رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
شاء قدر الله – تعالى – إكراما لأهل الحق وشداة العدل والحرية في أرض الكنانة وأم الدنيا مصر المحروسة أن تفتح أبواب الفرح والفرج كبداية للدخول في حديقة السعادة والسرور والتخلص من مستنقع الكآبة والشقاء والحزن والشدة، وكان من كمال إعجاز القدر أن يتم كل ذلك بعد بذل الأسباب الموجبة من الجهاد المدني الذي مارسه الثوار على أعلى مستوى حضاري وذلك بفترة وجيزة جدا هي ثمانية عشر يوما لتقتلع ثلاثين عاما من الطغيان والقهر والاستبداد، وأسفر الصبح بعد هذا الليل العاتي البهيم وحق لأهل مصر والعرب والمسلمين والناس في العالم أجمع أن يفخروا ببهجة هذا اليوم البسيم الذي نتمنى أن يذهب معه البؤس الذي كان سيد الموقف في البلاد إلى غير رجعة ولا غرو ونحن ننطلق من نظرة إسلامية في التحليل أن نجد أنه من الواجب علينا أن نذكر بأن السنن الإلهية تقتضي هذا التبديل بالنسبة للسياسة والساسة في تعاطيهم مع الرعية عدلا أو ظلما حتى في نطقهم وكلامهم معهم وكما يقال: فكلمات الساسة حساسة وقد بدا لنا ذلك من خطابات مبارك المخلوع وكيف ألهبت الجماهير غضبا عليه بدل أن تهدئهم وترضيهم حتى لكأنه مصري ولكنه لا يعرف طبيعة المصريين أو يتغابى بل يتعالى عليهم.
ولا يعرف الدهاء السياسي الذي يفضل أربابه أن يبقوا دوما مع شعرة معاوية رضي الله عنه ليلا ينفرط العقد بين الراعي والرعية ونحن عندما نقرأ في كتاب تهذيب الرياسة وترتيب السياسة مثلا للإمام محمد بن علي القلعي "ت 630 هـ من ص 94" عندما يؤكد أن نظام الدين والدنيا مقصود ولا يحصل إلا بإمام عادل يكون ظل الله المدود في الأرض يأوي إليه كل مظلوم كما قال عثمان رضي الله عنه "إن الله ليزع أي يردع ويمنع بالسلطان مالا يزع بالقرآن" قال القلعي: والسلطان العادل بمثابة السواد من العين بل بمنزلة السويداء من القلب وهو الأمين على الرعية فإن أدى الأمانة أدوها وإن رتع رتعوا كما قال عمر رضي الله عنه وذلك بعكس الإمام الخائن الجائر وقد دعا رسول الله كما في صحيح مسلم "6/7" للعادل ودعا على الظالم (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن رفق بهم فارفق به) ولعل ما فعله مبارك مع شعبه بل والعرب في التفريط والظلم والانحياز للأعداء على حساب ثوابت الأمة، خاصة القضية الفلسطينية وبالأخص حصار غزة يدل قطعا على أنه قد أشقى نفسه وشعبه وإن ظن أنه سعيد ثري زعيم محارب وطني صادق بل رئيس حزبه الوطني الحاكم الظالم وهنا أتذكر قول علي رضي الله عنه.
من حكم ولم يفرط في الأمر عاش سعيدا وأتذكر قول سقراط: أعمل لسعادتي، إذا عملت لسعادة الآخرين لأنه بذلك يريح ضميره ولا سعادة تعادل راحة الضمير كما قال ابن باجة وكأني بطل مواطن مصري يقول ما قاله المفكر عباس محمود العقاد: أعطني بيتا سعيدا وخذ وطنا سعيدا فماذا أعطى مبارك شعبه غير الضياع والجوع ولنسأل الوطن!
أفنعجب بعد ذلك أن يذله الله على رؤوس الأشهاد في مصر والعالم وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسقط بسقوطه نظامه الذي ظهر أنه أوهى من خيوط العنكبوت بعد هبة الشعب وثورة الأحرار، فأين الحراس وأين الأمن والتأييد الدائم الذي ادعوه حتى قدم مبارك تنازلات لم تكن متوقعة كاعتزامه عدم الترشح للرئاسة ثم تعديل بعض مواد الدستور وعدم التوريث لابنه جمال ثم تنازل أكثر ثم عاند وعزم ألا يتنحى مقدما تنازلات أكبر ليحل الأزمة مؤكدا أنه سيحيا ويموت في مصر، ولكن هيهات هيهات أمام زئير الأسود الذين كان أول مطالبهم تنحية وكانت جمعة الزحف بصلاتها ودعائها وتحديها، فإذا به يجمع حقائبه وأسرته ويمم شرم الشيخ منعزلا منهزما ثم لا يجد بدا من تجرع كأس الذل فيتنحى صاغرا مقهورا مع نائبه المعروف بمواقفه المرذولة الأمر الذي كان يستبعده العديد من المحللين وبعض حكام العرب الذين آزروه وهددوا حتى أمريكا كما يقولون ألا تسقطه ولا تهينه وأنها إن قطعت المساعدات عن مصر فإنهم سيعوضونها أي لأجل مبارك، ولكن الله غالب على أمره وهو الذي جعلهم يصرحون الآن بأنهم مع خيار الشعب وذلك بعد أن ضل سعيهم وخاب فألهم في حين كان الغربيون وكبار ساستهم وعلى طليعتهم الأمريكان وبعض البريطانيين كانوا يتوقعون ذلك بل قال الكاتب البريطاني جون برادلي كما ذكرت جريدة الشرق الأوسط الأحد أمس عدد "11765" أنه تنبأ بسقوط مبارك قبل ثلاث سنوات وبقيام ثورة شعبية نتيجة الظلم الهائل في مصر وكان يسخر منه الصحفيون الغربيون في تكهنه بعد نشره كتابا بعنوان (داخل مصر أرض الفراعنة على شفا ثورة) أي بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية على مدى 30 عاما أقول: ومن تابع مواقف الساسة الأمريكان الذين حرصوا على وضع مصر من قبل ومن بعد وكشفوا الساعات الحاسمة قبل تنحي مبارك يدرك عمق تحليل برادلي ودقته، لقد استطاع أسود ثورة مصر أن يغيروا المعادلة تماما من خلال صراعهم السلمي الحضاري حتى مع البلطجية الذين زحفوا عليهم بخيلهم ورجلهم في ميدان التحرير وآثروا إراقة دمائهم شهداء وجرحى من أجل الله والوطن فتمكنوا بذلك أن يكنسوا الذل والاستكانة حيث أراد مبارك وأن يلبسوا الأمة المصرية بل العربية ويتوجوها بالفخر والعز والصمود فطوبى لهم من رجال ونساء رقوا هامات الشرف والبطولة والمجد.
لقد حق لهذا الشعب الذي برهن أنه لا صوت فوق صوته أن يفرح مبدئياً منتظرا كمال هذه الفرحة حين تتحقق جميع مطالبه من رفع حالة الطوارئ وتحقيق مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية والإفراج عن معتقلي الرأي السابقين واللاحقين من أبطال الثورة وأن يعرف الجدول الزمني من قبل القيادة العليا للقوات المسلحة لتلبية بقية المطالب مثمنين تعليق الدستور وحل مجلسي الشعب والشورى ولكن لابد من التعامل المطمئن للجيش تجاه مطالب الشباب الذين لهم الفضل لأنهم المبتدي بذلك حتى وإن أحسن المقتدي بعد ذلك، كما أنه لم يكن من المناسب من بعض قوات الجيش الضرب والاعتداء لبعض المتظاهرين أمس في الميدان لإخراجهم جبرا بل يجب أن توجه هذه المواجهة للذين تسببوا بظلم الشعب في مصر ولأعداء الأمة من صهاينة ومتآمرين غربيين آخرين بأن وجههم الأسود وأنهم لا يهتمون إلا بمصالحهم في الأغلب مهما نادوا بالديمقراطية ولا أدل على ذلك من تناقض تصريحاتهم حيال الثورة، كما أشرنا في مقال الأسبوع الماضي، إن الفرح الذي يعني انشراح الصدر والفرج الذي يعني انكشاف الغم على ما حدده الراغب في المفردات "ص 628" لن يكتمل حقا حتى تتحرر ذات مصر والأمة العربية من كل من قتلوا الشهداء أو شاركوا في تعزيز مبارك حتى الحكومة الحالية فما هي إلا من تعيينه والإعلاميين الحزبيين الداعمين والذين أخذوا الآن يؤيدون القوات المسلحة وثورة مصر وما حالنا وحالهم إلا كما قال المتنبي:
إذا اشتبكت دموع في خدود
تبين من بكى ممن تباكى
يحق لثوار مصر أن يفرحوا وإن لم تنجز ثورتهم كامل أهدافها ولكنه فرح الخطوة خطوة ولابد لمجلس الشباب الثوري من الحفاظ على الثورة من لصوص وسراق الثورات من أبناء الجلدة ولكن لن تكون فرحتنا حقيقية ما لم يقل الشعب كلمته الفاصلة مستقبلا في شأن السلام مع الصهاينة لا طمأنتهم كما جرى بين المشير طنطاوي ونتنياهو هاتفيا كما لابد من محاسبة السابقين ومحاكمتهم ثأرا للشهداء وإنصافا للشعب وليعلم الجميع أنه لابد من نصر مصر بالحق إذ من صارع الحق صرعه كما قال علي رضي الله عنه.
Khaled-hindawi@hotmail.com
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2331
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
831
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025