أخرى على قائمة الاستهداف الإسرائيلي، وربما أكبر من الاستهداف.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3069
| 21 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
3066
| 20 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2856
| 16 أكتوبر 2025