رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أمجد ربيع أبو العلا

مساحة إعلانية

مقالات

192

أمجد ربيع أبو العلا

التمويل الحلال الآمن لبناء الثروة

14 ديسمبر 2025 , 04:00ص

في عالمٍ تتسارع فيه الأرقام وتتناثر فيه الفرص كشراراتٍ في ليلٍ طويل، يقف رائد الأعمال أمام أول سؤال يحدد مصيره قبل أن يخطّ أول سطر في خطة مشروعه: من أين يأتي مالي؟

لأن رأس المال ليس ورقة نقدية تختبئ في محفظة، ولا وديعة تُصرف عند الحاجة؛ بل هو روح المشروع وضميره، وهو النَفَس الأول له، إن كان طيبًا عاش طويلًا، وإن كان ملوثًا مات قبل أن يتعلم المشي.

لطالما كانت الشريعة الإسلامية شديدة العناية بالمال، ليس لأنه غاية، بل لأنه وسيلة تشيّد بها الحضارات وتُقام بها المصالح وتُصان بها الكرامة الإنسانية. وفي الوقت الذي تتعرض فيه الأفكار الاقتصادية إلى تغيرات متلاحقة وضغوط مضنية، يبقى مبدأ “المال الحلال” ثابتًا لا يتزحزح، مثل صخرة تقف في وجه سيلٍ جارف.

فالمال الذي يدخل على مشروعك كضيف نظيف يمنحك البركة، أما الذي يتسلل كغريب مريب فسرعان ما يعكر صفو الطريق، ويجعل النجاح هشًا كبيتٍ بُني على أطراف الرمال.

ولم تكن الشريعة يومًا عائقًا أمام حركة التجارة، ولا حجرًا في طريق الأعمال، بل هي الداعمة الأولى للمبادرات الاقتصادية، لأنها أصلًا قامت على مبدأ التكامل بين الأخلاق والاقتصاد. هي لم تغلق بابًا إلا وفتحت أمامه أبوابًا أعرض. لذلك قدّمت لروّاد الأعمال منظومة تمويلية نقيّة تمشي في النور، وتضمن استقرار المشاريع دون أن تنزلق إلى ربا ولا ظلم ولا استغلال.

وقد وفقت الشريعة بين حاجة الناس إلى رأس المال وضرورة حفظ الأموال من المحرمات؛ فأتاحت صورًا متنوعة من التمويل المشروع، تناسب الشركات الناشئة والمتوسطة والمؤسسات الكبرى، من أهمها المرابحة والتورق والشراكة بأنواعها التجارية والزراعية والإجارة بأنواعها والسّلم والاستصناع..إلخ

فالمرابحة ليست مجرد عقد بيع، بل شراكة في المسؤولية، حيث يشتري الممول السلعة ملكًا تامًا ثم يبيعها بربح معلوم لا غشَّ فيه ولا إبهام. والتورق المشروع يعطي للمحتاج سيولة دون أن يلقي به في فخ الفوائد المحرمة. والسَّلَم يفتح باب الأمل للمنتج قبل أن يبدأ مواسمه، فيقبض الثمن ليعمل مطمئنًا. والاستصناع يخلق من الكهرباء والفولاذ والمخططات واقعًا ملموسًا، وينقل الحاجة إلى منتجات تُصنع خصيصًا للمستهلك أو المستثمر. والإجارة تضبط تمويل الأصول دون أن يتحمل المستأجر ما لا يلزمه، ودون أن يخرج المؤجّر عن مسؤولياته. ثم تأتي الشراكات والمضاربات والمشاركات الزراعية والصناعية لتعيد المعنى العميق لفلسفة “نتقاسم العمل والمال، ونتشارك الربح والخسارة سويًا”.

هذه الصيغ ليست نظريات جامدة، بل أدوات عملية أثبتت قوتها وثباتها عبر قرون. نجحت بها الدول، وازدهرت بها الشركات، وقامت عليها مؤسسات مالية عملاقة. وهي اليوم بين يدي كل رائد أعمال يريد أن يضمن أن مشروعه يبدأ من مكان نقي، بعيدًا عن الشبهات، قريبًا من بركة الرزق.

وعلى الجانب الآخر، يقف التمويل المحرم كهوّة سوداء، قد تبدو في ظاهرها طريقًا سريعًا، لكنها في الحقيقة سلسلة من السقوط.

فالقروض الربوية مصيدة صامتة تبدأ بابتسامة وتنتهي بغصة، وتحوّل المقترض من رائد مشروع إلى أسير دين. والسندات المبنية على الفائدة ليست استثمارًا بل شراء للوقت بالدَّين. والاحتيال وتزوير البيانات والمضاربات الوهمية وأموال الأنشطة المحرمة ليست مصادر تمويل، بل شظايا تهدم أي مشروع تُلقى فيه.

وكم من مشروعات انهارت لأنها قامت على أموال مشبوهة، وكم من شركات فقدت سمعتها وقدرتها على الاستمرار لأنها خالفت القيم قبل أن تخالف الأنظمة.

إن تحذير الشريعة من الربا والغرر والميسر ليس خطابًا وعظيًا، بل نظام حماية مالي، يحفظ المستثمر من نفسه قبل أن يحفظه من الآخرين.

هو تحذير صريح من أن الطريق غير الشرعي — حتى لو بدا قصيرًا — يحمل في داخله بذور الفساد.

وفي الوقت الذي تزداد فيه التحديات الاقتصادية، يفترض بروّاد الأعمال ألّا يختاروا الطريق الأسهل، بل الطريق الأصح. ألّا يبحثوا عن الربح المؤقت بل عن الاستدامة، وألّا ينشغلوا بزيادة رأس المال قبل أن يطمئنوا إلى نظافته. فالمال الحلال ليس مجرد مطلب ديني، بل هو عامل استقرار اقتصادي، ودرع حماية، وسبب رئيسي لنجاح المؤسسة واطرادها.

إن كل مشروع يولد من مال طيب، ويُدار بعقد واضح، ويُشغَّل بنية صادقة، يكتب الله له من البركة ما لا تصنعه الأرقام وحدها. وكل مشروع يبنى على مال محرم، ولو بدا ضخمًا ومربحًا، يحمل في داخله موعدًا مؤجلًا بالسقوط.

لهذا كانت الشريعة واضحة: رأس المال يجب أن يكون معروفًا، مشروعًا، خاليًا من الشبهات. والتمويل لا بد أن يكون قائمًا على الرضا، وعلى منفعة حقيقية، وعلى مخاطرة عادلة بين أطرافه. والتجارة لا يجوز أن تدخل في المحرمات، ولا أن تتكئ على الظلم أو الاستغلال أو الربا مهما كانت المغريات.

اقرأ المزيد

alsharq اليوم الوطني.. تجديد الولاء وتعزيز الهوية الوطنية

يحل اليوم الوطني لدولة قطر في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، بوصفه مناسبة تتجاوز حدود الاحتفال... اقرأ المزيد

66

| 14 ديسمبر 2025

alsharq التوازن السكاني.. ودوره في ارتفاع نسبة المواطنة

لم نضع أقدامنا في أي موقع خدماتي أو في المجمعات التجارية أو الأماكن السياحية الا ونجد أفواجًا بشرية... اقرأ المزيد

165

| 14 ديسمبر 2025

alsharq جائزة سمو الشيخ تميم .. نحو عالم أكثر نزاهة وعدلاً

تمثل جائزة «سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد» نموذجاً رائداً على المستوى... اقرأ المزيد

99

| 14 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية