رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تمتلك روسيا علاقات وثيقة مع النظامين الإيراني والسوري، لاسيما إذا علمنا أن إيرادات روسيا المالية التي تأتي من خلال مبيعات الأسلحة، تشكلُ حيزًا أكبر ممّا تجنيه من تجارة الطاقة.
وتشغل إيران والعراق وسوريا المراتب الثلاثة الأولى في قائمة الدول التي تشتري معظم الأسلحة المنتجة روسيًا. بالإضافة إلى أن تلك الدول تعتبر بوابة روسيا على منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر مركز العالم.
لقد كانت روسيا أبرز دولة تنتهك بشكل غير معلن الحظر الذي كان مفروضًا على إيران، محققة بذلك أكبر حجم تبادل تجاري مع ذلك البلد المقاطع عالميًا، لذلك فقد عارضت توقيع اتفاق نووي بين دول (P5 + 1) وإيران، لأن رفع الحظر المفروض على إيران سيضع حدًا ينهي تجارة روسيا المربحة.
لقد اتخذ الدعم السياسي والعسكري المعلن الذي قدمته روسيا لنظام الأسد في سوريا، بعدًا مختلفًا، منذ مطلع الأسبوع الماضي. حيث حوَّلت روسيا مطارًا في محافظة طرطوس الساحلية السورية من الاستخدامات المدنية إلى العسكرية، وأهَّلت مطار اللاذقية للاستخدامات العسكرية، ثم بدأت بقصف معاقل قوات المعارضة السورية.
لذلك، نستطيع القول إن روسيا دخلت "الحرب السورية" بشكل فعلي، وأعتقد أن "الحرب السورية" سوف تصبح حرب روسيا الجديدة، بعد سلسلة الحروب التي خاضتها في أفغانستان والشيشان وجورجيا وأوكرانيا.
ما الذي دفع روسيا نحو اللجوء إلى تنفيذ هذه الخطوة؟
1- الأسد وإيران على وشك خسارة المعركة في سوريا.
تكبد النظام السوري وإيران خسائر فادحة خلال الفترة الأخيرة، نتيجة اتحاد قوى المعارضة السورية العاملة على الأرض، ما حدا بكثير من وسائل الإعلام والمثقفين للحديث عن "انهيار وشيك للنظام" نتيجة لتلك الخسائر التي من شأنها تغيير التوازنات في المنطقة. لقد رأت روسيا أن خسارة الأسد للمعركة ستعني خسارتها لسوريا، ومن ثم العراق وإيران. مع الإشارة إلى أن مسألة القاعدة العسكرية الوحيدة التي تملكها روسيا في البحر المتوسط (في طرطوس السورية)، تشكل الهاجس الأكبر بالنسبة للإدارة الروسية.
2- لا تريد خسارة قاعدتها العسكرية في "المياه الدافئة"
طالما رغبت روسيا، ومنذ العهد العثماني، بالوصول إلى منطقة البحر المتوسط التي تعرف باسم "المياه الدافئة"، إلا أنها لم تنجح في ذلك، قام النظام السوري بتقديم قاعدة عسكرية في محافظة طرطوس المطلة على البحر المتوسط للروس، ما وفر لهم إمكانية تحقيق ذلك الحلم الذي راودهم على مر التاريخ، والوصول إلى المياه الدافئة، لذا فإن تحقيق قوات المعارضة السورية النصر في معركتها ضد نظام الأسد، سيعني خسارة روسيا قاعدتها العسكرية الوحيدة في البحر المتوسط، وسيعني بالتالي أن تصبح الولايات المتحدة المهيمن الوحيد على المنطقة بأسرها دون منازع، ولمنع هذه التحولات المهمة، دخلت روسيا الحرب بشكل فعلي.
3- الحرب تعني تحقيق مكاسب اقتصادية
لا يعرف على وجه الدقة حجم الأسلحة التي باعتها روسيا لدول إسلامية مثل إيران، والعراق، وسوريا، واليمن، ولبنان، وليبيا. لكن ودون أدنى شك، فإن حجم المبيعات الروسية من السلاح، خاصة لحليفتها إيران الموجودة كعنصر فعال في الحروب التي تدور في البلدان العربية الخمسة آنفة الذكر، كان كبيرًا للغاية.
والأنكى من ذلك، هو أن الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والصين وفرنسا)، هي الدول التي تتخذ جميع القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة أو تنقضها، إلى جانب كونها أكثر البلدان التي تحقق مكاسب عالية من تجارة بيع الأسلحة إلى معظم البلدان الأخرى حول العالم. وانطلاقًا من هذا، نستطيع أن نفهم الأسباب التي أدت لإطالة أمد الحرب في سوريا ومنعت من إيجاد حلول فعالة لتلك الأزمة.
4- روسيا تنتقم لملف العقوبات والملف الأوكراني
شهدت علاقات روسيا تدهورًا مع جميع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، على خلفية موقفها من الأزمة الأوكرانية، حيث شاركت روسيا بشكل فعلي في الحرب الأوكرانية، وقاتلت من أجل القضية الأهم بالنسبة لها، ألا وهي قاعدتها العسكرية في شبه جزيرة القرم، والتي تستطيع من خلال التحكم بمنطقة البحر الأسود. ووجهت السياسات الروسية الساعية لتوسيع السيطرة في تلك المنطقة بعقوبات اقتصادية فرضها الغرب عليها، تزامنت مع هبوط حاد لأسعار النفط، ما جعل الأمور في روسيا تتجه نحو الأسوأ ودفع البلاد نحو أزمة اقتصادية حادّة.
تسعى روسيا من خلال دخولها الآن إلى سوريا، للانتقام من الغرب، ورد الصاع صاعين، والسيطرة على المنطقة الممتدة من بحر قزوين إلى البحر المتوسط، بمساعدة من إيران، فيما ستسعى الولايات المتحدة وأوروبا لمنع ذلك، عبر محادثات ستجريها مع روسيا، وستسعى من خلالها إلى إضعاف الدور الروسي عبر التلويح بزيادة العقوبات والتركيز على الرد من خلال الملف الأوكراني.
ما هي النتائج المترتبة على التحرك الروسي؟
1- قد تخسر المعارضة المعركة وتظفر إيران
لا تعمل روسيا على قصف مواقع تنظيم داعش فقط، بل جميع الأطراف المناهضة للأسد، فيما تستعد قوات عسكرية مشتركة تضم فصائل إيرانية وأخرى تابعة لـ"حزب الله" اللبناني، إضافة لقوات الأسد، لعملية برية واسعة. واستمرار ذلك على هذا النحو سيعني خسارة المعارضين للمعركة، وتحول سوريا إلى عراقٍ آخر، من خلال وقوعها تحت السيطرة الإيرانية، لكن بدعم روسي هذه المرة.
2- هجرة كبيرة تهزّ تركيا
تبدي تركيا ردود أفعال قوية، مناهضة للتدخل العسكري الروسي المباشر في الحرب السورية، وتدرس إعادة النظر في كل الأوراق التي تمتلكها، بما في ذلك اتفاقية بناء محطات الطاقة النووية واتفاقات أخرى في مجال الطاقة، في الوقت الذي تسعى فيه جاهدةً لخلق حراك أوروبي أمريكي مشترك ضد روسيا. خاصة أن خسارة المعارضة للمعركة، ستعني ترك تركيا أمام مواجهة موجة لجوء كبيرة، تفوق تلك التي واجهتها خلال سنوات الحرب، فضلًا عن مواجهة معضلة وجود أكثر من 2.5 مليون لاجئين، هم الآن مقيمون على أراضيها. من ناحية أخرى، علينا ألا ننسى ترحيب منظمة "بي كا كا" الإرهابية، بخطوة التدخل العسكري الروسي في سوريا.
3- الإمبراطورية الروسية الإيرانية
حتى لو أظهرت الولايات المتحدة اعتقادها، بأن دخول روسيا في الحرب السورية، سيكون مشابهًا لدخولها في المستنقع الأفغاني، إلا أن الأمر لن يكون على هذا النحو. ذلك أن روسيا لن تشارك في المعركة بقوات برية كبيرة، وسيقتصر دورها على تمهيد الطريق أمام قوات الأسد والقوات الموالية له، من خلال توجيه ضربات جوية لمناهضيه. فالمعركة البرية التي ستشهد خسائر كبيرة على صعيد العنصر البشري، تركت للقوات الإيرانية والعراقية واللبنانية والسورية، فضلًا عن المنظمة المحلية.
لا أعتقد أن فكرة تأسيس إمبراطورية إيرانية روسية في المنطقة الممتدة من بحر قزوين وحتى البحر المتوسط تشكل ضربًا من ضروب الخيال، فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب، وأتوقع قيام الولايات المتحدة الأمريكية بزيادة وجودها العسكري في المنطقة، في هذه المرحلة التي أدركت فيها أنها باتت قاب قوسين أو أدنى من خسارة المنطقة، لاسيما وأن حلفاءها الثلاثة الأقوى في المنطقة، (المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر) يعبرون دومًا عن حالة عدم الرضا جراء التطورات التي تشهدها الساحة في الوقت الراهن.
مجزرة في أنقرة
كنت أريد أن أكتب "أرى أن تركيا هي المتضرر الأكبر من كل هذه التطورات"، وأثناء كتابتي لهذه الجملة، وقع هجوم إرهابي في أنقرة، أسفر عن مقتل أكثر من مئة مدني في قلب العاصمة التركية. لم تعلن أي منظمة إرهابية حتى الآن مسؤوليتها عن الهجوم، ولا ينبغي انتظار تلك المنظمة لتعلن عن تبنيها للعملية الإرهابية، لأن الجهة التي تسعى لإعادة أنظمتها إلى الشرق الأوسط، والجهة التي تسعى لنشر الحروب والفوضى، هي نفسها التي تقف وراء المذبحة التي وقعت في أنقرة.
وضعت القوى المظلمة كلا من بارزاني في العراق، والملك سلمان بن عبد العزيز في المملكة العربية السعودية، وأردوغان في تركيا، على رأس قائمة أهدافها، ما يشير إلى أننا نقف على أعتاب أيامٍ حبلى بالشدائد.. كان الله في عوننا جميعًا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4302
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2058
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1788
| 04 ديسمبر 2025