رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. وائل مرزا

د. وائل مرزا

مساحة إعلانية

مقالات

661

د. وائل مرزا

الشعب والسلطة في العالم العربي.. حتمية المصير المُشترك

18 أغسطس 2013 , 12:00ص

ثمة خطورة بالغة في الاعتقاد السائد لدى البعض بإمكانية الفصل بين مصير الشعب ومصير السلطة. بمعنى الظن أن بإمكانية التعايش بين استمرار حالة الاهتراء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي التي يعاني منها الشعب من جهة، وقدرة النظام السياسي العربي على الاستمرارية والاستقرار من جهة أخرى.

الخطير في الموضوع أن توحي بعض الأطراف الدولية، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، بإمكانية العيش في ظل المعادلة السابقة. والأسوأ من هذا كله أن تتكرر الإشارات بأن النجاح في التعامل مع القضية ممكنٌ من خلال آلياتٍ تقليدية قديمة تُزاوج بين الحلول الأمنية والترغيب المادي. أما وجه الخطر في الموضوع فيتمثل في أن تلك الأطراف الدولية لا تأبه في نهاية المطاف لمآلات الأمور على مستويي الشعب والسلطة، ببساطة، لأنها تؤمن بأن أيّ وضعٍ جديد تتمخضُ عنه الأحداث في المنطقة قابل للاحتواء سياسياً أو عسكرياً، أو بالمدخلين كِليهما.

من هنا، يبدو توزيعُ الأدوار الذي تُمارسه بعض أطراف النظام العالمي في هذه المرحلة، وبشكلٍ يكاد يكون مُبتذلاً وفاقعاً في دلالاته، أشبه بالفخّ الذي يُنصب للجميع. وإذا كان استمرار الفوضى في بلدان (الربيع العربي) هدفاً من الأهداف التي يبدو أن هناك اتفاقاً عليها، تبدو (زعزعة الاستقرار) في البلدان الأخرى وكأنها هدف آخر لما يجري حالياً في كثيرٍ من المجالات.

وهذا يؤكد الحاجة الماسّة لانتباه أصحاب العلاقة في النظام السياسي العربي إلى دلالات نوعٍ خاص من الحراك العربي السائد اليوم في معظم أرجاء الأرض العربية. فهذا النظام الذي يفتخر بقدرته الكبيرة على إحكام القبضة على أنواع النشاط الجماهيري وعلى استيعابها يبدو غافلاً عن جملة حقائق: 1) إن شرائح متزايدة من المجتمعات العربية خاصة الشابة منها أصبحت سباقة إلى فهم تكنولوجيا العصر بكل أنواعها واستخدامها لتحقيق ما ترى أنه طموحاتها ومطالبها، وهي تكنولوجيا تتغير وتتطور بشكل انفجاري من ناحية، وتكاد تصبح في أنحاء العالم بأسره المحرّك الأساسي لتغيير المجتمعات والأنظمة. 2) إن أجهزة الضبط والربط والمتابعة والرقابة للنظام الرسمي العربي تغرق تدريجياً في نفس الدرجة من الاهتراء التي يعاني منها النظام بأكمله، وأنها تنطلق في عملها في النهاية من ثقافة بيروقراطية بحتة، قد يمكن تنشيطها بين الحين والآخر بحوافز مادية، لكنها لا تملك في النهاية البُعد الرسالي الذي يتلبّس الشرائح المجتمعية بشكلٍ متزايد. كما أن القدرات الكمّية والنوعية لتلك الأجهزة لا يمكن أن تُقارِب في عطائها وإنجازها وفعلها قدرة الشرائح الجديدة التي تكبر مساحاتها على شكل متوالية عددية وتزداد إمكاناتها بشكلٍ غير مسبوق. 3) إن هذه الشرائح تعلّمت وتتعلم بشكل كبير من التجارب، الماضية منها والراهنة للأحزاب والمجموعات المعارضة التقليدية على صعيد الوسائل والأفكار، وإنها تتجاوز تلك التجارب تدريجياً وبشكلٍ لا يمكن رصده بالوسائل التقليدية. 4) وأخيراً، إن هذه الشرائح باتت تمارس نقلة في طبيعة عملها، من كونه رد فعلٍ على حدث معين، إلى أن يصبح (حالة) رفض ومقاومة شعبية للواقع ترمي إلى تغييره من الجذور بأساليب تختلف كليا عن تلك التي أتقن النظام الرسمي التعامل معها.

إن نظرة شاملة إلى الوسائل والأساليب والأفكار التي ظهرت في السنوات الأخيرة، ولكنها تكثّفت وازدادت نوعياً وكمياً بدرجة كبيرة خلال العامين الماضيين، تُظهر تطوراً ملحوظاً وإستراتيجياً في قدرة الشعوب على التعامل بشكل فعال مع أجهزة الدولة وأساليبها في استيعاب أي بذور للتغيير.

ولابد في هذا الإطار من الإشارة إلى ظاهرة جديدة تبدو ملامحها في هذه المرحلة، وقد تلعب دوراً حاسماً في عملية الفرز القادم، وما قد يترتب عليه من انحسار المشروعية السياسية والقانونية والشرعية عن النظام السياسي.

فللمرة الأولى تمكن ملاحظة المحاولات الكثيرة والواضحة لإظهار التميز بين مواقف أطراف شعبية ونخبوية من خلفيات متنوعة من جانب ومواقف أصحاب القرار من جانب آخر، وفيما يتعلق بقضايا كبرى ومصيرية. ربما لا تكون هذه الظاهرة جديدة، لكن حجمها ونوعيتها وقدرة أصحابها على ابتكار أساليب ووسائل جديدة للتعبير عنها يُعتبر مؤشراً هاماً على النقلة التي تشهدها. وتتراوح تلك الأساليب من الشكل المباشر الذي يعتمد أسلوب المواجهة الصريحة. إلى المزاوجة، المضحكة أحياناً، بين مقدمةٍ تثني على موقف النظام الرسمي، ثم أنها لا تلبث أن تقدم طروحات ومداخلات مطولة لا تتناقض كليًا مع ذلك الموقف فقط، وإنما تهدمُ بُنيانه وتنسف أسسهُ من القواعد.

كما أن البعض يعتمد إستراتيجية هدفها المعلن إفساح المجال للرأيين بشكلٍ يرفع المسؤولية عنه، لكن الطرح بمجمله يُمرّر في النهاية ما لا يمكن تمريره إطلاقاً بغير تلك الطريقة.

والمؤكد أن جميع تلك الأنواع المبتكرة من التعامل مع الموقف الرسمي العربي تلعب دوراً حساساً في خَصم وتضييق رقعة المشروعية السياسية والأخلاقية والأدبية. فالمواجهة المباشرة من قِبل البعض، وإن كانوا قلة، تشجع على رفع سقف المحرمات والممنوعات. أما الأنواع الأخرى فإنها توسع دوائر المعرفة والوعي بحقيقة ما يجري، ثم أنها تهدم في النفوس والمشاعر مع التراكم أي مقومات للهيبة والمشروعية والاحترام.

وفي نهاية المطاف، فإن الإنسان العربي يبدو وكأنه يتعلم حين يُوضع في مثل هذه الظروف الضاغطة كيف يبتكر قوانين جديدة للعبة مختلفة يقوم هو نفسهُ بوضع سياقاتها وتوازناتها ويفرضُها تدريجياً على الواقع. وهذا في حدّ ذاته إرهاصٌ لفرزٍ بين السلطة والمجتمع تُمكن رؤية ملامحه على أكثر من صعيد، خاصة ثقافياً وسياسياً.

لا مفرّ من المصارحات والمراجعات للحفاظ على ما تبقى من استقرار في منطقة ملتهبة كالعالم العربي. لا مفرّ من التفكير بحلول إبداعية تتجاوز كل أشكال الفكر السياسي التقليدي القديم. فالشعوب لا تحبُّ الفوضى ابتداءً، وهي تبحثُ عن أيادٍ ممدودةٍ لها لتُصافحها بلهفة كلِّ من يعشق الأوطان ويريد لها أن تحيا بعزٍ وكرامةٍ واستقرار.

مساحة إعلانية