رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
• انعقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة في تاريخ 15/9/2025 وجاءت عقب العدوان الإسرائيلي الجبان على الدوحة..
• في الأزمات تظهر الحقائق، وتظهر التفاصيل الخفية؛ وأثبت هذا الغدر والتصرف الأرعن والأحمق والأناني من العدو المحتل؛ مكانة دولة قطر ومكانة قيادتنا الرشيدة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ومكانة الدبلوماسية القطرية في دول العالم.. دولة محبوبة وقريبة وحكيمة.. وهو ما ظهر..
• منذ اللحظة الأولى للعدوان والقصف الذي أدى إلى استشهاد مواطن قطري وأعضاء من حماس.. توافد الرؤساء حضورا وبلغة جسد يثبت مكانة سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لدى دول العالم.. وتوالت الاتصالات تباعا، وعقد مجلس الأمن اجتماعه حول العدوان الإسرائيلي على الدوحة، وتوالت الكلمات القوية والصاروخية بحروفها المباشرة على الوفد الإسرائيلي الحاضر..
• وكانت كلمة وزير الخارجية الأردني السيد أيمن الصفدي قوية ومباشرة ومساندة.. كما كانت كلمات الوفود من دول شقيقة وصديقة..
• العالم أجمع على الوقوف مع دولة قطر وقيادتها وشعبها على هذا الإرهاب الحقيقي لإرهاب الشعوب، وزعزعة الأمن والاستقرار.. وكسر دور الوساطة ودور دولة قطر الصادق والمحوري في ممارسة دور الوسيط.
• بعدها جاءت القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة وجاء البيان الختامي مخيبا للآمال ويفتقد الجراءة في ترهيب العدو الجبان..
• جاء البيان عامًّا وطويلاً ولا يمكن قراءة ما بين السطور بسهولة، ولا ما جاء على السطور كرد وترهيب لعدو أرعن لا يتوانى من ممارسة بطشه المتواصل في القتل والقصف والتدمير الشامل لقطاع غزة المحاصر والمظلوم..
• جاءت كلمات الوفود والتي بدأت قوية في كلمة سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وكلمة الرئيس التركي السيد رجب طيب أردوغان وكلمة جلالة الملك عبدالله الثاني ملك الأردن وكلمة رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم بعدم جدوى من التنديد والبيان في استمرار العدو في ممارسة حماقته وعدوانه فوق القانون الدولي وأمام أنظار العالم وأهمية المقاطعة الاقتصادية والسياسية مع العدو الإسرائيلي.. فهو يضرب بدون عقل وبشكل أرعن ولا يهمه من يضرب وكيف ومتى وأين يقصف ويضرب..!
• كانت كلمة الرئيس السوري أحمد الشرع الموجزة رصاصة مباشرة للعدو. كان موجزاً مركزا ومميزا ختمه ببيت شعر يحمل دلالة لمن فهمها، فهو بيت شعر في سياق قصيدة ثأرية للشاعر عمرو بن براق الهمداني، وقد كان شاعرا وفارسا مغوارا ومقاتلا وعدّاء سريعا، وقال قصيدته عندما توعّد بالثأر من الشاعر تأبّط شراً الذي غزا مع قومه قومَ عمرو بن براق. ومن أبيات القصيدة:
مَتى تَجمَعِ القَلبَ الذَكِيَّ وَصارِماً
وَأَنفاً أَبِيّاً تَجتَنِبكَ المَظالِمُ
وَمَن يَطلُبِ المَالَ المُمَنَع بِالقَنا
يَعِش مُثرِيّاً أَو تَختَرِمهُ المَخارِمُ
وَكُنتُ إِذا قَومٌ غَزَوني غَزَوتُهُم
فَهَل أَنا في ذا يالَ هَمدانَ ظالِمُ
فَلا صُلحَ حَتّى تُقدَعَ الخَيلُ بِالقَنا
وَتُضرَبَ بِالبيضِ الخِفافِ الجَماجِمُ
• قمة طارئة عربية إسلامية - حتى وإن جاء البيان الختامي مخيبا للآمال - إلا أنها وقعت بحروف كلماتها وحضورها بحب دولي لقطر وقيادتها ودورهم الحكيم والدبلوماسي والوسيط في المنطقة ودول العالم والذي يسجله التاريخ لموقف ومبادرة إنسانية ودبلوماسية لدولة قطر رغم ما تتعرض له من خطر وضغط وعدم أمان للعدو....
• وتأتي زيارة سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للمملكة الأردنية الهاشمية أمس الأربعاء بعد يومين على انعقاد القمة العربية والإسلامية الطارئة في الدوحة، بأهمية استثنائية. إذ تأتي في لحظة حرجة تمر بها المنطقة العربية، وسط ظروف أمنية وسياسية شديدة الحساسية لتشكل محطة إستراتيجية مفصلية في مسار العلاقات الأردنية القطرية، وفي إعادة صياغة مواقف عربية مشتركة تجاه التحديات الإقليمية، وعلى رأسها الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة.
• توقيت الزيارة للأردن تشكل محطة تاريخية تعكس عمق الروابط التي تجمع ما بين عمّان والدوحة، ولا تنفصل عن مخرجات القمة العربية الطارئة، ولا عن موقع الأردن الجغرافي. ولا عن خطاب العاهل الأردني الملك عبدالله، حين ربط بين العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة واستهداف إسرائيل للدوحة. وهو ما يعكس وحدة الموقف الأردني القطري ويمنح الأردن موقفا قويا لتعزيز حضوره الإقليمي والدولي.
• كما أن الزيارة الرسمية للأردن تعزز قدرة الأردن على مواجهة الخطط الإسرائيلية، وتضع إمكانيات دولة قطر في تعزيز وخدمة الموقف العربي المشترك، لبناء جبهة عربية فعالة وقوية ومتماسكة ضد أي غدر وعدوان.
• تحمل الزيارة رسائل سياسية وإستراتيجية مهمة، وتؤكد أن أمن واستقرار أي دولة عربية مرتبط مباشرة بأمن واستقرار الدول الأخرى في المنطقة وأهمية التنسيق المستمر بين الدول العربية لمواجهة التحديات التي تهدد السلام والأمن.
• الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والعراق إلى جانب الدول الإسلامية مثل تركيا وباكستان وغيرها من دول عربية وإسلامية يبرز جاهزية الدول للاضطلاع بدور محوري في ترسيخ استقرار المنطقة ونصرة قطاع غزة والعدوان الغاشم الذي بات يهدد الدول سعيا وراء مخططاتهم.
• آخر جرة قلم: من رحم الشدائد تولد النصرة.. وفي المواقف تظهر المعادن، ويدرك الإنسان مكانته بين أقرانه.. فكيف بالدول التي تظهر مكانتها للعالم ودورها الإقليمي رغم صغر مساحتها.. وما كان من عدوان غاشم جبان على قطر.. إلا كشف وإيصال رسالة للعالم لمكانة قطر وحكمتها واستمرارية مواصلة الوساطة في المنطقة.. والتفات القادة بحب صادق ودعم حقيقي لقطر تأكيدا للدور ومكانة قطر.. وزيارة الأردن بلد النشامى تحمل رسائل قوية ستظهر خلال الأيام وفي المواقف تظهر معادن الرجال..
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5058
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3693
| 21 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
3651
| 24 أكتوبر 2025