رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بنظرةٍ سياسية شاملة، لايمكن الحكمُ على مؤتمر الرياض للمعارضة السورية إلا بـ (النجاح). مِن السهل على مَن لايعرف تعقيدات السياسة، بشكلٍ عام، أن يملك ترفَ تقديم الملاحظات عليه. ومن السهل أكثر لمن لايدرك ملابسات الوضع السوري،الإقليمية والعالمية، أن يفعل ذلك. ومن أسهل الأمور أن يقوم بالممارسة نفسها مَن لم يعايش تجربة المعارضة وتاريخها وطريقة عملها. أما العارفون بالحقائق المتعلقة بتلك المواضيع فلاينظرون إلى ما حصلَ في الرياض خلال يومين من الاجتماعات إلا على أنه أقرب لـ (مُعجزةٍ) سياسية. فأن يجتمع كل من حضرَ من الفرقاء في قاعةٍ واحدة، وأن يُناقشوا برنامجاً محدداً، ويحصلَ توافقٌ على مضامينه، ويجري وضع هيكلٍ تنظيمي لتنفيذ رؤيته، كل هذا كان، دون أي مبالغة، أقربَ لِحلمٍ راودَ السوريين على مدى أربع سنوات. نتحدث عن الموضوع في فقرةٍ من أربعة سطور، ونحن نعلم أن السوريين يعرفون من تفاصيله مايُمكن أن يُكتب في مجلدات. فالمهم في الموضوع يُلخصهُ القول المشهور: «أن تصلَ متأخراً خيرٌ من ألا تصلَ أبدا». هي ولادةٌ جديدةٌ إذاً للمعارضة السورية بأطيافها، وبجناحيها السياسي والعسكري. أو، يجب أن تكون كذلك، وأن يتم التعاملُ معها بهذه الطريقة. وحساسية المرحلة تفرض على الجميع تجاوز حسابات الربح والخسارة على الصعيد الشخصي والحزبي والأيديولوجي، وعدم الوقوع في حوارات عقيمة حولَ مَن حضرَ ومن غاب، وماإليها من مواضيع لم يعد مجدياً، من قريبٍ أو بعيد، إضاعة الوقت والجهد فيها. كلنا فائزون في هذه القضية، وإذا كان ثمة خاسرون فإنهم ليسوا في صفوفنا، وإنما نعرفهم من أقوالهم وتصريحاتهم. والذي ينظر إلى ملامح الهوس والعُصاب الذي أصاب بعض قادة إيران وروسيا فيما يتعلق بالمؤتمر من لحظة الإعلان عن قيامه إلى نهاية أعماله يعرف عم نتحدث. نستخدم كلمة (بعض) لأننا ندرك أن هناك درجةً من الواقعية السياسية لايمكن أن تغيب كلياً في القيادتين، خاصةً في معرض حساباتها للتطورات الأخيرة، وإدراكها لحدود الممكن وغير الممكن، عملياً، بغض النظر عن دبلوماسية (رفع السقف) ومايلزمها من مواقف إعلامية..
ورغم الجهود المُعلنة والخفية التي قامت بها أطراف مختلفة وجنودٌ مجهولون في الدفع لإنجاح المؤتمر، إلا أن الواقع يؤكد استحالة تحقيق النجاح المذكور في معزلٍ عن الدور الاستثنائي الذي قامت به السعودية للوصول إليه. فبقراءةٍ شمولية، يبدو عمل وتخطيط الدبلوماسية السعودية في هذا المجال أقربَ لعزف سيمفونيةٍ مكتوبة بمهارةٍ عالية. ليس صدفةً على سبيل المثال أن يتم الإعلان عن إقامة مؤتمر المعارضة السورية منذ شهور في إطار أعمال قمةٍ خليجية في الرياض كأحد بنود البيان الختامي وقتها، وأن يتزامن انعقاد المؤتمر منذ أيام مع قمةٍ خليجية أخرى في الرياض. وإضافةً إلى الرسائل السياسية والدبلوماسية القوية الكامنة في هذا السيناريو، كان مُعبِّراً إصرار السعودية على عقد المؤتمر وسط جملةٍ من التعقيدات والمُداخلات والمناورات التي كانت وراءها دولٌ وحكومات تستعصي على العدّ. وإذا بقي لدى أي طرفٍ إقليمي أو عالمي شكٌ في ثبات السياسة السعودية بخصوص القضية السورية، أو حاول بعضهم اللجوء إلى التأويلات وسيلةً للتلاعب وخلط الأوراق، جاء المؤتمر الصحفي المشترك لوزير الخارجية السعودي والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد انتهاء المؤتمر، والقمة الخليجية ليحمل الجواب الشافي، حيث صرح الجُبير بكل وضوح أن هدف اجتماع المعارضة تقوية صوتها وتوحيدُه، مؤكداً أن قوة الإعلان الصادر عن المؤتمر مرتبطٌ بوجود قوةٍ تُسانده. ليلغي الوزير بعدها أي مجال للظن بقوله: «بشار الأسد لديه خياران، إما أن يرحل عبر المفاوضات، وهذا الأسرع والأسهل على جميع الأطراف، أو سيترُك عبر القتال». نحن هنا بإزاء ظاهرةٍ تتداخل فيها دبلوماسية القوة بقوة الدبلوماسية كمثالٍ نادرٍ على الفكر السياسي، على الأقل في عالمنا العربي. وحين تصل مسيرة هذه القضية، بقيادة المملكة، إلى هذا النجاح، يصبح الحديث عن مسؤولية المعارضة السورية في استثماره وإكماله تحصيل حاصل. ماهو الطريق لذلك؟ هذا موضوع المقال القادم.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13626
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1800
| 21 نوفمبر 2025
في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17 عاماً إلى أسمى آفاق الإنجاز، حين حجزوا مقعدهم بين عمالقة كرة القدم العالمية، متأهلين إلى ربع نهائي كأس العالم في قطر 2025. لم يكن هذا التأهل مجرد نتيجة، بل سيمفونية من الإرادة والانضباط والإبداع، أبدعها أسود الأطلس في كل حركة، وفي كل لمسة للكرة. المغرب قدم عرضاً كروياً يعكس التميز الفني الراقي والجاهزية الذهنية للاعبين الصغار، الذين جمعوا بين براعة الأداء وروح التحدي، ليحولوا الملعب إلى مسرح للإصرار والابتكار. كل هجمة كانت تحفة فنية تروي قصة عزيمتهم، وكل هدف كان شاهداً على موهبة نادرة وذكاء تكتيكي بالغ، مؤكدين أن الكرة المغربية لا تعرف حدوداً، وأن مستقبلها مزدهر بالنجوم الذين يشقون طريقهم نحو المجد بخطوات ثابتة وواثقة. هذا الإنجاز يعكس رؤية واضحة في تطوير الفئات العمرية، حيث استثمر الاتحاد المغربي لكرة القدم في صقل مهارات اللاعبين منذ الصغر، ليصبحوا اليوم قادرين على مواجهة أقوى المنتخبات العالمية ورفع اسم بلادهم عالياً في سماء البطولة. وليس الفوز وحده، بل القدرة على فرض أسلوب اللعب وإدارة اللحظات الحرجة والتحلي بالهدوء أمام الضغوط، ويجعل هذا التأهل لحظة فارقة تُخلّد في التاريخ الرياضي المغربي. أسود الأطلس الصغار اليوم ليسوا لاعبين فحسب، بل رموز لإصرار أمة وعزيمة شعب، حاملين معهم آمال ملايين المغاربة الذين تابعوا كل لحظة من مغامرتهم بفخر لا ينضب. واليوم، يبقى السؤال الأعمق: هل سيستطيع هؤلاء الأبطال أن يحولوا التحديات القادمة إلى ملحمة تاريخية تخلّد اسم الكرة المغربية؟ كل المؤشرات تقول نعم، فهم بالفعل قادرون على تحويل المستحيل إلى حقيقة، وإثبات أن كرة القدم المغربية قادرة على صناعة المعجزات. كلمة أخيرة: المغرب ليس مجرد منتخب، بل ظاهرة تتألق بالفخر والإبداع، وبرهان حي على أن الإرادة تصنع التاريخ، وأن أسود الأطلس يسيرون نحو المجد الذي يليق بعظمة إرادتهم ومهارتهم.
1176
| 20 نوفمبر 2025