رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

نائب رئيس المجلس البلدي المركزي (سابقاً)

مساحة إعلانية

مقالات

354

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

18 ديسمبر..دولة تشكّلت بثقة القيادة ووعي المجتمع

18 ديسمبر 2025 , 04:00ص

يأتي اليوم الوطني لدولة قطر في عهد حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، بوصفه مناسبة وطنية تحمل أبعادًا تتجاوز حدود الاحتفال التقليدي، لتغدو مساحة واعية للتأمل في مسار الدولة، وطبيعة التحولات التي شهدتها، والأسس التي بُني عليها حاضرها. ففي هذا العهد، ارتبط اليوم الوطني بقراءة متأنية للتجربة القطرية الحديثة، وما حملته من دروس في الصمود، وحسن الإدارة، وبناء الثقة بين القيادة والمجتمع.

لم يكن هذا العهد عابرًا في تاريخ الدولة، بل شكّل مرحلة فارقة واجهت فيها قطر اختبارات حقيقية مست جوهر السيادة والاستقلال والقرار الوطني. وقد أظهرت تلك المرحلة قدرة الدولة على التعامل مع التحديات بعقلانية واتزان، بعيدًا عن الانفعال أو الارتجال. ومن هنا، أصبح اليوم الوطني مناسبة لاستحضار تلك اللحظة التاريخية التي أعادت تعريف العلاقة بين الوطن وأبنائه، ورسخت مفهوم الاعتماد على الذات كخيار استراتيجي راسخ.

في نهج الحكم، برزت قيادة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى بوصفها قيادة هادئة، واضحة الرؤية، تؤمن بأن بناء الدول لا يتحقق بالقرارات المتسرعة ولا بالشعارات العابرة، بل بالعمل المتراكم، والتخطيط طويل المدى، والالتزام الصارم بالمصلحة الوطنية. وقد انعكس هذا النهج على أداء مؤسسات الدولة، وعلى استقرار السياسات العامة، وعلى شعور المواطن بالطمأنينة تجاه مستقبل بلاده، حتى في أكثر اللحظات تعقيدًا.

ومن السمات البارزة لهذا العهد إعادة الاعتبار لمفهوم الإنسان بوصفه محور التنمية وغايتها. فلم تعد التنمية تُقاس فقط بحجم المشاريع أو الأرقام الاقتصادية، بل بمدى انعكاسها على جودة حياة الفرد، وعلى قدرته على المشاركة في صناعة المستقبل. وقد تجلّى ذلك في الاستثمار في التعليم، وتطوير الكفاءات الوطنية، وتعزيز الهوية الثقافية، وبناء مجتمع واثق بذاته ومؤمن بدوره.

كما شهدت الدولة في هذه المرحلة تحولًا نوعيًا في رؤيتها للتنمية الشاملة، حيث جرى تحقيق توازن دقيق بين النمو الاقتصادي والاستدامة الاجتماعية، وبين التحديث والحفاظ على الخصوصية الوطنية. هذا التوازن لم يكن سهلًا، لكنه عكس نضج التجربة القطرية وقدرتها على التوفيق بين متطلبات الحاضر واستحقاقات المستقبل. ويأتي اليوم الوطني ليجسد هذه الرؤية بوصفها مسارًا متكاملًا لا إنجازات منفصلة.

وعلى الصعيد المجتمعي، تجلّى تماسك المجتمع القطري كأحد أبرز مكاسب هذا العهد، حيث أظهر المواطنون وعيًا عاليًا بطبيعة المرحلة، وقدرة على تجاوز الاختلافات، والالتفاف حول قيادة الدولة في اللحظات الحاسمة. هذا التلاحم لم يكن وليد ظرف مؤقت، بل نتيجة سياسات عززت الثقة المتبادلة، ورسخت الشعور بالمسؤولية المشتركة تجاه الوطن.

أما في المجال الخارجي، فقد نجحت قطر في ترسيخ حضورها كدولة ذات قرار مستقل، تنتهج سياسة متوازنة تقوم على الحوار، واحترام القانون الدولي، والدفاع عن مبادئها دون مساومة. وقد أكسبها هذا النهج احترامًا دوليًا، ومكانة متقدمة على الساحة الإقليمية والعالمية. وفي اليوم الوطني، يُستعاد هذا الحضور بوصفه أحد ملامح الهوية القطرية المعاصرة.

ويحمل اليوم الوطني في هذا العهد رسالة واضحة مفادها أن الاستقرار ليس حالة جامدة، بل نتاج عمل مستمر، وإدارة واعية، وقدرة على استشراف المستقبل. فالدولة التي تعرف أولوياتها، وتستثمر في إنسانها، وتدير مواردها بحكمة، قادرة على تحويل التحديات إلى فرص، والضغوط إلى دوافع للتطوير.

ولا يقتصر الاحتفاء بهذه المناسبة على استذكار ما تحقق، بل يمتد ليؤكد أن المسيرة الوطنية لا تزال مفتوحة على آفاق أوسع، وأن كل إنجاز يحمل في طياته مسؤولية جديدة. ومن هنا، يصبح اليوم الوطني محطة لتجديد الالتزام بالقيم التي قامت عليها الدولة، وتعميق الإيمان بدورها، وتعزيز الثقة بمسارها.

وفي كل عام، يؤكد اليوم الوطني أن قطر، بقيادتها وشعبها، اختارت طريق البناء الهادئ، والعمل المتزن، والرؤية الواضحة. وهو يوم يعكس تجربة دولة أدركت أن قوتها الحقيقية تكمن في وعي مجتمعها، وتماسكه، وثقته بقيادته، أكثر مما تكمن في أي عنصر آخر.

وهكذا، لا يُقرأ اليوم الوطني في عهد صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى بوصفه ذكرى تاريخية فحسب، بل باعتباره تعبيرًا متجددًا عن مشروع وطني متكامل، تشكّل بالصبر، وترسّخ بالحكمة، ويتجه بثبات نحو المستقبل، محافظًا على جوهره، ومفتخرًا بما أنجز، وواثقًا بما هو قادم.

مساحة إعلانية