رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
رغم التئام جولتي تفاوض بين وفدي النظام السوري والمعارضة ضمن مؤتمر جنيف 2 الذي انطلق في الثاني والعشرين من يناير الماضي فإن ما أفضتا إليه هو خيبة الأمل ليس للمشاركين فيه وإنما للشعب السوري الذي يدفع كلفة ثورته التي انبثقت قبل ثلاث سنوات تقريبا ضد استبداد نظام يتسم بالقدرة على توليد القهر وإعادة إنتاج أساليب الحكم التي تقوم على الديكتاتورية الفظة ورفض تفتيح ورود حدائق الحرية والهيمنة على كل مفاصل الوطن ومكامن السلطة والثروة فيه ومنحها للمرتبطين به من أفراد أسرة الرئيس وعناصره الأمنية سواء في المؤسسة العسكرية أو مؤسسة الأمن والاستخبارات فضلا عن رموز الحزب الحاكم الأوحد وطبقة رجال الأعمال التي ترتبط مصالحها باستمرار النظام بآلياته
ولعل الأخضر الإبراهيمي المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية لسوريا قد التقط هذه الحقيقة فسارع في مؤتمره الصحفي بنهاية الجولة الثانية ظهر يوم السبت الماضي إلى تقديم الاعتذار والأسف للشعب السوري عما وصفه بعدم قدرة "جنيف 2" على إحراز تقدم يصب باتجاه الآمال الضخمة والخروج من الكابوس الرهيب الذي يعيشه وفق تعبير الإبراهيمي نفسه والسؤال المحوري هو من يتحمل مسؤولية إخفاق هاتين الجولتين؟
من خلال قراءة ما ورد في تصريحات الإبراهيمي في المؤتمر الصحفي نفسه يمكن تلمس الطرف المسؤول والذي يتمثل أساسا في وفد النظام الذي أبدى قدرا كبيرا من التعنت في رفضه لكل الطروحات التي تقود إلى منطقة وسط بين مواقفه من ناحية ومواقف المعارضة فهو يقول إن التعثر الذي شهدته مفاوضات جنيف نتج عن تمسك الوفد الحكومة بمناقشة مكافحة الإرهاب قبل الانتقال إلى مناقشة أى قضية أخرى رغم أن هذا البند لم يرد ذكره في بيان "جنيف 1" الذي صدر عن اجتماعات القوى الكبرى والقوى الإقليمية المعنية بالأزمة في الثلاثين من يونيو 2012 ويشكل الإطار الحاكم لـ"جنيف 2".
كما رفض الوفد الحكومي مناقشة تشكيل البند الخاص بتشكيل هيئة الحكم الانتقالية والتي نص عليها "جنيف 1" والتي قدم وفد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وثيقة مفصلة حول تشكيلها وصلاحيتها والخطوات التفصيلية التي ستتبعها لإعادة الأمن للشعب السوري وبناء مؤسسات الدولة وإصلاح الجيش والمدهش أن الوفد نفسه رفض مقترحا من الإبراهيمي بتخصيص يوم لمناقشة وقف العنف ومكافحة الإرهاب وآخر لمناقشة تشكيل هيئة الحكم الانتقالي وهو اقتراح يتسم بالعملية والتوازن وفق قواعد التفاوض المعروفة في القانون الدولي لكن النظام يرفضه لأنه سيدفعه دفعا للبحث في محاولة تغيير بنية النظام السياسي من خلال مناقشة آليات تشكيل هيئة الحكم الانتقالية بصلاحيات كاملة سينجم عنها إعادة ترتيب وضع السلطة، والتحضير لكتابة دستور جديد وانتخابات رئاسية وبرلمانية بعد أن يكون قد جرى وقف الصراع المسلح وإطلاق سراح المعتقلين وعودة المهجرين والبدء بإعادة الإعمار وهى كلها عناصر تخصم من رصيد بقاء الأسد الذي ما زال يتطلع إلى الاستمرار في السلطة على جماجم الشعب عبر إعلانه الاستعداد للترشح للانتخابات الرئاسية التي من المقرر أن تنظم هذا العام وهو ما يتقاطع مع رفض شعبي واسع.
وحتى أكون منصفا فإن بعض دوائر المعارضة التي أخرجت من اللعبة لن تقبل بهذه العناصر التي تجردها من مقومات قوة تمتلكها على الأرض خاصة الأصولية والتي كشف النقاب عن ارتباط بعضها بنظام الأسد وفق ما ذكره الجيش السوري الحر وتحديدا ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية للعراق والشام والمعروف بـ"داعش" والذي قاتلته تنظيمات إسلامية وعسكرية أخرى لكنه يتسم بنوع من التماسك وهو ما يفسر هذا الارتباط المريب بالنظام.
ولا يخرج تفسير هذه المواقف المتعنتة للوفد الحكومي في جنيف 2 عن أنه كان معبأ بتعليمات بشار الأسد وأركان حكمه خاصة على المستوى الأمني والاستخباراتي والتي لا يمكنه تجاوزها أو القفز عليها. وتهدف بلا شك إلى إجهاض المؤتمر وهو ما تحقق بالفعل بعد جولتين شهدتا تناقضات وتباينات واضحة بين طرفي الأزمة على نحو ينبئ بأن سير الأمور خلال الجولة الثالثة وربما الرابعة والخامسة والسادسة حتى العاشرة لن تفضي إلا إلى المزيد من الإخفاق مادام النظام متمسكا بمنهجية إهدار الزمن والتي يجيدها مثل غيره من النظم الاستبدادية متكئا في ذلك على دعم لوجستي سياسىي وعسكري واقتصادي من روسيا الاتحادية وإيران وحزب الله وميليشيا شيعية عراقية الأمر الذي مكنه في الأشهر الثلاث الأخيرة من تحقيق بعض الاختراقات العسكرية في جبهات القتال مع كتائب الثوار مستغلا في الوقت نفسه الصراعات بين الفئات المقاتلة خاصة تلك التي تنتمي إلى فصائل إسلاموية تمتد جذورها إلى تنظيمات إقليمية ودولية تتسم بالتطرف وتوصف بالإرهاب.
والمؤسف أن النظام لم يكف خلال أيام التفاوض عن توجيه آلته الحربية خاصة الطائرات المحملة بالبراميل المتفجرة إلى المناطق والمدن الخاضعة لسيطرة الثوار فيتلقاها المدنيون بأجسادهم ومنازلهم فتباد وقد قتل أكثر من خمسة آلاف شخص منذ انطلاق جنيف 2 مما رفع أعداد القتلى ضحايا استخدام النظام للقوة المفرطة إلى 140 ألف شخص مع تزايد في أعداد اللاجئين بالخارج والنازحين في الداخل والذين يبلغ إجمالي أعدادهم أكثر من سبعة ملايين وفق إحصاءات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية كما أن النظام لم يستجب إلا بصورة طفيفة لإدخال المساعدات الإنسانية وفك الحصار عن المناطق المحاصرة خاصة في حمص ووصلت به القسوة المفرطة إلى حد استجواب النازحين الذين كانوا يخرجون تحت رعاية الأمم المتحدة وهو أمر يتناقض مع القانون الدولي الإنساني الذي ربما لم يقرأه الأسد أو الدوائر المحيطة به.
وبالطبع فإن المطلوب وبالذات من القوى الدولية صاحبة التأثير المباشر في الأزمة وتحديدا الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية أن تجريا تقييما موضوعيا ومنصفا لما جرى من وقائع جنيف 2 حتى الآن ويتجاوزا المصالح الضيقة التي تحيط بمواقفهما حتى الآن وينظرا إلى مكابدات شعب ومعاناة وطن وذلك يستوجب تحركا فاعلا من قبل الجامعة العربية وأمينها العام الدكتور نبيل العربي الذي يولى الأزمة اهتماما خاصا منذ توليه منصبه في يوليو2011 وفي هذا السياق أعلن عقب اتصال الإبراهيمي به هاتفيا – بعد ظهر أمس الأول - والذي أبلغه فيه بتعثر الجولة الثانية أنه سيتم اللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لبحث الاتخاذ الخطوات التي من شأنها أن تدفع بالأمور إلى مقاربة الحل السياسي وفق محددات جنيف 1 حتى لا تخرج الأزمة السورية عن السيطرة ومن ثم تدخل المنطقة كلها في جحيم سيكون من الصعب كبح جماحه في ظل اختلاط الأوراق وتداخل المصالح الإقليمية والدولية المتصارعة والتي تسعى كل منها إلى الحصول على قطعة من الكعكة السورية التي تبدت مفاصلها واضحة للعيان ولم يتبق سوى تفتيتها.
السطر الأخير:
أغزلك حقلا من قمح
نسيجا من فرح
براءة تسكن أشواقي
رحلة لقوس قزح
أسافر اليك مدفوعا من نبض لا يتوقف
ففيك العصافير ترسم إشعاعها
وتطل عليك النوارس من سواحل الأفق
كوني لقلبي متكئا
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
12759
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2463
| 16 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1770
| 21 نوفمبر 2025