رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أصبحت سياسات التيسير الكمي والتيسير الائتماني وسعر الفائدة الصفرية وسعر الفائدة السلبي للودائع والتدخل السافر في سوق الصرف الأجنبي من أهم السياسات غير التقليدية التي تتبعها غالبية البنوك المركزية في الكثير من دول الاقتصادات المتقدمة وفي مقدمتها البنك المركزي الأمريكي والياباني والبريطاني والأوروبي الذي بدأ في تطبيق سعر الفائدة صفر منذ أقل من عامين وأعقبها بسياسة التيسير الائتماني ثم سياسة التيسير الكمي بصورة كاملة اعتباراً من هذا العام، مما جعلها أدوات أساسية يعتمد عليها متخذو القرار وصناع السياسة في هذه الدول خاصة في أعقاب الأزمة المالية العالمية الراهنة.
هذا وقد حذر بعض خبراء النقد من أصحاب المدرسة المؤيدة بشدة للعملة الإلكترونية "بت كوين" من خطورة التزايد المفرط لكمية السيولة العالمية الضخمة التي ترتبت على تطبيق هذه السياسات النقدية غير التقليدية والتي قد تؤدي "من وجهة نظرهم" إلى زيادة معدلات التضخم وانهيار الدولار الأمريكي وارتفاع أسعار الذهب على مستوى العالم وفي فترة تالية إلى إمكانية زوال العملات الورقية لصالح العملات الرقمية.
إلا أن أياً من هذه التحذيرات لم تتحقق على أرض الواقع، فالتضخم مازال منخفضاً للغاية بل وآخذ في التراجع ولم تستطع أي من البنوك المركزية الكبرى إيصاله إلى المعدل المستهدف وهو 2% ليصل في معظم الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا حالياً إلى نحو 0.1% فقط، كما أن قيمة الدولار آخذة في الارتفاع مقابل جميع العملات الرئيسية الأخرى خاصة اليورو والين، وكذا مع جميع عملات دول الأسواق الناشئة، مع تراجع أسعار الذهب الذي انخفض إلى أقل من 1200 دولار للأوقية.. فيما كان الأداء الأسوأ في عام 2014 للعملة الإلكترونية "البت كوين".
ويرى الكثير من المحللين أن التوقعات الاقتصادية الخاطئة التي تبناها مثل هؤلاء الخبراء المتشددين ضد السياسات النقدية غير التقليدية إنما نتجت من خلطهم بين السبب والنتيجة، وأن تطبيق البنوك المركزية المتقدمة للسياسات النقدية غير التقليدية كان اضطراريا كنتيجة مباشرة لضعف التعافي الاقتصادي العالمي في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وكضرورة ملحة لمواجهة الانكماش المتفشي بالأسواق بسبب خطط وبرامج التقشف المالي التي طبقتها العديد من دول العالم وفي مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي.
ويرى هؤلاء المحللون كذلك وجود فجوة كبيرة بين المعروض المتزايد من السلع والمنتجات وبين انخفاض الطلب على هذه السلع والمنتجات في الاقتصادات المتقدمة، مما أضعف من قدرة الشركات على المناورة والتحكم في الأسعار ومن ثم انخفاض معدلات التضخم بالإضافة إلى تباطؤ تعافي أسواق العمل وركود أسواق العقارات وتعرض أسواق السلع للمزيد من الضغوط الانكماشية، في ظل انخفاض أسعار النفط عالميا بسبب طفرة إنتاج النفط الصخري الأمريكي، في ذات الوقت الذي تباطأ فيه النمو الاقتصادي في الصين التي تعد ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم بما عمق وزاد من مشكلة انخفاض الطلب العالمي.
مما دعا الكثير من الخبراء إلى القول بأن العالم يعيش الآن مرحلة وفرة الإمدادات وزيادة المعروض في ظل انخفاض ملحوظ وملموس من انخفاض الطلب والتي تسببت في إحداث حالة من الضغوط الانكماشية العالمية، وذلك رغم جميع عمليات التيسير النقدي والكمي التي تنتهجها العديد من الدول المتقدمة.. وذلك على عكس ما سبق وأن بشر به العالم الاقتصادي الكبير "القس د.مالتس" من زيادة أعداد سكان العالم والذين يمثلون جانب الطلب بمتوالية هندسية "2-4-8-16-32-..إلخ" فيما لن يزيد المتاح والمعروض من السلع والمنتجات إلا وفق متوالية عددية "1-2-3-4-.. إلخ" بما سوف يؤدي إلى حدوث حالات من المجاعة والحروب بين الدول للحصول على مصادر الغذاء، وبما يقضي على أعداد كبيرة من البشر ليعود التوازن من جديد بين المعروض من السلع والطلب عليها، حتى وإن كان ذلك على حساب فناء أعداد كبيرة من البشر.
إلا أن البعض الآخر من الخبراء يرون أن هذه السياسات النقدية غير التقليدية ما هي إلا وسيلة لاستمرار النمو الضعيف والركود المزمن وانخفاض معدلات التضخم، وأن تطبيق هذه السياسات بمعزل عن التنسيق مع السياسات المالية الكفيلة بمعالجة انخفاض معدلات الطلب، ستكون هي السمة الأساسية المميزة للاقتصاد العالمي الهش الذي يسود العالم أجمع وفي مقدمته اقتصادات الدول المتقدمة.
وللتوفيق بين الآراء العديدة والمتنوعة والتي تبدو أحيانا متناقضة، فقد اقترح عدد من الخبراء بعض الحلول المهمة لتفعيل هذه السياسات النقدية غير التقليدية، وفي مقدمتها توفير مجموعة من التحفيزات المالية المؤقتة، وهو الأمر الذي مازال تفتقر إليه غالبية الاقتصادات المتقدمة وإن لم تكن جميعها، مما أجبر خبراء صندوق النقد الدولي إلى حث دول الاقتصادات المتقدمة والناشئة معاً إلى إنفاق المزيد من الاستثمارات العامة في مشروعات البنية التحتية الكفيلة بتوفير المزيد من فرص العمل السريعة والكثيفة وتهيئة المناخ الملائم في ذات الوقت لاستقبال الكثير من الاستثمارات المستقبلية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4161
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1746
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1602
| 02 ديسمبر 2025