رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يعرّف الدكتور عبد الوهاب المسيري الجماعات الوظيفية على أنها تلك المجموعات البشرية التي تقوم بوظائف خاصة، يرى أعضاء المجتمع أنهم لا يمكنهم الاضطلاع بها لأسباب مختلفة. فقد يرى المجتمع في مجموعة من الوظائف أنها وظائف مشينة ولا تحظى بالاحترام فيقبل بأن تقوم بها جماعة على هامش المجتمع وليست منه. وقد يلجأ المجتمع إلى استخدام العنصر البشري الوظيفي لملء فجوة تنشأ بين رغبات المجتمع وحاجاته من ناحية ومقدرته على إشباع هذه الرغبات والوفاء بها من ناحية أخرى. كما قد يقوم المجتمع بإسناد الوظائف ذات الحساسية الخاصة إلى أعضاء الجماعات الوظيفية.
ويمكن بطبيعة الحال تضييق نطاق هذا التعريف، بالتركيز على مستوى السلطة أو النظام، وهنا لا يقوم المجتمع ككل بتخصيص هذه الوظائف ولكن تقوم السلطة فقط بهذا التخصيص. فمن البدهي أن الأنظمة — وخصوصا المستبدة منها — تحتاج إلى جماعات وظيفية لتقوم بمجموعة أدوار لازمة لاستمرار هذه الأنظمة فى مواقعها، فقد تحتاج مثلا إلى جماعات للقيام بدور المعارضة، وقد تحتاج إلى جماعات للقيام بمهام التجسس على الآخرين، وقد تحتاج — وهذا ما نناقشه هنا— إلى مجموعات مارقة، تبرر من خلال ادعاء التصدي لها مشروعية بقائها فى الحكم، وخصوصا إذا ما كانت هذه الأنظمة تفتقر إلى أي إنجازات حقيقية على الأرض.
والفرض الأساسي في إطار هذا التصور أن ثمة دورا وظيفيا تمارسه الجماعات المسلحة بالنسبة للدول والأنظمة وخصوصا الاستبدادية منها، حيث تقوم هذه الأنظمة باستغلال مشاعر الخوف، أو خلقها خلقا إذا لم تكن قائمة، والمبالغة فى تصوير قدرات هذه الجماعات وإظهارها في صورة الخطر المحدق والوشيك الذي يهدد المجتمع والدولة. ومن هذا المنطلق الوظيفي، يمكن تصور أن أنظمة الاستبداد توظف من تطلق عليهم الجماعات الإرهابية لتحقيق أهداف معينة. صحيح أن التعاقد هنا لا يكون تعاقدا فعلياً، كما لا يشترط أن ينهض على بعد مؤامراتي، (اتفاق أو تواطؤ بين الأنظمة وبين الجماعات المسلحة أو على الأقل قادتها والمحركين لها)، ولكنه ينهض على أساس موضوعي، بحيث تستفيد الأنظمة من وجود هذه الجماعات المسلحة (التي تشتكي من وجودها طوال الوقت)، عبر الادعاء بأنها بمثابة تحد يهدد بقاء دولها، ويعترض خططها الخاصة بالتنمية والنهضة، لكي تكتسب من خلال زعم التصدي لها صكوكا للشرعية، تعوض بها ضعف أدائها أو بالأحرى فشلها فى الأصعدة الأخرى.
وتكمن فائدة مناقشة هذا الفرض في أنه إذا كنا قد استفضنا فى مقالات سابقة في الحديث عن الجماعات المسلحة، وناقشنا تنامي تأثيرها في الفترة الآخيرة، إلا أن هذا التحليل لا يكتمل إلا بتسليط الضوء على نقطة هامة تتعلق بطبيعة الدور الوظيفي لهذه الجماعات بالنسبة للأنظمة السياسية التي يفترض أنها تناصبها العداء. فبشكل أو بآخر لا تكتسب هذه الجماعات قدرتها على التأثير إلا من خلال الفساد الداخلي للأنظمة التي تعادي هذه الجماعات. فلو لم تكن هذه الأنظمة بهذه الدرجة من الفساد والاستبداد، لما كان للجماعات المسلحة أن تمارس هذا التأثير وهذا الحضور على مستوى السياسة الإقليمية والدولية.
والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو هل تستطيع أنظمة الاستبداد أن تحيا حياة طبيعية من دون إرهاب؟ ويستدعي هذا التساؤل أسئلة أخرى حول دور الأجهزة الرسمية في الأنظمة التسلطية في صناعة الإرهاب، ومدى مسؤوليتها عن انتشار ثقافة العنف بين الشباب، ذلك العنف الناتج عن غياب المعنى، واليأس من المشاركة، والإحساس بالاغتراب في الوطن. هذه التساؤلات تبدو محرمة ومجرَّمة فى إطار معظم الأنظمة المستبدة التي ينحو التناول الرسمي بها دائما ناحية التأكيد على أن الأفكار المتطرفة إنما تنشأ ذاتياً لدى معتنقيها، أو يتم استيرادها من الخارج، وأن الإرهاب إنما هو وليد أجندات يتبناها البعض رغبة فى هدم الوطن وتنفيذا لمخططات الخارج وتفعيلا لسيناريوهات حروب الجيل الرابع، إلى آخر هذه القائمة المحفوظة. أما أن يكون العنف وليد نوع معين من السياسات أو نوع معين من المحتوى الإعلامي أو نوع معين من التعامل الأمني، فهذه احتمالات غير مطروحة على طاولة النقاش، الأمر الذي يفتح الباب فعليا أمام تصديق الفرض الذي انطلقت منه هذه المقالة وهو أن للإرهاب دورا وظيفيا في إطالة أمد بقاء الأنظمة المستبدة فى مواقعها.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4041
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1731
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1575
| 02 ديسمبر 2025